مجله البيان (صفحة 4543)

المسلمون والعالم

غربة الأموال العربية ومهانتها

الهيثم زعفان

قضية الأموال العربية في الخارج مثارة منذ سنوات عديدة، وكثرت الكتابة

عنها في أعقاب أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد تفاوتت تقديرات الاقتصاديين حول حجم الأموال العربية في الخارج؛

فهناك تقديرات قد تكون أقرب للمنطق، وهناك تقديرات بعيدة كل البعد عن

الاستدلال المنطقي.

تُستثمر هذه الأموال في قنوات عدة شرعية وغير شرعية، وتواجه خاصة في

المرحلة الحالية - تهديدات عدة أهمها التجميد.

أحدثت غربة هذه الأموال فجوات اقتصادية واجتماعية مكَّنت القوى الخارجية

من بسط نفوذها علينا بأشكال عديدة؛ أهمها: الديون -الاستثمارات الأجنبية -

المعونات - والتمويل الأجنبي للأعمال الخيرية.

وأخيراً.. هناك استثمارات حيوية في منطقتنا تنتظر عودة الأموال العربية

الصحيحة.

سأحاول في هذه المقالة تقديم عرض مختصر لبعض جوانب تلك القضية

المعقدة والمتشعبة.

* إشكالية حجم الأموال العربية في الخارج:

بداية؛ إن تناول إشكالية حجم الأموال العربية في الخارج يتطلب عرض

تقديرات الخبراء الاقتصاديين الأقرب لساحة الاستثمار، ثم أعلق بعد ذلك للوصول

إلى نتيجة منطقية عن حجم تلك الأموال، والاستثمار الأمثل لها.

د. أحمد جويلي [1] ذكر في مؤتمر «الاندماج الاقتصادي العربي بين

الطموحات والواقع» والذي عقد في أكتوبر 2001م أن حجم الأموال العربية في

الخارج يتراوح بين 600 و 700 مليار دولار، في ذلك المؤتمر أكد طاهر حلمي

وهو خبير اقتصادي أن حجم الأموال العربية المستثمرة خارج المنطقة العربية

يتراوح ما بين 600 و 800 مليار دولار. وفي المؤتمر العلمي السادس للمحاسبين

المصريين والذي نظمته الجمعية العلمية للمحاسبة والمراجعة والنظم بالقاهرة في

أكتوبر 2001م قدرت الأموال العربية المهاجرة إلى الخارج بنحو 800 مليار

دولار، وذكر الدكتور نبيل حشاد خبير اقتصادي في دراسة له أن مدير عام

«المؤسسة العربية للاستثمار» التي تملكها 15 دولة عربية؛ صرح بأن

مجموع الأرصدة العربية المستثمرة في الخارج بلغ 850 بليون دولار في

نهاية عام 1994م، وعلق «حشاد» بأنه يلاحظ التضارب الكبير في البيانات،

وأضاف أنه يمكن القول إن معظم التقديرات تشير إلى أن حجم الأموال العربية في

الخارج يتراوح بين 600 - 800 مليار دولار [2] . دراسة «حشاد» كُتبت في عام

1999م؛ أي بعد خمس سنوات من تصريح مدير عام «المؤسسة العربية

للاستثمار» ، وسوف نوضح دلالة ذلك بعد قليل.

د. خالد أبو إسماعيل رئيس «الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية

للبلاد العربية» أكد أن الأموال العربية المهاجرة والمستثمرة في العالم كله بلغت في

آخر إحصائية ودراسة لها 900 مليار دولار، تستثمر معظمها في الأسواق المالية

الدولية؛ خاصة في الأسهم والسندات التي تحققت بالبورصات العالمية [3] .

تقرير أعدته لجنة أمنية (أمريكية - أوروبية) مشتركة، ونشرت معالمه

صحيفة الأسبوع القاهرية، أوضح التقرير أن حجم الأموال العربية حتى نهاية عام

2001م في المصارف الأوروبية والأمريكية قد تجاوز 900 مليار دولار، وهذا

الرقم يمثل النقود السائلة، في حين أن هناك العديد من الأصول الأخرى كالعقارات

والشركات والمؤسسات التي تخضع لملكية عربية [4] . وهنا تظهر حتمية التفريق

بين ما هو (مالي) ، وما هو (مادي) ، ومع وضع هذا التفريق في الحسبان قد

يرتفع التقدير إلى رقم كبير.

