في دائرة الضوء
(1 ـ 2)
رائدة شبيب
* الكتاب السياسي في ألمانيا:
تطوّر سلوك القراءة بين الألمان بشكل جوهري عبر السنوات الماضية؛ فقد
ازدادت كمية المعلومات والبرامج المسلية بسبب انتشار الإنترنيت واستقبال
المحطات الفضائية التي تشكل منافسة كبيرة بالنسبة لأسواق الكتب. ولم يكن ذلك
دون نتيجة بالنسبة إلى الكتاب كوسيلة إعلام قديمة. فقد أثبتت دراسة أصدرتها
المؤسسة الألمانية لتشجيع القراءة (Lesen Stiftung) [1] أنّ كثيراً من الناس
لا يقرؤون أقلّ من حيث الكميّة، وإنّما من حيث الوقت، ويركّزون على النصوص
الأساسية والمهمة.
وتشير الدراسة أيضاً إلى أن الكتاب يصل إلى50% من القرّاء الألمان، ومن
بينهم فئة القرّاء بانتظام الذين ينتمون إلى الطبقة المثقفة عادةً، والكثير منهم لديه
شهادة جامعية. ويبين البحث أنّه رغم النقص الملحوظ في عدد القرّاء خلال
السنوات العشر الماضية فإنّ عدد الكتب المقروءة يزداد.
من الملاحظ أنّ كتب الترفيه هي التي تجذب اهتمام الألمان أكثر من الكتب
السياسية أو الاختصاصية؛ وسبب ذلك أنّ التقارير والمعلومات الإخبارية الواسعة
عبر وسائل الإعلام تؤدي إلى الشعور بحالة من الإشباع عند عامّة الناس.
على صعيد آخر تظهر الدراسة أنّ مستخدمي الكمبيوتر في سنّ الشباب
يقرؤون الكتب الاختصاصية أكثر من الشباب الذين لا يستخدمون جهاز الكمبيوتر
بنسبة ثلاثة أضعاف، ويعني هذا أنّ القرّاء من الأوساط المطّلعة بالذات يهتمّون
بالمعلومات المفصّلة أو الخلفيات التي تقدّمها الكتب.
فقارئ الكتب السياسية في ألمانيا إذن ينتمي بشكل عام إلى الأوساط المطّلعة
والمثقفة الواعية، ويقرأ بنظرة متفحّصة وهو مستعدّ للاستفادة من النتائج والأفكار
حسب قوّة حججها وتوثيق معلوماتها.
أ - الكتب السياسية على قوائم الكتاب الناجح [2] :
الكتب السياسية التي تقدّمت على سواها في الأسواق منذ الحادي عشر من
سبتمبر هي التي تعالج جوانب من السياسة الدولية، ويذكَر أنّ القليل من الكتب
السياسية تنجح في تسجيل درجة عالية من المبيعات عادة، فتظهر في القوائم
السنوية للكتب التي تسجّل أفضل المبيعات.
رغم ذلك ظهر العديد من الكتب التي تعالج ناحية من نواحي الحادي عشر من
سبتمبر على القائمة السنوية لعام 2002م للكتب الموضوعية [3] الناجحة، ومنها
ثلاثة كتب بين الكتب العشرين الأولى [4] .
ويستمر هذا الاتجاه العام في بداية عام 2003م وأثناء الحرب ضد العراق؛
إذ تحتل خمسة عناوين تعالج الهيمنة الأمريكية وحربها ضدّ الإرهاب المراتب
العشرة الأولى على قائمة الكتاب الناجح للكتب الموضوعية [5] .
ويشير هذا الاهتمام إلى الرغبة في قراءة المتابعة والتعليقات والانتقادات لما
يصدر من تقارير إخبارية في وسائل الإعلام الألمانية حول السياسة الراهنة.
ب - من الكتّاب المعروفين في الشؤون السياسية:
بالنسبة إلى الكتّاب البارزين في التأليف حول الشؤون السياسية، يوجد في
ألمانيا مثلاً مؤلف وصحفي معروف، نجد العديد من كتبه على قوائم الكتب المتفوقة،
وهو «بيتر شول لاتور» (Scholl-Latour Peter) ، الخبير في السياسة
الدولية، ومؤلّف كتب عديدة حول دول إفريقية مثل الكونغو، وحول العالم
الإسلامي، وفرنسا. جمع معلوماته وخبرته عبر رحلاته العديدة إلى مواقع التوتر
والأماكن الخطيرة، وأيضاً عبر الحوار الشخصي مع المسؤولين ومع كثيرين من
عامة الناس. وبذلك أصبح أشهر مراسل صحفي ألماني وخبير، خاصة في شؤون
العالم الإسلامي. بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001م صدرت عنه عدّة كتب
جديدة، منها: «الحرب ضدّ الإرهاب.. حرب ضدّ الإسلام؟» [6] (نوفمبر
2002م) و «لعنة الألفيّة الجديدة» (فبراير 2002م) وكلاهما على قائمة الكتب
الناجحة.
وبالنسبة إلى العلاقة بين الإسلام والغرب يوجد كاتب من أصل سوري، وهو
أستاذ في جامعة «غوتّيغن» (Goettingen) الألمانية في كلية العلاقات
الدولية وفي إحدى الجامعات الأمريكية، يُدعى «بسام طيبي» . ويلاحظ عليه
استغلال التحيّز الغربي ضد الإسلام «الأصولي» واستغلال فكرة «الإسلام
الأوروبي» ، لتقديم صورة مرضية، فيما يحسب، للقارئ الغربي، وتقديم حلول
«متوازنة» في رأيه لتعايش المسلمين مع الشعوب الغربية، وكثيراً ما يستخدم
هذا الكاتب لهجة غير موضوعية ولا أكاديمية. الكتاب الأخير الذي ظهر بقلمه
بعنوان: «الهيمنة الغربية والأصولية الإسلامية» (مارس 2001م) وجد اهتماماً
كبيراً بسبب العمليات الإرهابية في الولايات المتحدة.
ومن بين المفكرين السياسيين البارزين على مستوى أكاديمي نجد البروفسور
«إيرنست أوتو تشمبيل» (Czempiel Otto صلى الله عليه وسلمrnst) وهو من أشهر
المتخصصين في مجال العلوم السياسية في ألمانيا، وتُعَدّ كتبه من المراجع الأساسية
للمتخصّصين بالعلوم السياسية. في كتابه الحديث بعنوان «تحوّل في السياسة
الدولية» (أكتوبر 2002م) [7] ، حاول العالم الباحث في مجال ميدان الحفاظ على
السلام العالمي، والأستاذ الجامعي سابقاً في فرانكفورت، أن يقدّم نتائجه وتحليلاته
بصيغة مناسبة للقارئ غير المتخصص.
