في دائرة الضوء
الصهيونية المسيحية
سر تبني أمريكا لمشاريع اليهود
صالح بن عبد الله الهذلول
المفهوم الاصطلاحي لـ: «الصهيونية المسيحية» [*] :
يقصد بهذا الاسم أنه بالإضافة إلى وجود حركة صهيونية يهودية؛ فإنه يوجد
حركة صهيونية مسيحية.
فإذا كانت الصهيونية اليهودية هي: دعوة وحركة دينية قومية، تدعو اليهود
إلى العودة إلى جبل صهيون في فلسطين، وإقامة دولة يهودية خاصة بهم في
فلسطين.
فإن الصهيونية المسيحية هي: حركة ودعوة أيضاً دينية، لكنها مسيحية،
تدعو إلى العصمة الحرفية للكتاب المقدس، والعودة الحقيقية للمسيح، وقيام حكمه
الألفي الذي تكون عاصمته مدينة القدس.
وصهيونيتها تأتي من دعوتها إلى وجوب عودة اليهود إلى أرض الميعاد
(فلسطين) تحقيقاً للنبوءات التوراتية التي يؤمن بها المسيحيون.
علماً أنه بالإضافة إلى هذا الاسم «الصهيونية المسيحية» ؛ فإنه يطلق عليها
أحياناً أسماء أخرى؛ مثل: «الأصولية المسيحية» ، أو «الأصولية الإنجيلية» ،
أو «الصهيونية غير اليهودية» . وكل هذه الأسماء لمسمى واحد.
* عوامل ظهور «الصهيونية المسيحية» :
1 - الأصل في دين المسيحية هو التوحيد، وهو دين الأنبياء جميعاً عليهم
الصلاة والسلام، وما جاء عيسى عليه السلام إلا به، التوحيد بكل شُعبه: في
العبادة، فلا يُعبد إلا الله وحده لا شريك له، وفي الربوبية، فالله خالق كل شيء،
وفي الأسماء والصفات، فليست ذات الله جل جلاله مركبة، كما أنها منزهة عن
مشابهة المخلوقين [1] .
يقول الله تعالى: [وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي
وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ
قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ * مَا
قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ
فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ] (المائدة:
116-117) .
ومع ما دخل كلاً من التوراة والإنجيل من تحريف عبر التاريخ، إلا أنه لا
يزال يوجد فيهما الآن نصوص تدل على توحيد الله سبحانه، ففي التوراة مثلاً:
(في البدء خلق الله السماوات والأرض) [2] . (لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا
تصنع لك تمثالاً منحوتاً، ولا صورة مما في السماء فوق، وما في الأرض من
تحت، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهن، ولا تعبدهن؛ لأني أنا
الرب إلهك، إله غيور) [3] . (فاحترزوا من أن تنغوي قلوبكم، فتزيغوا، وتعبدوا
آلهة أخرى، وتسجدوا لها، فيحمى غضب الرب عليكم) [4] .
وورد في الإنجيل: قال المسيح: «إن أول الوصايا هي: (اسمع يا
إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد) [5] . فقال له الكاتب: جيداً يا معلم، بالحق قلت؛
لأنه الله واحد، وليس آخر سواه» [6] . وقال المسيح أيضاً: (إنه مكتوب للرب
إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد) [7] .
ولكن بولس (شاؤل) اليهودي [8] الذي اعتنق النصرانية عام 38م أي بعد
رفع المسيح عليه السلام استطاع أن يغير اتجاهها، ويحدث فيها كل ما ليس من
أصلها، حيث كان من أشدّ وألدّ أعدائها. لقد كان دخوله المسيحية، كما يقول عنه
لوقا: «وفي ذهابه حدث أنه اقترب إلى دمشق، فبغتة أبرق حوله نور من السماء،
فسقط على الأرض، وسمع صوتاً قائلاً له: شاؤل، شاؤل، لماذا تضطهدني؟
فقال: من أنت يا سيدي؟ فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده. فقال وهو
مرتعد متحير: يا رب! ماذا تريد أن أفعل؟ فقال له الرب: قم وادخل المدينة،
فيقال لك ماذا ينبغي لك أن تفعل» [9] .
قال لوقا: «وللوقت جعل يكرز أي بولس في المجامع بالمسيح أن هذا هو
ابن الله» [10] .
هذه الجملة الأخيرة غيرت وجه التاريخ؛ إذ لم تكن معروفة من قبل،
فأصبحت نقطة تحول في الدراسات المسيحية، وأصبح بولس معلم المسيحية [11] :
«وأعرفكم أيها الأخوة الإنجيل الذي بُشِّرت به، إنه ليس بحسب إنسان؛ لأني لم
أقبله من عند إنسان، ولا عُلِّمتُه، بل بإعلان يسوع المسيح» [12] .
قال ذلك، مع أنه «لم ير المسيح قط، ولا سمعه يتكلم، ولكنه قال بصلة
مباشرة بينه وبين المسيح. وبهذه الدعوى؛ لم يَصِر لأحد حتى في أن يناضله فيما
ينشره من تعاليم ما دام أنه تلقاها مباشرة من السيد المسيح» [13] .
إذن فالأصل في دين المسيحية التوحيد كغيره من الأديان السماوية التي جاءت
من عند الله سبحانه كما شهدت بذلك الكتب السماوية الثلاثة: التوراة، والإنجيل،
والقرآن.
فمن أين إذن جاء التثليث ليصبح جوهر العقيدة المسيحية بعد المسيح؛ مع
ملاحظة أن التوراة وهي أصل المسيحية، وأن كثيراً من نصوص الإنجيل تنطق
بالألوهية الواحدة؟
والجواب: ما يروى عن المسيح عليه السلام أنه قال لتلاميذه يوماً: «اذهبوا،
وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الأب، والابن، والروح القدس» [14] .
وقد سبق إيراد ما يخالف ظاهر هذا النص من الإنجيل نفسه؛ مما يدل قطعاً على
دخول التحريف إلى الإنجيل والعبث به. ولعل الدافع لإقحام هذا النص فيه جعل
المسيحية ديناً عالمياً من ناحية، وبث فكرة التثليث من ناحية أخرى.
ولقد اتسعت عقيدة التثليث وانتشرت بين المسيحيين حينما دخل الوثنيون من
الرومان، واليونان فيها، حيث كان أكثر من يحضر المجامع الكنسية من الرومان
واليونان، ولهم السيطرة فقرر الرومان بسلطة قسطنطين [15] وقوته هذه العقيدة في
مجمع نيقية سنة 325م، ثم قرروها في الآفاق، على الرغم من أن الآريوسيين
[16] ذهبوا إلى أن المسيح إنسان مخلوق من العدم، فنفاهم قسطنطين، وبقوا بضع
سنين في المنفى، ثم عادوا إلى الإسكندرية. وبعودتهم نادى الأساقفة المكرهون
على التوقيع بالتثليث ببطلان مساواة عيسى لله في الجوهر.
