حوار
فلسطين.. نزف مستمر وعطاء دائم!
الانسحاب من غزة لا يعني نهاية المقاومة
جاء اغتيال الشيخ أحمد ياسين - رحمه الله - حدثاً فوق العادة، ليس فقط
لمكانة الشيخ وفداحة المصاب، وإنما لأن اغتياله فتح الباب على مصراعيه
لتغيرات كثيرة حدثت وتحدث على الساحة الفلسطينية، ويتوقع المختصون أن
يكون اغتيال الشيخ علامة فارقة بين مرحلتين في تاريخ النضال الفلسطيني،
وتراكمت علامات الاستفهام مرة أخرى تحت عنوان «الصراع العربي
الإسرائيلي» وبات البحث عن إجابات تتسم بالمصداقية قبل الواقعية أمر لازم
للإعلام الإسلامي، وقد جمعنا قدراً لا بأس به من هذه التساؤلات وطرحناها بين
يدي الأستاذ محمد نزال العضو البارز في المكتب السياسي لحركة حماس الذي
تفضل بالإجابة عنها.
البيان: أصدرت مجموعة من سبعين شخصية فلسطينية بياناً دعوا فيه إلى
التراجع عن عسكرة الانتفاضة، وانتقدوا استخدام الصبية في عمليات جهادية،
فما ردكم على هذا البيان؟
- أنا أعتقد أن معظم الأشخاص الذين وقعوا على مثل هذا البيان شهادتهم
مجروحة، ولا يمكن للشارع الفلسطيني أن يلتفت إليهم، هؤلاء متورطون بعلاقات
تطبيعية مع الكيان الصهيوني، وهم الذين وقعوا على اتفاقية جنيف التي فرطت في
حق الشعب الفلسطيني، وبدلاً من أن يوجهوا نصائحهم للفلسطينيين عليهم أن
يوقفوا العدوان عليهم، فلا يجوز أن تكون هناك مساواة بين الضحية والجلاد، لا
يجوز أن تكون هناك دعوة للفلسطيني ألا يدافع عن نفسه، ما هو المطلوب من
الفلسطيني؟ هل المطلوب أن يرفع الرايات البيضاء؟ أن يعلن الاستسلام؟ الحقيقة
أن على هؤلاء الذين وقعوا هذا الاتفاق أن يوفروا نصائحهم ويوفروا توصياتهم،
وبكل صراحة: نحن لن نكترث بهذا البيان.
البيان: هل ترى أن مثل هذه الدعوات لها قبول في الشارع الفلسطيني؟
فعلى سبيل المثال نشرت الـ (بي بي سي) في موقعها على الإنترنت تحقيقاً
يتحدث عن رأي فلسطيني رافض للانتفاضة بدعوى طلب الاستقرار؟
- هذا ليس صحيحاً؛ الشعب الفلسطيني ليس له خيار إلا أن يدافع عن نفسه،
ونتمنى أن يكون هناك استقرار وأمن وهدوء، ولكن هل المطلوب استقرار وهدوء
وأمن من جانب واحد وهو الفلسطيني؛ في حين أن الجانب الصهيوني يواصل
عملياته العدوانية؟ أعتقد أن أي حديث عن أن هناك رأياً آخر هو حديث غير
موضوعي، ونحن نعتقد أن أي استطلاع واستفتاء نزيه في أوساط الشعب
الفلسطيني يمكن أن يجيب عن هذه الادعاءات.
البيان: كيف تقوِّمون موقف الفصائل الفلسطينية من اغتيال الشيخ ياسين؟
وهل حقيقة ما يقال إن هذا الاغتيال قرَّب المسافات بينها؟
- بالتأكيد عملية الاغتيال أوجدت حالة من التلاحم والتضامن والتكافل قلَّ
مثيلها في الشارع الفلسطيني بمختلف توجهاته الفكرية والسياسية وانتماءاته؛ حيث
شعر بالإهانة باغتيال شخصية لها مكانتها في الأمة الإسلامية؛ لهذا خرج
الفلسطينيون عن بكرة أبيهم بشتى انتماءاتهم وتياراتهم وتوجهاتهم خرجوا إلى
الشارع في مظاهرات ومسيرات يعبرون عن غضبهم وشجبهم وإدانتهم لهذا
الاغتيال، ما نأمله هو أن تستمر هذه الروح في الشارع الفلسطيني ويستمر هذا
التلاحم؛ لأن من شأن هذا أن يدفع بالقضية الفلسطينية إلى الأمام إن شاء الله.
