المسلمون والعالم
أسامة بن سعيد آل دبيس القحطاني
بعد أن ضُرب العراق في عام 1991م ودُمّر تدميراً كاملاً، وقُتل من جيشه
فقط قرابة المائتي ألف، وانتهت تلك القوة العسكرية التي كانت تهدد مَنْ حولها،
وأصبحت هباء منثوراً لم تكتف أمريكا بذلك؛ بل فُرض على العراق الحصار
الكامل لعدة سنوات إلى أن أتت فكرة النفط مقابل الغذاء بعد أن مات من الأطفال
فقط مليون طفل بسبب الجوع والمرض، وفُرض على العراق حظر جوي داخل
بلده شمالاً وجنوباً، وفي الوقت نفسه يحق لطائرات أمريكا وبريطانيا أن تجوبه
شرقاً وغرباً بدون أي استئذان، مما أثار في ذلك الوقت فكرة تقسيم العراق إلى
ثلاث دول، ولكن هذه الفكرة لم تنجح، بل استطاع حزب البعث لملمة الأمور
ومحاولة تسييرها ودفعها بقدر الاستطاعة، وفعلاً تجاوزوا الأزمة، وبدا تحسن في
اقتصاد العراق وبنيته التحتية، وبدأت الدول تخرق الحظر علناً للضغط على أمريكا
لفك الحصار عن العراق والاستفادة من خيراته، إلا أن ذلك لم يلبث طويلاً حتى
أتت واقعة 11 سبتمبر، فهاجت أمريكا وماجت وضربت أفغانستان، ثم ما لبثت أن
أعادت المخطط القديم لاحتلال العراق فاحتلته، ويا ترى هل تمضي في ذلك؟!
وهل ينتهي الأمر إلى التقسيم؟! وهل هناك ضحية أخرى عقب حرب العراق؟!
* القوى العراقية ومواقفها من الاحتلال:
أولا: الأكراد في الشمال:
للأكراد قوتان رئيستان هما: الحزب الديمقراطي الكردستاني ويرأسه مسعود
البرزاني , والاتحاد الوطني الكردستاني ويرأسه جلال الطالباني , وكلا الحزبين
له مطامع وأهداف عرقية بحتة استغلها الأمريكان , وتحالفوا معهما فيما يخص
الشمال , مما أثار حفيظة تركيا خشية تنامي النزعة العرقية لدى الأكراد فيها.
ورغم محاولة أمريكا طمأنة تركيا إلى عدم إرادتها فصل الشمال عن العراق
وعدم سيطرة الأكراد على حقول النفط الغنية في الشمال , وأنها ستقوم بمطاردة
حزب العمال الكردستاني الذي له نشاط داخل تركيا؛ إلا أن هناك نوايا مخبوءة لا
يمكن أن تخفى على المتابعين.
ففي 27/3/1424هـ كشف مصدر كردي مسؤول لمراسل وكالة أنباء الشرق
الأوسط أن (بريمر) الحاكم المدني الأمريكي للعراق وافق على طلب الزعماء
الأكراد (البرزاني والطالباني) بإزالة كافة أثار العروبة والتعريب , وبسط نفوذهم
في كركوك - المدينة الغنية بالنفط - وذكر أن هذه الموافقة جاءت تأكيدًا لموافقة
سابقة حصل عليها من غارنر (الحاكم العسكري الأمريكي السابق) .
وفي 21/6/1424هـ - 19/8/2003 أعلن البرزاني في صحيفة الجمهورية
أن الإقليم الكردي لن يستخدم العَلَم العراقي الذي صممه حزب البعث!
وقال: «ينبغي أن يستند - الوضع الجديد - على مبدأ الاتحاد الاختياري بين
دولتين فيدراليتين: عربية وكردية» .
وذكرت مصادر عسكرية تركية لوكالة الأنباء السعودية (واس) في 25/7/
1424هـ - 22/9/2003م أن القوات الأمريكية بدأت بشكل سري تدريب 1200
من عناصر ومقاتلي حزب العمال!
وهناك تصريحات كثيرة في مسألة الحكم الفيدرالي للأكراد في الشمال
ومحاولة تشريعه وترسيخه؛ إلا أن هناك عوامل كثيرة تحول دون اكتمال هذا
المشروع منها:
معارضة تركيا الشديدة لهذه الفكرة , وكذلك جميع الدول المجاورة بدءًا من
إيران شرقًا وانتهاء بسوريا غربًا وزيارة الرئيس السوري الأخيرة لتركيا دليل على
ذلك.
ومنها عدم استقرار الوضع في أجزاء من الشمال مثل كركوك والموصل
ووجود عمليات للمقاومة فيها , وتدمير خطوط أنابيب النفط فيها بشكل مستمر مما
يؤدي إلى عدم الاستفادة من رجيع تصدير النفط من قبل الاحتلال وحلفائه في
الحزبين الكرديين وعرقلة الأهداف التي يريدونها.
