مجله البيان (صفحة 4298)

في دائرة الضوء

لهذا نكره أمريكا!

(مداخلة في وثيقة المثقفين الأمريكيين الستين)

(2 ـ 2)

خالد أبو الفتوح

abulfutoh@hotmail.com

بعد استعراضه لملخص وثيقة المثقفين الأمريكيين الستين في الحلقة الماضية،

تناول الكاتب بالنقد بعض المفاهيم التي احتوتها، ومنها: تقديمهم لمبادئهم وكأنها

مقدسة، وما وراء فصلهم بين هذه المبادئ وممارسات مجتمعهم المخالفة لها،

ومفهوم الحرب العادلة، والنظرة إلى الدين.. ويواصل الكاتب في هذه الحلقة حديثه

عن محاور أخرى.

- البيان -

* لماذا نكره أمريكا؟ لماذا يكرهوننا؟ ..

سؤال جوهري تردد على ألسنة ساسة أمريكيين بعد أحداث سبتمبر من غير

أن يجد حظه من التحليل العميق والصدق مع النفس.. وشبيه بذلك السؤال ما

طرحته الوثيقة أكثر من مرة؟ لماذا أقدم من نفذوا تفجيرات سبتمبر على فعلتهم هذه؟

لماذا يريدون أن يقتلونا؟!

لم يأخذ السؤالان حظهما من الاهتمام والعمق رغم أنهما من العناصر

الجوهرية التي ينبغي عدم إغفالها، في إجابات الساسة والمثقفين قالوا: إنهم

يكرهوننا لأننا ناجحون، أي: حقداً وحسداً منهم على هذا النجاح، ولأن مجتمعنا

يتمتع بالحرية والديمقراطية، ولأننا ندافع عن الرأسمالية والفردية وفصل الكنيسة

عن الدولة؛ أي بسبب قيمنا، أو: لأننا أخيار جداً!

السؤال الآخر لم يكن أقل حظاً من التسطيح، فقيل في إجابات المثقفين عليه:

إنهم فعلوا ذلك لأن دافعهم كان القتل لمجرد القتل (أشرار بطبيعتهم) ، ولأنهم

يحقدون على مجتمعنا وطريقتنا في الحياة (بعد أن وصمونا بالكفر) .

مثل هذه الإجابات وإن كان من الممكن أن تخدع كثيراً من بسطاء الرأي العام

الأمريكي، إلا أن التمادي فيها وتصديقها لن يساعد على حل المعضلة المطروحة

في الواقع.

فأمريكا ليست البلد الوحيد الناجح على المستوى المادي، وتوجد في العالم

ديمقراطيات أعرق منها وأرسخ، وهناك دول أخرى تتمتع بمستوى حريات

ومساواة أكثر مما في أمريكا، والرأسمالية والفردية والعلمانية صفات لا تختص

بأمريكا، فلماذا اختصت أمريكا بهذه الكراهية وهذا العداء؟ ما زال السؤال قائماً..

علاقة الإسلام بالكفار من أهل الكتاب وخاصة النصارى علاقة متميزة؛ فهم

معدودون من أصحاب الشرائع والكتب السماوية، ومن الممكن أن يتعايش أفرادهم

في المجتمع الإسلامي كما يشهد التاريخ والواقع بل إن لهم وضعاً خاصاً مميزاً في

الزواج منهم والأكل من ذبائحهم.. وهذا كله ما لا نجده مع أصحاب الديانات

الأخرى.. فلماذا كانت أمريكا الكافرة النصرانية - دون اليابان أو الهند أو الصين

.. أو غيرها من الدول الوثنية أو الملحدة التي هي أشد كفراً وشركاً - هي

المستهدفة بهذا الكره وهذا العداء وهذه الأعمال؟

أمريكا حتى قبل أحداث سبتمبر كان بها قدر من المرونة والانفتاح مع

أصحاب الأديان الأخرى ومنها الإسلام أكثر من بلدان أوروبية أخرى، كفرنسا مثلاً

.. اليابان مثلاً تجتمع فيها مسوغات الكراهية والعداء التي ذكرها ساسة أمريكا

ومثقفوها أكثر من أمريكا، فهي دولة رأسمالية، ديمقراطية، ناجحة، أهلها وثنيون

.. ومع ذلك لا يفكر أحد بتوجيه مثل هذه الأفعال إليها، ولو حدث فلن يلقى أي

تجاوب شعبي معه.