ت - أسواق الكتب على الإنترنت:
انتشرت في شبكة الإنترنت أسواق إلكترونية ألمانية لبيع الكتب، تتنافس فيما
بينها، وتقدّم عروضاً واسعة للكتب الاختصاصية والسياسية والقصصية ومن
أشهرها:
www.amazon.de.
www.buchhandel.de.
www.online-buchhandel.de.
www.bol.e.
www.buecher.de.
* أولاً: «11 سبتمبر» في وسائل الإعلام الألمانية:
في يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001م تكرر أمام المشاهد الألماني مشهد
واحد فقط، في جميع القنوات التلفزيونية المعروفة، وهو صورة ارتطام الطائرات
المدنية ببرجي المركز التجاري العالمي في نيويورك وتهدّمهما. ورافقت هذه
الصور تعليقات تلقائية غير معدّة سابقاً، ومقابلات صحفية فورية؛ إذ وجد
الصحفي نفسه تحت ضغط ضرورة تقديم تفسير ما لما يجري.
وخلال نقل الأخبار على الأثير كانت عملية تفسير الحدث تتغيّر وتتبدّل
بسرعة. كانت توصف في البداية بأنّها «كارثة» ، فأصبحت «عملية اعتداء» ،
ثم تبدّل الوصف إلى «عملية إرهابية» ، حتّى استقرّ عند تعبير «إعلان حرب»
على الولايات المتحدة.
وفي سياق هذا التفسير بدأ الصحفيون يفكرون باحتمالات الرد العسكري
«الدفاعي» وشكله؛ فالعدوّ بالنسبة إلى الصحفي الألماني واضح محدّد:
مجموعة إرهابيين إسلاميين مركز تدريبهم العسكري في أفغانستان.
يشرح الباحث الجامعي «كريستوف فيلير» [8] التفسير «التلقائي»
للأحداث بأنه «اعتداء إرهابيين إسلاميين» وليس مثلاً بأنه عمليات مدبّرة من
جانب المخابرات الأمريكية لكسب الدعم للجيش ولصناعة الأسلحة، فيقول: إنّه
تفسير لا يصدر عن قصد سياسي معيّن، وإنّما ينتسب إلى «نموذج» قائم في
المداولات الاجتماعية ومقبول من جانب عامة الألمان.
لكنّ وسائل الإعلام تمكّنت بعرضها لهذا للحدث وتفسيرها له من التأثير
السياسي ليس على المشاهد فقط، وإنّما على صانعي القرار أيضاً، فكان من
الواضح أنّ نموذج الشرح الذي قدمه «الصحفيّ» أثّر مثلاً على الكلمة التي ألقاها
المستشار الألماني «جيرهارد شرودر» في مساء الحادي عشر من سبتمبر، كما
يقول «فيلر» في دراسته.
ولم تغيّر وسائل الإعلام في الأسابيع التالية هذا التفسير، بل استمرت عليه
وفقاً لِما صدر من تفسيرات ومواقف من جانب واشنطن. ورغم أنّ لوسائل الإعلام
الألمانية نمطاً خاصّاً لمعالجة الشؤون الخارجية وتقديمها عادة، إلا أنها نقلت
- بالنسبة إلى الحرب ضد الإرهاب - لهجة التعبير الأمريكية والتفسير الأمريكي
دون نقد. ولكن تراجعت عن هذا التبنّي للموقف الرسمي الأمريكي أثناء الحرب
ضد العراق، وإن بقيت فيما عدا ذلك ملتزمة بالاتجاه العام السائد، وهو أنّ
الإرهاب الإسلامي و «أسامة بن لادن» وتنظيم القاعدة، يمثّلون «التحديات»
الكبيرة للعالم وللمجتمعات الغربية.
يظهر أن الاضطراب والارتباك داخل المجتمع الألماني وبين الصحفيين نظراً
لما حدث في الحادي عشر من سبتمبر دفع بهم إلى قبول وتبني أي شرح مبسط
ووضيع لما حدث. وفي هذه الفوضى يروق لهم التفسير السهل بمسطلحات
«الخير والشر» الذي يقدمه لهم الرئيس الأمريكي «بوش» عبر وسائل
الإعلام العالمية.
* ثانياً: ردود الفعل بين الألمان على عمليات 11 سبتمبر:
مشاهدة الألمان عمليات الحادي عشر من سبتمبر 2001م بصورة متكرّرة
على جميع القنوات وفي الجرائد أثارت لديهم مشاعر الذهول والقلق والاستنكار.
ولكن سرعان ما بدأ كثير منهم يستوعب ما حدث ويفكّر بمسبباته وخلفياته.
في مقدّمة الأسباب التي أدّت إلى هذا الهجوم حسب تفكير عامة الألمان
«التطرّف الديني» والسياسة الخارجية الأمريكية المتشدّدة غير المبالية
بالآخرين، على السواء. ويعدّد بعض الألمان أيضاً الهيمنة الاقتصادية من جانب
الشركات المتعدّدة الجنسيات وطبيعة الوجود الغربي في الدول الإسلامية. ومن
الواضح أنّ أكثر الألمان لا يرون سبب هذه العمليات كامناً في «خطورة الدين
الإسلامي» على التعميم [9] .
حاول «برودر» الصحفي الألماني اليهودي في مجلة (Spiegel عز وجلer) ،
في كتابه «لا حربَ في أيّ مكان - الألمان والإرهاب» [10] الكشفَ عن الجوّ
العامّ والحالة النفسية داخل ألمانيا بعد 11 سبتمبر مباشرة، من خلال جمع الأقوال
في مقابلات صحفية وندوات حوار والتعليق عليها. ومن النتائج التي وصل إليها
تطوّر الحوار من مرحلة التعبير في البداية عن استنكار العمليات، إلى مرحلة
توجيه الاتهام للولايات المتحدة وسياستها ونمط الحياة فيها.
وأظهر الجدل حول الأحداث في أوساط المفكرين وبين عامة الناس أيضاً
أفكاراً أساسية:
فرغم المشاركة العاطفية للضحايا يفكّر العديد من الألمان، أن الأمريكان
أنفسهم هم السبب في أن بلدهم قد هوجم، ويردّد كثير من الألمان في أوساطهم
الخاصة وعلناً أيضاً السؤال: «أليس الأمريكان أنفسهم هم الذين استفزّوا وقوع
هذه العمليات بسبب سياستهم؟» .
