البيان الأدبي
مسرحية
محمد علي البدوي
- هل أتاكم حديث موسى؟!
المنظر
أمام مسجد قرطبة العظيم يظهر موسى بن نصير متوشحاً سيفه يتأمل روعة
البناء ودقة التصميم، يدخل فجأة موسى بن أبي غسان يضع يده على كتفه الذي
يثعب بالدم والسيف باليد الأخرى ...
موسى: يا الله.. يا لروعة البناء!
ابن أبي غسان (يدخل فجأة وهو ينزف) : آه.. أ ... أ.. السلام عليك يا
أخا الإسلام!
موسى (فزعاً) : ورحمة الله وبركاته.. ما الذي أصابك يا بني؟
ابن أبي غسان: لا شيء.. جرح وسيندمل.. ولكن أنت!! ما الذي شغلك
عن المواجهة؟
موسى (يساعده في الجلوس) : وأي مواجهة؟ .. هل بدأت الحرب؟
ابن أبي غسان: بدأت!! الحرب توشك على نهايتها.. ولم يتبق لنا سوى
غرناطة؟
موسى: غرناطة! ماذا يحدث هنا؟
ابن أبي غسان: من أنت يا سيدي؟
موسى: أنا موسى بن نصير.
ابن أبي غسان: يا الله!! موسى بن نصير الفاتح العظيم.
موسى: لا عظيم إلا الله.. ومن أنت؟
ابن أبي غسان: الأمير موسى بن أبي غسان.. قائد المقاومة المسلحة في
غرناطة.
موسى: مقاومة فقط! .. وأين جيش الإسلام؟! لقد تركناها لكم مؤمنة موحدة.
ابن أبي غسان: إيه يا موسى.. إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك؟
موسى: ويلكم.. ثكلتكم أمهاتكم.. وأين هو أميركم؟
ابن أبي غسان: وما أضاعها إلا أمراؤها.. إنه يختبئ كالفأر المذعور في
جحره.
موسى: لا حول ولا قوة إلا بالله.. رحماك يا رب!
ابن أبي غسان (يأخذ في النهوض) : ادعوا لنا يا موسى.. فالأعداء على
أسوار غرناطة.. الوداع.
موسى (متشبثاً به) : وأي أعداء؟!
ابن أبي غسان: إيزبيلا، وفرناندو.. لقد ابتلعوا البلاد.. ولم يتبق لنا سوى
غرناطة.
موسى بن نصير: وهل ستقاتلهم وحدك يا موسى؟
ابن أبي غسان: الله معي.. ولن يخذلني.. إما النصر وإما الشهادة.. الوداع!
(يخرج) .
موسى: بورك فيك يا بني.. امض إلى نصرك أو شهادتك.
(يدخل الشاب موسى وتبدو عليه آثار المدينة الحديثة والتقليد الأعمى
ويأخذ في الهذيان كالمخمور)
الشاب موسى (يشير لموسى بن نصير) : إيه.. أنت.. هل أنت مرشد
سياحي؟
موسى: ويلك.. انظر ماذا تقول؟
الشاب: أنت تجيد العربية إذن.. جميل.. جميل.
موسى: أنا عربي مسلم.. من بلاد الله.
الشاب: وما الذي جاء بك إلى بلاد بني الأصفر.. أيها المسلم؟
موسى: جئنا لننشر دين الله.. في أرض الله.
الشاب: على فرعون يا هامان! .. لقد جئت من أجل حسناوات بني الأصفر.
موسى: أنت معتوه ولا شك!
الشاب: ها.. ها.. كلنا في الهواء سواء.. لا بأس.. سأدلك على حاناتهم.
موسى (في نفسه) : لا حول ولا قوة إلا الله.. الرجل مخمور.
الشاب: ماذا تقول؟ .. منصور.. اسمك منصور.
موسى: أنا القائد المسلم.. موسى بن نصير.