البيان: في رأيكم هل هناك مؤشرات على أن هذا التقارب تخطَّى مستوى
المسيرات والتأييد العاطفي والمؤازرة؟
- أعتقد ذلك؛ خصوصاً أنه قبل اغتيال الشيخ كان هناك مجموعة من
العمليات التي نفذت بشكل مشترك من فصائل المقاومة، بين كتائب شهداء الأقصى،
وكتائب عز الدين القسام، وسرايا القدس، وكتائب أبو علي مصطفى، ومن
ثم فإنني أعتقد أن المرحلة المقبلة ستشهد تعاوناً أكبر وأكثر من ذي قبل.
البيان: هل هناك مؤشرات على تعامل سياسي مقبل؟
- لا أستطيع أن أقول إن هناك مؤشرات لسبب موضوعي هو أننا نتحدث
فقط بعد أيام على اغتيال الشيخ أحمد ياسين؛ بمعنى أننا لا نستطيع الآن أن نتحدث
عن مؤشرات عملية، إنما أستطيع أن أقرأ المزاج العام في الشارع الفلسطيني.
المزاج العام الآن مع تصعيد المقاومة، المزاج العام مع الوحدة الوطنية الفلسطينية
في مواجهة الاحتلال، هذا هو المزاج العام.
البيان: يقول بعض الناس إن الصهاينة يهدفون من الاغتيالات إبعاد حماس
عن مسارها الرئيس، وإغراقها في دوامة الفعل ورد الفعل، ومن ثم فإن عدم
الرد يكون أفضل للحركة؟ كيف تردون على ذلك؟
- الحقيقة أن من يطرحون هذا الطرح بكل صراحة هم يريدون أن يوصلونا
إلى هدف واحد؛ إنهم لا يريدون لحركة حماس أن تنفذ أي عملية ضد الاحتلال،
وحتى إذا لم تكن هناك عملية اغتيال. عندما تنفذ أي عملية لحركة حماس أو أي
فصيل من فصائل المقاومة يتم الحديث إما عن التوقيت أو يتم الحديث عن أن هذه
ردود فعل، وأن الهدف استدراجنا. يعني ما هو المطلوب الآن؟ هناك عمليات
اغتيال لقادة حماس، ما هو المطلوب من الحركة: هل المطلوب أن تعلن أنها لن
ترد؛ لأنها لا تريد أن تُستدرَج إلى مواجهة مع الاحتلال؟ وجود الاحتلال هو جذر
المشكلة وجذر الأزمة، ومن ثَم إذا كان الاحتلال موجوداً فإن المقاومة ستصبح
واجبة، وفي الشريعة الإسلامية هي فريضة، وبالمعنى الوطني واجبة.
من يقول بأن المطلوب هو مقاومة فنحن معه بغض النظر عن التفاصيل.
مثلاً: الذين أصدروا البيان، هؤلاء أساساً ضد العمليات العسكرية، يتحدثون عن
انتفاضة سلمية، يا أخي: الاحتلال الآن يستخدم طائرات إف 16 وطائرات
الأباتشي أمام شعب أعزل لا يملك إلا سلاحاً بسيطاً بالمقارنة مع سلاحه؛ فهل
المطلوب أن يضربونا بالطائرات ونضربهم بالورود؟ لهذا أعتقد أن من يطلقون
هذا الكلام أساساً هم ضد العمليات، ولذلك هم يحاولون الالتفاف على هذا المعنى
بطرق متعددة: مرة بحجة أن التوقيت غير مناسب، ومرة بحجة أن شارون يريد
أن يستدرجنا، وهكذا.
البيان: الموقف العربي الرسمي من جريمة الاغتيال بدا متفاوتاً، ومهزوزاً،
حتى إن بعض القادة جمع بين إنكار الاغتيال وإنكار عملية اشدود الاستشهادية،
وركز آخرون على كون الشيخ ياسين مسناً ومقعداً؛ معرضين عن حقيقة كونه
قائداً سياسياً لحماس؟ فكيف تقوِّمون هذا الموقف العربي؟
- أولاً أنا أعتقد أن جميع الحكومات والأنظمة العربية أدانت حادثة الاغتيال
بغض النظر عن تفاوت مستوى الإدانة. الأمر الآخر أنه من الواضح أن الأنظمة
العربية الرسمية الآن تمر بحالة من العجز والضعف والهوان، وهي قضية ينبغي
أن نأخذها بعين الاعتبار. الإشكالية عند كثير من الأنظمة العربية الآن أنها تحاول
أن توازن بين شعوبها التي خرجت غاضبة وحانقة على الوضع العام، وبين نظرة
الولايات المتحدة لها؛ لهذا أستطيع أن أقول بأن معظم مواقف الأنظمة العربية
تنطلق في الأساس من حسابات خوف من الولايات المتحدة، ولا شك أن هذا يؤثر
على مواقفها، فتبدو أحياناً مرتبكة أو غير متوازنة أو ليست بالمستوى المطلوب.