فاضطر قسطنطين أن يقيم مجمعاً جديداً في أنطاكية، وكثر فيه الجدل، ثم
أقرّ فيه صحة مذهب آريوس، وبطلان رأي خصومه الذين دعوا أنفسهم أرثو ذكس
(أي مستقيمي الرأي) ولكن سرعان ما توفي آريوس فاستغل خصومه ذلك حجة
على بطلان زعمه [17] ، فغلبت عقيدة التثليث وراجت.
وجددت الكنيسة الكاثوليكية، والمذهب البروتستانتي عقيدة التثليث؛ مع
اعترافهم أن أدلة التاريخ تخالف ذلك، وأنه طارئ على الديانة المسيحية [18] ،
وهكذا سيطر الرومان الذين دخلوا المسيحية، وأحدثوا فيها ما أحدثوا من الوثنيات،
ولهذا قيل: «لم تتنصر الروم ولكن تروَّمت النصارى» .
واستمر حكمهم إلى القرن السادس الميلادي، حيث جاء الإسلام فاضطرهم
بفتوحاته وانتصاراته إلى الانحصار على أوروبا. وهناك - وفي العصور
الوسطى - سيطر رجال الكنيسة على أوروبا دينياً؛ فكان لهم الحق وحدهم في فهم
الدين، وتفسيره. كما سيطروا سياسياً؛ حيث كان البابا هو الذي يعين الحكام.
وسيطروا علمياً؛ حيث فرضوا فهمهم الديني على ممالكهم.
2 - وبعد سقوط غرناطة عام 1492م؛ بدأت محاكم التفتيش تفتك بالمسلمين
واليهود معاً، فهاجر المسلمون إلى شمال إفريقيا ومعهم بعض اليهود، إلا أن أكثر
اليهود هاجر إلى أوروبا، فحملوا معهم ثروة علمية ومالية جمعوها من الأندلس،
وكان لها أكبر الأثر في تغلغل اليهود بالمجتمع الأوروبي، حيث وصل ذلك التغلغل
إلى الكنيسة نفسها؛ مما حدا بمارتن لوثر [19]- زعيم حركة الإصلاح ورائد
المذهب البروتستانتي - أن ينشر كتاباً عام 1523م بعنوان: (عيسى وُلد يهودياً) .
ووضعت حركة الإصلاح البروتستانتية العصمة في الكتاب المقدس، كما أدت
القراءة الحرفية له إلى النظر إلى شعب اليهود بوصفه شعباً مميزاً، وإلى أن
عودتهم إلى فلسطين شرطٌ لتحقيق المجيء الثاني للمسيح.
وهكذا نفذ الفكر اليهودي والأدبيات اليهودية إلى صميم العقيدة المسيحية،
وتدور تلك الأدبيات حول أمور ثلاثة:
أ - أن اليهود هم شعب الله المختار، وأنهم يكونون بذلك الأمة المفضلة على
كل الأمم «لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك. إياك قد اختار الرب إلهك؛ لتكون
له شعباً أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض» [20] .
ب - أن ثمة ميثاقاً إلهياً، يربط اليهود بالأرض المقدسة في فلسطين أعطاه
الله لإبراهيم حتى قيام الساعة: «وقال الرب لأبرام: اذهب من أرضك ومن
عشيرتك، ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة، وأباركك،
وأعظم اسمك، وتكون بركة، وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه ... وخرجوا
ليذهبوا إلى أرض كنعان.... وظهر الرب لأبرام، وقال: لنسلك أعطي هذه
الأرض» [21] .
ج - ربط الإيمان المسيحي بعودة المسيح، بقيام دولة صهيون؛ أي بتجميع
اليهود حتى يظهر المسيح فيهم مرة ثانية.
هذه الأمور الثلاثة ألفت في الماضي، وهي تؤلف اليوم، قاعدة «الصهيونية
المسيحية» التي سبقت الصهيونية اليهودية بثلاثة قرون؛ أي قبل المؤتمر
الصهيوني الأول الذي عُقد في بازل بسويسرا عام 1897م برئاسة د. هرتزل [22] .
في لقاء تم بين جريس هالسل ومسيحي أمريكي في فلسطين؛ تمنى ذلك
المسيحي أن لو وُلد يهودياً، وقال: «إن خلق إسرائيل جديدة مع عودة اليهود إلى
الأرض التي وعدهم الله بها؛ يعطينا دليلاً لا يناقش على أن خطة الله المباركة هي
موضع التنفيذ، وأن العودة الثانية لمخلصنا قد تأكدت» [23] .
وجاء في دائرة المعارف البريطانية: «إن الاهتمام بعودة اليهود إلى فلسطين
قد بقي حياً في الأذهان بفعل النصارى المتدينين، وعلى الأخص في بريطانيا أكثر
من اليهود أنفسهم» ، ويؤكد هذا المعنى وايزمان بقوله: «إن من الأسباب
الرئيسية لفوز اليهود بوعد بلفور؛ هو شعور الشعب البريطاني المتأثر بالتوراة،
وتغنيه بالشوق الممض لأرض الميعاد» [24] .
لم تكتف «الصهيونية المسيحية» بهذا الحد من التغلغل الفكري في أوساط
المسيحيين الغربيين، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك وأعمق، فعندما ترجم
الكتاب المقدس للغات القومية الأوروبية، أصبح ما ورد في العهد القديم من تاريخ،
ومعتقدات، وقوانين العبرانيين، وأرض فلسطين أموراً مألوفة في الفكر الغربي.
وغدت قصص العهد القديم وشخصياته مألوفة كالخبز، وأضحى كثير من
البروتستانت يرددونها عن ظهر قلب. وأصبح المسيح نفسه معروفاً، ولم يُعتقد أنه
ابن مريم، بل واحد من سلسلة طويلة من الأنبياء العبرانيين. وحل أبطال العهد
القديم كإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب؛ محل القديسين الكاثوليك.
وأصبحت فكرة أن الحج للقدس يكفر الخطايا مرفوضة، كما أنكرت شفاعة
القديسين، وتبجيل رفاتهم. لكن ذلك لم يُنس الناس الأرض المقدسة تماماً، بل إنها
حظيت بأهمية جديدة، حيث ارتبطت بدلالات صهيونية.. وهكذا أصبحت فلسطين
أرضاً يهودية في الفكر المسيحي في أوروبا البروتستانتية، وأصبح اليهود هم
الفلسطينيون الغرباء في أوروبا والذين سيعادون إلى فلسطين عندما يحين الوقت
المناسب [25] .