مصادر مصرفية بريطانية ذكرت أن حجم الأصول والموجودات والثروات

العربية في البنوك الخارجية تزيد قيمتها على تريليون دولار (أي ألف مليار

دولار) ، وأن هذه الثروات مملوكة لأفراد وحكومات وشركات، وهي تمثل

مجال أعمال خصب وكبير للبنوك العالمية؛ خاصة أمريكا [5] .

الدكتور عبد الله دحلان - أمين عام الغرفة التجارية في السعودية - أوضح

أنه وفقاً لبعض التقديرات؛ فإن حجم الاستثمارات الخليجية في الخارج يقدر بنحو

1400 مليار دولار.. وأن معظم هذه الاستثمارات تتمركز في الولايات المتحدة؛

حيث تستوعب أمريكا نحو 60% من الاستثمارات الخليجية المغتربة [6] .

نقف قليلاً أمام هذا التصريح؛ فحديثنا عن الأموال العربية يشمل أموال جميع

الدول العربية وأثريائها، وبالتالي فعندما يقصر د. «دحلان» الأموال المذكورة

على الخليج فقط؛ فمعنى ذلك أن المبالغ العربية مجتمعة أكبر بكثير من الرقم

المذكور الغائب.

«جبر إبراهيم» عضو مجلس الشعب المصري ذكر في اجتماع لجنة

الشؤون العربية بمجلس الشعب المصري أن هناك تقريراً مالياً صادراً عن إحدى

بيوت الخبرة الاقتصادية بالخارج؛ هذا التقرير يؤكد أن حجم الأموال العربية في

البنوك الأوروبية والأمريكية يصل إلى 4.1 تريليون دولار [7] .

والدكتور أحمد جويلي بعد أقل من ثلاثة أشهر من تصريحه السابق صرح -

ضمن اجتماعات «الاتحاد العربي» التي عقدت بالقاهرة - أن الأموال العربية

المستثمرة خارج الوطن العربي تقدر بنحو 1400 مليار دولار [8] !

سياحة طويلة بين تضارب الأرقام تجعلنا نسأل أنفسنا سؤالاً يفرض نفسه:

من هو صاحب المصلحة في تضارب الأرقام؟ ولماذا؟ وما هو التقدير الأقرب

للصحة؟

قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال يجب التفرقة بين أمرين:

1- الأموال العربية المودعة بالبنوك الأجنبية تحت بند حسابات

سرية.

2- الاستثمارات المباشرة أو حتى غير المباشرة عن طريق وسطاء غير

البنوك - في الدول الأجنبية، والتي من الممكن حصرها، ومن ثم تكون تقديراتها في

الغالب أقرب للصحة.

أحسب أن الالتباس كله موجود في النقطة الأولى، وهي في وجهة نظري

تمثل الغالبية العظمى من الأموال العربية، وأحسب أنها السبب الرئيس في تضارب

الأرقام.. فمن المستفيد؟

المستفيد طرفان:

1- المودِع.

2- المودَع لديه.

فالمودِع: يحيطه غموض شديد في تمسكه بالسرية؛ ربما بسبب الضرائب

المرتفعة.

والمودَع لديه: تمثل تلك الأموال عصباً مركزياً لاستثماراته؛ بحيث لو تم

سحبها لوضع في دائرة الموت؛ لذلك فإن الاحتفاظ بالسرية شبه المطلقة يضمن

السلامة من ردود الأفعال والضغوط القوية لسحب تلك الأموال في حال كشف

الغطاء السري.

ليس هذا فقط بل يمكننا افتراض فرضية مؤداها أن هذين الطرفين يعملان

على بث أرقام منخفضة وبعيدة عن الصحة حتى يتم صرف الأنظار عن الأرقام

الحقيقية؛ وبذلك يتم حصر المبالغ في رقم معين منخفض.