ورغم هذه الملاحظة فإن ما نطلبه من الأنظمة الآن هو الحد الأدنى، وهو أن لا
توفر هذه الأنظمة أي خطاب سياسي للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني.
نعتقد أن أي محاولات جديدة لزيادة جرعة التعاون أو التنسيق بين الاحتلال
والأنظمة العربية يضر بالقضية الفلسطينية، والمطلوب الآن خطوات إيجابية
وعملية باتجاه وقف عملية التطبيع مع الاحتلال، والحد الأدنى الذي نطلبه من
الأنظمة العربية: وقف عملية التطبيع، وعدم توفير قطاع سياسي للاحتلال؛ لأنه
بصراحة يتكئ ويستند في عدوانه على الشعب الفلسطيني على ضعف الموقف
العربي، ووجود علاقات بين بعض الأنظمة العربية وبينه.
البيان: هناك سؤال ربما يكون محرجاً بعض الشيء: يذكر أن حكومة
شارون أخذت ضوءاً أخضر من بعض الحكومات العربية لتنفيذ عملية الاغتيال؟
- أعتقد أن أي حديث عن أن هناك ضوءاً أخضر أُخذ من نظام عربي هذا
كلام غير صحيح، لكن لا أعتقد أن شارون لا يحتاج إلى ضوء أخضر، إلاَّ أن
شارون يكفيه الضوء الأخضر الذي يأخذه من الولايات المتحدة وحسبه ذلك.
البيان: يتوقع المراقبون في الفترة المقبلة أن تشتد الضغوط لحصار نشاط
حماس خارج فلسطين، ويشمل ذلك أعضاء المكتب السياسي؛ فهل أنتم متأهبون
لهذه المرحلة؟
- الضغوط على حركة حماس لن تتوقف لا في الداخل ولا في الخارج،
وعندما طردت الحركة كان ذلك أيضاً في إطار هذه الضغوط، وما أريد أن أقوله
إن كل شيء وارد، ولكن ما تمتاز به حركة حماس أنها ليست موجودة في بقعة
جغرافية معينة، حركة حماس الآن حركة منتشرة في كل مكان، موجودة في
الداخل وموجودة في الخارج، وهناك مؤسسات قيادية متوزعة في كل الأماكن
الأساسية، وهذا يعطي الحركة مرونة كبيرة جداً في مواجهة أي مستجدات، وإذا
كانوا يعتقدون أن الضغط الجغرافي سيدفع حماس لتقديم تنازلات، فإن حركة
حماس كلما زاد الضغط عليها كانت أكثر إحساساً بالمسؤولية، وأكثر إحساساً بأن
الوضع يستلزم منها المزيد من التماسك والتمسك بثوابتها ومنطلقاتها. ولهذا أستطيع
أن ألخص قولي بأنه من الوارد أن تتواصل الضغوط على الأنظمة العربية تجاه
محاصرة حماس، ولكن حماس لديها القدرة على أن تتكيف مع أصعب الظروف.
البيان: هل لديكم أجندة خاصة في هذا المجال بالنسبة لأعضاء المكتب
السياسي الخارجي؟
- بالتأكيد! نحن نضع ذلك في اعتبارنا، ولا بد من ذلك. نحن نحسب
حساباً لكل الاحتمالات، وهناك سيناريوهات عديدة للتعامل مع هذا الموضوع.
البيان: ننتقل من الضغط الخارجي إلى الضغط الداخلي: من المعروف أن
السلطة تبنت منذ سنوات سياسة تجفيف منابع حماس بالاستيلاء على المؤسسات
الاجتماعية والخيرية والتعليمية، وأخيراً كان قرار تجميد الأرصدة الخاصة
بالجمعيات الخيرية في غزة والضفة؛ فإلى أي مدى نجحت السلطة في تحقيق
هذا الهدف؟
- أعتقد أن تجفيف المنابع المالية يسير على قدم وساق، ليس في الداخل،
وإنما في كل مكان خارج فلسطين، وصحيح أن هذه العملية تصعِّب الأمور أمام
حماس، ولكن ما أريد أن أشير إليه أنه وبكل صراحة كلما زادت الضغوط على
حركة حماس وواجهت المزيد من المحن؛ دفع ذلك إلى الالتفاف الشعبي حولها
بشكل أكبر، ولهذا أقول: في كل محنة تتعرض لها الحركة فإن تفاعل الشعوب
يزداد، والدعم المالي الذي نأخذه من الشعوب يزداد، وأنا قد لا أذيع سراً إذا قلت
إنه وبعد حادثة الاغتيال البشع الذي تعرض له الشيخ أحمد ياسين فإن الدعم المالي
لحركة حماس زاد أكثر من ذي قبل.
