دراسات تربوية
د. محمد عبد الله الصغير [*]
* تصور الناس للتدين:
تختلف رؤية الناس للتدين وتعاليم الدين بحسب عوامل كثيرة (تربوية
وإعلامية وغيرها) فمنهم:
- من يتصور أن الدين مجموعة قيود وضوابط تحدّ من حرية الإنسان فكراً
وسلوكاً، وهؤلاء منهم من يلتزم بالدين وهو ضجِر متبرم لكنه لا يستطيع الخروج
على المألوف الاجتماعي من حوله، ومنهم من ينفر من الدين ويُنفِّر غيره ويصرِّح
بذلك علانية، ومنهم من ينافق فيظهر خلاف ما يبطن، ولا يبين حقيقة تصوره إلا
لمن يثق به من أشباهه.
- من يتصور أن الدين مجموعة تعاليم روحانية تهدف فقط إلى السمو بالنفس
والترفع عن قيود الأهواء والشهوات، وهؤلاء منهم من يلتزم بهذه الطقوس
ويمارسها بطريقة صوفية بحتة، ومنهم من يستخف بها ولا يعتد بها، وأغلب
هؤلاء من العقلانيين الذين انحسرت عندهم العاطفة لحساب العقل والتفكير، ومنهم
من يرى أن الشخص له الحرية في ممارسة هذه التعاليم الروحانية متى شاء لكن
يجب ألا يكون لذلك أي متعلقات سلوكية وفكرية في أمور الدنيا؛ فالدين عندهم
علاقة خاصة بين الفرد وربه، ولا تتعدى مجال فروض العبادة؛ وهؤلاء هم
أصحاب الاتجاه العلماني على اختلاف توجهاتهم الفرعية.
- من يتصور أن الدين منهج سياسي متطرف متزمت لا يقبل التفاهم ولا
يحسن التحاور ولا همّ له سوى بسط سلطانه في الأرض بالقوة والقهر والتشديد
(حتى في حق الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ ... ) ، وهذا التصور هو الذي
يحرص اليهود والنصارى وأشباههم على ترويجه عن الدين الإسلامي، ويبدو أن
له قبولاً في بعض أوساط المسلمين وغيرهم، وقد أفصحت أحداث التفجيرات في
أمريكا (أحداث 11 سبتمبر 2001م) عن ذلك بوضوح.
- من يتصور أن الدين تراث وثقافة وتاريخ قومي للأمة العربية؛ فمن
حرص عليه فإنما يحرص على تراثه وتاريخه وثقافة أمته وماضيها سواء حُمد على
ذلك أم لم يحمد، وإن لم يحرص على ذلك وتأثر فكراً وسلوكاً بثقافة أي أمة أو بلد
فإنه حُرٌّ في ذلك سواء حُمد على ذلك أم لم يحمد.
* الإسلام والنفس:
الإسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله تعالى للبشر وجعله شاملاً لأمور
دنياهم وآخرتهم بتوازن وتكامل ووضوح وحكمة ودقة لا يمكن أن تصدر إلا ممن
خلق النفس البشرية ويعرف خباياها وخفاياها كما قال تعالى: [وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا
* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا] (الشمس: 7-8) .
وقد شمل الخطاب الشرعي (في القرآن والسنة) جوانب الحياة الإنسانية كلها
للفرد والمجتمع (المشاعر، والتفكير، والإدراك والسلوك، والتوافق النفسي
والاجتماعي، والعلاقات الأسرية، والمعاملات البشرية على اختلاف أنواعها) ،
واهتم الإسلام بتلبية الحاجات الأساسية للنفس البشرية (نفسية أو عضوية) ،
كالنوم والطعام والجنس مما هو موافق للفطرة الإنسانية، وجعل لحياة الفرد معنى
سامياً وهدفاً عالياً، وبيّن له أن الدنيا مكان امتحان وابتلاءات شتى، وستأتي بعدها
فترة الحساب والثواب والعقاب؛ فليست الدنيا نهاية المطاف.
