ندوات
ما دورنا حيال.. حملة الإفك
والحقد الدفين للأصولية النصرانية المتصهينة على الإسلام
ورسوله الأمين؟
مقدمة:
الهجوم الإعلامي على الإسلام ذو جذور قديمة قدم الإسلام، وهو أحد أساليب
الكفار للصد عن سبيل الله تعالى، بدءاً من كفار قريش وحتى عصرنا الحاضر.
هذا الهجوم له ألوان كثيرة، ولكنها في أغلبها كانت محصورة في نطاق
الشبهات والمغالطات والطعون، لكن بعد أحداث 11 سبتمبر انتقل الهجوم إلى لون
جديد قذر لم يُعهد من قبل، وهو التعرض لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم
والنيل من عرضه وذاته، واتسم هذا التهجم بالبذاءة والسخرية والاستهزاء: قال
جيري فالويل [1] : «أنا أعتقد أن محمداً كان إرهابياً» ، «في اعتقادي.. المسيح
وضع مثالاً للحب، كما فعل موسى، وأنا أعتقد أن محمداً وضع مثالاً عكسياً» ،
«إنه كان لصاً وقاطع طريق» .
وقال بات روبرتسون [2] : «كان مجرد متطرف ذو عيون متوحشة تتحرك
عبثاً من الجنون» .
وقال جيري فاينز [3] : «شاذ يميل للأطفال، ويتملكه الشيطان» .
وقال جيمي سوجارت [4] : «إنه شاذ جنسياً» ، «ضال انحرف عن طريق
الصواب» .
هذا غير تصويره صلى الله عليه وسلم صراحة في الرسوم الكاريكاتورية في
مواقف ساخرة وضيعة [5] .
وهكذا انتقل الهجوم على الإسلام من طرح الشبهات إلى إلقاء القاذورات، ولم
يجد المهاجمون في الإسلام ولا في شخص خاتم الأنبياء ما يرضي رغبتهم في
التشويه، ووجدوا أن الشبهات والطعن الفكري من الأمور التي يسهل تفنيدها
وكشف زيفها أمام قوة الحق في الإسلام، فلجؤوا إلى التشويه الإعلامي، وخاصة
أنهم يملكون نواصيه في الغرب.
هذه القضية تثير غيرة كل مسلم، وتدفعه إلى التساؤل عن أسباب هذه الهجمة،
والأغراض الكامنة وراءها، ومدى تأثيرها، وكيف يواجهها، وبناء على ذلك
قامت البيان بدعوة عدد من المهتمين بالتصدي لهذه الحملة؛ لبيان أبعادها، والإجابة
عن هذا التساؤلات.
* ضيوف الندوة:
- الأستاذ الدكتور جعفر شيخ إدريس: رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة -
واشنطن.
- الأستاذ سليمان البطحي: أمين عام اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء
صلى الله عليه وسلم.
- الأستاذ علي جمعة: داعية كندي.
- الشيخ سليمان الحرش: باحث في الدراسات الإسلامية - سوريا.
البيان: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم
على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. لعلنا في هذه
الندوة نبدأ في الحديث عن العوامل المرتبطة بظهور هذه الحملة والهجوم على
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
الأستاذ الدكتور جعفر: هناك عاملان ولعل الإخوان يضيفون إليهما ما يرونه:
العامل الأول: هو سرعة انتشار الإسلام، والتي تثير غيرة كل المعادين
للدين، سواء أكانوا من النصارى أو اليهود، أو من العلمانيين، وأنبه هنا إلى أن
بعض الدعاة يركزون في تصديهم على اليهود والنصارى فقط، مع أن العلمانيين
والملحدين هم أيضاً أعداء كبار للدين.
الثاني: حسد القيادات وخصوصاً الدينية، وقد وجدت أن كثيراً من هؤلاء
يغيظهم شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى المنافقين عندنا في العالم
الإسلامي، فتوقير المسلمين الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم يثير حسدهم.
ويمكن أن يضاف إلى هذين العاملين عامل الخوف، ولكن ليس الخوف من
انتشار الإسلام في الغرب فقط، بل الخوف من عودة المسلمين في العالم الإسلامي
إلى التمسك بدينهم، وهم الآن يستغلون ضعف المسلمين في كثير من الجوانب،
مثل الجانب الاقتصادي والإعلامي، ويريدون أن يطفئوا هذا النور قبل أن ينتشر
في العالم.
الأستاذ سليمان البطحي: أرى أن هؤلاء يتهجمون على الرسول صلى الله
عليه وسلم لإبراز شخصياتهم من خلال ذلك التهجم، أضف إلى ذلك أحداث 11
سبتمبر، وهي أحد الأسباب الرئيسة التي زادت من هذه الهجمة، وإلا فالهجوم
موجود من قديم، لكن تلك الهجمات في الماضي كانت تظهر في وقت دون آخر،
وكانت تصدر من شخص هنا أو هناك، ويقوم المسلمون بمجابهتها مباشرة، أما
الآن فأصبح الهجوم على الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل عام.
الأستاذ الدكتور جعفر: ويمكن أن نوضح ذلك فنقول إنهم أصلاً أعداء
للإسلام، فلما وجدوا الجو مناسباً، حيث زادت الدعاية ضد المسلمين، وعم السخط
في الغرب منهم؛ استغلوا ذلك، وهم يقولون المشكلة ليست في أسامة بن لادن أو
غيره، وإنما نبيهم هو نفسه إرهابي.
الأستاذ علي جمعة: كذلك هناك عامل التغريب، حيث يريد الغرب أن يجعل
العالم كله تحت هيمنته في الثقافة والفكر والاقتصاد، وفي كل شيء، ويريدون
تغيير أفكار الناس لكي توافق خططهم في مجال العولمة، وخاصة بعد سقوط
الاتحاد السوفييتي، حيث زادت الدعوة إلى التغريب، والتحذير من خطر الإسلام،
ولا يتحقق لهم ذلك إلا بالحد من انتشار الإسلام بمثل هذه الأساليب وغيرها.