البيان: هناك تفاوت في مستويات العلاقة بين حماس وفتح؛ فعلاقة القسام
بكتائب الأقصى تبدو متميزة، وهناك تنسيق واضح في العمليات، والعلاقة مع
التنظيم السياسي متوترة قليلاً وتراوح بين اجتماعات للتنسيق أو لتبادل الانتقادات،
أما العلاقة مع الأجهزة الأمنية فتصل إلى ذروة التوتر، نريد تفسيراً لهذا
التناقض في أداء فتح، وهل فتح الآن حركة واحدة أو مراكز قوى داخلية تتحرك
كلها في اتجاهات متناقضة؟
- إذا أردنا أن نتحدث موضوعياً وبدون أي حساسيات؛ أقول وللأسف إن
حركة فتح وإن كانت لها قيادتها ولها رأسها فهي تعيش الآن حالة مؤسفة من
الانقسامات، وقبل عملية اغتيال الشيخ ياسين كانت هناك مجموعة من الحوادث
والمواجهات بين أجهزة فتح نفسها، لهذا أقول إنه لا شك أن ذلك ينعكس بشكل
سلبي على الموقف السياسي لحركة فتح، وهناك مواقف لها غير منسجمة وغير
متلائمة، ولكن موضوعياً وبأمانة في حادث اغتيال الشيخ ياسين كان الموقف العام
في حركة فتح واضحاً وغير ملتبس وإيجابياً يجسم الوحدة الوطنية بشكل جيد.
البيان: ألا يُتوقع في الفترة القادمة في قطاع غزة خاصة وعلى ضوء
إرهاصات الانسحاب أحادي الجانب أن تحصل احتكاكات واستفزازات من الأجهزة
الأمنية ضد حركة حماس؟
- لا شك أن الحديث في هذا الموضوع فيه مخاوف ويقلق الجميع. هناك
مخاوف من حدوث ما يمكن أن يدفع إلى الاقتتال لا سمح الله، لكن أقول إن هناك
موروثاً وتجربة عملية منذ اتفاقيات أوسلو، حين حاول كثيرون العمل على زرع
بذور الفتنة، ولكن كان هناك قرار من حركة حماس بعدم الاقتتال الداخلي؛ ولهذا
فإن التجربة العملية فرضت ألا ننزلق ولا نُستدرَج إلى أي مواجهات فلسطينية،
وهذا حقيقة كانت له آثار إيجابية على مسيرة حركة حماس.
البيان: وهل سيظل هذا هو خط الحركة في الفترة المقبلة؟
- الخط القادم هو الحفاظ على الوحدة الوطنية، وعدم حدوث أي مواجهات،
هذا هو الخط العام.
البيان: ما هي ثوابت الحركة في قطاع غزة في الفترة المقبلة، وخاصة في
حال تنفيذ خطة الانسحاب أحادي الجانب؟
- أولاً: حركة حماس تعتبر أن أي انسحاب للعدو الصهيوني من قطاع غزة
سواء أخذ صورة شكلية جزئية أو كلية؛ لا يعني نهاية المشروع الوطني الفلسطيني،
وإذا ظن شارون أن الانسحاب من قطاع غزة يعني خروج قطاع غزة من مسيرة
الصراع معه فهو واهم ومخطئ، حركة حماس تعتبر أن هناك مشروعاً وطنياً
فلسطينياً يجب أن تحقق أهدافه؛ ولذلك فإن هذه قضية أولى بالنسبة للإخوة في
قطاع غزة.
المسألة الثانية: الوحدة الوطنية الفلسطينية لا بد من الحفاظ عليها؛ لأن أي
خلاف يؤدي - لا سمح الله - إلى اقتتال معناه إحباط المشروع الوطني الفلسطيني.
أعتقد أن هذه أولويات الحركة، وبالتأكيد فإن استمرار المقاومة هو أيضاً في مقدمة
أولويات الحركة؛ بمعنى أننا يمكن أن نقول إن عندنا ثلاثة ثوابت هي:
1 - المقاومة ضد الاحتلال.
2 - أيُّ انسحاب من قطاع غزة لا يعني نهاية المشروع.
3 - تأكيد الوحدة الفلسطينية وعدم الانقسام الداخلي.
