كلمة صغيرة
ما يحدث في عالمنا العربي من عدم استغلال الخيرات التي منحها الله لأمتنا
على مستويات عديدة منها الظاهر ومنها الخفي، ومن هذا الخفي نزيف العقول التي
تترك أوطانها في عالمنا لأسباب عديدة وتهاجر إلى الغرب فيحتضنها ويرعاها
ويستفيد منها أيما استفادة ويضيفها إلى رصيد قوته.
فتشير الإحصاءات المأخوذة من الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية
ومنظمة العمل العربية ومنظمة اليونسكو وبعض المنظمات الدولية والإقليمية
المهتمة بهذه الظاهرة إلى الحقائق التالية:
- يساهم الوطن العربي في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية.
- أن 50% من الأطباء و 23% من المهندسين و 15% من العلماء من مجموع
الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة،
وكندا بوجه خاص.
- أن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.
- يشكل الأطباء العرب العاملون في بريطانيا حوالي 34% من مجموع الأطباء
العاملين فيها.
- أن ثلاث دول غربية غنية هي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تصطاد 75%
من المهاجرين العرب.
- بلغت الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية 11
مليار دولار في عقد السبعينيات.
وقد تزايدت هجرة العقول العربية في العقود الثلاثة الأخيرة لأسباب كثيرة
منها عدم توفير الظروف المادية والاجتماعية التي تؤمن مستوى لائقاً من العيش
بالإضافة إلى ضعف الاهتمام بالبحث العلمي، وعدم وجود مراكز البحث العلمي
المطلوبة؛ إلى جانب المشاكل السياسية والاجتماعية، وعدم الاستقرار التي تعاني
منها أقطار عربية مختلفة، وقدرت خسارة العرب بسبب هجرة العقول العربية بـ
1.57 مليار دولار سنوياً كما ورد في دراسة حديثة صدرت في دمشق.
ومما يلفت النظر في الوطن العربي أنه مع ازدياد معدلات هجرة العقول
العربية إلى الغرب يزداد اعتماد غالبية البلدان العربية على الكفاءات الغربية في
ميادين شتى بتكلفة اقتصادية مرتفعة ومبالغ فيها في كثير الأحيان.
وبعبارة أخرى فإن البلدان العربية تتحمل بسبب هذه الهجرة خسارة مزدوجة
لضياع ما أنفقته من أموال وجهود في تعليم وإعداد الكفاءات العربية المهاجرة،
ومواجهة نقص الكفاءات وسوء استغلالها والإفادة منها عن طريق استيراد الكفاءات
الغربية بتكلفة كبيرة.
إن الحقيقة المرة تكشف أن العالم العربي الذي ينفق على السلاح 60 مليار
دولار (يخزن في المستودعات) لا ينفق على البحث العلمي إلا 600 مليون دولار
فقط (يهدر بعضها في المصروفات الإدارية!!) ، وبينما تنفق الجامعات العربية
1% فقط من ميزانياتها على البحث العلمي، تنفق الجامعات الأمريكية 40% من
ميزانياتها على قطاع البحث العلمي!!
لا شك أن هناك أسباباً عديدة وراء هذه الظاهرة المؤسفة، ولا شك أيضاً أن
استمرارها وعدم التنبه لها ومعالجة أسبابها سوف يزيد هذا النزيف ويضاعف من
حالة (الأنيميا العلمية والعقلية) التي توهن من قوانا وتجرنا بالتبعية خلف عدونا.
فمتى نستغل طاقاتنا حتى لا تهاجر بمسوغات جلها غير معقول ولا مقبول؟