كما اهتم الإسلام بتهذيب الغرائز والشهوات الإنسانية، ووجّه الناس إلى ضبطها
بحكمة ضبطاً داخلياً من أعماق النفس وصميم الضمير، وليس لأجل مجاراة
المجتمع أو خوف انتقادات الناس، وليس هذا الضبط كبتاً وحرماناً للنفس بل هو
سُموٌّ بها عن التدني والفساد الفردي والجماعي، ويتضح هذا عند تأمل أحوال أولئك
الذين أطلقوا العنان لشهواتهم وغرائزهم دون ضوابط، والنظر في عواقب مآلهم؛
فإنهم انطلقوا يطلبون السعادة في غير اتجاهها؛ فما وجدوا إلا التعاسة والألم النفسي
والتعب الجسدي. هربوا من الرق الذي خُلقوا له فبُلوا برق النفس والشيطان [1] .
* أثر التدين في الشخصية:
- في الضمير:
إن للتربية الدينية أثراً مهماً في تكوين الضمير داخل النفس؛ فإذا كانت
التربية الدينية متزنة في توجيهاتها للناشئ، وجمعت بين الترغيب في الخير
والثواب عليه وبين الترهيب من الشر والعقوبة عليه بحكمة؛ فإن الضمير ينمو
نمواً سليماً في نفس الناشئ، ويؤثر إيجابياً في شخصيته، وينعكس على علاقته
بنفسه والآخرين؛ فيقوى بذلك عنده الجانب الخلقي، ويبرز في تصرفاته ويكون
دعامة قوية في نضج شخصيته وتماسكها.
أما إذا برزت الشدة والقسوة والترهيب الديني على حساب الرفق والحكمة
فإنها تؤثر سلباً على شخصية الناشئ؛ إما بتكوين ضمير متضخم يقمع النفس عن
الانطلاق السليم في الحياة وعن التفاعل الصحيح مع الآخرين، أو بتكوين ضمير
متبلد ضعيف ضامر غير مبالٍ، ولهذا شواهد من حالات أبناء وبنات بعض الأسر
المتدينة التي أفرطت في القسوة فأضرت بأبنائها وبناتها.
وإذا حصل العكس وبرز التهاون والتراخي والغفلة أو المبالغة في الترغيب
الديني، وغابت روح الحزم والترهيب المناسب فإن الضمير الديني يكون ضعيفاً
ولا سيما الوازع الداخلي الذي يكف النفس عن هواها؛ وشواهد ذلك في العيادات
النفسية كثيرة، وفي المجتمع اليوم من ذلك شيء كثير؛ فكم من فتيات وشباب
مائعة أخلاقهم ضعيفة ضمائرهم وأهلهم ذوو دين وخلق لكنهم متهاونون متساهلون
غافلون.
- في الأمن النفسي:
الأمن النفسي مطلب لكل فرد وأسرة ومجتمع وأمة، وقد لبت التشريعات
الإسلامية تحقيق هذا المطلب بأكثر من طريقة؛ فقد حرص الإسلام على الأمن
النفسي للطفل والمرأة والكبير حرصاً بالغاً باحترام وتقدير، خصوصاً أنهم أحوج
من غيرهم (من الرجال الأقوياء) إلى الأمن، وهذا ينعكس على استقرار شخصية
الطفل فيما بعد وعلى المرأة وتربيتها لأولادها.
والتدين يشعر الشخص بشيء من الأمان على مستقبله الأخروي إذا استعد
بصالح الأعمال (وإن لم يضمن له دخول الجنة) ، بخلاف المقصر في دينه فإنه
عرضة للقلق الداخلي على مستقبله الدنيوي والأخروي، وينعكس ذلك على
شخصيته وتعامله مع نفسه وغيره. [الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ
بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ] (الرعد: 28) .