البيان: لو انتقلنا من غزة إلى الضفة نلاحظ أنه بعد حركة الاغتيالات
والاعتقالات لقيادات الضفة الغربية، مثل: الشيخ جمال منصور والشيخ جمال
سليم رحمهما الله، والشيخ حسن يوسف، نلاحظ أن نشاط الحركة في الضفة قد
خفت إلى حد كبير حتى على مستوى العمليات الاستشهادية؛ فهل هناك تفسير
لذلك؟
- من حيث المبدأ الوضع العام للضفة وضع جيد، ولكن كما تعلم أن الضفة
الغربية تعرضت لاجتياحات وحشية متواصلة لم يلتقط فيها الشعب الفلسطيني أنفاسه
على الإطلاق خلال انتفاضة الأقصى، ولهذا فإن حركة حماس كما هو واقع
الفصائل الفلسطينية كلها تواجه لا شك حملة انقسام كبيرة ومتواصلة، ولكن لا تزال
هناك عمليات تنطلق من الضفة الغربية؛ لا تزال المقاومة مستمرة على تفاوت،
وأنا أعتقد أنه عندما نتحدث عن حركة واحدة ومتكاملة في الضفة الغربية وقطاع
غزة فإننا نتحدث عن أن كل منطقة تسند الأخرى؛ بمعنى أنه إذا كان الوضع داخل
قطاع غزة صعباً فإن الضفة الغربية تقوم بواجبها والعكس، وهذا هو السر في أن
المقاومة مستمرة. وإن حركة حماس لا يزال لها حضورها رغم كل الضربات التي
تعرضت لها؛ حركة تقدم مؤسساتها وتقدم قياداتها: جمال منصور، وجمال سليم،
وصلاح الدين، وفي قطاع غزة د. إسماعيل أبو شنب، وصلاح شحاته،
وإبراهيم المقادمة.
ستة من خيرة الشعب الفلسطينى تقدمها خلال فترة وجيزة جداً إضافة إلى
القيادات العسكرية الأخرى من محمود أبو هنود ويوسف ال ... وغيرهم من
القيادات العسكرية. حركة تقدم هذه الأركان من الشهداء فضلاً عن آلاف الأسرى
الموجودين في سجون الاحتلال ولا تزال صامدة فإن ذلك يعني أن هناك سراً
موجوداً، وهذا السر في رأيي: أولاً: أن هذه الحركة تدفع ثمناً باهظاً في بناء
أبنائها وهي التي تواصل الطريق وتشعل نار المقاومة. والأمر الآخر: أنها حركة
منتشرة في كل قرية ومخيم ومدينة فلسطينية.
البيان: في مواجهة تعاظم الدورين العسكري والسياسي للحركة، ما هي
وضعية النشاط الدعوي، وهل حدث له تراجع؟
- تكاد تكون حركة حماس هي الحركة الوحيدة التي استطاعت أن تنجح في
جميع المجالات سواء في المجال العسكري أو المجال الاجتماعي أو المجال الدعوي؛
فهذا الاستقطاب من أعداد المجاهدين لم يكن إلا لأن الحركة إضافة إلى عملها
المقاوم منخرطة ومتغلغلة في صفوف الشعب الفلسطيني اجتماعياً ودعوياً. العمل
الدعوي لم يتوقف وهو موجود، ومسيرته تزيد وتنقص حسب المعطيات والظروف؛
لكن ما ينبغي إدراكه أن الدماء والتضحيات هي جزء من العمل الدعوي؛ لأن
العمل الدعوي والتربوي يبقى عملاً منقوصاً دون قدوة، ولا أظن أن هناك قدوة
عملية أكبر من الدماء، والدماء والتضحيات هي الرد العملي، وهي التربية العملية
التي تؤكد بشكل واضح تماماً أن الذين يتحدثون ويعظون ويدعون الناس إنما هم في
مقدمة ما يدعون إليه.
البيان: بعد اغتيال الشيخ كان هناك عدة تصريحات اعتبرت نوعاً من تحميل
الحركة للكتائب فوق طاقتها، مثل: المعركة مفتوحة، ثورية الرد، الدعوة إلى
اغتيال شارون، الحرب مزلزلة، هناك عمليات نوعية غير مسبوقة، أليس ذلك
تحميل لكتائب القسام فوق طاقتها في ظل الحصار؟
- بداية لا شك أننا ندعو الله أن يعين الإخوة في كتائب القسام؛ فالآمال
المعقودة عليهم كبيرة، والكل يطالب كتائب القسام بالرد، وما أريد أن أقوله لكل
جماهير الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية: عليكم أن تلتمسوا للإخوة في
كتائب القسام العذر، وعليكم ألا تمارسوا ضغوطكم عليهم. أولاً: كتائب القسام
عودتنا على أنها إذا قالت فعلت، وأن لها من المصداقية ما يعرفه الجميع؛ ولذلك
فإن المطلوب أن نصبر على الإخوة في كتائب القسام حتى يكون الرد مدروساً
وموجعاً. أما التصريحات التي تنطلق ففي رأيي أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار
الأجواء المحيطة بها، الأجواء العاطفية والمشحونة من زاوية، ومن زاوية ثانية أن
هناك جدية في الرغبة في الرد، بمعنى أن التهديد لا ينطلق من فراغ ولا من ترف،
إنما ينطلق من رغبة حقيقية هي الرد، ولكن كما قلت أحياناً تكون تصريحات لا
بد من أخذ الظروف المحيطة في عين الاعتبار.