3 - ويذكر الباحثون أن أول من دعا إلى البعث اليهودي في فلسطين هو
اللاهوتي الإنجليزي توماس برايتمان (1562 - 1607م) ، وتلميذه هنري فنش
عضو البرلمان البريطاني الذي كتب عام 1621م أن اليهود سوف يعودون إلى
بلادهم، ويعيشون بسلام هناك إلى الأبد؛ تحقيقاً لصالح الديانة المسيحية، بعد أن
يسودوا أعدائهم الذين يسميهم الكتاب المقدس «جوج وماجوج» . وفي هذا الوقت
- أي القرن السابع عشر - قامت في إنجلترا حركة «تطهيرية» تعاطفت مع
اليهود، واستخدمت العبرية في الصلوات، وفي تلاوة الكتاب المقدس، وشددت
على أن العهد القديم يعطي مثالاً للحاكمية الإلهية في تاريخ أمة، وعلى مفهوم
الشعب المختار [26] .
هذه الحركة التي يسميها المؤرخ سيسل روث: «حب السامية» ، تميزت
بالخصائص الآتية:
أ - التأثر بالمثالية العبرية كما تظهر في الكتاب المقدس.
ب - شعور بالخجل تجاه آلام اليهود في الماضي والحاضر، والعطف عليهم.
ج - نقل يوم الاحتفال الديني ببعث اليهود؛ إلى يوم السبت.
وفي عام 1649م وجّه كل من عالمي اللاهوت التطهيريين الإنجليزيين
«جوانا» ، و «أيبنزر كاترايت» مذكرة إلى الحكومة البريطانية يطالبان فيها:
أن لبريطانيا شرف حمل أولاد إسرائيل إلى الأرض التي وُعد إياها أجدادهم.
هذه المذكرة لها أهمية من حيث:
أ - أنها تعبِّر عن مدى التحول في النظرة إلى فلسطين والقدس؛ من كونها
أرض المسيح المقدسة، إلى كونها وطناً لليهود.
ب - أنها أول تعبير عن التحول من الإيمان بأن عودة المسيح تسبقها عودة
اليهود إلى فلسطين، وأن العودتين لن تتحققا إلا بتدخل إلهي، تحول من ذلك
الإيمان إلى الإيمان بأن هاتين العودتين يمكن أن تتحققا بعمل البشر.
واعتمد هذا الربط كرومويل سنة 1655م في مؤتمره للتشريع لعودة اليهود
إلى بريطانيا، وقد حضر المؤتمر هذا العالم اليهودي ناسخ بن إسرائيل الذي ربط
الصهيونية المسيحية بالمصالح الاستراتيجية لبريطانيا.
إن توظيف الدافع الديني لتحقيق مكاسب سياسية ذات بعد استراتيجي؛ أسس
القاعدة الثابتة للصهيونية المسيحية في أوروبا ثم في أمريكا. ولكن حركة «حب
السامية» تضاءلت بعد موت كرومويل، وارتقاء الستيورات عرش الحكم في
إنجلترا سنة 1660م التي هزمت فيها البيوريتانية «التطهيرية» ، غير أن البعث
اليهودي من حيث هو تمهيد للمجيء الثاني للمسيح شقت طريقها بين المسيحيين في
إنجلترا، وكثير من البلدان الأوروبية، وهي تندرج في سياق النظرة «الألفية»
إلى المستقبل، والقائلة: إن العالم يشرف على النهاية، وإن ألفاً من السنين تتميز
بالمودة والسلام والأخوة ستبدأ بعد تلك النهاية.
وفي مطلع القرن التاسع زاد زخم هذه الفكرة في إنجلترا، فتأسست في لندن
عام 1807م جمعية لنشر المسيحية بين اليهود! وعمل القس لويس وي الذي أصبح
عام 1809م مديراً للجمعية على ترويج فكرة عودة اليهود إلى فلسطين تحقيقاً
للنبوءات التوراتية [27] .
وعملت هذه الجمعية، بل تخصصت في تثقيف «المهتدين» من اليهودية
إلى المسيحية ودعمهم، ثم تحولت بسرعة إلى دعم الصهيونية.
وهنا وقفة جديرة بالتأمل والملاحظة، وهي: ظاهرة تحول بعض اليهود إلى
المسيحية، مع ما عرف عن اليهود من انغلاق! فهل يهدف المسيحيون لإدخال
بعض اليهود في المسيحية؟ أو أن ذلك من قبيل اختراق اليهود للمسيحية والعبث
بها، وتسخير المسيحيين لمصلحتهم [28] ؟ ولقد عمل اللورد شافتبري على معارضة
اندماج اليهودية في المجتمع الإنجليزي، ويرى وجوب بقاء اليهود غرباء في كل
بلد إلا فلسطين.
إلا أن اليهود لم يتحمسوا كثيراً للذهاب إلى فلسطين، بل همهم الأول نيل
الحقوق المدنية، والسياسية في مختلف البلدان.
ثم بدأ الأمر يتغير تدريجياً مع قيام حركة سياسية، أطلقها مجموعة من اليهود
الأوروبيين الذي عقدوا المؤتمر الصهيوني عام 1894م: وحينما رفع هرتزل شعار
«أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض» [29] ؛ استفادت منه الحركة الصهيونية
اليهودية.
ومما يجدر ذكره والتنويه به أن كلاً من «آرثر بلفور» ، و «دافيد جورج»
رئيس الحكومة البريطانية في تلك الفترة، ينتميان إلى تيار «الصهيونية
المسيحية» .
وفي منتصف القرن التاسع عشر انتشرت فكرة «الألفية» [30] على يد
المبشر البريطاني جون داربي الذي قسم التاريخ إلى حقبات تحددها كيفيات التدخل
الإلهي، وبشَّر بقرب تحقيق النبوءات مع التشديد على «الأمر الإلهي» بعودة
اليهود إلى فلسطين بالمجيء الثاني الحقيقي للمسيح.
4 - في عام 1878م أصدر رجل الأعمال المسيحي وليم بلاكستون:
(1841 - 1935م) كتابه «يسوع آت» ، ووزع منه أكثر من مليون نسخة في
الولايات المتحدة الأمريكية، وترجم إلى (?) لغة، وعُدّ أكثر الكتب انتشاراً في
القرن التاسع عشر [31] .
وفي هذا العام نفسه؛ أسس بلاكستون منظمة تدعى «البعثة العبرية من أجل
إسرائيل» ، جمع خلالها توقيعات (413) شخصية أمريكية بارزة من أعضاء
الكونجرس، والقضاة، ورجال الأعمال والصحافيين. ورفعها ضمن عريضة
للرئيس الأمريكي هاريسون (1889 - 1893م) وذلك سنة 1891م، يطلبون
فيها تجميع اليهود في وطنهم فلسطين.
وعندما تردد هرتزل في أمر فلسطين كأرض تقام عليها دولة إسرائيل أرسل
بلاكستون إليه نسخة من الكتاب المقدس، تظهر فيها علامات وضعها هوتشير إلى
عودة اليهود إلى الأرض المقدسة.
