مجله البيان (صفحة 4749)

متابعات

الحاجة إلى جهة تغييرية لمواجهة خطط التغيير

د. محمد بن عبد الله الشباني

كتب الأخ الفاضل الدكتور عبد العزيز كامل مقالاً أثار الشجون وأحيا الأمل،

دعا فيه إلى التحرك الإيجابي لمواجهة الأخطار التي تواجهها الأمة الإسلامية بعد أن

تجمعت قوى الظلم والبغي والكفر والنفاق في كتلة واحدة لإزالة الوجود الإسلامي،

والذي هو عقيدة وتنظيم للوجود الإنساني الحضاري.

لقد دعا الأخ الكريم الدكتور عبد العزيز كامل في مقالته المنشورة في العدد

188 ربيع الآخر لعام 1424هـ الموافق شهر يونيو 2003م، تحت عنوان:

تغيير الخطط في مواجهة خطط التغيير، حيث طرح مشروعاً أطلق عليه رابطة

الدعاة كنواة لرابطة العلماء، أو كمحضن لإيجاد روابط تنبثق عن هذه الرابطة؛

لتمثل في مجموعها القيادة الفكرية الموحدة للمسلمين تحقيقاً لقول الله تعالى: [يَا

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ] (النساء: 59) ،

وقد أشار إلى حقيقة أن ولاة الأمر كما هو فهم سلف هذه الأمة كابن عباس

- رضي الله عنهما -، وبقية علماء السلف الأوائل هم أهل الفقه والدين.

إن اقتراح الأخ الكريم جدير بالدراسة والتنفيذ، وقد طلب مشاركة علماء الأمة

ومفكريها وأهل الرأي والفقه والعلم والدعوة في مناقشة هذا الاقتراح وإبداء آرائهم؛

للخروج بتصور كامل قابل للتطبيق، ومن هذا المنطلق فإنني أطرح للقراء من أهل

الدعوة والعلم والفقه من رجالات الإسلام بعض الآراء والتصورات حول ما طرحه

الأخ الكريم الدكتور عبد العزيز كامل؛ لإثراء المشروع المطروح والخروج من

ذلك بتصور محدد لأهداف هذه الرابطة للدعاة ومتطلباتها.

إن أهمية قيام رابطة للدعاة تعود إلى عدة أمور، يمكن حصر بعضها في

الآتي:

1 - فقدان القيادة المرجعية للأمة الإسلامية في زمن تكالبت فيه قوى الكفر

والظلم والنفاق، فتشرذمت قوى الأمة الفكرية وتوزعت إلى قوى وجماعات متناحرة

في بعض الأحيان، مختلفة التصورات والآراء؛ بحيث فقدت جماهير المسلمين

المرجعية التي تعتمد عليها في فهم المستجدات وتصور العمل لمواجهة تلك الأخطار،

فلا توجد الجهة التي يُرجع إليها في تنفيذ قول الله تعالى: [وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ

الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ

يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً] (النساء:

83) .

2 - تشرذم دعاة الأمة وعلمائها وتقوقعهم، وضعف التواصل وفقدان القدرة

التأثيرية على جماهير المسلمين؛ أدى إلى تنحية أحكام الشريعة عن حياة الأمة،

فأصبحت الأمة تحكم بقوانين وأنظمة تضاد حقيقة الإسلام وتحاربها، ولم توجد

القيادة الجماعية، على مستوى العالم الإسلامي، التي تجابه هذا التوجه في إبطال

أحكام الشريعة الإسلامية، وتبين للجماهير مدى تعطيل أحكام الله، فنتج عن ذلك

أن ظهرت أحزاب وجماعات ذات توجهات إقليمية وحكومية وحزبية، ساعدت على

شرذمة الأمة وزيادة الوهن في مفاصلها.

3 - انتشار الأفكار الإلحادية والسلوكيات المضادة والمحاربة للقيم التي جاءت

بها الشريعة الإسلامية، وتم قبولها من قِبَل الجماهير نتيجة لعدم وجود تيار من

علماء الأمة ودعاتها يواجه هذه الموجات المتتابعة، والتي تهدف إلى إبعاد الأمة عن

عقيدتها وشريعتها.

4 - تشرذم الجهود العلمية لعلماء المسلمين في مختلف التخصصات؛ مما

أدى إلى ضعف الجهود عن مجابهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،

وظهور مجموعات تسهل لجماعات النفاق في المجتمعات الإسلامية التحلل من

الأحكام والتوجيهات القرآنية، حيث ساعدت قوى الكفر والإلحاد من النصارى

واليهود في صرف الأمة عن تشريعها، وإشاعة ما يُزعم أنه فقه التيسير لتسهيل تقبُّل

التشريعات والسلوكيات المضادة للشريعة الإسلامية؛ بدلاً من إيجاد منهجية مغايرة

تنبع من مقاصد الشريعة وأهدافها.