وفي هذه المنطقة أيضًا تنشط جماعة أنصار الإسلام في أعمال المقاومة
للمحتلين كما صرح بذلك عدد من المسئولين الأمريكان، ولكن للأسف فقد أصبح
استقلال الشمال أمر شبه واقع من قبل الاحتلال بفضل الدعم الأمريكي له.
وهناك برلمان كردي أعيد توحيده عام 2002م من خلال ضغط أمريكي على
الحكومتين (أربيل - السليمانية) وهناك مشاركة نسبية من الاتحاد الإسلامي
الكردستاني في هذه الحكومة، ورغم كونه إسلاميًّا إلا أنه يؤيد إقامة كيان كردي
يرتبط مع بغداد بعلاقة فيدرالية وكذلك يعتبر نفسه حزبًا كرديًّا بالدرجة الأولى [1] .
ثانيا: السنة في الوسط:
يكاد يجمع المراقبون على أن أكبر ضحية لهذا الغزو الأمريكي للعراق هم
السنة من العرب , فمن الواضح قبل الاحتلال الأمريكي أن هناك تخطيطًا لهذا
الأمر , وقد بدأ ذلك واضحًا بعد المؤتمر الذي أقيم للمعارضة العراقية آنذاك في
لندن، وكان أكثر الممثلين فيه هم من الشيعة بدعوى أنهم الأكثرية، وكذلك
الأكراد فقد أعطوا تمثيلاً قويًّا، إلا أن كثيرا من المراقبين يشككون في مصداقية
كون الشيعة أغلبية.
ومن دواعي الشك في هذا الأمر - حتى لا نُتَّهَم بعدم الموضوعية والحياد -
عدة أمور, أهمها ما يلي:
1 - أن توزيع الحصص حسم أمره قبل احتلال العراق وفرضه مما يشكك
في نزاهة هذا التقسيم، وأنه مبني على مخطط سابق قام على أحد سيناريوهين:
إما على تقسيم العراق وهذا سيأتي له مزيد بيان ومناقشة، أو على فصل العراق
عن محيطه العربي السني بإعطاء الدور الأكبر في الحكم للشيعة. وهذا السيناريو
الأخير قام على الاختلاف الحضاري أو الإيديولوجي أو العقدي وكيفية الاستفادة منه
في العمل السياسي. فنظرًا لهذا الاختلاف بين السنة والشيعة، والاختلاف العرقي
بين العرب والأكراد , حاولت أمريكا وحلفاؤها الاستفادة منه واستغلاله أبشع
استغلال.
2 - أن حصة الأكراد من برنامج النفط مقابل الغذاء لم تكن 20% كما هو
الحال الآن، بل كان قرابة 13% فقط , وهذا مثال على ازدواجية المعايير.
3 - أن آخر إحصاء رسمي عراقي لسنة 1997م كانت نسبة السنة فيه 65%
والشيعة 34% [2] . ويؤكد هذا الأمر - كون السنة أغلبية - عدد من علماء
العراق [3] .
4 - أن توزيع الحصص جرى قبل عملية الحصر للعراقيين، رغم أنه
مُيسرة حاليا، إلا أن قوات الاحتلال رفضت ذلك مع أن مسؤولين عراقيين في
مجلس الحكم الانتقالي وضعوا خطة للإحصاء في أقل من سنة إلا أن الأمريكان
رفضوا ذلك, كما ذكرت ذلك صحيفة النيويورك تايمز في 5/12/2003م
وقد سُئل الشيخ حارث الضاري عضو هيئة علماء المسلمين في العراق عن
سبب توزيع الحصص بهذا الشكل فأجاب باختصار: لسببين:
الأول: أنه خرج العديد من الشيعة عام 1990م ومكنوا من الحديث عن
العراق، ودُعموا ضد النظام البعثي، وقُدِّمت لهم تسهيلات في ذلك، وكانوا قد
ادعوا أنهم محكومون من قِبَل الأقلية (السنة) .
الثاني: أن الشيعة كانوا قد رحبوا بهذا الاحتلال، وهم متعاونون معه؛ فلعله
أراد أن يكافئهم بتحقيق ما أرادوا، وهو تكثير نسبتهم في هذا المجلس [4] .
5 - الدعوات التي أطلقت مؤخراً بعد تزايد عمليات المقاومة لمنح دور أكبر
للسنة في العراق، بدلاً من التركيز على دعم للشيعة.
كان هذا على لسان رئيس وزراء بريطانيا توني بلير، فيما نقلته صحيفة
الديلي تلجراف في عددها الصادر في 18/11/2003م.
وقبل ذلك ما صرح به مساعد وزير الخارجية الأمريكي ريتشارد أرميتاج
عندما كشف رغبة واشنطن في دفع السنة العراقيين المهمشين حالياً إلى المشاركة
مرة أخرى في العملية السياسية والاقتصادية في بلادهم، كان ذلك في مقابلة مع
التلفزيون المصري عند زيارته للقاهرة فيما نقله موقع الجزيرة عنه في 13/11/
2003م.