هذه الفرضية ربما تؤيدها عدة شواهد؛ ففي الندوة التي عقدها رؤساء

المؤسسات الصناعية التونسية في خريف عام 1985م؛ ذُكر أن إجمالي فائض

العائدات البترولية العربية المستثمرة حتى أواخر عام 1985م يقدر بـ 600 مليار

دولار تقريباً، وأن بلدان العالم الصناعي الرأسمالي تستأثر بحوالي 82% منها.

بتحليل ذلك يتضح الآتي:

أولاً: هذه الأرقام خاصة بقطاع البترول فقط دون حساب باقي القطاعات في

الدول العربية، لكن فلنتجاوز هذه النقطة على الرغم من أهميتها.

ثانياً: هذه الأرقام كانت في نهاية عام 1985م، ولو اعتبرنا أن 82% من

600 مليار دولار؛ أي 500 مليار دولار أمريكي تقريباً مستثمرة خارج المنطقة

العربية منذ 17 عاماً، وبافتراض أن متوسط ريع هذه الأموال 20%؛ يكون ناتج

ريع رأس المال مضروباً في عدد السنوات هو 1700 مليار دولار، وإضافة إلى

المبلغ الرئيس 500 مليار دولار يكون الناتج 2200 مليار دولار تقريباً.

أيضاً من ضمن الشواهد التي تؤيد الفرضية التي وضعناها: تصريح مدير

عام «المؤسسة العربية للاستثمار» الذي ذكرناه في البداية، كان مجموع الأرصدة

العربية المستثمرة في الخارج حوالي 850 مليار دولار في نهاية عام 1994م، فلو

تم ضرب المبلغ في صافي ربح 20%، ومضروب في 8 سنوات (1995 -

2002م) ؛ يكون الناتج 1360 مليار دولار، أضف إليه المبلغ الرئيس 800

مليار؛ يكون الناتج 2160 مليار دولار، وهو رقم لا يفترق كثيراً عما توصلنا إليه

قبل قليل وهو 2200 مليار.

ها هنا بعض التعليقات على الحسابات آنفة الذكر:

1 - لم يتم سحب أجزاء تذكر من رؤوس الأموال العربية خلال السنوات

السابقة (بغضِّ النظر عن الجزء الذي سحبته دول مجلس التعاون الخليجي (20

مليار دولار) ، وذلك في أعقاب 11 سبتمبر، كما جاء على لسان «حسام حطيني»

مدير معرض ومؤتمر المال والاستثمار [9] . وهذه خطوة نحسبها مباركة، ونأمل أن

يحذو حذوها باقي المستثمرين العرب) ، ولو كان حجم ما سحب في السنوات

السابقة كبيراً لشعرنا بأثره في مجتمعاتنا.

2 - لم يتم حساب التحويلات الجديدة من المنطقة العربية إلى الدول الأجنبية؛

سواء منذ عام 1986 أو 1995م حتى الآن.

3- إذا أثيرت قضية حجم ما يخسره العربي في الخارج تزيد المأساة بشكل

يفوق التصور.

ما يمكن قوله إن الأرقام الصحيحة قد تزيد كثيراً عما يثار، وبهذا فمن

المحتمل أن تكون الفرضية التي وضعناها أقرب للصحة.

كسر حاجز الـ (2000 مليار) اقتربت منه الدكتورة سلوى حزين رئيس

مركز «واشنطن للدراسات الاستراتيجية» بالولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث

أكدت أن الأموال العربية تصل إلى تريليونين دولار (2000 مليار دولار) ؛

تتمثل في أرصدة بعض الحكومات العربية، واستثمارات الأفراد والقطاع الخاص.

وتقول إن معظم هذه الأموال يتم استثمارها في الولايات المتحدة الأمريكية [10] .

قد يسأل سائل: أين هؤلاء الذين يملكون كل هذه الأموال؟ نجد الجواب عند

عضو مجلس الشعب المصري في التقرير السابق ذكره.