وإن من أهم ما يجب طرحه ومناقشته، حتى يمكن قيام هذه الرابطة،

تحديد الأهداف والغايات التي تسعى إليها هذه الرابطة، ومن أهم الأهداف التي

أرى أن تتولى الرابطة تبنيها الأمور الآتية:

1 - السعي إلى إعادة صياغة العقيدة الإسلامية وفق منهج السلف، فمن

الملاحظ أن الواقع السائد والخاص بسلامة العقيدة في المجتمعات الإسلامية ينتابه

الخلل في جوانب متعددة؛ منها ما يتصل بفهم توحيد الأسماء والصفات وتوحيد

الألوهية وممارستهما، وما ينتاب هذين النوعين من التوحيد من انحرافات تضعف

نقاء التوحيد وصفاءه، وهو الركيزة الأساسية للوجود الإسلامي. ومنها ما يتعلق

بمفهوم الولاء للمسلمين والبراء من المشركين والكافرين؛ حيث فُقد التمايز وذابت

الشخصية الإسلامية.

وتحتاج هذه الصياغة إلى بناء خلايا دعوية في كل قطر مسلم تتولى إعادة

صياغة العقل والوجدان المسلم إلى العقيدة الصافية، وفهم أسس البناء العقدي

للإسلام وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على منهج

سلف هذه الأمة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم.

2 - العمل على إبراز الحلول للمشكلات الاجتماعية سواء في جانبها

الاقتصادي أو السياسي أو الإداري؛ من خلال تفعيل القدرات الكامنة في علماء

الأمة لتقديم تصور لنظام إسلامي مستقل في تصوراته، ينبع من مقاصد الشريعة

الإسلامية وفق ما جاءت به من أحكام، والابتعاد عن الترقيعات لأنظمة الغرب،

والخروج بالمسلمين مما وقعوا فيه، والذي حذرهم منه رسولهم محمد صلى الله

عليه وسلم في الحديث المشهور: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً

بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم» [1] ، ولن يتحقق هذا الابتعاد إلا

بالعودة إلى الدين كما أخبر عن ذلك الصادق المصدوق الرسول الخاتم صلى الله

عليه وسلم في الحديث الذي جاء فيه: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر

ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا

إلى دينكم» [2] .

3 - إبراز رأي الإسلام في النوازل؛ من خلال ما يصدر عن هذه الرابطة

من فتاوى وآراء، يتم من خلالها توحيد كلمة المسلمين تجاه تلك القضايا والنوازل؛

دون خضوع لأي مؤثر من المؤثرات الإقليمية أو الحزبية أو المصلحية الشخصية.

4 - السعي إلى تكوين مجموعات من الدعاة والعلماء في مختلف التخصصات

تتولى رصد الأحداث وجمع المعلومات وتحليلها، ودراسة آثارها الريادية

(الاستراتيجية) على مستقبل مجتمع المسلمين، وكيفية مواجهته؛ لتقوم الرابطة

بتوجيه الجماهير المسلمة وتنبيهها إلى الأخطار المحدقة بالمسلمين، وتبني توجه

موحد للمسلمين.

وإن من أهم الأمور التي ينبغي التنبه لها؛ ما أشار إليه الأخ الفاضل الدكتور

عبد العزيز كامل من ضرورة ابتعاد هذه الرابطة عن أن تكون ذات توجه معين أو

على مستوى شكلي أو رسمي أو إقليمي، حيث أشارت التجارب إلى فقدان القدرة

على مجابهة النوازل إذا ساد التوجه الرسمي والإقليمي أو الشكلي، ولهذا لا بد من

الاستقلالية التامة وعدم التبعية، ومن هنا فلا بد من اختيار المكان المناسب الذي

تجتمع فيه النخبة الأولى المؤسِّسة لهذه الرابطة، حيث يمكن ممارسة نوع من

الحرية والاستقلالية لممارسة أهدافها، وعليه فلا بد من النظر إلى المكان الذي يمكن

أن يكون مقراً لهذه الرابطة؛ بحيث لا يُمارس عليها أي نوع من الرقابة والتوجيه

وفق مصالح أصحاب المكان الذي سوف تقام فيه تلك الرابطة، على أن يراعى

الامتناع كلية من قبول أي دعم مالي من أي جهة سلطوية في العالم الإسلامي، بل

يتم تمويلها من أعضائها احتساباً لله تعالى.

وحتى لا تذهب هذه الدعوة التي أطلقها الأخ الدكتور عبد العزيز كامل أدراج

الرياح؛ فإنني أرى أن يقوم بعض الإخوة العلماء والدعاة الذين يُعرف عنهم

الحماس والاستقلالية ببلورة هذه الأفكار وغيرها، ووضعها على شكل ورقة عمل

تُطرح على الجميع، ويقوموا بدعوة بعض العلماء والدعاة والمفكرين في العالم

الإسلامي ليكونوا النواة لتأسيس هذه الرابطة.

وفي الختام أشكر للأخ الكريم الدكتور عبد العزيز كامل على طرحه لهذا

الموضوع، ولي أمل كبير أن يستجيب لدعوته علماؤنا ومفكرونا ودعاتنا؛ حتى

يتحقق هذا الحلم الذي يراود العقول وتطمح إليه النفوس.

نسأل الله أن يهيئ لهذه الأمة أمر رشد، ويسلك بها سبيل النجاة، وآخر

دعوانا أن الحمد لله في الأولى والآخرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015