نقطة أخرى، هي أن أمريكا لا يختص المسلمون بكرهها، بل إن كثيرين من

شعوب وأديان مختلفة تعاطفوا مع بن لادن عندما أعلنته أمريكا هدفاً لحربها، قد لا

يكون حباً فيه بقدر ما هو كراهية في أمريكا، وليس أدل على مدى هذه الكراهية

من المظاهرات الألمانية والروسية والفرنسية الحاشدة الأخيرة ضد زيارة الرئيس

بوش؛ فكراهية أمريكا تتعدى أعداءها لتصل إلى شعوب حلفائها.. لماذا؟

أمريكا أكثر دولة تعرضت لاعتداءات ضد رموزها وجيشها ورعاياها في

الخارج خلال العقدين الماضيين، وأكثر دولة تصدر لرعاياها إعلانات بتوخي

الحذر في أكثر بلدان العالم.. لماذا؟

لا تصلح أيضاً الفرضية الساذجة التي تقول إن من قاموا بأحداث سبتمبر فعلوا

ذلك للقتل من أجل القتل؛ فكما ذكرنا أن استهداف ملعب كرة مزدحم بالبشر كان

يحقق مذابح أكثر، كما أن الحادث يتحدث عن نفسه بأن المقصود (رموز)

اقتصادية وعسكرية بما لا يخفى على أحد، ثم: متى وجد في التاريخ من يمارس

القتل دون دوافع إلا عند فاقدي العقل والمجانين؟! إذا كان الساسة والعسكريون

يجيدون المراوغة والتسطيح لتحقيق مآرب خاصة بهم، فإنه كان أوْلى بالمثقفين

والمفكرين أن يبحثوا بحثاً جاداً عن الدوافع الكامنة وراء الحادث والظاهرة وينقبوا

عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه الحالة، حتى يمكنهم وضع أقدامهم على

الطريق الصحيح للحلول المنطقية والواقعية بعيداً عن التعامي والتجاهل والهيجان

العاطفي.

كان أوْلى بالمثقفين أن يكتشفوا (الآخر) اكتشافاً حقيقياً وصادقاً وموضوعياً

ومحايداً، من هم؟ ومن أين جاؤوا؟ وما تاريخهم؟ وما مشكلاتهم؟ .. وأن يفتشوا

أيضاً في أنفسهم: في قيمهم ومبادئهم مرة أخرى أيضاً.. في سياساتهم وممارسات

إدارات حكومتهم.. في تجارب احتكاكهم بهذا الآخر وتاريخهم معه..

إنني من منطلق الشفافية والمصارحة التي تعهدت بالالتزام بهما في أول المقال

أحاول تقديم ما أعتقد أنه يساهم في الإجابة عن السؤالين الجوهريين المطروحين،

وذلك بالتعريف بـ (من نحن؟) وبمحاولة البحث عن (منابع الإرهاب) مذيِّلاً

ذلك بمقترحات لنزع الفتيل هي أشبه بالمطالب أو التوصيات.

ولكن قبل أن أبدأ في هذه المحاولة أود أن أشير إلى أن الكراهية والبغض

شعور طبيعي في كل إنسان سوي، وهو شعور ناشئ بالأساس عن الصدق في

الحب، فطبيعي أن المتسامح مثلاً يحب التسامح ويبغض التعصب، وهو وإن كان

يحب الخير لكل متعصب ويحب أن يرى كل متعصب وقد تحلى بالتسامح إلا أنه

بالطبع لا يشعر بالحب تجاه من مَلَكَه التعصب، ولكنه قد يشعر بالشفقة عليه.

فالمسلم الذي يحب الله فإنه يحب رسله وكتبه والمؤمنين به وأولياءه، ويحب ما

يحبه الله من توحيد وطاعات، وطبيعي أنه يبغض ويكره من لا يحب ذلك.. وهذا

الحب والبغض في الله لا ينافي المشاعر الإنسانية الأخرى ما لم تتصادم معه وتطغى

عليه، كالحب الفطري للوالدين والولد والزوجة والعشيرة والوطن والمال ...

وإذا كان المسلم يحب على أساس الدين ويكره على أساس الدين أيضاً فإن هذا

الكره لا يعني بالضرورة العداء والحرب في جميع الأحوال، فإنه قد يصاحب الكره

والبغض - رغم ذلك - البر والتسامح وبذل المعروف، وبالتأكيد لا بد أن يصاحبه

في جميع الأحوال العدل والقسط حتى في أقصى حالات العداء والمواجهة.