إن إشكالية حجم الأموال العربية في الخارج إشكالية معقدة، والجزم برقم

محدد أمر من الصعوبة بمكان، وما توصلنا إليه هو استدلال منطقي، وهو يوضح

صعوبة اعتماد رقم أقل من الـ (2000 مليار دولار) ، لكن هناك من قد يختلف

معنا ومن ثم يقدم تقديرات أدق، وأحسب أن الساحة مفتوحة لعرض جميع الآراء.

ننتقل الآن للحديث عن طبيعة الاستثمارات التي تعمل فيها الأموال العربية في

الخارج.

* طبيعة الاستثمارات العربية في الخارج:

تستثمر الأموال العربية المهاجرة أو تستقر في إحدى القنوات الرئيسة الآتية:

1- ودائع مختلفة الآجال في المصارف التجارية العالمية.

2- سندات حكومية.

3- سندات شركات تجارية.

4- أسهم الشركات التجارية.

5- أذون الخزانة.

6- شراء العقارات والذهب.

7- استثمارات في المؤسسات المالية الدولية.

8- قروض إلى الحكومات والهيئات الدولية.

هذا بالإضافة إلى مجموعات من القنوات الفرعية.

ويؤكد كثير من الاقتصاديين أن استثمار تلك الأموال بالأشكال سالفة الذكر لا

يمثل حصة مسيطرة على المشروع؛ مما ينعكس على نشاطه وإدارته، ولعل هذا

يتضح مع قول السيناتور (حسن حسني فهمي) كبير مستشاري ولاية

«بروسبيكت بارك» ، وعضو مجلس النواب الأمريكي، والذي صرح بأن

هناك استثمارات عربية في وسائل الإعلام داخل الولايات المتحدة إلا أن النسبة

الكبرى تكون لليهود؛ ولذا تسهم هذه الوسائل في تشويه صورتنا، ويرى أنه من

الجدوى أن يسحب العرب والمسلمون استثماراتهم المحدودة في هذه الوسائل،

ويستثمرونها في محطات أخرى تكون نسبة رأس المال العربي فيها أكثر من

50%؛ وبذلك يكون لهم حق تحديد توجه المحطة الإعلامية، ويصبح من السهل

علينا تصحيح صورتنا مثلما يفعل اللوبي اليهودي [11] .

إن عدم تجاوز نسبة 50% في استثمارات الأموال العربية ليس وليد الصدفة،

فهو أمر مدروس ومخطط، ولعل ذلك ما أوضحته دراسة «أميرة الحداد» والتي

جاء فيها: «لقد وضعت الدول الصناعية مجموعة من الإجراءات تهدف إلى

احتواء الموارد المالية العربية في الاتجاه الذي يخدم مصالحها فقط، وإلى تحقيق

عملية التدوير المنشودة لتلك الموارد المالية، ووضعها في القنوات التي تعزف عنها

رؤوس الأموال الوطنية الأوروبية والأمريكية، وعدم سيطرتها على أية نشاطات

مهمة ومربحة» [12] .

نريد أن يقف المستثمر العربي مع نفسه قليلاً؛ فهو يضع الأموال التي

استخلفه الله فيها في بلاد الغرب؛ حيث لا شريعة تضبط قنوات العمل، ما الذي

يمنع الأموال العربية من أن يتم استثمارها في أحد مصانع الخمور، أو في بث

القنوات الإباحية، أو في إقامة الملاهي الليلية، أو إقامة مدن كاملة تضم بيوت

الدعارة.. هل يستطيع المستثمر العربي أن يمنع ذلك؟

* مخاطر تهدد الأموال العربية:

تتعرض الأموال العربية في الخارج لمخاطر عدة؛ أهمها سياسة التجميد التي

تستخدمها أمريكا كورقة سياسية مربحة، وهي ليست وليدة أحداث سبتمبر، ولكنها

سياسة قديمة تستخدم مع من يخالف قواعد اللعبة، ولعل ما يوضح ذلك أنه في 7

نوفمبر عام 1989م أفرج الرئيس الأمريكي عن 570 مليون دولار ودائع إيرانية

مجمدة [13] ، هذا بالإضافة إلى ما حدث للأموال العراقية من تجميد. وسياسة

التجميد لا تقوم بتنفيذها أمريكا وحدها بل تساعدها أوروبا؛ فقد قامت البلدان

الأوروبية بتجميد أموال عربية (يُشك) في أن أصحابها ينتمون لمنظمات إرهابية!