إن التدين الصحيح يخفف على النفس المخاوف الدنيوية، ولا يفزعها
بالمخاوف الأخروية إلى درجة القلق النفسي المرضي، وإنما يحثها بذلك حثاً رفيقاً
إلى حيث الأمان الحقيقي طويل الأمد، كما يبعث في النفس التفاؤل، ويعمل على
نبذ التشاؤم واليأس والقنوط، وهو ما يسيطر على بعض الشخصيات الكئيبة، وفي
الوقت ذاته يحذر من الانسياق وراء الفرح وما قد يتبعه من تصرفات تكون عاقبة
أمرها خسراً، وهذا ما يوجد عند الشخصيات الاندفاعية (كالمحتالة والنرجسية
والحدية) .
- في الهوية الذاتية والثقة بالنفس:
كثير من الناس الذين كانوا يعانون ضعفاً في المعنويات وشعوراً بالإحباط،
بسبب بعض النقص في المقومات الاجتماعية (التعليم - الوظيفة - النسب....)
أو المادية أو غير ذلك تزول عنهم تلك المعاناة (أو تخف بدرجة كبيرة) عندما
يسلكون طريق التدين السليم وصراطه المستقيم، فيشعرون بعزة الانتماء لدين الله
والدخول تحت مظلة العزة الإيمانية، ولهذا أثر نفسي إيجابي كبير ينعكس على حياة
الشخص كلها وعلى علاقاته، ومن أمثلة ذلك: حالات أولئك الذين استطاعوا ترك
المسكرات والمخدرات واعتزالها وأهلها بمجرد استقامتهم على الدين، وشعورهم
بالثقة النفسية الجديدة والهوية الذاتية الصحيحة.
- في التكيف مع الأزمات النفسية:
إن من أهم جوانب الشخصية قدرتها على التكيف مع الأزمات النفسية
والضغوط والإحباطات التي تكاد لا تخلو منها الحياة مهما كانت الظروف الفردية
والاجتماعية.
إن التدين السليم يعين بشكل كبير على حسن التكيف مع الأزمات النفسية؛
بدءاً من تقبل المصائب واحتساب أجرها عند الله (عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر)
كما قال تعالى: [أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ
عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] (آل عمران: 165) ، وقوله تعالى:
[وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ] (الشورى: 30) ،
وعلى عدم الاستسلام للواقع المر، والركون لليأس والقنوط من رحمة الله، إضافة
إلى الحرص على بذل الأسباب المشروعة دينية كانت أو دنيوية مع توكل صحيح
على الله تعالى (دون تواكل أو اعتماد على النفس دون الله) .
مما يُلحظ في مواقف بعض المتدينين عند الأزمات والضغوط النفسية أنهم
يهملون الأسباب الحسية (إما عجزاً أو جهلاً أو غير ذلك) ؛ مما يعوق تكيفهم مع
الأزمات، وقد ينسبون تصرفاتهم تلك إلى الدين وهم غير مصيبين في ذلك.
وفي مقابل هؤلاء فإن مما يلحظ في مواقف بعض المقصرين في تدينهم أنهم
يهملون الأسباب الإيمانية عند مواجهة الأزمات النفسية والاجتماعية؛ مما يؤثر
سلباً في تكيفهم مع تلك الأزمات.
- في الاهتمامات والهوايات وقضاء الأوقات:
هذه من جوانب الشخصية التي يؤثر فيها التدين بصورة واضحة؛ فالتدين
الصحيح يوجه الاهتمامات والهوايات وقضاء الأوقات فيما يعود بالنفع الدنيوي
والأخروي على الشخص وعلى غيره؛ فالتدين يؤثر إيجابياً في مهارة إدارة الوقت،
وترتيب الأولوليات، والتوازن في توزيع الأوقات على الاهتمامات [2] .
إن كثيراً من المقصرين في أمور دينهم يُضيع الواحد منهم وقته سدى في
اهتمامات أو هوايات هامشية تكون على حساب مصالح ومنافع كثيرة في حياته
الشخصية والاجتماعية، وينعكس ذلك على شخصيته بالإهمال والفوضوية
الشخصية، ومن ذلك انهماك كثير من الشباب والفتيات في متابعة بعض التوافه في
الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ، أو غيرها من وسائل الإعلام [3] .