لقد أحببت أن أقدم بهذه المقدمة حتى أرفع عن نفسي حرجاً مصطنعاً قد أوضع

فيه وسط زحام المجادلة والمحاججة التي في غمرة اشتعالها قد تتوه الحقائق وتطمس

النقاط من فوق الحروف! والتي يزيد من طمسها من جانب آخر فوران العاطفة

وتأججها من غير تعقل ولا اتزان من هذا الطرف أو ذاك..

نعم! نحن نكره أمريكا ونكره الغرب ونتبرأ منهم؛ لأنهم أمم كافرة! .. لا

نخجل من ذلك ولا نستتر به، بل ندين الله به ونشهد الناس على ذلك.. ولكن

نسجل أيضاً أن ذلك الكره لا يعني الصدام والحرب في جميع الأحوال. ولا يعني

كذلك عدم البر والتسامح والمحاورة معهم، ودائماً وأبداً لا يعني ظلمهم والجور

عليهم.

إذن: فما الذي حدث؟ ولماذا يصطدم الغرب دائماً بنا أو نصطدم نحن به؟

ولماذا أمريكا بالذات؟ .. هذا ما أحاول الإجابة عليه:

من نحن؟

ورث الغرب منذ الاحتكاكات الأولى بينه وبين أمة الإسلام صورة نمطية

مشوهة عن الإسلام ونبيه والمؤمنين به، ولا شك أن هناك عوامل من جهتهم

وعوامل من جهتنا ساعدت على استقرار هذه الصورة ورسوخها لدى أفراد المجتمع

الغربي، ولكني أزعم أن من أهم هذه العوامل عدم اطلاع أكثر أفراد هذا المجتمع

على حقيقة الإسلام من مصادره الصحيحة ودون واسطة رجال الكنيسة الذين

يتوارث معظمهم جيلاً بعد جيل جهلاً مركباً عن الإسلام وتعصباً مقيتاً ضده؛ فمنذ

(بطارقة الروم) الذين حالوا بين هرقل والإسلام وحتى أمثال القس جراهام

(المستشار الروحي! للرئيس بوش) الذي وصف الإسلام علناً بأنه «ديانة

قبيحة وسيئة جداً» ما زال أمثال هؤلاء هم المصدر الأول لمعلومات أفراد

المجتمع الغربي عن الإسلام التي ينشرونها في أجهزة إعلامهم ومناهج تعليمهم

وتغذيها توجهات السياسيين الباحثين عن عدو بديل.

وإذا كنت في مثل هذا المقال لا أستطيع استعراض الإسلام من جميع جوانبه،

فإنني أكتفي باستعراض ملخص لأهم النقاط التي أرى أنها من المهم أن يتعرف

(الآخر) عليها ليدرك أبعاداً أخرى غير التي يعرفها عن الإسلام، ثم أحاول إطلاعه

على صورة أخرى لنظرتنا إليه، لعله يقف على حقيقة الاختلاف وجذور

(الصراع) :

- فالإسلام الذي ندين به، والذي يعد العامل الأول والأهم في تكويننا العقلي

والوجداني، دين قاعدته الأولى هي التوحيد الخالص، توحيد الله عز وجل في

ربوبيته باعتقاد كماله المطلق المنزه عن كل نقص، في ذاته وصفاته وأفعاله، مع

تفرده بصفات الإله وخصائصه دون غيره بإطلاق، مع الاستسلام والخضوع التام

له سبحانه، دين له إجاباته الخاصة على الأسئلة الكبرى عن الكون والإنسان

والحياة، يعرف المسلم أي مسلم من خلال إسلامه: من أين أتى وإلى أين مصيره،

وما حقيقة الدنيا التي يعيش فيها، وما غاية هذه الحياة، وما قدرها، وما وظيفته

الإنسانية فيها؟ ينظم له إسلامه علاقته بربه وعلاقته بمجتمعه وعلاقته بدولته

وعلاقته بالمجتمعات الأخرى، دين لا يقتصر على (الاعتقاد) و (الضمير) ولا

يكتفي من المؤمنين به بأن يكون علاقةً بين الفرد وربه، بل هو منظومة كاملة

تشمل جميع جوانب الحياة وتنظمها، دين يوجه له مشاعره، ويشرع له قوانينه

ويقيم له موازين العدل والقسط، يأمره بعمارة الأرض والسعي الدائم لاكتشاف آفاق

الكون والأنفس.