الأستاذ الدكتور جعفر: في هذا السياق أيضاً، هناك بعض الناس يقولون إن
أمريكا تحتاج دائماً إلى عدو حتى يجمعها، ربما يكون هذا صحيحاً، لكنهم يرون
الإسلام خطراً، ومن الغرائب أن الذي هوّل لهم خطر الإسلام قدرة الإسلام نفسه
على الوقوف ضد الشيوعية، ومن خلال تجربتهم مع المسلمين رأوا أن المسلمين
كما وقفوا ضد تيار الشيوعية سيقفون ضد حضارتهم الغربية، و (فوكوياما) في
كتابه الشهير (نهاية التاريخ) قال إن كل العالم يسير نحو الديمقراطية الليبرالية
والرأسمالية إلا جماعات من المسلمين، ما زالوا يعتقدون أن عندهم شيئاً أحسن منها،
كل الناس مقتنعون إلا هؤلاء. فالغرب يرى أن هؤلاء خطر على الغرب، وأنهم
ضد الحداثة.. وغير ذلك.
وقد بدأ يتضح للناس أن الحرب ضد الإرهاب هي في الحقيقة حرب ضد
المستمسكين بدينهم، وهم عندما يتحدثون عن المسلمين المعتدلين إنما يقصدون
المسلمين غير المستمسكين بالدين.
هذه الحقيقة واضحة حتى عند عامة المسلمين، عملت بعض الجهات في
بريطانيا استبياناً فسألوا المسلمين عن هذه الحرب، فقالوا: «هذه حملة ضد
الإسلام» ، ولا يمكن أن يقال إن غالبية المسلمين في بريطانيا راديكاليون أو
ثوريون!
البيان: لكن العجيب أن بعض هذه الحملة قد صدر أيضاً من بعض
المنتسبين إلى الإسلام، يعني مثلاً في آخر الأخبار التي سمعناها قبل أيام، هناك
نائبة في البرلمان الهولندي من أصل صومالي اسمها (حرسي علي) تهجمت
على النبي صلى الله عليه وسلم، وتهجمت على القرآن وعلى المسلمين، وفي
الأردن نشرت إحدى المجلات مقالاً ينتقص من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
ومن بيت النبوة! فما تفسير هذه الظاهرة الموجودة في بعض من ينتسبون إلى
الإسلام؟
الشيخ سليمان الحرش: أرى أن مسألة العداء لدى الكفار عموماً شيء
متأصل فيهم؛ لكونهم لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، فأمر
طبيعي أن يكون عندهم هذا العداء، لكن الأحداث في الواقع تحرك مثل هذه الكمائن
في نفوسهم، كما أنها كذلك تحرك بعض المنافقين الذين ينامون على مثل ضغائنهم،
عندما يجدون من مثل هؤلاء التهجم على النبي صلى الله عليه وسلم، والرسول
صلى الله عليه وسلم هو رمز للمسلمين، فكونهم تهجموا على النبي صلى الله عليه
وسلم معناه أنهم تهجموا على الإسلام، وهناك لا شك فئات من هؤلاء قد تكون
مسالمة في الظاهر لكن هي في نفسها قد تضمر مثل هذه الكراهية، وهذا البغض
للنبي صلى الله عليه وسلم، فإذا وجدوا أن الجو مناسب أخرجوا ضغائنهم! ولا
شك أن ما نراه في العالم الإسلامي من الصحوة في مختلف بقاع العالم الإسلامي؛
يرونه من العوامل التي تجعل المسلمين قوة في العالم، لذلك يقومون بمثل هذه
الأساليب لإضعافها.
الأستاذ علي جمعة: نقطة مهمة أخرى، وهو أنهم يريدون أن يستخدموا الآن
ضعف المسلمين وقلة العلم المنتشر بينهم لكي يشوشوا على المسلمين بصفة عامة،
وغير المسلمين بصفة خاصة، فيستخدمون بعض المسلمين أو من أصول إسلامية
حتى يثير هذا التشويش، هذه المرأة قالت: «كيف ديننا يأمر بهذا، وكيف نبينا
يفعل هذا؟» ، وتبدأ الشبهات تثور بين المسلمين أنفسهم.
الأستاذ الدكتور جعفر: وفي رأيي أن هؤلاء أناس منافقون، ولهم مصالح
دنيوية، منها أنهم يريدون أن يكون لهم استقرار ومكانة في تلك المجتمعات الغربية،
فيقولون للغرب: نحن معكم، ونحن منكم، ولسنا مع المسلمين. فهذا أحد
الأسباب التي تجعل المنافقين يتهجمون على الإسلام.
البيان: ألا يتبادر إلى الذهن أن الغرب عنده مجال واسع لحرية التعبير عن
الرأي، فكوننا نتعرض لهذه الحملة ونتصدى لها معناه أننا نعترض على مقوم من
مقومات الثقافة الغربية؟
الأستاذ الدكتور جعفر: صحيح، هذه مشكلة بالنسبة لنا، لكن هناك في
الغرب نفسه من يفرقون بين حرية التعبير وبين الكذب على الإنسان أو اتهام إنسان
بالباطل، كما أن القانون هناك لا يسمح بهذا، فنحن نقول بالنسبة للمسلمين سب
الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه سب لكل مسلم، بل أكثر من هذا؛ لأن الرسول
صلى الله عليه وسلم عند كل مسلم هو أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس
أجمعين، ونحن نفرق بين أن يقول الإنسان رأيه في الإسلام ونستمع إليه ونجادله
بالحكمة والموعظة الحسنة، وبين أن يتطاول على الإسلام ونبيه صلى الله عليه
وسلم بالسب والسخرية، السب ليس تعبيراً عن رأي، والسب يمكن أن يقوله أي
إنسان، ونحن لا نسبّ أحداً من الأنبياء عليهم السلام، ديننا يمنعنا من هذا، فمن
الظلم لنا نحن المسلمين إذن أن يُسب نبينا صلى الله عليه وسلم، ونحن نعد سب
عيسى عليه السلام أيضاً خروجاً عن الدين والإسلام.