- في المهارات الاجتماعية:
للتدين السليم دور مهم في تحسين نوعية التواصل الاجتماعي للشخص مع
الآخرين من حوله، ويشمل ذلك عدة جوانب منها:
- إفشاء السلام وإظهار البِشر والتبسم.
- زيارة الإخوان وصلة الأقارب والأرحام.
- الابتعاد عن الغيبة والنميمة والتجسس والتباغض.
- التحلي بالحلم والعفو.
- التحلي بآداب الزيارة والطعام ونحو ذلك.
- في تنمية الصفات الإيجابية:
يحث التدين السليم النفس على استخراج ما فيها من صفات إيجابية وتفعيل
دورها لمصالحها الدنيوية والأخروية، ولما يترتب على ذلك من مصالح متعدية
النفع إلى المجتمع، ويشمل ذلك العديد من الصفات ومنها:
- علو الهمة واستثمار الأوقات.
- الرفق والأناة والحياء والمروءة والإيثار.
- الحزم وكف النفس عن الهوى والشهوات.
- التراحم والتواد والمواساة والنجدة.
- في تهذيب الصفات السلبية:
للتدين دور كبير في تهذيب الصفات السلبية في الشخصية، وذلك أن الدين
الإسلامي فيه الكثير من التوجيهات والإرشادات المتعلقة بتهذيب الصفات والطباع
السلبية في الشخصية على اختلاف أنواعها (سلوكية ومزاجية وفكرية ... ) . ومن
أمثلة تلك الصفات:
- العجب والكبر والأنانية.
- الكذب والاحتيال والمكر والغدر.
- الظلم والعدوان والبهتان والغضب.
- الخجل والذلة.
- التشدد والتنطع والرهبانية.
- الغل والحقد والحسد.
* خلاصة:
فالتدين السليم له في الشخصية أثر كبير إيجابي متعدد الأوجه؛ ولهذا شواهد
واقعية لا نزال نطالعها في التاريخ والواقع، أما في التاريخ فهؤلاء هم الصحابة
الكرام يدخل الواحد منهم الإسلام ويهتدي بهديه؛ فإذا بشخصيته تتهذب وتقوى
وتتزكى وتستنير بنور الله فتسمو في نفسها وتلين لمن حولها، [هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي
الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن
قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ] (الجمعة: 2) .
وأما في الواقع فما أكثر الذين دخلوا الإسلام (بعد اقتناعهم به) وعبّروا عن
أثره عليهم في الأخلاق والسلوك، وفي مجتمع المسلمين أيضاً ما أكثر أولئك الذين
كانوا بعيدين عن تعاليم الدين ِثم عادوا إليها ووجدوا لذلك عظيم الأثر في شخصياتهم
وأخلاقهم ونجاحهم الشخصي والاجتماعي، وفي العيادات النفسية شواهد لتلك
الحالات؛ وذلك أن طريق العودة كثيراً ما يبدأ بأزمة نفسية تجعل الشخص يعيد
النظر في واقع حياته وأخلاقه ويصحح مساره قبل انتهاء الطريق [4] .
* أثر الشخصية في التدين:
إن لطباع الشخصية أثراً في اتجاه الشخص نحو التدين أو ابتعاده عنه، وفي
طريقة تدينه، وكلما كان الشخص أكثر استقراراً واتزاناً في شخصيته كان توجهه
نحو التدين وتمسكه بتعاليم الدين وآدابه أكثر قوة وتعقلاً ورزانة وهدوءاً.
وإذا كان في الشخصية بعض الاعتلال والخلل وعدم الاستقرار؛ فإن ذلك
ينعكس على اتجاه الشخص نحو التدين وطريقته فيه بقدر ما في الشخصية من
اعتلال.
الشخص الميال إلى المبالغة في العقلانيات على حساب العواطف:
- قد ينفر من التدين وأهله لأنه يبالغ في محاكمة التعاليم الدينية وتمحيصها
بعقله، ويجعل المرجع في القبول والرفض عقله القاصر؛ ولذا فقد ينكر بعض ما
هو ثابت في الدين؛ لأنه يرى أنه مخالف للعقل، وقد يتكلف تأويلات وتفسيرات
عقلية لتتماشى مع العقل فيما يراه هو (علماً بأن العقل الصريح الخالي من الهوى
والشبهات والشهوات لا يتعارض مع ما جاء في الشرع من نقل صحيح) .