وذلك أعقاب أحداث 11 سبتمبر، وقد نقلت صحيفة «الفايننشال تايمز» عن

«بول أونيل» وزير الخزانة الأمريكي الذي وصل في زيارة إلى أوروبا قوله:

«إن هذا المستوى من تجميد الأموال يعكس مستوى التعاون الكبير من البلدان

الأوروبية مع أمريكا» [14] .

يقول الدكتور مصطفى الفقي: «إن رأس المال العربي المهاجر يتعرض

لتهديدات المصادرة بدعوى العلاقة بمنظمات الإرهاب، وما تم تجميده بلغ حتى

الآن 400 حساب شخصي ومؤسسي» [15] .

إن القضية ليست قضية استثمار وأرباح، ولكنها يجب أن تكون قضية ميزان

نقيس به المكسب والخسارة؛ ليس بمنظور الدنيا فقط ولكن بمنظور الدنيا والآخرة.

هناك من لا يعلم أن أمواله تستثمر بصورة غير مقبولة، وأحسب أن هؤلاء ستكون

نتيجة توقفهم مع أنفسهم مجزية بإذن الله، وهناك من يعلم، وأيضاً نحسن الظن

بردود أفعالهم.. نقول لجميع الأطراف إلى متى تكتنزون وقد يكون العمر تقدم بكم!

وتسوِّغون أعمالكم بأنها من أجل الأبناء والأحفاد..! نقول لكل (ثري) : هل

بلغت في شهرتك وثروتك (أسطورة أوناسيس) أسطورة القرن العشرين؟! .. ماذا

حدث لثروة أوناسيس؟ اكتنزها أوناسيس من أجل أبنائه وأحفاده، مات ابنه الوحيد

في ريعان شبابه في حادث طائرة وفي حياة والده، ثم ماتت ابنته الوحيدة في حمام

منزلها (شبهة انتحار) بعد إصابتها بالاكتئاب النفسي نتيجة إخفاقها في أربع

زيجات، وبقيت أثينا حفيدة أوناسيس لابنته لتؤول إليها ثروة جدها بالكامل.

* انعكاسات الغربة:

هروب الأموال العربية أحدث قصوراً في التمويل؛ مما نتج عنه فراغ

اقتصادي واجتماعي داخل المجتمع نتج عنه مشكلات اقتصادية واجتماعية كثيرة،

لكن كان لا بد من إشباع الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية؛ فماذا حدث.. دعونا

نرى بعض أشكال الحلول التي قدمت:

1 - مأساة الديون: غرقت كثير من الدول العربية في الديون مركبة الفائدة؛

وجميعنا يعلم ما أحدثته الديون الربوية بنا. وتبلغ ديون الدول العربية 159 مليار

دولار، تم تخفيضها في مايو 2002م إلى 144 مليار دولار [16] .

بالمقارنة لما للعرب في الخارج لا تستحق كلمة (ديون عربية) كل الهالات

والانكسارات التي تثار حولها مع كل موقف تذكر فيه.

2 - الاستثمارات الأجنبية في المنطقة: حيث المجال خصب لأن تفرض تلك

الاستثمارات نفسها وهي لها مخاطر عدة؛ لعل أهمها:

أ - عدم اكتمال دائرة الأموال المحلية؛ فما تدفعه من أموال لا يعود عليك

بأي نفع اقتصادي أو اجتماعي؛ لأن نهاية الدائرة المالية في بلد المستثمر وليس في

بلدك، وهنا تبرز أهمية المقاطعة، ولكن في الوقت نفسه لا بد من التنشيط

الاقتصادي المحلي وإلا حدث انهيار اقتصادي.