وينقل «برودر» بهذا الصدد أقوال أناس معروفين مثل صانع الأزياء
المعروف «يوب» (Joop) ، الذي قال إنّ المركز التجاري الدولي في
نيويورك كان يجسّد «التضخّم الرأسمالي» فلا يؤسف على عدم وجوده الآن.
كما ينقل عن لسان لاعب التنس المشهور «بوريس بيكر» (رضي الله عنهoris
رضي الله عنهecker) قوله إنه كان من الواضح أنّ مثل هذا العمل سيقع؛ لأنّ التباين
والتناقض بين الفقر والغنى في العالم اشتدّ كثيراً كما يقول.
كما ينقل المؤلف أقوال أناس عاديين، ومنها رسالة قارئ في جريدة «دي
فيلت» اليومية المعروفة (Welt عز وجلie) [11] ويقول فيها: «أستسمح الضحايا،
ولكن عند رؤية مباني» البنتاغون «و» التوين تاورس «مهدّمة، تنطلق البسمة
إلى شفتي، فحتّى الآن كان الأمريكان يتسبّبون بالدمار خارج بلدهم، والآن
يتعرّفون هم على معنى كلمة ضحية» .
الجدير بالذكر أنّ النقد بتأثير ما حدث في 11/9/2001م لم يكن على الدوام
مقبولاً في المجتمع الألماني، وكان بعض الأقوال غير المتوازنة بمقياس «الصحّة
السياسية» (correctness political) وفق سلوكيات وسائل الإعلام المنحازة
للموقف الأمريكي، قد أدّى بأصحابها إلى فقدان الوظيفة أو الانعزال، ممّا يشير إلى
ضغط قائم داخل المجتمع الألماني يلزم بالتضامن مع الأمريكان ويضع حدوداً معيّنة
لحرية الرأي.
أ - تهليل أوساط يمينية:
ظهرت ردود فعل أخرى من جانب فئات معينة داخل المجتمع الألماني،
ومنها الأوساط اليمينية؛ حيث نجد الاستحسان للهجمات المدمّرة ونوعاً من الشماتة.
فعلى صفحة الإنترنت «للهيئة الألمانية» [12] التي يشرف عليها السياسي
التابع «للحزب القومي الألماني» NPعز وجل المتطرّف والموضوع تحت رقابة
المخابرات الألمانية، يعبّر «هورست مالر» عن تقديره للهجمات بتسمية الحادي
عشر من سبتمبر «معايشة يوم التحرّر» Life عز وجلay Independence
ويشرح ذلك بأنّ العالم يعاني منذ 1917م من حرب تحمل نيويورك والعبادة
اليهودية المسؤولية عنها، ومن ضحاياها الشعب الألماني أيضاً [13] .
وكانت صفحة للنازيين الجدد باسم «مكتب حركة ألمانيا الشمالية»
(Norddeutschland صلى الله عليه وسلمktionsbuero) تقدّم صورة لمركز التجارة العالمي
المشتعل في نيويورك وتتبعها صورة لضحايا من القتلى في مدينة درسدن المدمّرة
في الحرب العالمية الثانية، ومعها التعليق: «ضحايا الاستعمار الأمريكي
المنسيون» .
والجدير بالذكر أن اليمينيين المتطرفين في ألمانيا يعتبرون أنفسهم حتى الآن
ضحايا للسياسة الأمريكية؛ ولهذا شعروا بنوع من المواساة لهم عند مشاهدة الدمار
في أمريكا فهو عندهم انتقام لما تفعله الولايات المتحدة.
ب - مظاهرات اليساريين:
وبالنسبة للفئات اليسارية كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر والسياسة
الأمريكية الناتجة عنه دافعاً للوقوف في وجه السياسة الأمريكية والحرب التي شنته
تحت عنوان «الحرب ضد الإرهاب» .
وحسب «تقرير حماية الدستور» لعام 2002م الذي يصدر عن المخابرات
الألمانية بتكليف من جانب وزارة الداخلية، فقد كانت هناك محاولات لمجموعات
يسارية متطرفة لإنشاء حركة سلمية جديدة مضادة للسياسة الأمريكية [14] ، وظهرت
في مظاهرات ضد الهجوم الأمريكي على أفغانستان التي شارك فيها العديد من
اليساريين.
ت - حياة المسلمين في ألمانيا بعد «11 سبتمبر» :
حاول كثير من المسلمين في ألمانيا أن ينأى بنفسه عن الهجمات، وأن يعبّر
عن أسفه إزاء ما وقع. واستنكرت المنظمات والجمعيات الإسلامية على صفحاتها
الشبكية العمليات الإرهابية والإرهاب بشكل عام، وشارك بعض ممثليها مع ممثلي
الديانات الأخرى في صلوات أو أدعية جماعية لصالح السلام. ولكن إلى جانب ذلك
انتشر شعور الانشراح بين كثير من المسلمين لرؤية انهيار الرموز الأمريكية بسبب
الغضب الشديد من السياسة الأمريكية في العالم الإسلامي.
وعانت العلاقات بين المسلمين والألمان في أعقاب ما حدث في 11 سبتمبر
2001م رغم أنّ التوتّر لم يؤدّ إلى اعتداءات جديرة بالذكر. صحيح أنّه سُجلت
مضايقات وتهديدات، وحتى هجمات على بعض المساجد، ولكن ضمن حدود [15] ،
فبقيت حالات استثنائية ولم تترك أثراً مسيئاً للتعايش بين المسلمين والألمان غير
المسلمين. وفي استطلاع رأي أجرته هيئة البحوث في جامعة «ترير» الألمانية
تبيّن أن أكثر الألمان لم تتغيّر نظرتهم إلى الإنسان العربي عقب 11 سبتمبر، ولكن
يوجد من ساء ظنّه عموماً تجاه العرب.
على صعيد آخر سبّبت عمليات بحث المخابرات الألمانية عن مدبّري
العمليات الإرهابية والتي تركّزت على أوساط المسلمين المضايقات لكثيرٍ منهم؛ إذ
قامت الاستخبارات بحملات ومداهمات مستمرّة إلى الآن تضمّنت تفتيش المساجد
والبيوت، وجمع المعلومات الخاصة عن الطلبة المسلمين في الجامعات، وحظر
عدد من التنظيمات والمجموعات الإسلامية، مثل «التحرير» و «التوحيد»
و «دولة الخلافة» التركية، وغيرها، ممّا أدّى إلى انتشار القلق والاضطراب في
حياة المسلم الخاصّة وفي ممارسته لدينه [16] ، واستهدفت هذه الحملة الكثير من
الأبرياء وغير المشتبَه فيهم، وأدّت أيضاً إلى تعزيز الشكوك داخل المجتمع الألماني
ضدّ المسلمين.