وليس ذلك هو ما يعرف في الغرب بـ (الثيوقراطية) فالإسلام لا يعرف

حكم رجال الدين بصفتهم رجال دين، بل يعرف حكم الدين، لا امتياز فيه لهؤلاء،

بل لا توجد فيه أصلاً هذه الفئة، فليسوا رجال دين ولكنهم علماء دين، لهم

مرجعيتهم ولهم مكانتهم ولكنهم لا يدَّعون علم أسرار مقدسة؛ ولا يحتكرون كتباً

منزلة، لا امتياز مقدساً لهم، ولا يتحدث أحد منهم بتفويض مدعى باسم الله،

فالناس في الإسلام سواسية متساوون.

لا يدعي المسلمون العصمة، فقد يخطئ بعضهم في تطبيق الإسلام كما هي

طبيعة البشر ولكنهم لا يجيزون تسويغ هذا الخطأ بتحريف مرجعيتهم وأسس دينهم،

لأنهم حينذاك يخرقون قاعدة التوحيد ويشركون الإنسان مع الله كما حدث في الغرب.

كل ذلك من طبيعة هذا الدين، ومن ثم: فإن المطالبة بالتخلي عن ذلك أو

بعضه والسعي في ذلك هو مطالبة بالتخلي عن الإسلام ذاته وسعي في إخراج الناس

منه، وهذا ما لا يقبله أي مسلم.

- ولأن للإسلام هذه الصفات وهذا التفرد في القيم والمبادئ؛ فإن له أيضاً

مذهبتيه الخاصة في حقوق الإنسان التي تنطلق من هذه القيم والمبادئ، وهو يطالب

مجتمعه بالمحافظة على هذه الحقوق ويشدد على ذلك.

كما أنه لا يصادر الحريات المعروفة، ولكنه يُنْظُمُها في إطار ثوابته بحسب

ترتيب (الهرم القيمي) فيه [1] ، تماماً مثلما تفعل أي منظومة ثقافية عندما تصل

إلى سدة التوجيه (الحضاري) للمجتمع؛ فالإسلام كما أنه دين متسامح فإنه أيضاً

دين مهيمن يعلو ولا يعلى عليه.

فمن أراد أن يبدل هذه المنظومة أو ينتقص من شأن هذه الحقوق فهو في

الحقيقة يريد أن تعلو منظومة أخرى على هذا الدين، وهذا ما لا نقبل به.

- ونحن - المسلمين - أمة واحدة وإن فرقتنا الحدود وتباعدت بنا الديار،

يجمعنا ديننا من مشارق الأرض ومغاربها، لا تفرقنا ألواننا ولا أعراقنا، علاقتنا

ببعضنا كعلاقة أعضاء الجسد بعضه ببعض، إذا اشتكى منا عضو تداعى له سائر

الأعضاء بالسهر والحمى، نحن يد واحدة على أعدائنا، نتبرأ منهم ونردهم عن

ظلمهم لأنفسهم وظلمهم لنا ولغيرنا.. إذا حدث بين فئات منا منازعة ومخاصمة،

فإنها تكون كما يحدث في الأسرة الواحدة، لا يهتك ذلك رابطة الأخوة بيننا، ولا

يكون مدعاة لخذلان أخ لأخيه، ما دامت رابطة الأخوة الإيمانية حية نضرة، وما

يخذل أخ أخاه منا إلا لخلل في هذه الرابطة، وما يلبث أن يفيء إليها مرة أخرى.

أمة كما أنها ممتدة في أصقاع الأرض فإن جذورها ضاربة في أعماق التاريخ،

تاريخنا يبدأ من آدم عليه السلام ويستمر عبر تاريخ البشرية ليشمل كل من آمن

بالله إيماناً صحيحاً وعبده ولم يشرك به، لنا عالميتنا التي نؤمن بها حتى ولو تخلفنا

عن ركب القوة والتقدم المادي، لأننا لا ننسى أبداً أننا أمة رسالة.

ولأجل ذلك - لاعتدادنا برسالتنا وواقع تخلفنا - أطلق من أطلق نظرية

(صدام الحضارات) وأسقطها علينا، تأكيداً منه أن (هذا) هو العدو الحالي، وظناً

منه أن (هذه) هي الفرصة السانحة.

- ديننا دين عزة وكرامة يأبى الذل ولا يرضى الضيم، لا يقبل أن يملي أحد

عليه إرادته ولا أن يتدخل أحد في شؤونه، لا يعرف الإسلام ولا الغرب أيضاً!

(من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر) ، ولا يعرف ولا الغرب أيضاً

(أحبوا أعداءكم ... باركوا لاعِنيكم) ، ولكنه يعرف بواقعية وعدل: (العين بالعين

والسن بالسن) ويعرف أيضاً [فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى

عَلَيْكُمْ] (البقرة: 194) ، ومع ذلك فإنه يحض على العفو عند المقدرة والصفح

عند التمكن، لا عفو الأذلاء وصفح الخانعين.