غير أن الشيخ حارث الضاري أوضح في اتصال مع الجزيرة بعدها أن
السبب الرئيس لتركيز المقاومة في منطقة السنة هو صدور فتاوى من علماء السنة
بوجوب مقاومة المحتل دون علماء الشيعة حيث تعاونوا مع الاحتلال بدلاً من
المقاومة على حد تعبير الشيخ حارث [5] .
6 - عدم الوضوح في عملية توزيع الحصص؛ فالوسط والجنوب عوملوا
بطريقة طائفية فقط بغضّ النظر عن العرق؛ مع أنه يوجد عرب وفرس في
الجنوب، بينما في الشمال نجد النظر العرقي فقط؛ مع أن الأكراد كلهم سُنة
والتركمان قرابة المليونين، وغالبيتهم من السنة؛ ومع ذلك لم يُنظر لهم على كونهم
سنة!! مما يؤكد الشك وعدم المصداقية في التوزيع الأمريكي، وأن هناك غاية ما
من هذا التوزيع.
ثالثاً: الشيعة:
الشيعة في العراق لهم عدة زعماء ومرجعيات من أبرزهم السيستاني،
ومحمد باقر الحكيم الذي قُتل مؤخراً، ومقتدى الصدر نجل محمد صادق الصدر،
وحزب الدعوة الشيعي الذي يمثله إبراهيم الجعفري في مجلس الحكم ومحمد سعيد
الحكيم؛ إلا أنهم مجمعون على عدم مقاومة الاحتلال بل على التعاون معه، سوى
بعض المناوشات الكلامية من مقتدى الصدر والتي خبت في الآونة الأخيرة.
وهناك دعوة من أحد علماء الشيعة في بعقوبة بالذات إلى مقاومة المحتل
عسكرياً وهو مهدي الخالصي إلا أنه ليس له أتباع كُثر، وهو بالمناسبة من دعاة
التقريب، ولكن الصفة الغالبة على الشيعة التعاون مع الاحتلال.
يقول القومندان ريك هال من الكتيبة الأولى في الفيلق التابع للمارينز لوكالة
الأنباء الفرنسية في 1/5/1424هـ: «كان بودي القول إن الأمور على ما يرام
في النجف بفضل جهودنا غير أن ذلك ليس صحيحاً، وإذا كانت المدينة هادئة جداً
فذلك بفضل آية الله السيستاني» ثم قال عنه: «وهو يتحدث مع الناس ويحثهم
على التعاون مع التحالف» [6] وعندما دعا صدام حسين السيستاني والحوزة
الشيعية إلى الجهاد ضد الاحتلال تهافت الجميع على إنكار ذلك ورفضه ومنهم
السيستاني.
وقال مقتدى الصدر في 10/9/1424هـ: «إن خيارنا هو إدارة صراع
سلمي وقانوني وشعبي من أجل جدولة الاحتلال واختيار حكومة وطنية نابعة من
الشعب» [7] .
وقال في خطاب له 8/9/1424هـ: «إلى من هم في وطننا موجودون،
إلى من قد حلوا في منزلنا الكبير ضيوفاً، إلى محبي السلام كما نحن محبون له،
إلى الشعب الأمريكي سلامي، فهو إلى السلام محب، وشكري له؛ فهو لنا في
التظاهرات السلمية مؤازر، وحبي فأنا لهدايته قاصد ولاتحاد الشعبين رائد، فليكن
هذا الشعب المبارك اجتماعاً لنا في محافل السلم والسلام» ثم قال: «إن الشعب
العراقي لا يريد إلا خيراً بالأمريكيين؛ فليس عدو العراق إلا صدام وأتباعه وهم
شرذمة قليلون، ونحن منهم براء إلى يوم يبعثون!!» [8] .
أما المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي كان يرأسه محمد باقر الحكيم ثم
أخوه عبد العزيز فلا يخفى تعاونه مع الاحتلال على أحد، بل وصل إلى إرشاده
إلى أماكن تخزين الأسلحة والذخائر ونحو ذلك [9] .
بل كان محمد باقر الحكيم يسمي أعمال المقاومة أعمال عنف [10] وأنها
تخريب للبلاد [11] ، بل حتى حسن نصر الله زعيم حزب الله الشيعي في لبنان
اعتبر المتعاونين مع الاحتلال من الشيعة مجتهدين!
ولذلك كتب الناشط الإسلامي ليث شبيلات في صحيفة لبنانية وتساءل:
«هل الخيانة في العراق مجرد اجتهاد» وقال: «من غير المعقول أن نسمع
منكم موقفاً يعتبر موقف الخونة المتعاملين مع الأمريكيين في العراق مجرد اجتهاد»
[12] .
ووصف مواقف بعض رموز الشيعة بأنها «دنيئة لاعتبارها المقاومة العراقية
البطلة مجرد أعمال إرهابية تقوم بها فلول البعثيين ضد المحررين الأمريكان» .
كما اعتبر أن النظام الحالي في إيران «يقتل الثورة الإسلامية» وانتقد
ترحيب إيران بمجلس الحكم العراقي ذي الأغلبية الشيعية قائلاً: «إنني والملايين
من أبناء الأمة يعتقدون أن الاعتراف بالشاه أهون بدرجات من الاعتراف بخونة
العراق» [13] .
