قراءات تاريخية
موسى بن نصير
عندما تولى موسى بن نصير أفريقية والمغرب كانت البلاد في قحط شديد،
فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين، وخرج بهم إلى الصحراء، ومعه
سائر الحيوانات وفرق بينها وبين أولادها، فوقع البكاء والصراخ والضجيج وأقام
على ذلك إلى منتصف النهار، ثم صلى، وخطب الناس، ولم يذكر الوليد ابن عبد
الملك فقيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين؟ فقال: هذا مقام لا يدعى فيه لغير الله
عز وجل. فسقوا حتى رووا.
ابن خلكان - وفيات الأعيان 5/319
وذكرهم بأيام الله
كان القاضي منذر البلوطي إماماً عالماً فصيحاً خطيباً شاعراً أديباً، كثير
الفضل، جامعاً لصنوف الخير والتقوى والزهد، له وقع في النفوس وعليه حلاوة
وطلاوة، دخل يوماً على الناصر لدين الله عبد الرحمن الأموي وقد فرغ من بناء
المدينة الزهراء وقصورها، وقد بنى له فيها قصر عظيم منيف، وقد زخرف
بأنواع الدهانات وكسى الستور، وجلس عنده رؤوس دولته وأمراؤه، فجاءه
القاضي فجلس إلى جانبه، وجعل الحاضرون يثنون على ذلك البناء ويمدحونه،
والقاضي ساكت لا يتكلم فالتفت إليه الملك وقال: ما تقول أنت يا أبا الحكم؟ فبكى
القاضي وانحدرت دموعه على لحيته فقال. ما كنت أظن أن الشيطان أخزاه الله
يبلغ منك هذا المبلغ المفضح المهتك المهلك لصاحبه في الدنيا والآخرة، ولا أنك
تمكنه من قيادك مع ما آتاك الله وفضلك به على كثير من الناس، حتى أنزلك منازل
الكافرين والفاسقين. قال الله تعالى: [ولَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن
يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ ومَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * ولِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً
وسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وزُخْرُفاً..] [الزخرف: 33] . قال: فوجم الملك عند
ذلك وبكى وقال: جزاك الله خيراً، وأكثر في المسلمين مثلك.
ابن كثير - البداية والنهاية 11/307