البيان: بعض الناس يقول إن الانتفاضة وإن كانت مستمرة حتى الآن؛ إلا
أنها على المستوى السياسي نجد أن أكثر الافتراضات الحالية إيجابية لا تصل
بالفلسطينيين إلى ما كانوا عليه قبل الانتفاضة؛ فهل يعتبر هذا حكم على
الانتفاضة بالإخفاق، أم أن الانتفاضة لا تزال حبلى بالمفاجآت؟
- أعتقد أن الانتفاضة لا تزال تعمل المفاجآت، ولا تزال قادرة على
الاستمرار. الانتفاضة هي فعل مقاوم يتفاوت بين أعلى الدرجات وهو استخدام
القوة المسلحة، وأدنى الدرجات وهو استخدام الحجارة، والانتفاضة لن تتوقف في
لحظة من اللحظات؛ تتراوح بين المظاهرات والمسيرات واستخدام الحجارة وقنابل
المولوتوف، والنقطة الأعلى هي استخدام القوة المسلحة، لهذا علينا أن نكون
متفائلين - إن شاء الله -. أبناء الشعب الفلسطيني الذي خرجت جماهيره تعلن
مواقفها وتعلن رفضها وحزنها وألمها، هذه الجماهير قادرة - إن شاء الله - على أن
تستمر في هذه المسيرة.
البيان: ننتقل إلى حركة فتح مرة أخرى: هناك علامات استفهام تتعلق
بمستقبل الحركة، ومنظمة التحرير، والسلطة خاصة بعد رحيل عرفات، بعض
الناس يفسر خطة الانسحاب أحادية الجانب أنها خطوة استباقية من الجانب
الإسرائيلي لمرحلة ما بعد عرفات، وأن الجانب الصهيوني يمهد الأرض في غزة
والضفة لسيطرة مراكز القوة التي في السلطة بعد الانسحاب، لن تكون هناك بعد
الانسحاب وبعد رحيل عرفات سلطة مركزية؛ ولكن ستكون هناك مراكز قوى
تغذي بيئة الصراع؛ فما رأيكم في هذا الطرح؟
- من المؤسف أن أقول إنه ما لم تكن هناك إصلاحات حقيقية وجذرية عند
الإخوة في حركة فتح فإن الأمور ستكون مفتوحة على مصراعيها أمام أوضاع غير
محسوبة. المطلوب تعميق الديمقراطية، المطلوب الإصلاح التنظيمي الإداري
والمالي عند الإخوة في حركة فتح، أنا أقول ذلك ليس من موقع أنني عضو في
حركة فتح، وإنما أقول من موقع الصديق ومن موقع المحب، حركة فتح كانت في
يوم من الأيام هي الحركة الأولى في الشارع الفلسطيني، أريد لحركة فتح أن تعود
إلى ما كان عليه الأمر سابقاً؛ لهذا أتمنى أن تصحح حركة فتح مسيرتها لتعود
حركة تمارس الديمقراطية، تمارس المؤسسية حتى لا تترك الأمور باتجاهات غير
محسوبة، وتحتمل كل الاحتمالات السيئة في المستقبل.
البيان: ردة الفعل الجماهيرية على اغتيال الشيخ ياسين هل تجدونها كافية؟
- لا شك أن ردة فعل الجماهير العربية ردة فعل ممتازة، وكانت تتناسب مع
حجم الجريمة، ولكن نحن عندما نقول ردة فعل فتحدث ردة فعل عن ردة فعل
مباشرة؛ المطلوب هو أن تطور الجماهير العربية والمسلمة ردة فعلها، بالمشاركة
في فك الحصار عن حركة حماس، وهذا لا يتأتى إلا بالدعم الذي تقدمه هذه
الجماهير سياسياً وإعلامياً ومادياً، وبرأيي هذه من شأنها أن ترفع الحصار عن
حركة حماس.