الأستاذ سليمان البطحي: إن التهجم لا يدخل في قضية حرية الرأي لأنه تعد
بالأذى على الآخرين، وهذا هو الذي حدث، بل من وقاحة (جيري فالويل) أنه
بعدما آذى النبي صلى الله عليه وسلم في برنامج (60 دقيقة) ، وقام بعض
المسلمين في أمريكا بانتقاده؛ رجع يعتذر عن إساءته في حق مسلمي أمريكا!!
وهذه أيضاً وقاحة أخرى؛ يعني أنت تؤذي الآخرين، وتؤذي أمة تعدادها يفوق
المليار ثم تعتذر لمسلمي أمريكا فقط! فهذا التهجم ليس تعبيراً عن الرأي.
الأستاذ علي جمعة: تعبير الرأي أيضاً لا بد أن يكون فيه مساواة في نشره،
ولو ذهبت إلى أكثر المكتبات الغربية، وأردت أن تأخذ كتاباً عن الإسلام، فإنك لا
ترى كتاباً موجوداً لكاتب مسلم مشهور مثلاً، فلو ذهبنا إلى هؤلاء الذين يوزعون
كتباً ضد الإسلام تجد أنهم يسمح لهم بنشرها وعرضها، وتنشر في المكتبات
المشهورة هناك، وهذا ليس من حرية الرأي.
البيان: هناك بعض المسلمين يقولون إنكم تضخمون هذه القضية، والحملة
على النبي صلى الله عليه وسلم في الآونة الأخيرة ما هي إلا حملة لمجموعة من
الشواذ الذين لا يمثلون حال الإعلام الغربي؛ فهل هذا الكلام صحيح أو أن هناك
شيئاً آخر؟
الأستاذ الدكتور جعفر: أنا أميل إلى أن نفرق، فهنالك منصفون في الغرب
استهجنوا هذا السب والافتراء، وهنالك سياسيون عقلاء يرون أن هذا لا يفيدهم لا
في سياستهم الخارجية ولا في سياستهم الداخلية، حتى لو كان رأيهم مثل رأي
هؤلاء فلا يرون أن من الحكمة أن يقال هذا الكلام، وأما عامة الناس والغالبية
العظمى منهم؛ فلا يعرفون عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ولا عن الإسلام،
وهذا الافتراء موجه لهم لكي يتأثروا، أما هم أنفسهم فلا أعتقد أن عندهم مواقف من
النبي صلى الله عليه وسلم. فأنا أرى أن الذين قالوا هذا هم شواذ فعلاً، هناك كاتب
يهودي في الواشنطن بوست، رد على القسيس الذي سب النبي صلى الله عليه
وسلم، وقال: «إن هذا بذيء» ، وقال: «أنتم نسيتم التاريخ» ، يذكّر اليهود
بأنه ليس هناك بلد آوت اليهود مثل الإمبراطورية الإسلامية. فأنا أقول دائماً: من
الحكمة والخلق أن نكون منصفين أيضاً، إذا كان هناك أناس يسبون نرد عليهم،
وإذا كان هناك أناس منصفون نكون أيضاً منصفين معهم، وقد يكون هذا من أسباب
هدايتهم إن شاء الله.
الأستاذ سليمان البطحي: لكن المجموعة التي تقوم على هذه الحملة من
الواضح أنها فرقة منظمة، ولها استراتيجية خاصة، وتركز على استخذام وسائل
الإعلام، سواء كان (جيري فالويل) ، أو (فرانكلين جراهام) ، أو (جيمي
سوجارت) ، وهناك كثير من الدراسات تبين أنها تسمى النصارى المتصهينة، وأن
لها أهدافاً محددة، وأتباعها يبلغون 40 مليون نسمة داخل أمريكا، ولذلك أرى أنها
ليست شاذة.
الأستاذ الدكتور جعفر: الهجوم شاذ، والسؤال هو: هل هذا يمثل رأي
الشعب الأمريكي؟ والجواب: أنه لا يمثلهم ولا يمثل حكوماتهم.
الأستاذ سليمان البطحي: خذ مثلاً (بات روبرتسون) ، و (جيري فالويل) ؛
فقد تم تكريمهما عن طريق الحزب الجمهوري لمساهمتهما في دعم الحزب والتيار
اليميني المعارض.
الأستاذ الدكتور جعفر: أنا في رأيي أن هذه المجموعة شاذة؛ لأن العقلاء
هناك من الناحية السياسية يقولون هذا لا يفيدنا بشيء.
الأستاذ سليمان البطحي: نأخذ مثلاً (جيري فاينز) ؛ عندما تهجم على سيد
الخلق صلى الله عليه وسلم في الاجتماع السنوي للكنيسة المعمدانية الجنوبية،
وطلب من قادة الكنيسة إدانة ما قاله فرفضوا؛ مما يدل على تبنيهم لهذا التهجم
وإثارتهم لروح التعصب والكراهية حتى بين أبناء الشعب الأمريكي.
نعم؛ نحن ينبغي أن نكون منصفين، وهناك فرق أكيد، وهناك ناس تكلمت
وانتقدت، وهذا شيء طيب، لكن هذا التهجم أصبح اليوم هدفاً داخل أمريكا، على
سبيل المثال في فلوريدا في اللافتة التي يكتب عليها مواعيد الصلاة في الكنيسة
كتبت العبارة الآتية: (عيسى ينهى عن الاغتيال، سفر متّى 26 - 52، محمد
يأمر بالاغتيال، سورة 8 - 65) !
هذه اللافتة يمر الناس عليها صباح مساء.