وفوق أنه دين عدل فإنه دين رحمة: شملت رحمته الحيوان والإنسان:

فللحيوان فيه حرمة ومكانة، فقد نهى الإسلام عن إيذائه ما لم يأت من قبله إيذاء

متحقق أو متوقع، ونهى عن قتله للتسلي واللهو كما يحدث عندما يتخذ غرضاً

للرماية أو المصارعة، وأمر ألا يذبح إلا لمأكلة، وعندما يفعل ذلك فينبغي ألا يكون

إلا بإذن خالقه وباسمه وبالطريقة التي شرعها، كما أن لذلك آداباً تراعي (نفسية)

الحيوان المذبوح مما لا نجده في ذبح البشر للبشر عندما ينحرفون عن المنهج الإلهي؛

فلا تحد السكين تحت بصره، ولا يذبح آخر أمامه، «وليحد أحدكم شفرته

وليرح ذبيحته» [2] .

وإذا كان ذلك في الحيوان فالنفس الإنسانية أشد حرمة، [مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا

عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ

جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً] (المائدة: 32) ، فللنفس الإنسانية

حرمة ذاتية، ويزيدها إسلامها حرمة فوق حرمة، ولا تنتهك هذه الحرمة إلا بما

حدده خالقها: نفساً بنفس أو فساد في الأرض.

والذات الآدمية ذات مكرمة ومفضلة من قِبَل خالقها سبحانه: [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا

بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ

خَلَقْنَا تَفْضِيلاً] (الإسراء: 70) ، لذا: ينبغي الوقوف أمام هذا التكريم والتفضيل

الإلهي الذي أسبغه الله على البشر منذ خلق أباهم آدم عليه السلام، وقد لا يستخدم

الإنسان ما كرمه الله به من نعم ومن أهمها العقل والبصر والسمع استخداماً لائقاً،

فيهبط دركات عن سمو هذا التكريم، حتى يصير من الذين [لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ

بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ

أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ] (الأعراف: 179) .

- ولأن رسالة الإسلام تدعو إلى (الإيمان) وليس مجرد (الاعتقاد) بحقيقة

العبودية لله عز وجل والتزام هذه الحقيقة في الباطن والظاهر، فقد نهى القرآن

صراحة عن الإكراه في الدين، وهذا ما نجده متحققاً في سيرة رسول الله صلى الله

عليه وسلم وتاريخ الفاتحين من بعده؛ فكثير من البلاد التي فتحها الإسلام بالجهاد

ظل أهلها على دينهم سنين وتركهم المسلمون بغير إكراه ولا إلجاء، وما زال

بعضهم على دينه حتى الآن، أما من آمن منهم فقد آمن لأنه [قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ

الغَي] (البقرة: 256) .

- ومما سبق كله تتكون صورة (الجهاد) في الإسلام، وإذا كانت الوثيقة

التي عرضنا لها حاولت التأكيد على أن حرب أمريكا الحالية حرب عادلة؛ لأنها

حفاظ على كيان الإنسان ودفاع عن مبادئ وقيم، وفي الوقت نفسه أكدت على أن

من هذه المبادئ: أن القتل باسم الله مخالف للإيمان، وهو خيانة لمعنى الإيمان بالله

كما ذكرت ... فإن الجهاد في الإسلام وهو من أعلى مراتب الإسلام هو دفاع عن

أسمى مبدأ وأعز قيمة بشتى السبل والوسائل المشروعة، لأنه يهدف إذا كان جهاداً

حقيقياً أن تكون كلمة الله هي العليا، وثمرته المرتجاة واضحة، فأهله هم: [الَّذِينَ

إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ

المُنكَرِ] (الحج: 41) .

فهذا الجهاد ليس لتسلط البشر على البشر ولا لاستغلال القوي للضعيف ونهبه،

ليس فيه طلب لأرض ولا مال إلا لرد ما اغتصب وتحرير ما انتهك، فحينها

يكون هذا الرد والتحرير أيضاً إعلاءً لكلمة الله التي تأبى الظلم وتسلط الطغاة. وهو

خلاف ما يعرف في الغرب باسم (الحرب المقدسة) ؛ فالجهاد في كتاب الله ليس

مرادفاً للقتل، كما أنه لا يقتصر على الحرب أو القتال، وعندما يكون قتالاً

مشروعاً فلا يوجد في الإسلام من يدعي امتلاكه تفويضاً من الله بالقتل باسمه؛ فهو

ليس قتلاً باسم الله، ولكنه - في أجلى صوره - تضحية بالنفس والمال إعلاءً لكلمة

الله.. صحيح أن مشروعيته باسم الله ويستعان فيه بالله وتلتزم فيه شريعة الله،

ولكن لا يملك منفذوه عصمة عن خطأ أو وقوع في تجاوز، فهم بشر يجتهدون في

طاعة الله قد يصيبون وقد يخطئون وليسوا معصومين يدعون تفويضاً عن الله.