بعد اغتيال محمد باقر الحكيم بادر الشيعة إلى اتهام السنة والوهابيين
بالضلوع باغتياله مباشرة.
ورد الدكتور عبد السلام الكبيسي الناطق باسم علماء المسلمين السنة في
العراق داحضاً ذلك متهماً التيار المتشدد في إيران بقيادة مرشد الثورة علي خامنئي
بالتدخل في الشؤون العراقية عبر تحريض مقتدى الصدر ضد السنة، وكان قد
صرح بتهديدات للسنة علنية.
وقال أيضاً: «حافظنا على الحد الأدنى من التنسيق مع مقتدى الصدر لكنه
تغير بعد ذهابه إلى إيران واجتماعه بخامنئي» [14] .
وسأتعرض لاحقاً إلى كلام الغربيين أنفسهم في التحالف مع الشيعة وعن سبب
ذلك.
أما إيران وهي لاعب أساسي في العراق؛ فمن العجيب والمثير للغرابة أنها
أحد محاور الشر في نظر أمريكا، ومع ذلك فإنه لا يُسمح لجميع الدول المحيطة
بالعراق أن تتدخل في الشؤون العراقية الداخلية سواها، حتى تركيا وهي أحد
أعضاء حلف الناتو!
بل حتى مجلس الحكم الانتقالي لا يُخفي إرادته توثيق العلاقات مع إيران،
وكان من العجيب أن يصرح عبد العزيز الحكيم الرئيس السابق للمجلس ملزماً البلد
بديون جديدة على العراق لصالح إيران بأنه يجب إدراجها ضمن الديون؛ بينما نرى
المجلس يهاجم دول الجوار بتصدير المقاتلين أو بحشد الجنود على الحدود ونحو
ذلك.
ومن الغريب أيضاً أن تُدخِل أمريكا محمد باقر الحكيم الذي اتخذ من إيران
(عدو أمريكا) مقراً له في معارضته للعراق، وهو يحمل الفكر الإيراني الشيعي
نفسه وهو أيضاً ربيب للنظام الإيراني وجميع أسلحته منه؛ ثم يُسمح له بالدخول
باتفاق سري أشارت إليه عدة صحف منها صحيفة (لوكانار انشينيه) الفرنسية عُقد
في جنيف.
وقالت الصحيفة إن سيناريو عودة الحكيم إلى العراق خضع لبرنامج تم وضعه
بدقة في لقاء جنيف؛ حيث تعهدت إدارة بوش بتأمين سلامة عودة الحكيم [15] .
بينما نجد أن اللاجئين العراقيين في السعودية لا يُسمح لهم بالدخول إلى
العراق إلا على شكل دفعات مقطعة، وينتظرون على الحدود الأيام الطويلة للدخول.
وكذلك الشيخ أحمد الكبيسي الذي أُخرج من العراق فوراً بعد خطبة واحدة فقط
(هل لأنه سني؟) ! مع أن الحكيم يرأس جيشاً يسمى فيلق بدر، وقد دخل هذا
الجيش إلى العراق وهدد الحكيم أتباعه إذا لم يدخلوا العراق بقطع رواتبهم [16] .
وبعد اغتيال محمد باقر الحكيم أشاد بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الأمريكي
وهو أحد صقور البنتاجون المتشددين بمناقبه ووصفه بالوطني الحقيقي وبمصدر
إلهام لأتباع الديانات المختلفة [17] .
وللعلم فإنه يوجد مكتب للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية كفرع تمثيلي
بواشنطن.
أما ما يتعلق بالمحادثات السرية بين إيران وأمريكا فلم تعد سرية، بل
أصبحت شبه علنية قبل حرب العراق.
فقد صرح وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي بوجود اتصالات مع
الولايات المتحدة حول العراق في أثناء زيارته الأخيرة للمنامة في شهر مايو الأخير.
وقال: «كانت لنا اتصالات مع الأمريكيين بعد سقوط النظام العراقي؛ وتباحثنا
حول مستقبل العراق» [18] .
وأكدت ذلك صحيفة (يو إس إيه توداي) الأمريكية نقلاً عن مصادر
دبلوماسية إيرانية [19] .
وكان وزير الخارجية الأمريكي باول صرّح في (إسرائيل) أن واشنطن
تُجري اتصالات مع إيران بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني والتطورات في
العراق.
وأكدت ذلك مستشارة الأمن القومي الأمريكية كونداليزا رايس بأن هناك
محادثات تجري بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تتركز حول أمور عملية،
تتعلق بالعراق وأفغانستان [20] .
وقد أشارت عدة وكالات للأنباء إلى ذلك أتركها للاختصار، بل حتى مستقبل
أفغانستان أُجريت اتصالات مع إيران لأجله، وهناك أنباء عن لقاءات مع مسؤولين
إسرائيليين في أثينا اليونانية تحدثت عنها مصادر إسرائيلية رسمية في إسرائيل [21] .