البيان: نريد تحديداً أكثر للدور المطلوب من الجماهير؛ فالملاحظ أنه في
بعض المظاهرات خرجت كتائب القسام بالانتقام، الذهنية العربية تنتظر وتراقب ما
تفعله كتائب القسام؟
- كتائب القسام على العهد مع الجماهير - إن شاء الله -، وستقوم بواجبها
المطلوب منها، لكن المطلوب أيضاً من هذه الجماهير أن تقوم بواجبها، قامت
بواجبها المعنوي والإعلامي والسياسي، مطلوب أن يستمر هذا الأداء الواجب،
وأن يستمر الواجب الآخر وهو الدعم المالي حقيقة؛ لأنه كما ذكرت لك هناك حالة
من تجفيف المنابع المادية، هناك حصار على الحركة يتطلب من الجماهير أيضاً
أن تقوم بواجبها؛ لأنه لا يجوز أن تطلب من جهة فقط أن تقدم أقصى ما عندها
وأغلى ما عندها وهي الدماء؛ فالذي يريد أن يطلب من حركة أن تقدم الدماء أيضاً
عليه أن يطلب من نفسه أو يحدد ما هو المطلوب من ذلك.
البيان: فيما يتعلق بالجانب المالي ما صدر في بريطانيا؛ هذه التصريحات
التي صدرت في أكثر من بلد، هل قادة الحركة يملكون كل هذه الأرصدة المنتشرة
في بلدان كثيرة؟
- الحقيقة أن الولايات المتحدة وجميع الأنظمة والحكومات في العالم تدرك
جيداً أنه ليس هناك بنك أو مصرف يحتوي على أرصدة مالية لحركة حماس أو
بأسماء قادة حماس الذين يزعم أنه جمدت أرصدتهم، هذه الخطوة في تقديري هي
خطوة ذات بعد معنوي؛ بمعنى أن الولايات المتحدة تريد أن تسهم في الحملة ضد
حركة حماس، وجزء من هذه الحملة الموضوع المالي، والولايات المتحدة ماذا
فعلت بعد أن أعلنت عن تجميد حسابات قيادات حماس؟ طلبت من جميع الدول في
العالم القيام بهذه الخطوة، بعض هذه الدول قام وبعضها لم يقم، إلا أن بعض الدول
قالت إنه ليس هناك لدينا أرصدة، عندما تقوم بلد مثل اليابان بهذه الخطوة؛ أظن
أنه حتى العرب ليس لديهم أرصدة في اليابان، أنا أعتقد بصراحة أن هذه إجراءات
سخيفة، وأسخف هذه المواقف جاء من حكومة بريطانيا. تخيل أنه بعد يومين من
حادثة الاغتيال وجدنا الخطوة البريطانية بتجميد أرصدة خمسة، طبعاً كان يتوقع أن
يضاف الشيخ ياسين، وكان عيباً عليهم أن يضعوا اسمه وإلا فستكون مهزلة، ومن
ثَمَّ ما الذي حدث؟ الذي حدث: نقص العدد واحداً، وضعت أسماء الخمسة وجمدت،
لو سألنا: لماذا فعلت الحكومة البريطانية ذلك؟ في تقديري أنه جزء من محاولة
صرف الأنظار؛ فكل الأنظار متوجهة إلى إدانة الكيان الصهيوني، وهنا تريد
الحكومة البريطانية المشاركة في البازار الأمريكي في دعم وإنقاذ ماء وجه الكيان
الصهيوني، لهذا أرادوا من هذه الخطوة القيام بهذا الإجراء. إذن ما أستطيع أن
أقوله هو أن تجميد الأرصدة هو إجراءات سخيفة ولا مسوغ لها.
البيان: على صعيد العلاقات الأوروبية مع الحركة، ذكرت بعض التقارير،
وخاصة بعد تصريحات الدكتور الرنتيسي بأن حركة حماس ليس لها غرض في
مواجهة أمريكا، ذكرت أن هناك بعض الجهات الأوروبية تحاول فتح قنوات
اتصال بين الحركة وبين الولايات المتحدة من أجل إعادة رسم وضعية جديدة
يمكن فيها استيعاب الحركة سياسياً في غزة بعد انسحاب الكيان الصهيوني؛ فهل
هذا صحيح؟
- كما ذكرت في السابق أن حادثة اغتيال الشيخ ياسين لم يمض عليها بضعة
أيام، وأعتقد أن الأيام الماضية كانت مزدحمة بالمسيرات والمظاهرات وتلقي
العزاء، كان لا يمكن الحديث في هذا الشأن. حقيقة لم تحدث أي اتصالات مع أي
جهة أوروبية. نحن من طرفنا كنا على علاقة مع كثير من الجهات الأوروبية، ولم
تتوقف حتى بعد إدراج حماس على لائحة الإرهاب، ولن تتوقف هذه الاتصالات.