ولكن في الوقت نفسه أثارت الأحداث اهتماماً كبيراً بين الألمان بدين الإسلام
وحياة المسلمين، واتّضح ذلك مثلاً من خلال معالجة موضوع الإسلام في المدارس،
وازدياد التقارير المنشورة عن المسلمين، وارتفاع كبير في مبيعات ترجمات
معاني القرآن الكريم ومبيعات الكتب حول الإسلام.
ث - توقّعات ردود الفعل:
كان الألمان ينتظرون، بعد مشهد الدمار في بلد قريب لثقافتهم وعزيز على
الكثير منهم، ردّ فعل ما على العمليات الإرهابية، وكان أغلب الألمان بالرغم من
نقد السياسة الأمريكية متمسكين بتضامنهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصةً
بمساعدتها في البحث عن المجرمين الذين كان منهم حسب معلومات المخابرات
الأمريكية من يعيش في ألمانيا. ورضي الألمان بقوانين تحدّ من بعض الحقوق
الشخصية بهدف تسهيل عملية التفتيش عن مشاركين في تدبير العملية.
وحسب استطلاع رأي لمركز «إيمند» ، قال ثلاثة أرباع الألمان إنّهم يقبلون
الحدّ من قوانين حماية المعلومات الخاصة لتسهيل مكافحة الإرهاب [17] ، فصدرت
قوانين جديدة متشدّدة تحدّ من الحريّات وتستهدف جمعيات إسلامية ومَن يشجّع أو
ينتمي إلى جماعات «إرهابية» ولو كانت في الخارج.
ولقيت الهجمات الأمريكية على أفغانستان دعماًً من جانب المواطن الألماني
بما يشير إلى تأثّر الجمهور بالعرض الأمريكي الرسمي لخلفيات ما حدث
و «بالأدلّة» التي تقول إنّه من تدبير منظمة القاعدة وزعيمها بن لادن المدعومين
من جانب طالبان، فاعتبر 77% من الألمان الحرب ضد أفغانستان مناسِبة كردّ
فعل على الضربات الإرهابية، وكانت نسبة كبيرة (69%) تريد أن تدعم
ألمانيا الولاياتِ المتحدة دعماً عسكرياً في حربها [18] .
ورغم ذلك يوجد داخل المجتمع الألماني أيضاً إجماع على أن تكون الأولوية
في مكافحة الإرهاب للدبلوماسية والوسائل السلمية.
* ثالثاً: ألمانيا والولايات المتحدة:
مضت أشهر عديدة على الهجمات العسكرية على أفغانستان والتي وجدت
القبول لدى الألمان الذين كانوا حينئذٍ في حالة قلق. لكنّ محاولة الرئيس الأمريكي
«بوش» تسويقَ الحرب على العراق بأنّها امتدادٌ للحرب ضد الإرهاب الدولي لم
تجد قبولاً لا من جانب الإعلام والرأي العام الألماني ولا من جانب الحكومة
الألمانية.
ومع مرور الوقت تحوّلت العلاقات بين الألمان والأمريكان، وساءت النظرة
إلى السياسة الأمريكية، بينما يؤكد الألمان أنّ هناك فارقاً بين الولايات المتحدة
كدولة يودّونها، وبين سياستها الحالية تحت سيطرة «بوش» ومستشاريه.
ومن الواضح أنّ موقف الألمان من الرئيس «بوش» أصبح سلبياً، وأنّه فقد
احترام معظم الألمان.
وفي استطلاع رأي لمؤسسة «فورزا» نشر في جريدة «الفينانشل تايمز»
الألمانية في 9/2/2003م يقول 57% من الألمان إن «بوش» يمارس
«التحريض على الحروب» ، و 80% يقولون إنّ الولايات المتحدة تعتبر الحرب
«وسيلة لفرض سلطانها» ، و 6% فقط يصدّقون أنّ «بوش يسعى إلى الحفاظ
على السلام» لكنّ 93% يرون أنّه مستعدّ للحرب لفرض المصالح «.
لقد أدّت دعوة الولايات المتحدة للحرب ضدّ العراق إلى السكوت عن عدم
ممارسة» التضامن المطلَق «الذي كان المستشار الألماني» شرودر «بعد» 11
سبتمبر «مباشرةً قد وعد به الولايات المتحدة وحكومتها في حربها ضد الإرهاب.
صحيح أنّ نصف الشعب الألماني يفضّل إلى الآن سياسة التقارب مع الولايات
المتحدة للحفاظ على السلام، لكن ليس دون شروط. ويرى الثلث أنّ الاستراتيجية
الأفضل للحفاظ على السلام داخل ألمانيا هي» سياسة التباعد تجاه أمريكا «، وهذا
يعني أنّ فئة كبيرة من الألمان تعتبر السياسة الأمريكية الآن خطراً على مصالحها.
وظهرت الحكومة الألمانية بدور أشدّ قوّة معارِضة على الساحة الدولية لخطط
الولايات المتحدة في شنّ حرب ضد العراق، وخاطرت بموقفها هذا بإلحاق الضرر
بعلاقاتها الوثيقة مع أمريكا. وتمكّنت بالتعاون مع الفرنسيين من الحيلولة دون أن
يصدر مجلس الأمن الدولي قراراً يشرّع العمليات العسكرية في العراق، وهو ما
سبّب الإحراج لحكومة» بوش «ودفعها إلى شنّ حرب» استبدادية غير شرعية «
بمنظور المجتمع الدولي. وأدّى ذلك إلى وقوع تحوّل في العلاقات الدولية، فبات
الاتحاد الأوروبي يعمل حالياً بجهد أكبر لتطوير سياسته الأمنية والدفاعية الضعيفة
نسبياً، ليصبح قطباً قويّاً في موازنة القوة الأمريكية.
والنتيجة الأخرى للحرب ضدّ العراق هي أنّ» الحرب ضدّ الإرهاب «التي
تتزعمها الولايات المتحدة فقدت مصداقيتها ومشروعيتها التي كانت تسوِّغ العمليات
العسكرية الأمريكية.