وكانت إيران قد اعترفت بمجلس الحكم الانتقالي واعتبرته قادراً على تسيير
شؤون البلاد، جاء ذلك في بيان رسمي نقلته وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية عقب
استقبال خاتمي في طهران لرئيس المجلس آنذاك جلال طالباني وسبعة وزراء وأحد
عشر عضواً في المجلس! [22] .
بل قال خاتمي قبل ذلك بكثير (3/5/1424هـ) وكأنك تستمع إلى مسؤول
أمريكي يصف أعداءه المقاومين العراقيين: إن بقايا النظام السابق مع بعض
المجموعات المتطرفة تقف وراء المشاكل التي تحصل في العراق!
وأضاف: إن الشيعة العراقيين يتصرفون بشكلٍ عقلاني [23] .
وكان هذا التنسيق أو اللقاءات بين الإيرانيين والأمريكان قد أغضب سوريا
وكان من أسباب إلغاء زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لإيران قبل الحرب
الأخيرة بأشهر. وغضبت أيضاً لما زار وفد رفيع المستوى من الخارجية الإيرانية
للعراق وعقد مباحثات مع كبار أعضاء مجلس الحكم كما ذكرت صحيفة الجمهورية
ذلك. واعتبروه خرقاً لما اتفق عليه البلدان من ضرورة التنسيق والتشاور حول
القضايا الإقليمية خاصة العراق [24] .
ومما يشير إلى وجود شيء ما بين إيران والولايات المتحدة ما جاء في خطاب
بوش في سبتمبر 2002م أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل الحرب حيث قال:
«العراق لا يزال يخرق قرار مجلس الأمن رقم 1373 من خلال تقديم المأوى
والدعم للمنظمات الإرهابية التي تمارس العنف المباشر ضد إيران» .
يشير إلى حركة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة في العراق التي كان لها
مكتب تمثيلي في أمريكا أُغلق بعد احتلال العراق.
ثم قال: «العراق غزا إيران عام 1980م» [25] وهذه أول مرة تؤيد فيها
واشنطن وجهة النظر الإيرانية.
وسعت إيران للدخول في إعادة إعمار العراق، وسمحت لشركاتها بالتعامل مع
الشركات الأمريكية في العراق. صرح بذلك رئيس غرفة التجارة علي ناغي
كموشي [26] . ووافقت على تزويد العراق بمنتجات بترولية [27] .
وقال ممثل بريطانيا السابق في العراق جون سوورز في طهران في حديث
للصحفيين: «إن لإيران دوراً تلعبه في مستقبل العراق بصفتها جارة لها اهتمام بما
يجري في العراق، ونحن في التحالف نريد أن تستخدم إيران نفوذها للمساعدة على
إرساء الاستقرار والديموقراطية!» [28] .
وكان من العجيب أن أمريكا قد أغلقت مكتب مجاهدي خلق في أمريكا،
واعتقلت أتباع هذه المنظمة في العراق، وأُغلق أيضاً مكتبها في باريس واعتقلت
زعيمته فجأة، بل وقصفت مواقعه في العراق كما ذكرت نيويورك تايمز نقلاً عن
مسؤولين أمريكيين [29] .
أتى ذلك بعد أن صرحت الجماعة أنها توصلت إلى اتفاق مع الأمريكان
بالاحتفاظ بمواقعهم وأسلحتهم، وقد أكد مسؤولون أمريكان هذا الأمر [30] .
وهذه الجماعة كانت تقدم لأمريكا معلومات بشأن البرنامج النووي الإيراني،
وبسبب هذه المعلومات أصدر 150 عضواً في الكونغرس بيان تأييد لها [31] ، ولكن
ذلك لم يشفع لها.
كل هذا لا يمكن أن يحصل لولا أن هناك اتفاقاً بين الولايات المتحدة وإيران.
ومع كل هذا التعاون من هذه الجماعة فإنها قد حُظرت؛ بينما نجد أن فيلق
بدر يدخل العراق، ونسمع عن نية مقتدى الصدر التي صرح بها علناً بتشكيل
جيش المهدي المنتظر عند الشيعة بل وحكومة ظل يرأسها هو عاصمتها النجف!!
والأشد والأعظم والأخطر ما صرح به عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس
الأعلى للثورة الإسلامية الشيعي ورئيس المجلس الانتقالي من اقتراحه تشكيل
ميليشيات مسلحة مكونة من الشيعة والأكراد فقط دون السنة لمواجهة المقاومة
السنية!!
يأتي هذا محاولة منهم عدم تفويت الفرصة عليهم في الاستفراد بالحكم
والأغلبية في الحكومة المكونة من قِبَل الأمريكان؛ حيث أطلقت الدعوات لإدخال
السنة بشكل أكبر في العملية السياسية التي سبقت الإشارة إليها.
وهنا أحب أن أُذكّر بما سبق وهو النظر إلى الاختلاف الإيديولوجي أو العقدي
وكيفية الاستفادة منه في العمل السياسي؛ فنحن كلنا لا نرغب أن يثار نزاع آخر
بيننا وبين الشيعة، ولكن هناك أمر واقع يجب أن ننظر إليه ونصفه كما هو، ثم
يأتي بعد ذلك التوجيه السياسي حسب الظروف والأحوال.