البيان: كيف تقومون الموقف الأوروبي بعد إدراج حماس على قائمة
الإرهاب، واستنكار حادثة الاغتيال استنكاراً خجلاً كما يقولون؟
- إذا أردت أن أكون موضوعياً؛ فإن الموقف الأوروبي أقل سوءاً من موقف
الإدارة الأمريكية، ولكن أيضاً لا يمكن الحديث عن موقف أوروبي واحد؛ بمعنى
أنه أيضاً هناك مواقف دول موالية للموقف الأمريكي وأمريكية أكثر من أوروبيتها،
وهذا رأيناه في الموقف من العراق من الحرب والعدوان على العراق واحتلاله،
لهذا لا يمكن القول إن هناك موقفاً أوروبياً موحداً. في نفس الوقت أنا أعتقد أن
الموقف الأوروبي بشكل عام غير حقيقي، أي ليس نابعاً من حساباته الذاتية إنما هو
من الأساس نابع من الضغوطات الأوروبية، إنها مسؤولة أولاً وأخيراً عن هذا
الموقف. لكن نرى أنه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أنه لا بد من الإبقاء على علاقات
مع دول أوروبية؛ لأن هناك إمكانية لتصحيح هذا الموقف بعكس الموقف الأمريكي
برأيي، أعتقد أنه يصعب إن لم يكن يستحيل تغيير وجهته في المدى المنظور.
البيان: على الجانب السياسي مع الكيان الصهيوني بعضهم ينسب كل
التطورات المأساوية في العام الأخير على وجه التحديد إلى الطابع الشخصي لأداء
شارون السياسي؛ فهل يعني ذلك أنه لو..............؟
- التعويل على أسماء معينة أثبت أنه غير صحيح؛ ففي يوم من الأيام كان
رابين، وذهب رابين، وجاء بيريز فارتكب مجزرة قانا، ذهب بيريز وجاء
نتنياهو، وذهب نتنياهو، وجاء باراك، وذهب باراك، وجاء شارون، وفي كل
مرة يكون هناك تعويل على أن الشخص الذي يأتي يمكن أن يكون أفضل من
السابقين أو أقل سوءاً. الوقائع أثبتت أن جوهرالسياسة الصهيونية واحد، قد يكون
هناك درجات من الاختلاف؛ هذا صحيح، ولكن في الجوهر السياسة واحدة.
البيان: لتوضيح الرؤية للقارئ العربي المسلم المتعاطف مع الحركة؛ نريد
أن تذكروا لنا التوصيف القيادي الحالي لقادة الحركة بدءاً من قائدها العام،
وانتهاء بأعضاء المكتب السياسي في الداخل والخارج؟
- أولاً: الهيكلية القيادية عند حركة حماس: هناك مكتب سياسي، هذا
المكتب السياسي يمثل القيادة العليا بحركة حماس، وهو يمثل في الخارج والداخل.
رئيس المكتب السياسي هو الأخ خالد مشعل، وهو المسؤول الأول أو المرجعية
الأولى لحركة حماس.
هناك قيادة في قطاع غزة، وهناك قيادة في الضفة الغربية. المسؤول في
قطاع غزة د. عبد العزيز الرنتيسي، وطبعاً بالاختيار، حيث اختاره مجلس
شورى قطاع غزة.
المسؤول في الضفة الغربية غير معلن بسبب يتعلق بالظروف الأمنية في
الضفة الغربية فنتيجة الضربات التي تعرضت لها الحركة رأت الحركة عدم
الإعلان عنه. هناك آليات معينة، نحن لا نحب الحديث عنها في التواصل بين
هذه الحلقات القيادية الثلاثة: قطاع غزة، الضفة الغربية، الخارج. وفي القرارات
ذات الطابع الاستراتيجي يتوافق القادة في الداخل والخارج على هذه القرارات،
سواء فيما يتعلق بالمقاومة أو ما يتعلق بالسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير،
الموقف من اتفاقيات سياسية يتم الإعلان عنها، هذه القضايا يتم التوافق عليها بين
هذه الحلقات القيادية السياسية.
البيان: من هم أعضاء المكتب السياسي المعلنون؟
- هناك الأخ د. موسى أبو مرزوق، العلمي، محمد نزال، إبراهيم روشة،
سامي خاطر، عبد العزيز العمري، هؤلاء من الخارج، هناك أعضاء في الداخل،
ولكن نتيجة للظروف الأمنية لا يتم الإعلان عنها ما عدا الأخ عبد العزيز
الرنتيسي.