المنتدى
محمد الزهراني
من سنة الله أن يحصل الابتلاء للمؤمنين أفراداً وجماعات: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَن
تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا
حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ] (البقرة: 214) .
لكن هذه الفتن بوجهها الآخر مبشرات؛ فإنه لا تحدث فتنة إلا كان بعدها فَرَج،
وحصل لأهلها من الخير الكثير، وإن شدة ظلام الليل دليل على قرب صبحه.
وينبغي على الدعاة والمصلحين أن يوقنوا بأن الخير فيما يقدره الله؛ فكم غَدَر
أعداء هذا الدين وكادوا ضده، وكاد ربنا بكيده؛ فكان ما قدره الله وكان فيه الخير
للدعوة وأهلها.
قتل فرعون كل مواليد بني إسرائيل فزعاً وخوفاً من طفل قال الكهان إن على
يديه يزول مُلك فرعون، وكاد ربنا، فقدّر أن يكون فرعون هو الذي يعتني بموسى
- عليه السلام - ويرعاه في عقر داره رعاية أبناء الملوك [لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوا]
(القصص: 8) .
وحسد إخوة يوسف أخاهم - عليه السلام - فكادوا ودبّروا [غَيَابَةِ الجُب]
(يوسف: 10) ، فجعل الله في ذلك خيراً كثيراً، فأخرجه الله سيداً لمصر وأميناً
على خزائن الأرض [وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً] (يوسف:
100) .
واجتمعت قريش وغطفان ويهود في الأحزاب ضد نبي الله محمد صلى الله
عليه وسلم وقلة المؤمنين معه، فكادوا ودبروا لاستئصال شأفة المؤمنين حتى بلغت
قلوب المؤمنين الحناجر، وأرجف المنافقون في المدينة، فجاءت [وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا
نَصْرُ المُؤْمِنِينَ] (الروم: 47) ، فدبر ربنا سبحانه وقدّر، وارتحل الأعداء
منهزمين، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «الآن نغزوهم ولا يغزونا» .
وهكذا تجري الأقدار ولا يعرف الناس في أيٍّ الخير، فلربما شُدّد على
الدعوات، ومُلئت السجون بالدعاة، وأُلجم الناصحون فكان في ذلك كل الخير،
فزاد عدد المنتمين للدعوة، وكثر أنصارها وقد ظن ضعفاء النفوس أن لن تقوم لها
قائمة، وإنما يحصل هذا [لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً] (الأنفال: 44) ،
وإنما الخير فيما يقدره الله [فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً]
(النساء: 19) .
والذي يجب بعد هذا هو أن نعلم أن البلاء والرخاء جولات ينبغي أن تجعلنا
حريصين على إعداد العدة وقت الشدة؛ لتنطلق الدعوة في أوقات السعة والرخاء
وتتقدم، وأن نأخذ من السنوات السمان للسنوات العجاف، ونوقن أن الله يأبى [إِلاَّ
أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ] (التوبة: 32) .