الأستاذ الدكتور جعفر: هذه الكنيسة واحدة من بين كم كنيسة؟
الأستاذ سليمان البطحي: أنا أقول هذا مثالاً على إفرازات الحملة التي بدأت.
الأستاذ الدكتور جعفر: لكن هناك آلاف مؤلفة من الكنائس.
الأستاذ سليمان الحرش: هناك جانب في هذه القضية مهم، وهو أن هؤلاء
الذين يقفون على الحياد أو قد لا يظهرون أي شيء أو أي عداء، أو يقولون ليس
من المصلحة أن نثير هذه الأمور، هؤلاء كذلك ينبغي ألا نركن لهذه المواقف منهم؛
لأنه سرعان ما ينقلبون بتحول المصالح، فيرون بعد ذلك أن المصلحة تقتضي
التهجم أو الكلام، أو الوقوف مع الجانب الذي يتهجم، أو تأييده ضمنياً، يعني
هؤلاء لا نستطيع أن نعول عليهم لأنهم سرعان ما ينقلبون لتحقيق مصالحهم.
الأستاذ الدكتور جعفر: ما كل من ليس على الإيمان يعادي، قال تعالى:
[إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ] (محمد: 32) ، هناك واحد يكفر
وهو جالس في بيته، وهناك من يكفر ويصد عن سبيل الله، فهناك أناس عندهم نوع
من الإنصاف حتى لو كانوا كفاراً، ونحن لا نعلم ما في قلوبهم، ونحن نقول هذا
شيء تشكرون عليه، ونحن لا نتهم كل أمريكي بهذا، ولا نتهم كل نصراني بهذا؛
لأن هناك ناساً منهم عملوا أعملاً في صالح المسلمين لا نستطيع أن ننكرها.
البيان: أياً كان الأمر؛ دعونا ننظر في أثر هذه الحملة على الرأي العام في
الغرب، يعني هل هذا الكلام الذي قيل في وسائل الإعلام الغربية مجرد فقاعة
ذهبت، جاءت وانتهت، أو أن لها أثراً في تشكيل الرأي العام؟
الأستاذ علي جمعة: أنا أرى في أمريكا الشمالية من سنوات أن وسائل
الإعلام تهيئ المسلمين وغير المسلمين، خاصة في الغرب، للدعاية ضد الإسلام
والمسلمين، فجاءت تلك الفئة التي نتكلم عنها واستغلت هذه الدعاية، ولعلهم وراء
هذا الإعلام أيضاً، وطبعاً القوة الإعلامية بيد الصهاينة، ويستغلونها لكي يثيروا
هذا الأمر بين عامة الناس، ولكن يوجد كثير من السكان وهم الأكثرية لو تريد أن
تتكلم معهم عن الإسلام أو تفتح الموضوع معهم يقبلون الكلام، ويوجد فرصة
للنقاش والدعوة إلى الإسلام.
في حرب الخليج الثانية عندما كنت في الجامعة في كندا، كنا نذهب من
كنيسة إلى كنيسة، نرسل الرسائل لهم، ونقول نريد أن نزوركم ونجتمع معكم
عندما تجتمعون في يوم الأحد، ونتكلم معكم عن الإسلام؛ لأننا جيرانكم ونسكن
معكم، ونريد أن نعرفكم على شيء من الإسلام، وأن الأشياء التي تحدث في أماكن
أخرى لا تجعلوها تشوش على أفكاركم، فقبلوا كلامنا ورحبوا، ولو كان عندنا من
العلم كفاية في ذلك الوقت كنا استطعنا أن نؤثر فيهم تأثيراً أكبر، وهذا الشيء هو
الذي ينقصهم هناك الآن، وهو الدعوة.
الأستاذ الدكتور جعفر: أما كونه له تأثير فنعم، حتى مهما قلنا إنهم قلة، قال
لي أحد المسلمين البيض من الأمريكان: لا تستهن بهذه الحملة. وقال: إنهم
يستغلون الإنترنت، لأن الكلام موجه إلى الشباب. أنا أحكي لكم فقط ما قال لي،
وقال لي: الشباب الآن لا يقرؤون كتباً، ولا يذهبون إلى المكتبات، وشغلهم كلهم
في الإنترنت، فهم قالوا ركزوا على هذا. ويعرف هو هذا من تجربته مع بعض
الناس، قال لي: إن بعض المسلمين من الشباب الذين كانوا أسلموا ارتدوا.
والسبب ليس بمجرد هذا السب وكذا، لا، ولكن السبب هو الحجج والشبهات التي
تثار بطريقة فكرية، أما مجرد السب فلا يؤثر في كثير من الناس، فكونها مؤثرة..
نعم مؤثرة ليس في ذلك شك.
أنا قلت لهم: الحمد لله أنه بسبب هذه الكوارث بدأ يزداد الاهتمام بالإسلام،
فقالوا لي: مع الأسف الذين استغلوا هذا أيضاً أعداء المسلمين، رأوا أن الناس
مقبلون على معرفة الإسلام؛ فملؤوا الأسواق والإنترنت بكلام عن الإسلام، ولا
يعرف من الذي كتبه؟ وكأن المسلمين هم الذين كتبوه، ونحن نعرف أن وراءه
اليهود. فيقرأ الإنسان عن الإسلام لكن يقرأ كلاماً فيه تضليل.