ب - الانسحاب المفاجئ لهذه الاستثمارات من المنطقة العربية ينتج عنه

انهيارات اقتصادية داخلية نظراً لتشعبه في صناعات حيوية عندنا. يوضح

النقطتين السابقتين ما جاءت به دراسة د. محمد الصطوف؛ حيث يقول: «إن

الاستثمار الأجنبي لا يأخذ بعين الاعتبار تحقيق تنمية اقتصادية في الدولة التي

يدخلها، ويهتم فقط بالأرباح والعوائد التي يمكنه تحقيقها وإن كان ذلك على حساب

الاستقرار والتوازن الاقتصاديين» [17] .

3 - المعونات: يقول الرئيس نيكسون بصورة قاطعة في حديثه في عام

1968م خلال حملته الرئاسية:

" Let us remember that the main Purepose of صلى الله عليه وسلمmerican

aid is not to help other nations, but to help ourselves "

(يجب أن نتذكر أن الغرض الرئيس للمعونة الأمريكية ليس مساعدة الشعوب

ولكن مساعدة أنفسنا) [18] .

4- التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية: توضح سناء المصري أنه بعد

تضخم ظاهرة الجمعيات غير الحكومية صار مرض التمويل الأجنبي متفشياً،

والعلاقات مع الخارج مفتوحة على مصراعيها لقاء بعض التقارير عن الداخل

تصب مباشرة لدى المؤسسات الدولية مهما اختلفت مسبباتها [19] .

وهذا ما يوضحه الدكتور نبيل السمالوطي؛ حيث يقول: «إن التمويل

الأجنبي يُوظَّف لا لتنمية المجتمعات النامية بشكل متوازن، ولكن يُوظَّف في بعض

الأحيان لتنفيذ التوجهات العالمية اقتصادياً وثقافياً وسياسياً لصالح احتكارات الغرب

ولغير صالح الدول النامية» [20] .

وتقوم بهذا الدور مؤسسات مالية دولية عالية المستوى، فقد قامت مؤخراً هيئة

عربية تعمل كمظلة للجمعيات العربية غير الحكومية بإعداد دليل ضم 81 مؤسسة

دولية للتمويل، جاء على رأسها (فورد، والاتحاد الأوروبي) .

ومؤسسة (فورد) تقول عنها سناء المصري نقلاً عن حميدة نعنع الكاتبة

السورية: «مجرد ذكر اسم» فورد فونديشن «يجرنا إلى نقاش مستفيض حول

تاريخ هذه المؤسسة، والأدوار التي مارستها في بعض دول أمريكا اللاتينية والهند

وزيمبابوي. وهي أدوار كان ظاهرها المساعدة الإنسانية بينما استخدمت هذه

المساعدة لإجراء بحوث ودراسات انتهت كلها إلى مكاتب المخابرات الأمريكية»

[21] .

أما (الاتحاد الأوروبي) فقد أثيرت حوله قضية سعد الدين إبراهيم ومركز

ابن خلدون؛ تلك القضية التي شغلت مساحات إعلامية واسعة النطاق على

المستويات المحلية والدولية كافة، وكانت البداية تمويلاً من (الاتحاد الأوروبي)

قدره 220 ألف يورو.

إن العناصر الأربعة السابقة: (الديون - الاستثمارات الأجنبية - المعونات

- التمويل الأجنبي) كانت بعضاً من كثير مما أحدثه هروب الأموال العربية

للخارج.

* وقفة استثمارية:

- قضية الأموال العربية يكمن أحد جوانب مشكلتها في النظرة الجزئية

للأموال، فبعض المستثمرين العرب ينظرون إلى الـ (مليون دولار) التي هي

كل ثروة الواحد منهم أو نصفها على أنها لا تمثل شيئاً في تلك القضية المعقدة،

ومن ثم فهم يرسلونها للخارج، لكن هل يعلمون أنه إذا تم حساب حصيلتهم مجتمعة

فسوف يكوّن الرقم جزءاً كبيراً من القضية، هذه نقطة.