وتأكيداً لهذا الأمر أنقل كلام بن جوريون عام 1954م حيث يقول: «إننا
نعيش في محيط سني؛ ولذلك على إسرائيل أن تتعاون، بل وتجند الأقليات العرقية
والمذهبية في المنطقة المحيطة لخدمة المصالح الإسرائيلية» .
المعنى نفسه تردد على لسان المعلق العسكري في الكيان الصهيوني عشية
الغزو الصهيوني للبنان: «مصلحة إسرائيل تتطلب تجزئة العراق إلى دولة شيعية
وأخرى سنية، وفصل الجزء الكردي في شمال العراق» [32] .
ويقول آرييل شارون في مذكراته: «توسعنا في كلامنا عن علاقات
المسيحيين بسائر الطوائف الأخرى لا سيما الشيعة والدروز، شخصياً طلبت منهم
توثيق الروابط مع هاتين الأقليتين، حتى إنني اقترحت إعطاء قسم من الأسلحة
التي منحتها إسرائيل ولو كبادرة رمزية إلى الشيعة الذين يعانون هم أيضاً مشاكل
خطيرة مع منظمة التحرير الفلسطينية، ومن دون الدخول في أي تفاصيل لم أرَ
يوماً في الشيعة أعداء لإسرائيل على المدى البعيد» [33] .
وهذا في نظري ليس حباً في الشيعة بلا شك، ولكن المصالح هكذا، حيث
توزع القوى في المنطقة بين عدة طوائف غير متفقة المصالح، فيؤدي ذلك إلى
إضعاف الجميع.
وكتب توماس فريدمان الصهيوني المتعصب مقالاً في عموده الشهير
بالنيويورك تايمز يدعو فيه أمريكا قبل الحرب بعام إلى التحالف مع إيران بدلاً من
السعودية وباكستان، وسوَّغ ذلك بعدة أسباب، منها مساعدة إيران لأمريكا في
إسقاط طالبان، وفي تشكيل الحكومة الانتقالية بكابل، وعدم وجود أي إيراني في
القاعدة [34] .
وكتبت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن الولايات المتحدة تسعى لتحسين
علاقتها مع الشيعة في العالم الإسلامي [35] .
* توقعات المستقبل:
لما كان تصور السيناريوهات معتمداً على معرفة الجاري في العراق فقد أطلت
بعض الشيء في الموضوع السابق.
وقبل أن أتحدث عن السيناريوهات، أحب أن أشير إلى أن استقرار الوضع
في العراق فقد للاحتلال أشبه بالكارثة على الأمة الإسلامية والعربية؛ فقد بدأ
مسلسل فرض الإملاءات الأمريكية على الدول الإسلامية منذ سقوط بغداد، بل
هُددت دول بتكرار نفس التجربة، وصرحوا بذلك أكثر من مرة.
بل كانت هناك دراسات ومشاورات على تغيير خارطة الشرق الأوسط بأكمله،
إلا أن هذه التهديدات خفَّت بعد تزايد المقاومة العراقية مما جعلهم يتراجعون بعض
الشيء، والكلام في هذا الموضوع كثير.
وأيضاً في المقابل الولايات المتحدة لا يمكن أن ترضى بالهزيمة بسهولة أبداً،
بل هم يعتبرون هذه الحرب حرباً رئيسة في فرض الهيمنة الأمريكية والغربية على
الشرق الأوسط.
والأشد عليهم أنهم مقتنعون تماماً بأن هزيمة أمريكا هنا ستؤدي في نظرهم إلى
تشجيع الإرهاب ونزعات التحرر لدى المسلمين.
ولذلك قال بوش في كلمة أمام المجلس الوطني لتنمية الديموقراطية مشدداً على
«أن إخفاق الديموقراطية في العراق سيشجع الإرهاب في العالم ويشكل تهديداً
للأمريكيين» [36] .
هذا الكلام وإن كان فيه انهزام نفسي من قِبَل بوش إلا أنه يؤكد أنهم مدركون
تماماً أن الحرب في العراق أصبحت مصيرية؛ فبعد ضربات المقاومة الموجعة
أصبحت تشكل هاجساً للأمريكان وكابوساً مفجعاً لهم.
وقد وصل الأمر إلى أن رامسفيلد الرجل المغرور في كل خطاباته قدم مذكرة
عن نتائج الحرب ضد الإرهاب كان لها صدى في الولايات المتحدة، أقر فيها
«بأن أمريكا تجد صعوبة في تقييم التقدم الذي تم إحرازه في الحرب على الإرهاب،
ودعا للاستعداد للبقاء في أفغانستان والعراق لوقت طويل» .
وتساءل: «هل نحن سائرون إلى النصر أم الهزيمة في الحرب على
الإرهاب؟ هل يمكن وصف وضعنا الحالي بأنه كلما عملنا بكدّ تراجعنا أكثر إلى
الوراء؟» ذاكراً تكلفة الحرب الباهظة في العراق [37] .
