مجله البيان (صفحة 4811)

نص شعري

عبرات على صعيد منى

د. أحمد حسبو [*]

يا رعى اللهُ زماناً في مِنَى ... لا تُعجِّلْ أيها الحادي بنا

واحبسِ الركْْبَ علينا ساعةً ... علَّنا نَرْوي غليلاً علَّنا

رُبَّ محرومٍ ينادي لاهفاً ... يا إلهي أنْت أنْت، مَنْ أنا؟!

ما أنا إلا فقيرٌ يرتجي ... منك يا ربِّ البريَّاتِ الغنى

رُبَّ عينٍ من هجيرٍ أقفرتْ ... زارها الدمعُ وأضحى ديْدَنا

رُبِّ ذي ذنبٍ كبيرٍ مخجلٍ ... قام يبكي الذنبَ يرجو المِنَنَا

صاحَ تبتُ الآن فأقبْل نادماً ... جاء يبغي في حماكَ المَوْطِنَا

رُبَّ نفسٍ من شديدِ وحشةٍ ... أسرعتْ من وجْدِها تشكو الضَّنَا

فاطمأنَّتْ في حِمَى خالِقهَا ... فوقَ تربٍ فَاحَ زهراً وَجَنَا

* * *

قمْ أخيِّي الآنَ والزْم بابَهُ ... نادِ لنْ أبرحَ حتى تَأذَنا

علَّك المقبولُ من زوَّارِهِ ... علَّ فينا من يوافيه المنى

رَبِّ فاقبلنا بشيخٍ طاعنٍ ... أو بطفلٍ جاء يسعى بيننا

* * *

أيها الركبُ سريعاً أقبلتْ ... ساعةُ البيْنِ فهاجَتْ حُزْنَنَا

كم وددْنا لو أقمنا صحبةً ... بين هاتيك الروابي عُمرَنا

فهنا كمْ كبدٍ مكْلومةٍ ... تشتكي للهِ هذا البَدَنا

وهنا كمْ لحظةٍ أنوارُهَا ... جرَّدتنا من شقاءٍ وَعَنا

وهنا أنفاسُ أزكى مرسلٍ ... عطْرتْ أطيابُها كلَّ الدُّنَا

* * *

أيها الركبُ وداعاً واذكُرُوا ... خيرَ أيامٍ وأبكُوا الأعينا

في مآقينا دموعٌ أفْصَحتْ ... منطقُ الألفاظِ أَعْيَا الأَلْسُنا

إن تلاقيْنَا بدنيانا فلا ... تُنكرُوا عهدَ الإخاءِ بيننا

فاذكرونا إن صفَا الدهر بكُمْ ... واذكرونا إن نزلنا قبْرنا

نُشْهِدُ المولى على حبٍ لكمْ ... خالص، ولْتَشهدوا أنتم لنا

* * *

يا عظيمَ العفوِ قد حان الرَّحيل ... اغفرِ الأوزارَ وارحَمْ ضعْفَنا

لا تدعْ فينا شقياً بائساً ... مَنْ سواك للعطاء، ربَّنَا!

وأَنِلْنَا في الحساب جَنَّةً ... واجعلِ الفردوسَ فيها مسكَنا

وأعدْ للمسلمين مجْدَهم ... قوةً في الدينِ وامْحُ الوهَنَا

يا إلهي لا يكنْ هذا اللِّقَا ... آخرَ العهدِ على تُرْبِ مِنى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015