البيان: ربما نجد تفسيراً لحملة بات روبرتسون أو جيمي سوجارت أو
غيرهم من المنصرين، لكن ما تفسير الهجوم من بعض المفكرين العلمانيين أو
الساسة، مثل تصريح الرئيس بوش بالحرب الصليبية، ورئيس وزراء إيطاليا،
وغيرهما، هذه الحملة على الإسلام من هؤلاء هل لها تفسير آخر غير الموجود
عند القساوسة؟
الأستاذ سليمان البطحي: القضية الآن هي قضية دينية عقدية، حتى الإدارة
الأمريكية تتحرك الآن من خلال نبوءات عبر ارتباطها بهذه الفئة من النصارى
الصهاينة، ولو جئنا لنبوءاتهم الآن في قضية الحرب على العراق، أو قضية
الحرب على الإسلام؛ نجد أنها كلها مرتبطة بعضها مع بعض، فأنا أرى أن هذه
إفرازات لما يسمعونه من هؤلاء القساوسة، وكذلك إفرازات للتهجمات التي يرونها
منهم الآن، وهذه كلها من الأسباب.
الأستاذ الدكتور جعفر: أما أن يكون هناك دوافع دينية فما في هذا شك، بل
أصبحت هذه مسألة واضحة الآن، على الرغم من أن بعض الناس ينكر هذا،
وعندما نقول إن الدوافع دينية ليس معنى ذلك أن الذي يهاجم الإسلام هو متدين؛
يعني أنه مستمسك بالنصرانية أو باليهودية أو كذا، حتى إن كان غير متدين فهو
عدو للدين الإسلامي. وأما مسألة بوش، فتصريحه بالحرب الصليبية يمكن أن
نستنتج منه أن الدوافع دينية، لكن هم قالوا وأنا حقيقة هذا الذي فهمته عندما سمعت
تصريحه أن الكلمة هذه تستعمل عندهم مجازاً في كثير من الأحيان، يقولون: قام
بحملة (Crusade) (كروسيد) ضد كذا، ويقال: قام بعمل حملة صليبية ضد
الأدباء الفلانيين، أو ضد الإيدز، فهم فسروها بهذا المعنى، ونحن في البداية قبلنا
هذا، وأنا من الناس الذين قبلوا هذا التفسير، لكن ظهر في النهاية أن دوافعهم دينية
فعلاً.
الأستاذ سليمان البطحي: مثل كلمة (الحرب العادلة) هذه كلمة دينية أساساً.
الأستاذ الدكتور جعفر: الشيء الثاني: إذا كان رئيس وزراء إيطاليا قال هذا
الكلام، فكثير من السياسيين الآخرين في أوروبا انتقدوه نقداً شديداً، حتى إن
بعضهم قال له: إنه يبدو أنك لا تعرف تاريخ المسلمين. وذكر بعض محاسن
الإسلام.
الأستاذ علي جمعة: معروف أن كثيراً من هؤلاء الساسة لهم علاقة قوية مع
الكنائس، ويتأثرون بها، خاصة فيما يتعلق بنبوءات آخر الزمان عند النصارى،
مثل معركة الهرمجدون، بل يتأثرون بنبوءات (نوسترا داموس) الذي ذكر منذ
قرون أن العرب سيستولون على العالم، فهذا مما يؤثر عليهم، ويروج له القساوسة
في الإعلام.
الأستاذ الدكتور جعفر: من الطرائف التي سمعتها في أمريكا أن بعض اليهود
قال: «أي حلف هذا الذي نعمله مع النصارى!» ؛ لأن النصارى يقولون إذا
جاء عيسى سيقتل اليهود، فقال: «هم يريدون الآن أن يجمعونا في إسرائيل
وينشؤون دولة (إسرائيل) ، حتى إذا جاء عيسى يقتلنا، فأي حلف هذا؟» ،
وقال: «هذا حلف غير مقدس!» .
البيان: أمام هذه الحملة من النصارى أو من الإعلام الغربي؛ هل تشعرون
أن هناك نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم وذباً عن عرضه وسنته في العالم
الإسلامي، أو أن المسلمين في واد والعالم في واد آخر؟
الأستاذ سليمان البطحي: الواقع أننا نحن المسلمين نعيش حالة من الهوان،
حتى وصلت إلى التفريط في الذبّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، تكاد ألا تجد
في صحيفة مقالة أو من يتكلم دفاعاً ونصرة. وأنا أتوجه بالسؤال لأي إنسان فأقول:
لو سُب والدك أو سُببت أنت شخصياً ماذا تفعل؟ الإجابة عن هذا السؤال يتولاها
كل شخص بنفسه، وسيعرف ما هو الحال.
البيان: انظر إلى بعض الإسلاميين أنفسهم لو سُب شيخه أو جماعته
سيكون غضبه عظيماً، ولن يقف موقف المتفرج!
الأستاذ سليمان البطحي: وانظر الآن إلى ما يكتب في الدفاع عن الإمام أبي
حنيفة، أو شيخ الإسلام ابن تيمية، أو الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وما يكتب
ويعد من المؤلفات والبحوث، ونحن الآن نقول الرسول صلى الله عليه وسلم يُقذف
ولا نجد من يذب عن عرضه بالكلمة أو المقالة أو الخطبة! لذلك أرى أن الأمر
يزيد كل فترة في ظل غياب العلماء خاصة، وأنا أحملهم الدرجة الأولى من
المسؤولية؛ لأنهم المحرك الرئيس في أي قضية في أي مجتمع إسلامي، ولأنهم
عليهم دور يجب أن يقوموا به. فيجب أن يكون في ترتيب أولوياتنا تقديم الذب عن
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويجب أن تكون هذه القضية همّ الجميع، ويجب
أن تدرس، ويجب أن يتكلم عنها، ويجب أن تكون همّ الصحفي، وهمّ عامة الناس،
ولا يقتصر الأمر على الحوقلة، وأن نقول هؤلاء شواذ أو سخفاء.
ما فائدة أن ندعو إلى الإسلام والركن الثاني من الشهادة التي ندعو إليها
يتعرض لحملة تشويه، حيث شوهت صورة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل
جعل التشويه هدفاً؟! واضح أن هذا سيؤثر على الدعوة، وقد لا يستطيع الدعاة في
الغرب أن يتكلموا عن الرسول صلى الله عليه وسلم بسهولة والحال هكذا، وخاصة
أن هذه الافتراءات تنقل عبر وسائل الإعلام المؤثرة، فبرنامج (جيري فالويل)
(60 دقيقة) مثلاً يشاهده الملايين في أمريكا الشمالية، والصحف المشهورة مثل
(الواشنطن بوست) و (النيويورك تايمز) التي تطبع منها عشرات الملايين تنشر
مثل هذه الافتراءات.