آداب الحرب في الإسلام منارة للبشرية، لم يعرف الغرب قريباً منها نظرياً

إلا في السنين المتأخرة، ولم يمارسها عملياً حتى الآن؛ فلأنها حرب من أجل

إعلاء كلمة الله كان إعلام العدو بهذه الكلمة، حتى يعرفوا على أي شيء يُقَاتَلُون،

وكان إنذارهم، وكان وضعهم أمام خيارات متعددة، بل إن التاريخ يشهد للمسلمين

انسحابهم من مدينة كانوا فتحوها، بعد شكوى من أهل هذه المدينة إلى خليفة

المسلمين بأن جيشه لم ينذرهم ولم يخيرهم كما هو معروف في حروب المسلمين.

كما نهى الإسلام عن قتل غير المقاتلين من النساء والأطفال والشيوخ

والمنقطعين للعبادة بحسب دينهم، وهذا مما هو معروف في السنة النبوية وكتب

الفقه.

* فتش عن الإرهاب:

إن المسلمين لا يدعون لأنفسهم العصمة والتنزه عن الأخطاء بدعوى انتسابهم

لهذا الدين، ولكنهم أيضاً لا يتحرجون من البحث عن الجاني والإشارة بإصبع

الاتهام إليه أو حتى الطرق على رأسه عندما يعميه غرور القوة عن رؤية الحقيقة،

لقد تساءلت الوثيقة: «منذ 11 سبتمبر سأل ملايين الأمريكيين أنفسهم: لماذا كنا

هدف هذه الهجمات البغيضة؟ لماذا يريد هؤلاء أن يقتلونا؟» ولم يكلف

الأمريكيون أنفسهم مراجعة أفكارهم وآرائهم والبحث في ذاتهم وتاريخهم للتفتيش

عن أسباب العداء وجذوره، لم يحاولوا الوقوف أمام مرآة الحقيقة ليروا: من أين

ينبع الإرهاب والظلم والهيمنة؟ ومن الذي يغذي هذه المنابع ويحميها؟ ومن

صاحب المصلحة في ذلك؟

والتزاماً مرة أخرى بالصراحة والشفافية أحاول من جديد تقديم جانب آخر من

الصورة التي نراها وقد لا يلتفت إليها (الآخر) ، وهذا الجانب هنا هو عن

(الآخر) نفسه.

فالحضارة الغربية الحديثة استمدت جذورها واستلهمت فكرها بشكل مؤثر من

تراث (الحضارتين) اليونانية والرومانية القديمتين، وقد كان شائعاً فيهما أفكار

أساسية مثل: عقدة التفوق، وسيطرة المركز على الأطراف، وتمجيد القوة،

وحتمية الصراع: الصراع بين الآلهة، والصراع بين الإنسان والإله، والصراع

بين الإنسان والطبيعة، والصراع بين قوى الشر وقوى الخير ... هذه الأفكار

ورثتها (الحضارة) الغربية الحديثة والمعاصرة، ولم تستطع تعاليم (المسيحية)

أن تحول بينها وبين خروجها في صورة ممارسات فظيعة وفواجع دارت بين

الشعوب الأوروبية نفسها أو بينها وبين الشعوب المحيطة بها، بل نجد أن هذه

الأفكار احتوت هذه التعاليم وحاصرتها في مجال ضيق ومحدود لا يتعدى مكانه

أسوار الكنيسة، ولا يتعدى طموحه دائرة الضمير الفردي، وأحياناً تجاوزت هذه

(الحضارة) ذلك الحصار واستغلت هذه التعاليم ووظفتها لصالح الهيمنة والصدام

واستغلال الشعوب الأخرى.

وقد كان نتاج سريان هذه الأفكار في (الحضارة) الغربية وفي الوقت نفسه

تمكنها من بعض أسباب القوة المادية: سجلاً حافلاً بالمآسي والفظاعات، كان جديراً

بمن سطره أن يتوارى خزياً، وعاراً وأن يبدي الندم والاعتذار عنه بدلاً من

المكابرة والتعامي والهروب إلى ملجأ الإسقاط النفسي والمتاجرة بمبادئ وشعارات

زائفة.