* رابعاً:» 11 سبتمبر «بمنظور الكتب الألمانية:
صدر بعد أحداث 11 سبتمبر وحتى الآن العديد من الكتب باللغة الألمانية التي
تناقش هذا الموضوع أو جوانب منه، وكثير منها مترجم عن اللغة الإنجليزية
والفرنسية. ويمكن تقسيم هذه الكتب من حيث محتوياتها تحت أربعة عناوين رئيسة،
وهي:
- متابعة العرض الرسمي الأمريكي لهجمات» 11 سبتمبر «والنظر فيه
ومناقشته، ثمّ الكشف عن الخلفيات والحقائق والتمحيص في التناقضات.
- الإسلام وتشريعه بالنسبة إلى القتال والحرب واستخدام العنف. ثمّ موضوع
الإرهاب وخاصة ظاهرة ما يُسمّى» الإرهاب الإسلامي «.
- تاريخ الدول الإسلامية وخاصةً أفغانستان وأوضاعها، والخلفيات ذات
العلاقة بـ» أسامة بن لادن «وتنظيم» القاعدة «.
-» 11 سبتمبر «ونتائجه (نتائج السياسة الأمريكية) على النظام العالمي
الجديد والعلاقات الدولية.
وقد تحوّل اهتمام القراء في الفترة ما بين 2001م و 2003م عن مواضيع
معيّنة إلى أخرى. فعقب العمليات الإرهابية مباشرة كان الطلب على الكتب التي
تؤكّد الاعتقاد بوجود خطر على المجتمعات الغربية من جانب عدوّ إسلامي، مثل
كتاب» صاموئيل هنتنجتون «:» الصراع بين الحضارات «، وكذلك على
عناوين مثل» طالبان - جند الله والجهاد « [19] ، وصاحبَ الاهتمامَ بهذه العناوين
في عام 2002م التركيز على خلفيات أحداث 11/9/2001م ونتائجها، ممّا أدّى
إلى نجاح كتب مثل» الحقيقة الممنوعة - العلاقات المتشابكة بين الولايات المتحدة
وأسامة بن لادن « [20] أو» الحرب ضدّ الإرهاب.. حرب ضدّ الإسلام؟ « [21]
ومنذ بداية هذا العام تحتلّ عناوين تعالج السياسة العدوانية الأمريكية أعلى المراتب
في قوائم الكتب المفضّلة، مثل» (war at رضي الله عنهush) أمريكا في حرب « [22] أو
» (Men White Stupid) محاسبة أمريكا تحت «جورج بوش» [23] .
أ - إرهابيون إسلاميون وراء عمليات «11 سبتمبر» :
يتضح عند الاطّلاع على الكتب التي ظهرت حول «11 سبتمبر» أنّ
المؤلفين الألمان باستثناءات قليلة يبنون كتاباتهم على العرض الرسمي الأمريكي
للحدث، والذي يستند إلى اتهام «أسامة بن لادن» وتنظيم القاعدة، أي إرهابيين
مسلمين، بتدبير العمليات. ولذا نجد كتباً عديدة تحت عناوين مثل «مقاتلون
متعصّبون باسم الله» [24] أو «الحرب المقدسة بما فيها شبكة أسامة بن لادن
الإرهابية» [25] ، تعالج نشأة مجموعات إرهابية إسلامية وأسسها. كما أنّ المؤلّفين
يطرحون الأسئلة التي تشغل عامّة الألمان مثل: «من أين يأتي العنف باسمِ
الجهاد؟» [26] ويعالجون ظاهرة «الطاقات المتطرّفة في الإسلام» [27] .
ومن الواضح أن دين الإسلام وأتباعه أو فئات منهم أصبحوا في محور معظم
الكتب الألمانية حول الحادي عشر من سبتمبر، ممّا يعزّز اقتناع عامّة الألمان
بصحّة الاتّهامات الصادرة عن «البنتاغون» الأمريكي والمخابرات الأمريكية دون
أدلّة قاطعة، وبذلك تخدم هذه الكتب المصالح الأمريكية بشكل غير مباشر.
ب - انتقاد السياسة الأمريكية:
لا يمتنع الكتّاب الألمان والقرّاء عن نقد السياسة الأمريكية في العالم وعن لفت
النظر إلى المصالح الحقيقية التي تدفعها، والطلب كبير على كتب مترجَمة لنقّاد
أمريكان للسياسة الأمريكية مثل «نعوم تشومسكي» (Chomsky Noam) أو
«بوب وود وورد» (Woodward رضي الله عنهob) أو «مايكل مور» (Michael
Moore) ، وهؤلاء يختارون عناوين مستفزّة مثل «القوة العالمية العظمى
(USصلى الله عليه وسلم) كلمات تعزية» [28] أو «حروب عائلة بوش.. الخلفيات الحقيقية
للصراع العراقي» [29] ، ويقدّمون تحليلات نقدية لسياسة الحكومة الأمريكية
وهيمنتها على العالم.
ويتبنّى كثير من الكتّاب النظرية القائلة إنّ واشنطن تستغلّ تاريخ 11/9/
2001م لتعزّز مطالبتها بأن تكون هي القوة العظمى الوحيدة في العالم [30] ، وجميع
الكتّاب المعروفين يقدّرون نتائج الاستراتيجية الأمريكية الحالية بالنسبة إلى النظام
الدولي وسلامته تقديراً سلبياً.
ت - محاولة كشف الخلفيات:
يحاول العديد من المؤلفين الكشف عن الخلفيات التي أدّت إلى عمليات «11
سبتمبر» ومنهم مَن يشكّك في العرض الرسمي للحدث، مشيراً إلى الأقوال
المتناقضة الصادرة عن السلطة الأمريكية والمشكوك فيها.
من استنتاجات بعض الكتّاب مثلاً أنّ القيادة الأمريكية كانت تعلم بالعمليات
ولكن لم تقطع مجراها عمداً، وهذا من رأي الناقد والمفكّر الأمريكي «غور فيدال»
(Vidal Gore) مثلاً. ويصل إلى النتيجة نفسها الباحث البريطاني «نَفيز
أحمد» (صلى الله عليه وسلمhmed.M Nafeez) في تحقيق مفصَّل، فيقول: إنّ المسؤولية
عن أحداث 11/9/2001م تقع على الدولة الأمريكية، لأنّ كشف المعلومات حول
مخطّط العمليات أُوقِفَ قصداً من جانب جهات عليا، منعت أيضاً من التحقيق عندما
ازدادت المؤشّرات حول هجمات إرهابية آتية.
ويوجد مؤلّفون يقولون إنّ العمليات الإرهابية ناتجة عن تدبير داخلي، كما
يقول الصحفي الألماني «غوتهارت» (Guthart Christian) [31] الذي
يشير إلى أنّ صور الحادث تثبت أنه نتيجة عملية مخفية لا يمكن التخطيط لها
وتدبيرها إلا من جانب مخابرات خاصة داخل البلد.