فنقول علينا دور كبير، ونريد أن يكون هناك ترجمة لقولنا نحن نحب
الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من أنفسنا، ونحن نرددها كثيراً ولكن ترجمة هذا
الحب إلى الواقع هي مسؤولية كل مسلم.
الأستاذ الدكتور جعفر: مما لا شك فيه أن كثيراً من المسلمين في الأماكن
التي حدث فيها هذا الافتراء عبّروا بقوة، وانتقدوا الذين قالوا هذا الكلام، وعبّروا
عن استيائهم، وخرجوا في مظاهرات، ولكن الذي كنا نريده أكثر من هذا،
المسلمون من المؤكد أنهم لم يقصروا في الأماكن التي قيل أو نشر فيها هذا الكلام،
لكن المسلمين هؤلاء كانوا يتوقعون موقفاً قوياً ليس منا نحن فحسب بل من العلماء
الرسميين وغير الرسميين؛ لأن هذا الذي يؤثر في السياسة، يعني لو أن الإفتاء في
مصر وفي السعودية وفي المغرب، والعلماء في رابطة العالم الإسلامي؛ ردوا على
تلك الافتراءات لكان لهذا تأثير كبير، بل كل المسلمين يرون أن هذا كان من
واجب الدول؛ لأن الإسلام لا فرق فيه بين السياسة والدين، فرئيس أي دولة مسلمة
لا يقول إن هذه مسألة دينية لا تهمني، لا بل تهمه ما دامت تهم شعبه وتمس دينه.
فالمسلمون في الغرب كانوا يتوقعون أن تصدر احتجاجات قوية من قادة العالم
الإسلامي السياسيين والعلماء.
الأستاذ سليمان البطحي: هناك بعض الدول قد تقطع علاقاتها الشخصية أو
الدبلوماسية مع دولة أخرى لمجرد التعدى على شخص من الدولة، لذلك أقول يجب
على الدول والحكومات أن توجه إعلامها، لا نقول للحرب ولكن للذب عن الرسول
صلى الله عليه وسلم، أن يكون هذا همّ الإعلام؛ سواء التلفزيون أو الإذاعة أو
الصحافة، كذلك ينبغي التنسيق الدبلوماسي بين الدول في هذه القضية، لماذا لا
يتكلم ممثلو الدول الإسلامية لوضع حد لهذا الهجوم، وذلك عندما يجتمعون في
لقاءات أو مؤتمرات مع ممثلي الدول الغربية وغيرها.
الأستاذ سليمان الحرش: الكلام الذي ذكره الأخ سليمان صحيح؛ أن العلماء
لهم دور بارز، فهم الذين يوجهون الأمة، وهناك قضية مهمة هنا، وهي أن نجعل
نصرة النبي صلى الله عليه وسلم مهمة كل مسلم، العلماء والساسة، الخاصة
والعامة، الرجال والنساء.. لكن هل الأمر يتوقف عند مجرد الكلام، أو أنه لا بد
أن تكون هناك أمور عملية، مثل وضع خطط لعرض شخصية الرسول صلى الله
عليه وسلم العرض الصحيح؟
في تصوري أن العرض الصحيح لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم
سيعطي قبولاً أكبر عند هؤلاء مما لو جئت أنا وأرد على الشبهات التي يقرؤونها
حول الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، الشبهات كثيرة ولا بد من دحضها وتبيينها،
لكن لا بد من أن يعقب الرد على هذه الشبهات الخطوات العملية التي تبين هذا
الأمر بصورة صحيحة عند هؤلاء الناس.
الأستاذ سليمان البطحي: لا شك، لكن الذي أقصده أن هذه الشبهات الآن
تثار ويتناولها كل الناس بما فيهم المسلمون، أفلا يوجد رد من المسلمين من علمائهم
وأئمتهم على هذه الشبهات! هذه الهجمة لماذا لم يُتكلم عليها ويُعلق عليها على الأقل
من قبل العلماء، أو يبين الموقف الشرعي من قضية التعدي على الرسل والأنبياء،
والنبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، ومثل ما قال الشيخ جعفر مثلاً؛ أن
يقوم العلماء في الإفتاء في السعودية، والإفتاء في مصر، والإفتاء في الجزائر..
وغيرهم ويبينوا، وخاصة أن هناك أناساً تأثروا مثلما ذكر الشيخ، فلماذا ننتظر
حتى آخر لحظة ثم نبدأ التوضيح والرد، القضية سهلة، ولا يحتاج الأمر إلى أن
تستشير أحداً، شبهة أثيرت نرد عليها، والحمد لله؛ هم يتكلمون بالباطل ونحن
نتكلم بالحق، والناس ينتظرون كلام المشايخ.
الأستاذ الدكتور جعفر: إذا كان المقصود هو الرد على هذه الشبهات في
الغرب، فهذه الأمور التي ذكرناها هي إجراءات للعمل بين المسلمين، وهي لا
تؤثر في فكر الغرب إلا من ناحية سياسية، يعني عندما يصدر شيخ الأزهر
والمفتون في الدول المختلفة بياناً، هذا يؤثر من ناحية سياسية، لكنه لا يؤثر في
عقول المستمعين من الشباب في الغرب، فهذا واجبنا نحن الدعاة والعلماء الذين لهم
اهتمام بهذا، يجب أن نعمل مشروعاً للرد على هذه الشبهات، ونستغل الوسائل
التي توصل كلامنا إليهم، سواء كان بالإنترنت أو بالفاكسات أو الكتب، فيجب أن
نفرق بين قيام الدول والحكومات بهذا الواجب في بلدها، وبين التأثير في المستمع
في الغرب.