وهكذا فلقد استطاعت الحركة الصهيونية اليهودية ولفترة طويلة توظيف
مشاعر التأييد في الأوساط الصهيونية المسيحية، إلى حد أن اقترح الرئيس
الأمريكي توماس جفرسون (1801 - 1809) اتخاذ رمز لأمريكا يمثل أبناء
إسرائيل تظللهم غيمة في النهار، وعمود من نار في الليل، توافقاً مع ما يتضمنه
سفر الخروج (13: 20 - 22) .
ومنذ عام 1814م ارتفعت في أمريكا دعوات «الصهيونية المسيحية»
لتوطين اليهود في فلسطين، بل إن أحد رواد هذه الحركة القس وردر جريسون؛
هاجر من أمريكا إلى فلسطين، واعتنق الديانة اليهودية، وقد ترقى في الأعمال
الوظيفية إلى أن أصبح قنصلاً عاماً لأمريكا في فلسطين، وكان متحمساً لعودة
اليهود إلى فلسطين.
وهكذا تفاعل شعور الحركتين الصهيونيتين: المسيحية واليهودية؛ بوجوب
توطين اليهود في أرض الميعاد «تحقيقاً لوعد الله» ! ، وتنامى على مستويات
عدة: سياسية، ودينية، ومادية، ونتج عنه مطالبة اليهود للمسيحيين الالتزام بثلاثة
مواقف:
1 - رفض العداء للسامية ومحاربتها، وتطهير المؤسسات المسيحية،
والطقوس الدينية، بل والأدب الديني بما فيه الذاكرة من كل أثر سلبي لها.
2 - الكف عن دعوة اليهود إلى الدخول في المسيحية.
3 - الاعتراف بحق اليهود في دولة خاصة بهم، والانتباه إلى العلاقة
الخاصة التي تشد يهود العالم إلى هذه الدولة.
وقد قبلت معظم الكنائس المسيحية الغربية الموقف الأول، وإن اختلفت في
شكل التعبير عنه. ومن صور ذلك ما تم في مؤتمر الجمعية العامة لمجلس الكنائس
العالمي المنعقد في نيودلهي سنة 1961م، حيث خرج المؤتمرون بوثيقة فيها:
(العداء ضد السامية خطيئة ضد الله، وضد الإنسانية، وعلينا في التعليم المسيحي ألا
نلقي الأحداث التاريخية التي أدت إلى صلب المسيح على عاتق الشعب اليهودي،
فالمسؤولية تقع على إنسانيتنا المشتركة، وليست محصورة بجماعة معينة أو قوم) .
وبنحو هذه المقررات أصدر المجمع الفاتيكاني وثيقة خاصة بالعلاقة مع
الأديان غير المسيحية، وذلك عام 1965م، وأصدرت البروتستانتية في مجمعها
العام بكنيسة هولندا عام 1970م بياناً جاء فيه: «إن لليهود الحق في إقامة دولة
خاصة بهم» .
كما أصدرت اللجنة الأسقفية الفرنسية الكاثوليكية عام 1973م وثيقة خاصة
بالعلاقة مع اليهود، وعنونتها بـ «الموقف المسيحي من اليهودية» . ولكن موجةً
من رياح التغيير هبت على هذه المواقف الكنسية المنساقة خلف اليهود، ففي عام
1975م عقد مجلس الكنائس العالمي مؤتمراً له في نيروبي بكينيا؛ أدان فيه
إسرائيل، ودعاها للانسحاب إلى حدود عام 1967م، وأيد حق تقرير المصير
للشعب الفلسطيني.
كما حدث مثل هذا الموقف في اجتماع عام 1983م في فانكوفر بكندا، وظهر
أيضاً في بعض فعاليات مؤتمر التنصير في كلورادو بالولايات المتحدة الأمريكية
سنة 1978م [32] .
ولعل هذا التغيير في المواقف له أسباب؛ منها:
أ - تظاهر الكنيسة بالتضامن مع الفقراء والمقهورين.
ب - تنامي قوة كنائس العالم الثالث التي لا تدين بفكر الصهيونية المسيحية.
ج - ما قام به المسيحيون العرب وخاصة الفلسطينيين.
ورغم كل ذلك؛ فإن هناك تياراً مسيحياً يشق طريقه بقوة، ينظر إلى
المستقبل بعين النبوءات، ويرى لزاماً عليه أن يساهم في بناء دولة إسرائيل لتتم
للمسيحيين بعد ذلك الوراثة الكبرى بتهيئة الأجواء والأوضاع لعودة المسيح وقيام
الحكم الألفي.
هذا التيار مؤثر وقوي في الولايات المتحدة، وفي أوروبا، إلا أنه برز أكثر
في أمريكا بعد منتصف هذا القرن.
هذا ما يسمى «بالصهيونية المسيحية» ، يرون أن تأييدهم لإسرائيل ليس
موقفاً سياسياً جاء نتيجة انفعالات معينة، بل هو مذهب، ورأي صادر عن اعتقاد
ديني يقيني، مستنده قراءة النبوءات الخاصة بالمجيء الثاني للمسيح في العهد القديم
والجديد، زكاه وأكده قيام دولة إسرائيل عام 1948م، ثم تنامى وتعمق بعد حرب
1967م واحتلال مدينة القدس.
ومنذ السبعينيات من هذا القرن الميلادي والعالم الغربي يشهد نمو هذه الحركة،
بل صار لها قوة سياسية يُحسب لها، فبلغ عدد المنتسبين إليها في أمريكا أربعين
مليوناً؛ حسبما جاء في العريضة الموجهة للرئيس ريجان في عام 1982م، والتي
وقّعها عدد من قادة هذه الحركة. ومما جاء فيها:
وجوب عودة أمريكا إلى تطبيق تعاليم الكتاب المقدس.
من جهة أخرى؛ فإن أحداث الشرق الأوسط عموماً أطلقت سيلاً من النبوءات،
بعضها يبشر بالمجيء الثاني للمسيح الذي بات وشيكاً! وبعضها الآخر يعلن أنه
لو قامت حرب عالمية ثالثة (هرمجدون نووية) [33] ؛ فإنهم إنما تصرفوا بمشيئة
الله وإرادته! لقد توسعت مثل هذه المشاعر أفقياً، وترسخت عمودياً، حتى
أصبحت العودة الثانية للمسيح حلماً وهاجساً يراود أفكار قطاع عريض من الغربيين.
5 - وأخيراً وبعد الاستعراض السابق يتبين أن أوروبا في العصور الوسطى
كانت حبلى؛ نتيجة تفاعل ظرفين مهمين في حياتها؛ هما الظرف السياسي،
والظرف الديني، كثمرة طبيعية لتسلط الكنيسة، وبيروقراطيتها [34] . فولدت
عملية الانعتاق منها ظهور طائفة البروتستانت، والتي تزامنت مع تململ اليهود
وتشوقهم إلى الرجوع لأرض الميعاد، ومع التململ والرغبة في التخلص منهم أيضاً.