وفي كتب أخرى يلمّح المؤلفون إلى هذه الإمكانية بشكل غير مباشر؛ إذ
يكشفون عن عمليات وعلاقات متشابكة وألاعيب مارستها المخابرات في نطاق
استخدام جماعات إرهابية لتحقيق حاجاتها ومصالحها [32] .
ومن الملاحظ أنّ الألمان يفضّلون الكتب المكتوبة بقلم أمريكي أو فرنسي
والمترجمة إلى الألمانية لتلبية رغبتهم في النظر وراء الكواليس، ومن ثم فإنّ
الكتب الأجنبية الناقدة للتحقيقات الأمريكية ولضعف الأدلّة أشهر من الكتب الألمانية
وأنجح.
أما بالنسبة إلى الكتب الألمانية التي تتجرّأ على التشكيك في الأسس النظرية
والنتائج العملية لتحقيقات الجهات الرسمية الأمريكية، والتي تتبناها معظم الصحف
الألمانية؛ فهي غالباً من أقلام مؤلفين يساريين [33] ، وتتجاهل وسائل الإعلام
المعروفة هذه الكتب أو تقدّمها بصورة مشوَّهة.
ث - اختيار الكتب:
تم اختيار الكتب حسب مقاييس مختلفة مثل قدرة المؤلف وشهرته، كمية
المبيعات، التأثير على الرأي العام، أهمية المضمون وكثافة المعلومات.
بالنسبة إلى كتاب المؤلفيْن الفرنسيين «بريزار» و «داسكيه» : الحقيقة
الممنوعة، تم اختياره؛ لأنّ الكتب الأجنبية هي من أهمّ الكتب حول خلفيات
11/9/2001م، وتجذب اهتمام القرّاء الألمان، فكان من المهمّ اختيار كتاب
أجنبي مترجم إلى الألمانية وله شهرة كبيرة في سوق الكتب الألمانية، ويعطي
صورة عن الأفكار التي تؤثّر بالقارئ الألماني. كما أنّ هذا الكتاب يُحسَب من
أنجح الكتب الموضوعية في فرنسا، واحتلّ مكاناً مهمّا في قوائم الكتب الناجحة في
ألمانيا. ثم إنّه بسبب نجاحه الكبير ومضمونه الخطير يشكّل مصدر ضرر كبير
بالنسبة إلى مستقبل العالم الإسلامي وسمعة المسلمين وهيئاتهم.
وكتاب المؤلّف المذكور آنفاً «بيتر شول لاتور» بعنوان «الحرب ضد
الإرهاب.. حرب ضد الإسلام؟» يُعّد أيضاً من أنجح الكتب الموضوعية،
ويحتوي على معلومات دقيقة وكثيرة حول الأوضاع في أقطار ومناطق إسلامية
مختلفة، ممّا يمكّن القارئ من فهم التطوّرات الحالية في العالم وتقديرها بصورة
أفضل، وقد وصل إلى جمهور ألماني أكبر بسبب تصويره وعرضه كمسلسل
وثائقي على التلفاز.
البروفسور «إيرنست أوتو تشيمبيل» الذي نقدّم كتابه «انقلاب في السياسة
الدولية» له مكانة مهمة بين الباحثين في العلوم السياسية. ونُشر كتابه من جانب
أكبر دار نشر للكتب العلمية، وينصح به أغلب النقاد في أكبر الجرائد الألمانية.
إنه يعطي فكرة نموذجية عن النقد الألماني للسياسة الأمريكية.
أمّا كتاب المؤلّف الصحفي اليساري «بروكرس» فهو يعكس التساؤلات
التي يطرحها المشاهد الألماني الواعي حول الخلفيّات والحقائق من وراء ما حدث
في 11/9/2001م ويقدّم أفكاراً لا نجدها بهذه الصراحة والجرأة في الكتب الأخرى
ولا في الصحف والبرامج الإعلامية الألمانية، وهي أفكار ترحّب بها فئة من
المفكّرين ممّن يبحثون عن عرض آخر ومقنع للحدث.
بروفيسور «بيتر هاينه» مدير مركز العلوم الآسيوية والإفريقية في جامعة
برلين درس العلوم الإسلامية في ألمانيا، وواجه في كتابه «الإرهاب باسم الله»
التحديات التي تواجه كلّ مستشرق وخبير بشؤون «الشرق الأوسط» بعد 11/9،
وذلك من خلال محاولته تفسير ما وراء ظاهرة «الإرهاب الإسلامي» . وقد دعم
المركزُ الاتحادي للتوعية السياسية هذا الكتاب الذي يوزّع بذلك مقابل مبلغ يسير،
فيصل إلى جمهور واسع من طلاب المدارس والجامعات والمعلّمين والطبقة المثقّفة
وعامّة المهتمين في ألمانيا.
* خامساً: نظرة تفصيلية في كتب مختارة:
أ - «وجبة دعائية» من واشنطن وتساؤلات حولها [34] .
مرحباً «بغسيل الدماغ من واشنطن دي سي. (رضي الله عنهrainwashington
عز وجل.C) مرحباً بأكبر عرض دعائي في التاريخ! مرحباً بجهاز توحيد الآراء..
نرجو تسليم دماغك عند شمّاعة الملابس قبل الصعود.. ولا تنسَ حزام الأمن -
فالحرب العالمية الثالثة ليست رحلة للنقاهة!» .
أعطى «بروكرس» كتابه عنوان: «المؤامرات، نظرية المؤامرة،
وأسرار 11 سبتمبر» ، واعتمد كثيراً على أسلوب التهكّم والسخرية عند كلامه عن
التقارير الإخبارية المتحيّزة التي تؤدّي إلى توجيه الناس حسب «وجبة دعائية»
من جانب الحكومة الأمريكية. فأهمّ هدف بالنسبة إليه هو أن يصدّ نفس القارئ عن
تلك «الوجبة» وأن يدفعه إلى الشكّ في مكوّناتها وتفاصيلها حتى يبدأ بطرح
الأسئلة والبحث عن الأجوبة.