الشاب: موسى.. أبو نصير.. وأنا أيضاً موسى.. ولكن أين طارق بن
زياد؟! .. يبدو أنه سبقك إلى الداخل (يغمزه في جنبه) .
موسى (شاهراً سيفه) : تأدب يا هذا.. وإلا..!
الشاب (في رعب) : ما.. ما هذا.. سيف.. يبدو أن الأمر جد لا هزل فيه!
موسى: وهل جئنا إلى هذه البلاد من أجل الهزل والعربدة.. كما تفعلون..
الشاب (متوسلاً) : أ.. أ.. المعذرة يا سيدي.. كلنا يفعل ذلك.
موسى: سحقاً لكم.. تهزمكم شهواتكم.. وتريدون النصر على أعدائكم.
الشاب: و.. و ... وماذا تريدنا أن نفعل؟
موسى: ويلكم.. وهل نسيتم دوركم في الحياة.. عمارة الأرض بشرع الله.
الشاب: فاستسلمتم وركنتم إلى الدنيا.. ورضيتم بالذل والعار.
الشاب: حتى حين.. حتى حين يا سيدي.
موسى: حتى يتمكن الأعداء من رقابكم.. أم تسعى إليكم أجالكم؟
الشاب:.....
موسى: كم هو الفرق واسع.. بين موسى الذي يسعى إلى حتفه وموسى الذي
يسعى إلى شهوته؟
الشاب: وهل هناك موسى غيرنا.. يا سيدي؟
موسى: الأمير موسى بن أبي غسان.. حتى أجدادكم وأبطالكم تنكرتم لهم!
الشاب: هوّن عليك.. يا سيد موسى!
موسى: سأفعل.. يبدو أنني جئت في الزمن الخطأ وفي المكان الخطأ (يهم
بالخروج) .
الشاب: هل ستغادرنا يا موسى؟
موسى: يبدو ذلك.. ولكن دعني أقدم لك هذا السيف (يناوله) فقد تحتاج
إليه يوماً ما.. الوداع!
(يعود موسى بن نصير إلى يمين المسرح ويقف كتمثال قديم من صخر
بينما يتأمل الشاب السيف ويعود إلى هذيانه)
الشاب (يضحك) : ها.. ها.. سيف!! ما كل هذا العنف يا موسى؟ حسناً
.. سأعود به إلى البلاد فقد أبيعه بثمن باهظ فهو كنز أثري لا يقدر بثمن.. وقد
أحتاج إليه فعلاً عندما أمتطي صهوة فرسي الأبلق.. وأشق الصفوف.. مكبراً: الله
أكبر.. يا خيل الله اركبي.. ها.. ها.. ها!
(يدخل مجموعة من الجنود يتقدمهم الضابط ويحيطون بالشاب)
الضابط (يشير إلى الشاب) : إنه هنا.. اقبضوا عليه بالجرم المشهود.
الشاب (مرعوباً) : أ.. أ.. أنا.. وماذا فعلت؟
الضابط: نحن من قسم مكافحة الإرهاب.. وكنا نراقبك منذ دخولك البلاد..
فأنت عربي ومشبوه في بلادنا.
الشاب: أ ... أ ... أنا.. أنا.
الضابط: نعم أنت.. كنت تخطط لعمل إرهابي كبير.. وهذا السيف هو أداة
الجريمة.
الشاب: إنه.. إنه سيف موسى بن نصير.. لقد كان هنا منذ فترة.
الضابط (يشير إلي تمثال موسى بن نصير) : لعلك تقصد هذا التمثال
الحجري.
الشاب: تمثال!! ومتى أصبح تمثالاً؟
الضابط: أيها المعتوه.. تتظاهر بالجنون.. (للجنود) : خذوه.
الشاب: صدقوني.. إنه سيف موسى بن نصير.. إنه موسى بن نصير..
انطق يا موسى.. تكلم يا بن نصير..!
(يقتادونه إلى الخارج، تخف الإضاءة تدريجياً)
ستارة