يمكن أن نضيف أن الواجب ليس على العلماء والحكومات فقط، بل أيضاً
على المحسنين من الناس؛ لأن أي مشروع يحتاج إلى تمويل، وما كل الدعاة
والعلماء لديهم المال، نحن نعمل المشروع ولكن يجب أن يساعد على إيصاله
إخواننا المحسنون.
البيان: هذا يقودنا إذن إلى السؤال عن الاستراتيجية التي تقترحونها
لمواجهة مثل هذه الحملة في الغرب أو في البلاد الإسلامية؟ كيف نستطيع أن
نواجه هذه الحملة بمنطق علمي وعملي بعيداً عن الجانب المرتجل، لا شك أن
هذا يؤثر في صدور جميع المؤمنين، لكن ما هي الخطوات العملية التي ترون
أنها تؤثر في المستمع الغربي أو في المستمع هناك؟
الأستاذ سليمان البطحي: هناك كثير من الأمور يستطيع الإنسان أن يفعلها،
إذا رتب أولوياته بحيث يكون هذا الأمر هو الهم الأول عنده، قضية نصرة الرسول
صلى الله عليه وسلم.
نحن في اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم أقمنا
مؤتمرين أحدهما في لندن، والآخر في كندا، وخرجنا بتوصيات عمومية؛ بحيث
تكون سلسة، لا تخص اللجنة أو فرد أو مجموعة أو مؤسسة بعينها، بل كل إنسان
يستطيع العمل بها، فهناك الإعلاميون لهم دور يقومون به بأنفسهم، الحكام،
المعلمون في مدارسهم مع الطلاب، المؤسسات الخيرية لها دور، وقد يكون دورها
أكبر من غيرها لأن مجالها مجال دعوة أصلاً، الدبلوماسيون في لقاءاتهم مع
نظرائهم الغربيين.
فنحن نقول إننا أمة مسلمة تجاوز تعدادها المليار والربع؛ أي ما نسبته 23%
من سكان العالم، تحتل مساحة 19% من مساحة العالم تقريباً، ونعيش في
54 دولة إسلامية، ونقيم في 120 مجتمعاً في العالم؛ فأمة بهذا القدر يجب أن
تنكر وأن ترفض هذه الاتهامات.
ونحن في لجنة مناصرة النبي صلى الله عليه وسلم وحسب الإمكانيات اليسيرة
لدينا وضعنا مجموعة من الخطوات العملية أو الاستراتيجية، وسوف ننفذها إن شاء
الله خلال السنة القادمة؛ منها:
1 - إعداد برامج للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ بحيث تتبنى كل
مؤسسة أو جهة هذا البرنامج ونشره في المجتمعات.
2 - إنشاء قاعدة بيانات على الشبكة العالمية عن السيرة النبوية، وبدأنا فيها
بالفعل مع أحد الجهات المتخصصة، وستكون في البداية بالعربية والإنجليزية ثم
بلغات أخرى بعد ذلك.
3 - نحن الآن نرتب لإعداد قرص مدمج (Cعز وجل) عن شخصية الرسول
صلى الله عليه وسلم وشمائله، وسوف يوزع مجاناً على مستوى العالم.
4 - نقترح إقامة معارض متنقلة ودائمة في المطارات، في الأماكن العامة،
في الأسواق، بالتنسيق مع الجهات المسؤولة طبعاً، حتى نبرز شيئاً من شخصية
الرسول صلى الله عليه وسلم عن حياته وأخلاقه وشمائله.
5 - تكوين مجموعة تنفيذية من العلماء المتخصصين وطلبة العلم للإجابة عن
هذه الافتراءات خلال الموقع في الشبكة.
6 - إصدار مواد إعلامية متخصصة في مقدمتها: نشرات مجلات تخصيص
أبواب في بعض المجلات. والحمد لله استعطنا أن نصدر مجلة شهرية متواضعة
خلال المؤتمر السابق في كندا، تبرز شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم، وتفند
بعض الافتراءات المثارة، بعيداً عن المجادلات، لأن هدفنا هو بيان شخصية
الرسول صلى الله عليه وسلم.
7 - عقد مؤتمرات، وقد استطعنا أن نعقد مؤتمرين حتى الآن، ونحن نقول
يجب على كل دولة عقد مؤتمر لهذا الموضوع خاصة، هذا الموضوع فقط، كل
دولة إسلامية، وهذا بحد ذاته سيرسل رسالة إلى العالم أن شخصية الرسول صلى
الله عليه وسلم هي شخصية فاصلة لا يمكن تجاوزها.
8 - التنسيق مع المراكز الإسلامية والعلماء في مختلف أنحاء العالم، على
مستوى المتخصصين منهم في دعوة غير المسلمين، وغير المتخصصين.
هذه بعض الأمور، وهناك أمور كثيرة أخرى، ومجرد أن الإنسان يكون
عنده همّ بهذه القضية سيجد وسائل كثيرة، وليس هناك أشرف ولا أفضل من أن
يكون هدف الإنسان أن يذب عن محمد صلى الله عليه وسلم؛ سواء كان فرداً أو
جماعة.
الأستاذ علي جمعة: لعلي أضيف هنا مسألة يسيرة لكنها في غاية الأهمية،
وهي أن يكون خطابنا إلى الغرب خطاباً علمياً بعيداً عن الارتجال والانفعال، وأن
نتقن لغة القوم ومصطلحاتهم وأساليبهم في الحوار.
البيان: أحداث 11 سبتمبر وما تبعها بعد ذلك من هجوم على الإسلام في
وسائل الإعلام الغربية، ألا تشعرنا بأن الغرب بشكل عام لا يعرف كثيراً عن
الإسلام، وأن المسلمين مقصرون في حمل هذه الرسالة العظيمة وتعريف الناس
بها؟
الأستاذ علي جمعة: ذات مرة كنا نتكلم عن دعوة الناس إلى الإسلام، وإقامة
الحجة عليهم، فقال أحدهم: إن الإسلام قد وصل، وإن الحجة قد قامت عليهم.