فما أن تعافت أوروبا من عصورها المظلمة حتى انطلقت دولها إلى شتى بقاع

العالم لنهب ثرواته وخيراته وغزوه (حضارياً) والسيطرة عليه اقتصادياً وسياسياً

وعسكرياً بأبشع أساليب الإرهاب والإخضاع التي استمرت مئات السنين، والتي

كان من المعتاد فيها قتل المدنيين وإحراق قرى أو أحياء بأكملها بذريعة القضاء على

المخربين و (الإرهابيين) الذين كانوا يقاومون ذلك الاحتلال، ولا يسعنا في هذا

المقام ذكر تفاصيل وحشية الممارسات الأوروبية على البلاد المستعمرة، ولكن نشير

إلى نموذج واحد فقط، وهو أنه لأجل إخضاع فرنسا للشعب الجزائري شن

جنرالاتها حرب إبادة وحشية «إلى حد أن سكان الجزائر تناقصوا حسب تقرير أحد

الضباط الفرنسيين من 4 إلى 3 ملايين في مدى سبع سنوات، أما إذا صدقنا تقرير

أحد الجزائريين الذين عاشوا في ذلك الوقت [بداية الاحتلال منذ عام 1830م]

وهو حمدان خوجة، يكون السكان قد تناقصوا من عشرة إلى ثلاثة ملايين» [3] ،

أي: إفناء شعبها بمعدل مليون نسمة كل عام، وبنسبة 70% من عدد السكان، وقد

كان شائعاً في هذه الحرب إبادة قبائل كاملة عن بكرة أبيها، وإحراق الكهوف في

الجبال على الهاربين فيها، وإحراق المنازل بعد إقفالها على السكان (المدنيين

الأبرياء!) ، ناهيك عن جلب المستوطنين الأوروبيين إلى البلاد ونهب خيراتها

وتدمير اقتصادها، وتعطيل مؤسساتها التعليمية والقضائية والاجتماعية، ونشر

الفساد والانحلال وفرنسة المجتمع ثقافياً واقتصادياً وقضائياً، واستنبات عملاء

فرنسا وزرعهم في البلاد ليواصلوا المسيرة (الحضارية) التي بدأها المستعمر

صاحب شعار (حرية - مساواة - عدالة!) .

وهذا نموذج واحد لسياسة كانت شائعة - بهذا الشكل الفج - في طول بلادنا

وعرضها بأيدي مختلفة وأساليب متعددة ... أتتوقعون أن تمحى بسهولة هذه المآسي

من ذاكرة شعوبنا لمجرد أنكم أقوياء؟!

وإذا تركنا هذه التفاصيل (الصغيرة) وبحثنا أكثر في تاريخ سفك الدماء

والإرهاب فسنجد أن الغرب جر على العالم ويلات حربين كبيرتين أطلق عليهما

اسم (عالميتين) ، وهما في حقيقتهما وخاصة الأولى (أوروبيتين) ، ولم تكونا

عالميتين إلا لكون ساحتهما عالمية وضحاياهما عالمية، وقد راح ضحية الحرب

الأولى زهاء عشرين مليون قتيل ومثلهم تقريباً من الجرحى والمعوقين، أما الحرب

الثانية فقد راح ضحيتها حوالي 55 مليون قتيل و 35 مليون جريح، وثلاثة ملايين

في عداد المفقودين، وقد كان معظم هؤلاء الضحايا من أبناء (المستعمرات) ومن

المدنيين، حيث كان شائعاً في أخلاقيات هؤلاء المتحاربين استهداف المدنيين

لتحطيم إرادة العدو.

يقول وليام بفاف في (الهيرالد تريبيون) في 10/1/2002م: «إن بريطانيا

بعد هزيمة البليتز بدأت بقصف ألمانيا وكان هذا أسلوبها الوحيد لتحطيم إرادة

الألمان، فالطائرات الثقيلة لم تكن قادرة على التفريق بين المصانع والأحياء السكنية،