وفي مقدّمة كتابه يلوم «بروكرس» أولاً ظاهرة «التطابق المفروض»
على الإعلام الألماني فيما يتعلق بالحادي عشر من سبتمبر، والتقارير الإخبارية
المتحيّزة الناتجة عن ذلك، والتي التزمت بالعرض دون النقد لرواية البيت الأبيض
التي يصفها بأنها في الحقيقة من نتاج «نظرية مؤامرة» . ومن وجهة نظره
يتخلّى الإعلام الألماني عن التوضيح الموضوعي المستقل والصادق للأحداث، ثم
لا يسمح به. ولذلك يعلّق المحرر الأسبق في الجريدة اليسارية المستقلة «تاغس
تسايتونغ» أمله على وسيلة الإنترنت التي يمكن أن تسدّ الفجوة المعلوماتية
في هذا الشأن. ويشير إلى الكمية الكبيرة من الأفكار والمراجع الجيدة والسيّئة
حول 11/9 التي تمكّن المستخدم المهتَمّ من العثور على تفسيرات مختلفة وعرض
آخر للحدث. وهو ممَّن استفاد من هذه الوسيلة ليعرض فيها أفكاره في كتاب
«مذكرات حول المؤامرات» على صفحة مجلة (www.telepolis.de) ،
التي وجدت اهتماماً كبيراً دفع إلى نشرها في هذا الكتاب.
يحلّل «بروكرس» في هذه المقالات الموجودة في الجزء الثاني من الكتاب
الأنباء الجديدة ويتأمّل في مرتكبي الجريمة (بن لادن وغيره) ودوافعهم ويطرح
السؤال: من المستفيد؟ ولكنّه يشير إلى عدم رغبته وقدرته على تقديم الأجوبة وإلى
أنّه يريد فقط أن يلمّح إلى التناقضات في العرض الرسمي وأن يطرح الأسئلة.
ويعطي لنفسه هذه الصلاحية؛ لأنّه لا يوجد حتى اليوم مَن يستطيع أن يفسّر
بصورة قاطعة ومقنعة ما جرى في 11/9/2001م ويجزم بصدد المدبّرين للحدث
ومن كان لديهم علم مسبق به.
ويقول: لقد اصطُنِعَ وحشٌ باسم «بن لادن» دون أي دليل يصلح للقضاء،
ورُفع إلى مقام حقيقة غير مشكوك فيها لمجرّد تكرارها على جميع القنوات
التلفزيونية، حتى أصبح سبباً ممكناً لحرب عالمية ثالثة «.
والطعن في هذه الرواية ممكن كما يقول لأسباب عديدة، منها:
أولاً: قالت المخابرات الأمريكية مثلاً إنّها لم تجد أيّ آثار مسجّلة لعمليات
11/9؛ وزيادةً على ذلك اعترف رئيس المخابرات الداخلية الأمريكية (Fرضي الله عنهI)
أنّه بعد سبعة أشهر من العمل المتواصل لم تجد الولايات المتحدة أيّة أدلّة ثابتة
تتعلق باعتداءات الحادي عشر من سبتمبر.
ثانياً: أنكر بن لادن في تسجيل له أي علاقة بتدبير العمليات الإرهابية.
ثالثاً: من رأي جميع المراقبين والخبراء أنّ عملية معقّدة وصعبة مثل هذه لا
يمكن تدبيرها دون دعم استخباري أو عسكري.
رابعاً: توجد تناقضات عديدة تشكّك بالعرض الرسمي للحدث، ويعبّر
» بروكرس «عن بعضها في صيغة أسئلة فيقول:
- لِمَ لم تظهر أسماء المجرمين الذين أعلنت عنهم المخابرات الداخلية
الأمريكية على قوائم ركاب الطائرات المستخدَمة للعملية؟ ومن تلك الأسماء أسماء
انكشف لاحقاً أنّها مغلوطة.
- إن كان من الممكن لركاب الطائرات أن يستخدموا الهاتف فلِمَ لم تعلم أيّ
جهة مثل أمن الطيران وغيرها بعمليات الاختطاف؟
- كيف ارتكب» الإرهابيون الممتازون «أخطاءً غبيّة مثل حجز بطاقات
سفر بأسمائهم الحقيقية أو نسيان أوراق سفر في سيارات مستعارة.. إلخ؟
- كيف تحمّلت أجهزة كمبيوتر داخل المركز التجاري العالمي المهَدّم
الانفجارات والحرائق دون أن تتعطّل ذاكرتها، بينما تحطّمت في الطائرات أجهزة
التسجيل المحميّة حتى من انفجار قنبلة، بصورة كاملة؟
- كيف تمكّنت طائرة الرحلة رقم 77 من الابتعاد عن طريقها لمدة نصف
ساعة دون أن يوقفها أحد قبل الوصول إلى وزارة الدفاع الأمريكية؛ وذلك في أشدّ
المناطق الجويّة حراسةً في أنحاء العالم؟
- مَن يكمن وراء عمليات التجارة الواسعة النطاق بأسهم شركة طيران
» يونايتد إيرلاينس «في الأيام السابقة ليوم 11/9/2001م؟
لا يحاول» بروكرس «أن يجد أجوبة أو حلولاً لهذه الأسئلة، ولكن يشير
إلى إمكانية تلبيس أشخاص ومنظمات أخرى غير» بن لادن «وتنظيمه تهمة
تدبير العمليات، ويذكر مثلاً المخابرات الأمريكية (CIصلى الله عليه وسلم) أو الموساد اليهودي،
ويدلّ على ذلك بعمليات سريّة قامت بها هذه الهيئات في الماضي، وتشابه أبعادُها
أبعادَ عملية 11/9/2001م.
ويذكر المؤلف في هذا السياق الهجمات اليابانية على» بيرل هاربر «التي
أدّت إلى التدخّل الأمريكي في الحرب العالمية الثانية وضرب مدن يابانية بقنابل
ذرّية، ولكنّ الملفّات السريّة سابقاً، والتي سُمح بالاطّلاع عليها في هذه الأثناء،
كشفت خلفيّات هذا الحدث، وتشير إلى أنّ القيادة الأمريكية كانت تعلم مسبقاً
بالهجمات اليابانية، ولم تصنع شيئاً لمنعها، ولكن بعد هذه الهجمات تمكّنت
الحكومة من إقناع الشعب ودفعه إلى المشاركة في الحرب.
رغم هذا لا يهدف» بروكرس «إلى إبطال الادعاء القائل باتّهام» إرهابيين
مسلمين «بالقيام بهذه العمليات. ومن وجهة نظره يمكن تثبيت عدة صور مختلفة
لتفسير الحدث، وأهمها:
- السبب في كل ما يحصل: النفط ومحاولات إلغاء المعارضة الإسلامية في
الأقاليم التي تسيطر عليها الولايات المتحدة.