فرد عليه بعضهم فقال: إن المسلمين وصلوا إلى الغرب، أما الإسلام فما وصل
حتى الآن. وهذا حق، وأنا من خلال خبرتي في أمريكا الشمالية أشعر أننا
مقصرون جداً في حمل رسالة الإسلام.
فعلينا دور كبير في دعوة الناس إلى الإسلام، خاصة أن كثيراً منهم سيقبل
هذه الدعوة إذا وصلتهم، وأظن أن رسالة الإسلام ما وصلتهم حقيقة إلى الآن.
الأستاذ سليمان الحرش: هذه النقاط التي ذكرها الأخ سليمان وسائل أرى أنها
تنقلنا من دعوة في مجال ضيق من خلال مثلاً مركز إسلامي أو من خلال مسجد أو
مؤسسة أو ما إلى ذلك، إلى شمولية أكبر، عندما يطرح الإسلام مثلاً من خلال
مواقع الإنترنت أو من خلال الصحف والمجلات، هذه الشمولية مهمة جداً؛ لأن
الإسلام يصور في أوروبا وأمريكا أنه ينتشر انتشاراً واسعاً، وهذا تصوير مبالغ
فيه.
لكن هذا الطرح المذكور في الواقع يجعل الأمر شاملاً، ونستطيع من خلال
هذه الوسائل أن نصل إلى كل إنسان، وخاصة إذا أجدنا لغة الخطاب ولغة الطرح،
وحققنا مفهوم الوسطية للإسلام، من خلال هذه الوسائل الحديثة أتصور أن تتحقق
نقلة في الدعوة من النطاق الضيق إلى الشمولية في الدعوة إن شاء الله.
الأستاذ علي جمعة: قبل أحداث 11 سبتمبر؛ عندما كنا نريد أن نتحدث مع
الغربيين عن الإسلام لا يهتمون؛ لأنهم كانوا لا يهتمون بمسألة الدين، ولا يسمعون
عن الإسلام كثيراً، أما بعد 11 سبتمبر؛ فقد أتيحت فرص كثيرة لنا، وبدأ الناس
يأتون إلينا بأنفسهم، ويسألون أسئلة كثيرة حول الإسلام، وهذه فرصة ثمينة إذا
أحسنا استثمارها فسيكون لها أثرها الكبير على كل من لا يعرف شيئاً عن شخصية
نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.
الأستاذ الدكتور جعفر: هناك أناس عملوا إحصاءات تبين أن أكثر ما يدخل
الناس الإسلام هو القرآن الكريم، والدعوة بالقرآن الكريم قائمة، لكن الشيء الذي
قصرنا فيه هو الدعوة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وشيخ الإسلام يقول إن
أول شيء يبدأ به ربنا سبحانه هو أن يرسل الرسول، فالناس يعرفونه وعن طريقه
يسلمون، ولذلك بدأ البخاري في صحيحه بكتاب بدء الوحي لأن هذه بداية الدين،
فبالنسبة للقرآن العمل بالدعوة به قائم، لكن عندنا تقصير في مسألة الدعوة بالسيرة
النبوية، بل أنا أرى أن هناك تقصيراً فيها على مستوى اللغة العربية، فينبغي أن
يكون هناك كتاب جذاب يقرأه عامة الشباب في المدارس والجامعات، بلغة أدبية
رفيعة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، نريد كتاباً يجمع بين العلم والتوثيق
والناحية الأدبية، ثم يكون هذا الكتاب نفسه باللغات الأخرى، الكتاب الذي كتبه
الباشا عن حياة الصحابة كتاب جميل، وعندما كنا في معهد العلوم الإسلامية
أعطيناه أمريكية أديبة وتجيد اللغة العربية فترجمته، وأثر في ناس كثيرين لأنه
مكتوب بلغة أدبية رفيعة. وعلى سبيل المثال اتفقت بعض الجهات مع جريدة
(Today صلى الله عليه وسلم.S.U) وهي من أوسع الجرائد انتشاراً، وهي تشترط في الكتابة
ألا يستعمل في الكلمات أرفع من مستوى طالب الثانوية؛ لأن غالبية الناس هكذا،
اتفقوا معهم على نشر مقالات قصيرة عن الإسلام، لكن كأنها إعلانات، ويكتبها
أديب، فلو عملنا الشيء نفسه وأعددنا الكتاب، وكتب باللغات المختلفة؛ فإن ذلك
سوف يؤثر في الناس تأثيراً كبيراً.
وقد اتفقنا على كتابة كتاب عن السيرة، سيكون من الناحية الأكاديمية جيداً،
لكن يحتاج الكتاب نفسه أن يكتب بلغة أدبية جذابة؛ لأن هذا في رأيي سيساعد في
دعوة الناس مع القرآن الكريم إلى معرفة الدين الحق بشكل مؤثر.
وإذا استطعنا أن نضع مع كتاب السيرة تفسيراً مثل تفسير الجلالين بهوامش
بسيطة، فهذان إن شاء الله سيكونان مادة توضع في الإنترنت أو في قرص مدمج،
فإذا أعددنا المادة الجيدة فوسائل انتشارها سهلة.
البيان: قضية نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ليست مشروعاً شخصياً،
وليست مكسباً حزبياً، أو مغنماً لمؤسسة من المؤسسات، وإنما هي قضية أمة
وقضية عقيدة، وينبغي أن تتواطأ جميع المؤسسات الإسلامية وأهل الغيرة على
نصرة النبي صلى الله عليه وسلم والذب عن دينه وعن عرضه، وتعريف الجميع
بهذا الدين، ونسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع لخدمة دينه، والله المستعان.