هذه العوامل متضافرة أسفرت عن مولودٍ حمل صفاتٍ وراثية عدة:
سياسية، ويهودية، ومسيحية شاردة منفلتة من قيود كنيسة روما، ذلك
المولود هو ما سمي بـ (الصهيونية المسيحية) .
وهنا يقفز إلى الذهن سؤالان مهمان لعل الجواب عنهما يسهم في اكتمال
الرؤية عن عوامل ظهور تلك الحركة:
السؤال الأول: كيف انبعثت حركة الصهيونية المسيحية من طائفة
البروتستانت؛ مع ما بينهما من اختلاف ظاهري؟!
فالبروتستانت أحدثوا انقلاباً، وتمرداً ضد الكنيسة الكاثوليكية في روما، أطاح
بحق البابوات في احتكار تفسير الكتاب المقدس وفهمه، بل وأطاح بالبيروقراطية
الكهنوتية التي كانت جاثمة على صدر أوروبا في القرون الوسطى.
وأما الصهيونية المسيحية؛ فإنها تدعو إلى الالتزام الحرفي بنصوص الكتاب
المقدس، وخاصة نبوءات العهد القديم، إلا أنه في الحقيقة ليس هناك خلاف
جوهري يُذكر بين الحركتين؛ لأن كلاً منهما هُجِّن بالفكر اليهودي، والعقائد
التوراتية، كما أفرغ محتواهما من الكثير الذي يجعلهما ديانة مسيحية مستقلة جديدة.
وإن وجد شيء من ذلك الخلاف؛ فإنما هو خلاف فكري أقرب من أن يكون
عقائدياً. حيث تؤمن «الصهيونية المسيحية» بالحكم الحرفي للمسيح؛ بينما يؤمن
البروتستانت خاصة اللوثرية منهم بالحكم المعنوي للمسيح، فعودة المسيح الثانية
عند «الصهيونية المسيحية» حقيقية، لكنها عند البروتستانت عودة معنوية،
تتمثل في انتشار المسيحية، وتمكنها وهيمنتها.
وأما السؤال الثاني فهو: ما السر في تبني حركة «الصهيونية المسيحية»
لقضية اليهود في العودة لأرض الميعاد (فلسطين) ، على الرغم من العداء
التاريخي بين أهل الملتين: المسيحية واليهودية؟!
وهذا العداء التاريخي كان بسبب الخلاف العقائدي العميق بينهما:
أ - فالمسيحيون يؤمنون بأن «يسوع الناصري» الذي تضمنت الأناجيل
تاريخه، وتعاليمه في «العهد الجديد» ؛ هو المسيح الذي بشرت بمجيئه نبوءات
«العهد القديم» ، ولهذا عظَّم النصارى وقدَّسوا العهد القديم.
في حين يرفض اليهود ذلك، ويتمسكون بأن المسيح الموعود لم يأت بعد.
والذي لا سبيل إلى المراوغة في شأنه؛ أن ذلك الانتظار لمجيء المسيح المنتظر
يظل حجر الزاوية في الإيمان اليهودي [35] .
ب - وفي «التلمود» ورد أن «المسيح الناصري» ابن غير شرعي،
حملته أمه وهي حائض، وأنه شرير، ومجنون، ومخبول، وساحر، ومشعوذ،
ووثني، وقد صُلب في ليلة عيد الفصح اليهودي [36] . كما أنهم يعتقدون أن كل ما
جاء به «المسيح الناصري» كذبٌ، وهرطقة، ولذا يعتقدون أنه في جهنم [37] .
ج - وهذه الخلافات، كانت مثار النزاع بين أرباب الديانات، فحينما يتمكن
اليهود من المسيحيين فإنهم يُثخنون فيهم القتل، والتمثيل والتعذيب، فقد فتكوا
بالمسيحيين عام 41م، ودبروا مذابح عديدة في عهد تراجان (98 - 117م) ،
ذهب ضحيتها حوالي نصف مليون مسيحي؛ في همجية لا نظير لها. كما قضى
يوسف ذو نواس في مذبحة الأخدود على عشرات الألوف من المسيحيين حرقاً سنة
524م [38] .
د - وكذلك رد المسيحيون على اليهود باضطهادهم؛ ففي سنة 352م ثار
اليهود في فلسطين، فأخمدت ثورتهم، وقتل الآلاف منهم، وشرد الآخرون. ثم
تتابعت الاضطهادات المسيحية لهم:
ففي إيطاليا سنة 1242م، وسنة 1540م، وفي بريطانيا سنة 1290م. وفي
فرنسا في عهد لويس التاسع، ثم في عهد فيليب.
ومحاكم التفتيش في إسبانيا عام 1492م، وقد طُرِدوا من إسبانيا، وهذا ما
اعتبره مؤرخوهم أكبر كارثة حلّت بهم بعد التدمير الثاني للهيكل سنة 70م،
وهزيمة باركوخبا [39] سنة 135م.
وآخر مذابحهم على أيدي المسيحيين نفذها هتلر الألماني في الحرب العالمية
الثانية عام 1945م [40] .
ولكن ومع كل ما سبق من صور العداء؛ فإن «الصهيونية المسيحية» تبنت
قضية اليهود في الرجوع لأرض الميعاد، وبقوة. وسبب ذلك يعود إلى عاملين
بارزين؛ سياسي وديني [41] : أما السياسي؛ فيتمثل في صراع الملك الإنجليزي
المزواج هنري الثامن مع الكنيسة، فقد طلب من الكنيسة الموافقة على طلاقه من
زوجة لم يستطع التخلص منها، فأصدر سنة 1538م أوامره إلى كل كنائس إنجلترا؛
بإنهاء الوصاية الكهنوتية على الكتاب المقدس، وتفسيره، وتمكين كل فرد
«مؤمن» من الاطلاع على نصوصه، وتفسيرها، كما يمليه عليه عقله
وضميره. وانضم إلى هنري الثامن، وأيد خروجه ذلك، الطبقة الرأسمالية الناشئة
الصاعدة في تلك الفترة، والتي كانت تعاني من سطوة وقيود الكنيسة في روما التي
تفرضها على حرية التجارة، والمعاملات، وضرائبها التي تجبيها منهم.
أصدر هنري الثامن أوامره تلك بعد ثلاث سنوات من حلوله محل بابا روما
رئيساً أعلى لكنيسة إنجلترا، فكسر بذلك حاجزاً ضخماً، كان يُعد تجاوزه جريمة
عقابها الموت حرقاً، بتهمة الكفر، وإفساد الدين. هذا الموقف؛ عزز تيار ما سمي
بالإصلاح الديني الذي بدأه مارتن لوثر، ثم تبعه كالفن الفرنسي (1509 -
1564م) ، والذي اتخذ شعار «العودة إلى الأصول» ؛ أي العودة إلى حرفية
«الأسفار المقدسة» .