وأكد رئيس وزراء بريطانيا توني بلير «أن ما يحصل اليوم في العراق
سيحدد العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب» .
وقال: «هذه هي المعركة الأساسية في بداية القرن الحادي والعشرين»
وأوضح أنه إذا خسر من وصفهم بالمتزمتين معركتهم في العراق فإنهم سيخسرون
قدرتهم على جعل العالم الإسلامي ضحية وعلى أن يجعلوا من أنفسهم أبطالاً « [38] .
وتحدث وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنجر محذراً من مغبة إخفاق
أمريكا في العراق معتبراً أن ذلك سيبدو تراجعاً للغرب ككل على الصعيد العالمي.
وأضاف:» نحن الآن في نقطة سيكون الإخفاق في العراق كارثة للغرب
كله «. وأكد على ضرورة التعاون بين أوروبا وأمريكا [39] .
وقد أُطلقت دعوات ونُذر في العالم الغربي أجمع حتى في فرنسا وروسيا
اللتين عارضتا الحرب، وكذا الاتحاد الأوروبي، بل حتى من الفاتيكان!! .. وكنت
أود أن أنقل بعضاً منها لأهميتها ولكن للاختصار أتركها.
* ماذا يمكن أن يحدث مستقبلاً؟ :
سأحاول أن أذكر السيناريوهات المحتملة، وأناقش كل احتمال على حدة،
حيث إن الجزم بسيناريو واحد خطأ في التحليل السياسي للمستقبل.
السيناريو الأول: إخماد المقاومة ونجاح الاحتلال في العراق:
وهذا من أسوأ ما يكون لو وقع، وربما يكون أقل ما سيحدث عندئذٍ هو تقسيم
العراق إلى ثلاث دول أو فصله عن محيطه العربي السني.
كتب ليسلي غيلب رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في مقال له في
نيويورك تايمز يقول:» إن الاستراتيجية الوحيدة الأمريكية في العراق القابلة
للحياة هي تصحيح الخلل التاريخي والتحرك على مراحل نحو حل الدول الثلاث:
الأكراد في الشمال، والسنة في الوسط، والشيعة في الجنوب «.
ويقول:» الفكرة العامة هي في تقوية الشيعة والأكراد وإضعاف السنة، ومن
ثم الانتظار لمعرفة ما إذا كان سيتم التوقف عند الحكم الذاتي أو تشجيع تكوين دولة
يجب أن تكون الخطوة الأولى جَعْل الشمال والجنوب منطقتين تتمتعان بالحكم الذاتي
مع حدود مرسومة بشكل يتوافق قدر المستطاع مع الخطوط العرقية، أعطوا
مليارات الدولارات التي صوت عليها الكونغرس لإعادة الإعمار كلها إلى الشيعة
والأكراد «.
وقال:» يمكن لها (أمريكا) أن تساعد في تسليح وتدريب الأكراد والشيعة
في حال طُلب منها ذلك « [40] .
وهذا السيناريو له شقان: الأول إخماد المقاومة وهذا ليس سهلاً أن يقع
بسرعة إلا أن تتغير الظروف والأساليب المتبعة حالياً ونسأل الله ألا يقع.
والشق الآخر وهو التقسيم؛ فهذا وارد إذا استمر تحالف الشيعة والأكراد مع
الاحتلال ولو بشكل تدريجي.
وقد يُستبعد هذا الأمر نظراً لمعارضة الشيعة له ولو ظاهراً؛ وذلك لأنهم
يطمعون في حكم العراق كله لا أن يتقوقعوا في الجنوب فقط، إلا أن هذا الأمر
مطروح على الطاولة ولا بد من ذكره.
وعلى كل حال فإن لم يُفكَّر بالتقسيم فقد يفكر بالحيل الأخرى التي لا تقل
خطورة عن ذلك.
السيناريو الثاني: الدعم المطلق للشيعة والأكراد:
وذلك بإشعال حرب طائفية عرقية مع السنة، وقد بدت أمارات لذلك خاصة
مع دعوة الحكيم لتشكيل ميليشيات شيعية كردية فقط لضرب المقاومة، وقد سارعت
أمريكا للترحيب بهذه الدعوة مباشرة من وزارة الدفاع [41] .
ثم أعلن بريمر بعد ذلك رفضه لهذه الفكرة معتبراً ذلك متعارضاً مع مفهوم
السيادة الوطنية [42] .
ثم بعد ذلك أعلنوا أنها ستشكل، ولكن ستكون تحت قيادة أمريكية!!
والله أعلم بما يدار هناك، ولكن أقول والله أعلم: إن اعتماد هذا النهج علناً
صعب جداً، إلا في حالة اقتناع واشنطن أنها لن تحقق شيئاً بمفردها، وأصبح
الأمر المطروح هو خروجها من العراق؛ فهي قد تلجأ إليه في حالة اليأس فقط، أو
على الأقل إثارته بشكل محدود غير واسع لتحقيق بعض الأهداف الصغيرة.