- عائلة بوش وصانعو القرار الرئيسيون في الولايات المتحدة الأمريكية
أعضاء في محفل سري للنخبة، وسبق أن تمكّن ذلك المحفل من دعم» هتلر «
و» ستالين «ومن تدبير الحرب العالمية الثانية، وبذا يمكن أن يكون قد دبّر الآن
اصطناع المسوِّغ لحروب مستقبلية.
- هناك شبكة متطرفين إسلاميّين أعلنت الحرب على العالم الغربي بمثل هذه
العمليات الإرهابية.
من رأي» بروكرس «يمكن أن يكون لكل من هذه النظريات دورٌ في
التفاعل الذي أدّى إلى الكارثة. ولكنّه لا يناقش هذه النظريات بل يكشف الخلفيات
التي يمكن أن تظهر الضربات الإرهابية تحت ضوء آخر:
يذكر مثلاً العلاقات المتشابكة بين المخابرات الأمريكية و» أسامة بن لادن «،
ويقول إنّها استأجرته في عام 1980م، ليعمل على تسليح المجاهدين السعوديين،
حتى يصبحوا قوّة عسكرية في الحرب ضدّ الاتحاد السوفييتي. وأضاف أنّ عميل
الاستخبارات المركزية الأمريكية في الإمارات، زار» أسامة بن لادن «في
المستشفى الأمريكي في دبي وذلك في شهر يوليو 2001م.
ومن الخلفيات المهمة أيضاً خطط شركات النفط الأمريكية لبناء أنابيب نفط
في منطقة آسيا الوسطى والمصالح الجيوستراتيجية الأمريكية هناك. فنائب الرئيس
الأمريكي» ديك تشيني «كان حتى عام 2001م مديراً ومساهماً رئيسياً في شركة
» هاليبورتون «الأمريكية، التي كانت تخطط لمشروع بناء أنابيب عبر أفغانستان
بالمليارات. ويمكن الآن بعد إسقاط طالبان وتشكيل حكومة تابعة لواشنطن تنفيذ هذه
الخطط المهمّة» لهاليبورتون «وشركات أمريكية أخرى. وليس نائب الرئيس
فقط من لديه علاقة متينة بشركات النفط، إنما شمل ذلك عدداً كبيراً من صانعي
القرار، ومنهم الرئيس» بوش «وأبوه ومستشارة شؤون الأمن» كونداليزا
رايس «وآخرون.
وفي كتابه يلمّح» بروكرس «عدة مرات إلى العلاقات بين المخابرات
الأمريكية والباكستانية وطالبان. ويذكر أنّه حسب مقالة للجريدة الكبيرة» تايمز
أوف إنديا «الهندية أقدم مصرفان من البنوك الباكستانية على تحويل مائة ألف
دولار لحساب» محمد عطا «في فلوريدا، والذي يعتبَر أهمّ مدبّر لعمليات الحادي
عشر من سبتمبر. وكان الموكّل بهذه التحويلات» أحمد عمر شيخ «، البريطاني
الجنسية، والعميل الأعلى لرئيس المخابرات الباكستاني الجنرال» أحمد «.
ويلفت النظر أنّ هذا الجنرال قدّم استقالته فجأة في شهر أكتوبر 2001م كما تمّ
اعتقال عميله» أحمد عمر شيخ «بتهمة قتل الكاتب الصحفي» دانييل بيرل «
التابع لجريدة» وول ستريت جورنال «في الباكستان.
ويرى أنّ من الآثار المهمة التي يمكن أن تؤدّي إلى معرفة مدبري العملية
الحركات المالية العجيبة التي حصلت قبل 11/9/2001م؛ حيث لاحظت رقابة
البورصة مثلاً كمية كبيرة من المبيعات لأسهم شركتي الطيران» أميركان إيرلاينز
ويونايتد إيرلاينز «، اللتين استخدمت طائراتهما للقيام بعملية الإرهاب.
وحسبما يستنتج» بروكرس «يمكن لهذه الآثار أن تبيّن مَن كان في الحقيقة
وراء عمليات الحادي عشر من سبتمبر. وهنا يعبّر عن غضبه إزاء تأجيل
التحقيقات وحجب الحقائق وعرقلة التحريات من جانب السلطات الأمريكية، وهو
ما يدلّ على أنها تريد أن تغطّي على حقيقة ما حصل.
لا يتقبّل عامّة الناس في ألمانيا كتاب» بروكرز «وأفكاره بسبب خطورة
تأمّلاته وطرحه الصريح لبعض الحقائق المجهولة وبسبب حديثه عن نظرية للحدث
غير معتاد عليها. ثم إنّه يستخدم عبارات غير مقبولة داخل المجتمع الألماني، مثل
أوصاف أوردها عن رئيس الوزراء الإسرائيلي» شارون «، وحاولت الصحف
الكبيرة في ألمانيا تجاهل كتاب» بروكرس «، ويقول رئيس دار النشر» لوتس
كروت «: إنّ من قام منها بتقديم الكتاب فعل ذلك بسخرية وبأسلوب مضلّل.
ورغم فقدانه الدعاية الضرورية عادة من جانب الإعلام، ورغم عدم العثور
على هذا الكتاب عن طريق محلات بيع الكتب أو في مواقع الإنترنيت لبيع الكتب،
إلا أنّه أصبح أنجح كتاب أصدرته دار نشر» تسفاي تاوزند آينس «وطُبع خلال
عشرة أشهر 31 مرة فوصل إلى حوالي نصف مليون قارئ حتى الآن.
صحيح أنّ نظريات» بروكرس «غير مقنعة أحياناً ولا يمكن التأكّد من
صحة مراجعه؛ لأنّ من مصادرها صفحات إنترنيت متغيّرة ومصداقيتها غير
واضحة، ولكنّ تلميحاته وأسئلته تكفي للشكّ في العرض الرسمي من جانب
واشنطن وانتشاره في الصحف. وكان من الأفضل لو أنّ المؤلف حذف الفصل
الأول من الكتاب، والذي يقدّم فيه نظرية المؤامرة ويعبّر عن أفكار غير مقبولة،
منها إنكار وجود الله ووصف الإيمان به أيضاً بأنّه من» نظرية المؤامرة «. ولكن
يسدّ الكتاب بفصوله الباقية وبالجزء الثاني الذي يصدر في آب / أغسطس 2003م
ثغرة كبيرة في أسواق الكتب الألمانية وفي الإعلام؛ لأنّه يطرح أسئلة يشعر بها
كثيرون ولا يتجرّأ على التفوّه بها إلا قلائل.