النقطة الأخرى: قد يجزم بعض المستثمرين بأنه يعلم جيداً أن استثماراته كلها

نظيفة، وأن أصول أمواله مستثمرة مثلاً في الصلب أو صناعة السيارات، نقول:

ما الذي يمنع إدارة تلك المشروعات أن توجه الأرباح إلى الاستثمارات القذرة التي

لا حدود لربحيتها، وخاصة أن حصتك غير مسيطِرة على المشروع كما أوضحنا؟!

نعلم جيداً أن هناك عوامل طرد وعوامل جذب، وتسعى الحكومات العربية

جاهدة في معالجة العوامل الطاردة؛ من ضرائب وجمارك وما إلى ذلك من معوقات،

لكن ألا يجدر بنا أن نفكر في القضية بصورة معيارية؛ بمعنى أن نكون أصحاب

غاية حقيقية، إن الانسحاب لا يحل القضية بل يزيدها تعقيداً.. كما أن بعض

تصريحات الاقتصاديين قد تصيب المستثمرين العرب بالإحباط، ويوضح ذلك عبد

الرحمن الزامل رئيس «مركز تنمية الصادرات السعودي» ؛ حيث يقول: «إن

الأموال الخليجية في الخارج أرسلت بحثاً عن الفرص التي أصبحت محدودة جداً

في الخليج» [22] .

نشك في محدودية الاستثمار في الخليج، ولو كانت الاستثمارات في الأرض

أو الجو انتهت؛ فهناك استثمارات أعماق البحار حيث اللؤلؤ والمرجان والأسماك،

وهي أعلى ربحية من الاستثمارات الأرضية والجوية؛ تلك الاستثمارات ألا يمثل

الخليج مجالاً خصباً لها؟! وعلى سبيل المثال؛ فإن صناعة اللؤلؤ تمثل ثقلاً

اقتصادياً مزدهراً في جنوب شرق آسيا، وهناك خبراء استثمار كثيرون يمكن أن

يدلوا بدلوهم في هذا الأمر. هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى: لماذا نحصر الاستثمار في الخليج فقط؟ لماذا لا نتشعب

في قنوات الأمة؟ السودان على سبيل المثال بها 200 مليون فدان فائقة الجودة

الزراعية، المياه متوفرة، العمالة جاهزة؛ سواء السودانية أو المصرية، ما ينقص

هو التمويل.. لماذا لا يقوم أحد المستثمرين بالتجربة على ألف فدان فقط وينظر

إلى العائد؟ سؤال لا يمكن الإجابة عنه إلا عملياً.

مصر.. الاستثمار بها قابل لاستيعاب مشروعات كثيرة جداً.. نجرب

الاستثمار الإسكاني، إن مليون وحدة سكنية يمكن أن تكلف 10 مليارات جنيه

مصري وتباع في اللحظة نفسها بـ 15 مليار جنيه؛ أي هناك 50% مكسب

مضمون، إضافة إلى أن مثل هذا المشروع يؤمِّن مستقبل مليوني فتى وفتاة توضع

دعواتهم في ميزان حسنات المستثمر العربي، أيضاً يمكن تجربة هذا الأمر على

ألف وحدة سكنية متوسطة الشكل قليلة التكلفة، يقبل عليها قطاع عريض من

الشباب ممن ينتظرون تلك الفرصة على أحر من الجمر. أراضي البناء متوفرة في

أطراف المدن، الحكومة المصرية تقدم تسهيلات كبيرة في بيعها، ولكن يحجم عنها

المستثمر لعدم وضعه البعد الأخروي في ذهنه أثناء الاستثمار، وبحثه عن مجالاته،

ويهتم ببناء مساكن تُهتك فيها الأعراض، ويرفع شعار الشيطان في أماكن لا ترى

ذلك عيباً أو حراماً. كما سبق أن أوضحنا علينا أن نزن الأمر بميزان الدنيا

والآخرة، وقد أصبح لسان حال الشباب يكاد يقول لهذا المال العربي المغترب:

S.O.S «أنقذوا أرواحنا» .

وأخيراً.. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم المال الصالح للمرء

الصالح» [23] ، وذلك لمن أراد أن يصنع ولداً صالحاً يدعو له؛ فيرفعه إلى أعلى

الدرجات عند الله، حتى وهو في داخل قبره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015