تمازج «الورع الإصلاحي» مع السياسة؛ ليهدمَا مفهوم: «الكنيسة
الكاثوليكية المعصومة من الخطأ!» ، وتحل سلطة الكتاب المقدس باعتباره
معصوماً من الخطأ حقيقة (كما يعتقدون) ؛ لأنه كلام الله! محلَّ سلطة البابوية
الغاشمة. إن هذا التمازج فتح الأبواب على مصاريعها لفهم نصوص الكتاب المقدس،
وصياغاته الملغزة التي أكد أحبار اليهود باستمرار أنها تحتمل التفسير بأي معنى
من ستمائة ألف معنى «.
هذا التوجه الذي قبلته البروتستانتية مرحلياً؛ الهدف منه إضعاف خصمها
الكنيسة الكاثوليكية.
إلا أن التقديرات تلك تجاوزت الهدف المنشود إلى ما هو أبعد منه بكثير؛ إذ
» أصبح يَهْوه إله اليهود إلهاً للمسيحية، وحل أبطال العهد القديم، وأنبياؤه؛ محل
قديسي المسيحية «كما تقرره الكاتبة الصهيونية اليهودية بربارا توخمان [42] .
واستثمر اليهود الذين دخلوا المسيحية ظاهرياً ذلك، أمثال يهود المارّانو الذين
ساعدوا كولمبس في رحلاته [43] ، وأمثال كالفن اليهودي الأصل [44] ، بل إن عدداً
من وعاظ الكنائس، هم يهود اعتنقوا المسيحية؛ ليقوموا بدور سلفهم شاؤل.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه لا بد من إدراك وملاحظة أن فكر
» الصهيونية المسيحية «ومعتقدهم قائم على العمل على إعادة اليهود إلى فلسطين
للتخلص منهم، ولتحقيق وعد الله لهم إلى أن يأتي المسيح، وحينذاك يتحولوا إلى
مسيحيين مؤمنين. وما حصل من عداء وحروب بين أهل الديانتين: اليهود
والمسيحيين؛ إنما نتج من خطأ في التطبيق والممارسة لتلك العقيدة، ومخالفةٍ،
وعدم فهمٍ لنصوصها، وليس تطبيقاً لوصايا المسيحية المحرفة التي صيغت في
جملتها لمصلحة اليهود.
* أهم عقائد» الصهيونية المسيحية «:
إن» عقيدة المجيء الثاني، من العقائد المتميزة في المسيحية؛ إذ تعدُّ إحدى
الأركان الأساسية للإيمان المسيحي، فيؤمن المسيحيون بأن ملكوت الله يوجد الآن
في العالم من خلال شعبه الذي يؤمن به، ويجعله ملكاً على حياته. وسوف يعلن
ملك الله للعالم بقوة في اليوم الآخر؛ بالمجيء الثاني للمسيح، ونحن الآن حسب
اعتقادهم نعيش زمن ما بين مجيئين للمسيح. فالمجيء الأول وقع منذ ألفي عام [45] ،
و «الصهيونية المسيحية» ترقب الآن مجيئه الثاني، وهو أهم عقيدة عندهم،
كما يقول الصهيوني المسيحي هنري ثيسن [46] . إلا أن هناك ممهدات يجب أن
تسبق ذلك الانقلاب في حياة الناس عند نزول المسيح؛ هي:
1 - عودة اليهود إلى أرض الميعاد، ثم قيام دولة يهودية عليها، وقد تم هذا
عام 1948م حينما أعلن اليهود عن قيام دولتهم هناك.. «إن خلق إسرائيل جديدة،
مع عودة اليهود إلى الأرض التي وعدهم الله بها يعطينا دليلاً لا يناقش على أن
خطة الله المباركة هي موضع التنفيذ، وأن العودة الثانية لمخلصنا قد تأكدت.
إن خلق دولة إسرائيل هو أهم حدث في التاريخ المعاصر، إنها تمثل الخطوة
الأولى نحو بداية نهاية الزمن» [47] .
2 - الاستيلاء على مدينة القدس، وقد تم أيضاً سنة 1967م. «لقد أعطانا
الله إشارة في عام 1967م، عندما منح النصر لإسرائيل على العرب، ومكن اليهود
من أخذ الأرض التوراتية: يهودا والسامرة، والسيطرة العسكرية على مدينة
القدس. فلأول مرة منذ أكثر من 2000 سنة أصبحت القدس تحت سيطرة اليهود»
[48] .
ويقول الصهيوني المسيحي كلايد: «نعم إن المسيح سيعود إلى هذه الأرض
لإعادة حكم الله، ولتحقيق السلام العالمي، وسيتولى زمام قيادة العالم، وسوف يقوم
بذلك كله من مركز قيادته في القدس» [49] .
3 - معركة هرمجدون: إن قيام دولة إسرائيل، والاستيلاء على مدينة القدس؛
إرهاصات لقرب نشوب المعركة الفاصلة، وإندلاع نيران هرمجدون.
وهرمجدون: «هو اسم لمعركة نووية يعتقد الإنجيليون المتهودون أنها ستقع في
سهل القدس وعكا، وأن التنبؤ بها ورد في أسفار حزقيال ويوحنا ويوشع،
وتقول هذه النبوءات: إن قوات الكفار من المسلمين والملحدين سوف تُدمَّر فيها إلى
أن يظهر المسيح فوق المعركة، ويرفع بالجسد المؤمنين به، ويخلصهم من الدمار،
ومن ثم يحكم العالم مدة ألف عام حتى تقوم الساعة» [50] .
إن معظم المدارس الإنجيلية (الصهيونية المسيحية) في الولايات المتحدة
تدرس النظام الديني ونظرية «هرمجدون» استناداً إلى (دال كراولي) وهو
قسيس في واشنطن، وكان أبوه عضواً مؤسساً للمؤتمر الدائم للمذيعين الدينيين
الوطنيين [51] . وهناك في أمريكا (85) مليون أمريكي يعتقدون أن الحرب
النووية لا مفر منها، وذلك عبر «هرمجدون» النووية، وأن الإشارة إلى ذلك
وردت في الكتاب المقدس. جاء هذا من خلال استفتاء تم عام 1984م أجرته
مؤسسة باتكيلوفيتش [52] .
كما أن «معظم محطات التلفزيون الرئيسية الإنجيلية، تعلم ما قاله هول
لندسي في كتبه المشهورة: وهو أن هذه الكرة الأرضية سوف تصبح في حياتنا
آخر كرة أرضية عظيمة، إن الله يعرف أن ذلك سيحدث، إنه يعرف ذلك منذ
البداية الأولى، ولكن الله أخفى مخططه عن بلايين البشر الذين عاشوا قبلنا، أما
الآن واستناداً إلى» لندسي «فإن الله يكشف عن مخططه إلى» لندسي «وإلى
الآخرين، مثل:» جيري فالويل «و» جيمي سواجارت «و» بات روبرتسون «
الذين يبشرون بنظرية هرمجدون» [53] .