- قد يقبل التدين، ولكن ينحصر عنده التدين في دائرة المعرفة؛ فتجده
يعرف الكثير من أحكام الدين ومفاهيمه معرفة عقلية مجردة من العواطف
والسلوكيات، وبعض هؤلاء قد يكونون بارعين في الحديث عن الدين وتعاليمه
وفهمه [5] ، ولديهم القدرة على المجادلة والتحاور والنقاش بنفس طويل، والتنظير
لكثير من الأمور الدينية بكلام نظري برّاق.
الميال إلى المبالغة في العواطف على حساب العقل:
فهذا قد يبدي عاطفة جارفة وحماساً كبيراً نحو الدين ولكن لا يواكب ذلك
معرفة جيدة بأحكام الدين، ولا سلوك ملتزم بقواعده، وهذا النوع ينتشر في الشباب
حديثي التدين، وصغار السن.
هذا يميل مرة مع التدين (ولا سيما عندما يحس بالكآبة والإحباط النفسي) ،
ومرة يبتعد عن التدين (ولا سيما إذا شعر بالاكتفاء والاستغناء النفسي) ، [كَلاَّ إِنَّ
الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى] (العلق: 6-7) ، وبعضهم تغلب عليه
شهواته فينغمس في المسكرات أو الزنا باحثاً فيهما عن المتعة واللذة غير عابئ
بالعقوبة.
النفعي المصلحي الأناني المحتال:
هذا يستثمر التدين فيما يحقق له المصالح والمنافع الشخصية ولا سيما في
المجتمعات التي تحترم الدين وأهله؛ مما يجعل الشخص يسعى إلى كسب ثقة الناس
ومودتهم؛ من خلال التظاهر بالدين أو المبالغة في التمسك ببعض جوانب الدين فيما
يبدو للناس؛ فهو يسعى إلى كسب الدنيا (مال - جاه - شهوات) بالدين، ويغلب
على هؤلاء الاحتيال بالحجج الدينية واستثمار المفهومات والتعليمات الدينية في
تحريك مشاعر الآخرين وعقولهم وتصرفاتهم نحو ما يخدم به مصلحته الخاصة،
وسرعان ما ينخدع الناس به؛ لأنهم يحترمون الدين وأهله.
الميال إلى العناد والتحدي والحسد:
هذا إذا تدين فإن سلوكياته مع الآخرين (حتى مع المتدينين ولا سيما الأقران)
تتأثر بتلك الصفات السلبية في شخصيته؛ فقد يرفض النصيحة (ولو كان على
خطأ) ، وقد يصرّ على رأي أو تصرف خاطئ لأجل التحدي والحسد لشخص آخر،
وقد يتهجم على غيره من المتدينين ويكرس جهوده لمنافستهم وحسدهم ونحو ذلك،
فيسلم منه أعداء الدين ولا يسلم منه المتدينون الذين يحسدهم.
المعجب بنفسه المتكبر على غيره:
وهذا مولع بلفت الأنظار إليه وتلميع نفسه والارتفاع في أعين الناس والتميز
عن الأنداد وسبقه لهم؛ لأنه معجب بنفسه (بمظهره وكلامه وأفكاره واقتراحاته
وممتلكاته وشهاداته وعلمه وحفظه وفهمه وأخلاقه ... ) ، وكل ذلك ينعكس سلباً
على تدينه، وإن كان لبعض ذلك آثار إيجابية أحياناً [6] .
وكثيراً ما تقوده هذه الصفات إلى خلافات مع الآخرين خصوصاً المشابهين له
في العجب والكبر والمتصفين بالعناد والتحدي والحسد.