السيناريو الثالث: محاولة تكثيف الحلفاء للأمريكان مع تقديم تنازلات جديدة داخلياً
وخارجياً:
وهذا أمر مطروح بقوة؛ فقد سبق ذكر محاولة إشراك السنة لتهدئتهم، وكذلك
خارجياً ما تحاوله أمريكا من استقطاب لحلف الناتو وفرنسا وألمانيا، بعد أن وصل
الأمر عندما سقطت بغداد وكانت أمريكا في نشوتها تسعى إلى تغيير ميزان القوى
في العالم وتغيير نظام الأمم المتحدة وسحب حق الفيتو من الدول التي عارضت
أمريكا، وبناء جديد للأمم المتحدة على أساس التحالف الذي قام مع أمريكا في حرب
العراق.
بينما نجد الآن أن أمريكا تستدرج حلف الناتو والدول الأوروبية لمشاركتها في
العراق، بل يصل الأمر إلى تسليم العراق للأمم المتحدة لإدارته وجعل المعركة في
العراق بين المقاومة والعالم؛ وهذا بالطبع لا تريده أمريكا؛ لأنه يفوت عليها بعض
أهدافها في فرض الهيمنة، ولكن قد تلجأ إليه عند يأسها من هزيمة المقاومة.
وهذا قد يحصل - أي إشراك للأمم المتحدة - عند وقوع أحد أمرين: تنامي
المقاومة وضخامة ضرباتها، أو عند هروب الحلفاء وتناقصهم.
وهذا الأمر إذا وقع فإنه سيكون مشكلة عصيبة للمقاومة حيث ستواجه
المعارضة الداخلية والخارجية لها، ولا بد لكي ينجحوا في مقاومتهم أن يعملوا على
تقوية موقفهم ورؤيتهم السياسية الضعيفة حالياً، ولا بد أيضاً من إبراز قيادات
سياسية قادرة على خوض المعارك السياسية الداخلية والخارجية التي هي شبه
معدومة حاليا، نسأل الله أن يسددهم للصواب.
السيناريو الرابع: الخروج السريع لأمريكا:
ومثل هذا لا يمكن أن يحصل بسهولة إلا أن يحدث شيء غير طبيعي أو غير
متوقع. وهذا لا يعوَّل عليه في النظر السياسي.
ولكن لو وقع مثل هذا فلا يعني بأي حال من الأحوال تخلي أمريكا عن
التدخل في شؤون العراق الداخلية؛ فقد تتدخل بطرق مباشرة أو غير مباشرة.
وملخص ما أردت أن أبينه في هذا المقال أن المقاومة للاحتلال ودعمها هو
الخيار الاستراتيجي الذي ليس لنا سواه.
ويجب محاولة إقناع جميع دول الجوار والعالم به من غير التحالف طبعاً إذ إن
استقرار الاحتلال في العراق تهديد للأمن القومي العربي والإسلامي وللدول الكبرى
التي تريد أمريكا تركيعها.
ويجب التنبيه إلى أن ثمة هدفين منفصلين في العراق:
الأول: هزيمة أمريكا بأي شكل من الأشكال؛ لأن ذلك يخفف من غرورها
وجشعها وتدخلها المتزايد في العالم الإسلامي.
والثاني: هو إقامة دولة إسلامية تحكِّم شرع الله وتحقق العدل والأمان للشعب
العراقي المسلم.
وأما ما يخص أمريكا وحلفاءها فإن المقاومة إذا استمرت واشتعلت أكثر فإن
تراجع أمريكا لن يكون دفعة واحدة، بل سيكون بالتدريج، ولا بد لكل درجة من
طريقة خاصة في التعامل معها من قِبَل المقاومة كي تنجح:
فأولاً: ستخفف من مركزيتها، وستعطي الحلفاء دوراً أكبر في الشؤون
العراقية، وقد تعزز مجلس الحكم.
ثانياً: إذا لم تنجح بهذا فقد تسلِّم العراق للأمم المتحدة؛ وهذا يمهد الطريق
لتشكيل قوة دولية لبسط الاستقرار في العراق.
وثالثاً: إذا لم تنجح كل هذه المحاولات فقد تلجأ إلى إحياء حرب طائفية
عراقية تحرق الأخضر واليابس لا سمح الله.
وعلى كل حال فلن تقبل أمريكا الهزيمة أبداً خاصة مع قرب العراق من حدود
(دولة الصهاينة) طفل أمريكا المدلل، ولن يقبل ذلك الغرب كله؛ وخاصة مع
بقاء هذه الحكومة الأمريكية الأصولية في سدة الحكم، ومع تحقيق بعض النجاحات
في السياسة الأمريكية في العراق كاعتقال صدام حسين أخيراً، وبعد تراجع القذافي
الأخير المثير للاشمئزاز وهو لا يقل خطورة في نظري عن إخماد المقاومة في
العراق فقد تستمر هذه الحكومة وتحقق مكسباً كبيراً في الانتخابات القادمة.
أسأل الله العلي القدير أن ينصر دينه وكتابه ونبيه وعباده الموحدين..
آمين..