إن الإيمان بحتمية وقوع «هرمجدون» ، لم يعد قاصراً على الأفراد، أو
حتى على المؤسسات المنظمة التابعة للصهيونية المسيحية، أو المتأثرة بأفكارها،
بل تعداه ليصل إلى أعلى المراكز. فالرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان قبل
تفسيراً توراتياً لنبوءة تقول: بأن «هرمجدون» نووية، وأنها أمر لا يمكن تجنبه.
كما قرأ كتاب هول لندسي (آخر أعظم كرة أرضية) وغيره من الكتب التي
تتحدث عن «هرمجدون» [54] .
لقد سرى تأثر هذه العقيدة وتعمق، إلى حد أن «جيمس وات» وزير داخلية
أمريكي سابق أشار إلى لجنة النواب الأمريكية المعنية بشؤون الغابات والأنهار؛
أنه لا يقلق كثيراً بشأن تدمير مصادر الأرض، وقال: «لأنني لا أعرف كم من
الأجيال المقبلة سوف نعتمد عليها قبل أن يعود الرب» [55] .
إن القناعات السابقة لم تفرزها عواطف، بل ولم تأت تطلعاً إلى مصالح مادية؛
وإنما عن إيمان بنصوص توراتية وإنجيلية، تعدهم حسب فهمهم سعادة أبدية.
لقد ورد التصريح بذكر هرمجدون في سفر حزقيال (38، 39) ، وكذلك
في رؤيا يوحنا (16: 1 - 20، 20: 1 - 10) وأشعياء (11: 15 -
16) :
(ثم سكب الملاك السادس جامه على النهر الكبير الفرات، فنشف ماؤه لكي
يعد طريق الملوك الذين من مشرق الشمس. ورأيت من فم التنين ومن فم الوحش،
ومن فم النبي الكذاب ثلاث أرواح نجسة شبه ضفادع. فإنهم أرواح شياطين،
صانعة آيات تخرج على ملوك العالم وكل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم،
يوم الله العظيم، يوم الله القادر على كل شيء. ها أنا آتي كلص. طوبى لمن
يسهر، ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عرياناً فيروا عريته. فجمعهم إلى الموضع الذي
يدعى بالعبرانية هرمجدون. ثم سكب الملاك السابع جامه على الهواء، فخرج
صوت عظيم من هيكل السماء من العرش قائلاً: قد تم. فحدثت أصوات ورعود
وبروق. وحدثت زلزلة عظيمة، لم يحدث مثلها منذ صار الناس على الأرض
زلزلة بمقدارها عظيمة هكذا « [56] .
* وقفة مع هذه العقيدة:
لخطورة فكرة المجيء الثاني، وما يتبعها، وما يترتب عليها، ولكون نزول
المسيح إلى الأرض آخر الزمان هو أيضاً من ضمن مسائل العقيدة عند المسلمين
التي يجب الإيمان بها.
وقد يقول قائل: إننا نؤمن بما آمنوا به، وجاءت نصوص تدل على ذلك؛
لذا أرى ضرورة تجلية هذا الأمر على ضوء الكتاب والسنة: فالمسلمون يؤمنون
بأن عيسى عليه الصلاة والسلام رُفع حياً، وأنه ينزل قرب قيام الساعة، ويقتل
الخنزير، ويكسر الصليب، كما يقتل مسيح الضلالة الدجال، ويضع الجزية ولا
يقبل إلا الإسلام.
قال الله تعالى: [وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا
قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ
إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً]
(النساء: 157-158) .
وقال سبحانه: [وَإِن مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ القِيَامَةِ
يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً] (النساء: 159) .
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:» والذي نفسي بيده! ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلاً،
فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد،
حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها « [57] ، وهذا لفظ البخاري.
ومن هنا نستطيع أن نلخص الفرق بين العقيدتين في هذه المسألة فنقول:
1 - تؤمن» الصهيونية المسيحية «بمجيء المسيح عيسى ابن مريم مرة
ثانية، ويؤمن المسلمون بذلك.
2 - تعلن» الصهيونية المسيحية «عن وجود معركة نووية فاصلة، ويعلن
المسلمون عن تلك المعركة، ولكن لا تحديد لكونها نووية في مصادرهم.
3 - تعتقد» الصهيونية المسيحية «بأن المسيح عيسى ابن مريم إذا جاء
سيدين الوحش، والنبي الكذاب، وأنه يخلص بني إسرائيل، وينجيهم، ويصنع
معهم عهداً جديداً، كما يقيد الشيطان، ويدين الأمم، ويحاسبهم في موضع
» هرمجدون «، وسوف ينقذ الخليقة، ويباركها، ثم يقيم مملكته، وعاصمتها
أورشليم، بعد أن يضرب كل ممالك الأرض [58] .
أما المسلمون فيعتقدون أنه سيكسر الصليب.. إلى آخر ما ورد في الحديث
السابق. وسيحكم بالإسلام.
فالفكرة لها أصل، ولكن كل فريق يفهمها حسب عقيدته، ويبقى الحكم
الصحيح للنص اليقيني، والذي يثبته منهج البحث العلمي الدقيق، وذلك من كتاب
الله جل وعلا، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
* الخاتمة:
دار البحث حول توضيح فكرة» الصهيونية المسيحية «بدءاً باستعراض
سريع لتاريخ اليهودية، وتعريف بالفكرة المطروحة للدراسة، ثم وقفة هادئة فيها
تأمل لعوامل ظهور هذه الحركة، ومروراً بأهم عقائدها وأبرزها، وكانت نهاية
المطاف بيان غايتها، والهدف الذي ترمي إليه، ولعل هذا كله يعدُّ تشخيصاً
للمرض.
ولأجل أن تكتمل حلقات هذا البحث، ونصل إلى ثمرة معينة، فلا بد من ذكر
العلاج مضمناً للموقف الشرعي كما أراه من هذه الحركة، وهو كما يلي:
1 - هناك حقيقة يجب أن تستقر في قلب كل مسلم وخاصة القائمين على أمر
الدعوة، وهي: أن وجود الإسلام في الأرض هو نفسه رعبٌ لأعداء هذا الدين في
كل حين، وفي كل مكان، وأن الإسلام نفسه يثيرهم ويحفزهم؛ لماذا؟ لأنه من
القوة واليقين بحيث يخشاه كل مبطل، ويرهبه كل باغ، ويكرهه كل مفسد.
وعليه فيجب على المسلمين إدراك عداوة اليهود والنصارى للمسلمين،
وخاصة إذا تكاتفت جهودهم، وتعاونوا: [هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ
وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ
قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ] (آل عمران: 119) .