وبعض هؤلاء يجتمع فيه العجب والكبر والمكر والمراوغة والأنانية فيحرص
على الوصول إلى مواقع التسلط والنفوذ من خلال التدين، ويستغل ذلك في تلميع
نفسه. وقد يصده كبره عن اتباع الحق وعن الاعتراف بالخطأ فيجحده كبراً وعلواً
ونفسه مستيقنة به، وكثير من هؤلاء لا يبالي باستدماج حسنات غيره وقد يكذب من
أجل ذلك.
صاحب الضمير المتضخم المبالغ في الدقة والحرص:
هذا ميال إلى التدين بطبعه؛ فنفسه تنساق إلى الدين انسياقاً ولكنه قد يوغل
فيه بشدة فيكلف نفسه وغيره ما لم يأمر به الله؛ فقد يبالغ في بعض المستحبات
فيجعلها في رتبة الواجبات ويحاسب نفسه وغيره على ذلك، وهكذا المكروهات قد
لا يميزها عن المحرمات فيبالغ فيها فيحاسب نفسه وغيره على هذا الأساس، وقد
يكون صلفاً جافاً فظاً في تعامله مع غيره ولا سيما من هم أقل منه تديناً حتى لو
كانوا من أهله وأقاربه وجيرانه؛ ولذا فقد يُنفِّر الآخرين من التدين (ولا سيما أولئك
الذين لا يميزون بين تعاليم الدين وبين تشدد وفظاظة بعض المتدينين) . وقد
يستخدم بعض المسوغات الدينية لتسويغ تصرفاته [7] ، ويضعف رجاؤه ويعوقه
خوفه.
ومنهم طائفة تبالغ في التشديد على نفسها إلى درجة الوسوسة في بعض
العبادات والمعاملات [8] ، ثم محاسبة النفس على تلك الوسوسة؛ ومن ثم الدخول
في متاهة نفسية عريضة.
صاحب الغلظة والقسوة:
تنعكس شخصية هذا على تدينه في كونه لا يتأثر كثيراً بالرقائق والترهيب
وذكر النار والعذاب، ويغلب عليه النظر في جوانب الغلظة في المعاملات
والخصومات والعقوبات، ولا يقيم وزناً كبيراً لجوانب المشاعر، والتعاطف
والتآلف بين المسلمين.
صاحب الرأفة الشديدة:
يتأثر كثيراً بالترهيب (إشفاقاً على نفسه) ويتفاعل مع آلام الآخرين، ويميل
إلى التعاطف معهم ومواساتهم قولاً وفعلاً.
قد يتساهل مع من تحت يده (زوجة - أبناء = بنات) وإن وقعوا في
مخالفات دينية كبيرة؛ لغلبة الرأفة عليه وعدم قدرته على العقوبة.
الميال إلى الاستسلام والمجاملة:
هذا يتأثر بمن يؤثر عليه؛ فإن كانت المؤثرات حوله تدعوه إلى التدين تأثر
بها ولو مجاملة أو استسلاماً لمن حوله (ولا سيما الوالدين) ، وقد لا يمتد تدينه إلى
أعماق نفسه وربما قلّ تدينه إذا ابتعد عن المؤثرات التي تدعوه إلى التدين.
وإن كانت المؤثرات من حوله تدعو إلى الاتجاه المعاكس (ولا سيما
الأصحاب) فإنه يسايرهم في ذلك وإن كان غير مقتنع باتجاههم، وقد يقع في
مشكلات أخلاقية أو مخالفات دينية لأجل مجاملة من حوله.
الميال إلى الريبة وسوء الظن:
تؤثر هذه الصفات سلباً في تدين الشخص؛ فهو يبالغ في سوء الظن في
الناس دون سبب يدعو لذلك، وقد يُسقط عليهم ما يجول في أعماق نفسه من سوء
أو عيب أو تقصير، وغالباً ما يبالغ في الغيرة على المحارم إلى درجة سوء الظن
الضارة بمحارمه والمؤثرة سلباً على علاقاته الأسرية.
وهكذا الأمر في كل علة شخصية، فإن لها أثراً على جانب من جوانب التدين
يختلف حجماً وشدة باختلاف نوع العلة وشدتها، وباختلاف الظروف المؤثرة
الأخرى.