2 - هناك جهود ضخمة، وإمكانيات مادية عظيمة تمتلكها هذه الحركة، ومن
ذلك [59] :
أ - شبكة تلفزيون (المحطة الجديدة) في فرجينيا بأمريكا، تعرض برامج
دينية على مدار الساعة، والقائم عليها: الصهيوني المسيحي الأمريكي جيري
فالويل.
ب - برنامج» يوم كشف النظام «التلفزيوني، للصهيوني المسيحي
ريتشارد دي هان، ويصل إلى 4.75 ملايين منزل.
ج - برنامج المبشر الصهيوني المسيحي ديكس همبرد، ويصل إلى 3.7
ملايين منزل، ويبشر بتعاليم سلفه سكوفيلد، التي تقول:» إن الله يعرف منذ
البداية الأولى أننا نحن الذين نعيش اليوم سوف ندمِّر الكرة الأرضية «.
د - ومن بين أربعة آلاف مبشر مسيحي يشتركون سنوياً في مؤتمرات
الإذاعات الدينية والوطنية؛ هناك ثلاثة آلاف صهيوني مسيحي يعتقدون أن كارثة
نووية فقط يمكن أن تعيد المسيح إلى الأرض. كما أن من بين ثمانية آلاف قسيس
إنجيلي مسيحي يذيعون يومياً من خلال أربعمائة محطة إذاعة؛ فإن الأكثرية منهم
ينشرون فكر الصهيونية المسيحية. وغير ما ذكر كثير، هذا إضافة إلى ما تتمتع
به الحركة من قدرات سياسية تقوي ذراعها.
3 - وعلى العاملين في حقل الدعوة الإسلامية الاطلاع التام على ما ورد في
السنة النبوية المطهرة من أحاديث آخر الزمان، ونزول المسيح عيسى ابن مريم
عليه الصلاة والسلام، وقضائه على أبرز رموز وشعارات العقيدة المسيحية؛
فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير. وفي هذا دليل قاطع على براءته من دينهم الذي
يدينون به. وكذلك صلاته خلف المهدي المسلم، والذي هو على شريعة خاتم
الرسل محمد عليه الصلاة والسلام، فالمسيح مسلم، وعبدٌ لله، ورسولٌ من عند الله
جل وعلا.
إن معرفة ذلك معرفة دقيقة، والإيمان به؛ يقي بإذن الله من الوقوع في
الإحراج والتضليل الذي يبثه دعاة المسيحية، وخاصة» الصهيونية المسيحية «.
4 - وللصهيونية المسيحية فهمٌ خاصٌ في شأن الإسلام، ينطق به كبار
مفكريهم:
- يقول سكوفيلد (1843 - 1921م) :» إن عالمنا سوف يصل إلى نهايته
بكارثة وبدمار، وبمأساة عالمية نهائية «، ويقول:» إننا لا نستطيع أبداً أن نعيش
في سلام « [60] .
- وأظهرت دراسة لمؤسسة» نلسن «نشرت في أكتوبر سنة 1985م أن
واحداً وستين مليون أمريكي يستمعون بانتظام إلى مبشرين يقولون لهم: لا نستطيع
أن نفعل شيئاً لمنع حرب نووية تتفجر في حياتنا.
ومن أشهر من ينادي بذلك: بات روبرتسون، وجيمي سواجارت، وجيم
بيكر، وأورال روبرتس، وجيري فالويل، وكينين كوبلاند [61] ، وغيرهم من
الوعاظ السياسيين، كلهم يرى أنه:» لن يكون هناك سلام حتى يعود المسيح، إن
أي تبشير بالسلام قبل هذه العودة هو هرطقة، إنه ضد كلمة الله، إنه ضد
المسيح «.
وأما جيمي سواجارت؛ فإنه يضع النقاط على الحروف في هذه الرسالة؛ إذ
يقول:» كنت أتمنى أن أستطيع القول إننا سنحصل على السلام، ولكنني أؤمن
بأن هرمجدون مقبلة، إن هرمجدون قادمة، وسيخاض غمارها في وادي مجيدو،
إنها قادمة. إنهم يستطيعون أن يوقِّعوا على اتفاقيات السلام التي يريدون، إن ذلك
لن يحقق شيئاً، هناك أيام سوداء قادمة، إن مشكلات إفريقيا لن تحل، وكذلك
مشكلات أمريكا الوسطى، ومشكلات أوروبا. إن الأمور ستتوجه نحو الأسوأ ...
إنني لا أكترث لمن تسبب هرمجدون له القلق والمتاعب، إنها تنعش روحي « [62] .
5 - فعلى المسلمين عامة، وأهل العلم خاصة، وعي خطط الأعداء،
وخاصة مثل هذه الخطة الماكرة الكبيرة، ولنعرف كيف نتعامل مع الأحداث عند
وقوعها وربما يأتي وقتها، ويبدأ تنفيذها عملياً والمسلمون ضعاف، فيتأكد دور
الداعية الآن أكثر لأن يُحَذِّر من شر هذا الخطر القادم والله أعلم، والأعداء لن
يرحموا أحداً، ولن يقبلوا صلحاً ولا هدنة، والواقع خير دليل.
6 - وأنه يوجد قطاع كبير من المجتمعات الإسلامية لا تدرك عداوة اليهود
والنصارى للمسلمين، لكن إذا عُرِّف هذا العداء بلغة العصر، وبأرقام وإحصائيات
ونتائج دراسات متعددة، ومتابعةٍ لتصريحات وجهائهم؛ اقتنع ذلك العدد الكبير من
المسلمين وخاصة أنهم يشاهدون على مسرح الأحداث أمثلة عملية: كالبوسنة
والفلبين، والصومال وإريتريا وفلسطين والعراق وأدركوا حقيقة عدائهم،
ووجدوا تفسيراً واضحاً وعملياً للآيات القرآنية. والأحاديث النبوية التي تتحدث عن
عداوة اليهود والنصارى، وأنهم لن يرضوا عنا أبداً حتى نتبع ملتهم.
7 - دراسة هذه العقائد والتصريحات دراسةً جديةً، والنظر إليها بمنظور
علمي، وليس من منظور العقائد الكامنة، ثم دراسة تأثيرها في رجال السياسة،
وقراراتهم، ومحاولة التأثير من خلال تلك العقائد في الرأي العام الغربي،
والأمريكي والمسيحي عامة، وأثر ذلك وانعكاسه على المسلمين في المشرق
والمغرب. وكما يبذل هؤلاء جهداً في التأثير على شعوبهم، وساساتهم؛ فإنه يجب
أن نفعل أقوى من ذلك لدرء الأخطار قبل وقوعها.
إن» الصهيونية المسيحية «تسعى جاهدة إلى الوصول إلى هدفها وبتخطيط
دقيق، وجاد؛ فماذا يجب أن يقوم به المسلمون؟ الأمر خطر وجسيم، وينتظر علم
الرجال، ووعي الأبطال، وجهود وبذل المخلصين الغيورين.
[وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] (الحج: 40) .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.