ثم اتخذ قرار باستهداف المدنيين مباشرة لتحطيم إرادة ألمانيا في الاستمرار

بالحرب، ومن هنا بدأت غارات العاصفة النارية في 5/4/1944م تقلد الغارات

الأمريكية على المدن اليابانية، وقد بلغت أوجها بتسوية مدينة» درسدن «مع

الأرض، أما على الجبهة اليابانية فقد قتلت القنابل الحارقة من المدنيين في صيف

1945م أكثر مما سقط في هيروشيما ونجازاكي، وينقل بفاف عن المؤرخ

العسكري البريطاني مايكل هيوارد أن الحرب العالمية الثانية كانت حرب إبادة وأن

جميع المحاربين يعتبرون المدنيين الآن أهدافاً مشروعة. وهذا الافتراض كان ولم

يزل متضمناً في الردع النووي» [4] ومن المعلوم أن طائرات (29 رضي الله عنه) الأمريكية

كانت أسقطت في 6/8/1945م قنبلة ذرية تعد بدائية مقارنة بترسانة الأسلحة

النووية الحالية على مدينة هيروشيما اليابانية، وأسفر انفجارها عن 118661 قتيلاً

و79130 جريحاً، ثم أسقطت قنبلة ثانية على مدينة نجازاكي في 9/8/1945م

فأسقطت 73884 قتيلاً و 74909 جريحاً مع دمار شامل للمدينتين.

ونبذة يسيرة عن هذه القنبلة (البدائية) فإن رطلاً واحداً من مادة هذه القنبلة يعادل

قوة (?) ملايين رطل من الفحم أو (?) ملايين جالون من البنزين أو (15)

ألف طن من أشد أنواع الديناميت انفجاراً.

إن الغرب لم يوقف الحروب فيما بينه حباً في السلام، ولكنه أوقفها لقناعة

ساسته بأنهم وصلوا إلى مدى بعيد في التكافؤ الإرهابي بينهم بعد سباق التسلح

المعروف، وأوقفها عن قناعة بأن دخولهم في حرب جديدة في ظل هذا التطور

التسلحي الإرهابي القائم يعني دمارهم جميعاً.

ولكن الغرب (الأخلاقي) لم ير بأساً في تصدير هذه الحروب وهذا السباق

التسلحي والإرهابي إلى دول العالم (الثالث) ؛ فمن المعروف أن تجارة السلاح

العالمية هي أغنى نشاط اقتصادي على مستوى العالم، وفي دراسة مقدمة إلى وحدة

البحث في الكونجرس الأمريكي تحت عنوان: (نقل الأسلحة التقليدية إلى الدول

النامية 1993م -2000م) جاء فيه أن «مبيعات الأسلحة ارتفعت بنسبة 8%على

العام الماضي، وقد احتلت الولايات المتحدة المكانة الأولى، أي 68% بمبلغ 18.6

بليون دولار (على المجموع الكلي الذي ارتفع إلى 36.19 بليون دولار) ،

وأن 68% من الأسلحة الأمريكية وهذا بيت القصيد بيعت إلى دول نامية.

ويمضي التقرير في تحليل توزيع أرقام تصدير التسليح: تأتي روسيا بعد

الولايات المتحدة بمبلغ 7.17 بليون دولار، ثم فرنسا بمبلغ 4.1 بليون دولار،

ثم ألمانيا بمبلغ 1.1 بليون دولار، ثم إنجلترا بمبلغ 600 مليون دولار، وبعد

ذلك ينخفض رقم المبيعات العسكرية للصين إلى 400 مليون دولار فقط بعد أن كان

3.7 بليون دولار عام 1999م، وأخيراً إيطاليا بمبلغ 100 مليون دولار.

أما عن التوزيع الجغرافي فالأرقام مذهلة: إن ارتفاع مبيعات السلاح

الأمريكي ارتفعت من 12.9 بليون دولار عام 1999م إلى ما يقرب من 18.6

بليون دولار عام 2000م» [5] .

ولم تقف آثار عقلية القوة والسيطرة الغربية على العالم بإيقاف الحروب بين

دول الغرب وتصديرها إلى العالم الثالث، بل إن نتائج هذه العقلية ما زالت تنبعث

من الغرب، لتجني البشرية كلها ثمارها حتى مع التوقف (الافتراضي) لهذه

الحروب:

فعلى سبيل المثال ما زالت مشكلة الألغام المتخلفة عن هذه الحروب توقع

كثيراً من الضحايا وتعطل مسيرة التنمية في كثير من البلدان؛ فهناك ما يزيد عن

150 مليون لغم تمت زراعتها في أراضي ما يزيد عن 65 دولة، وتأتي مصر في

مقدمتها؛ حيث يوجد فيها نحو 17 مليون لغم كثير منها منذ الحرب العالمية الثانية

بين دول الحلفاء ودول المحور والتي لم يكن لمصر فيها ناقة ولا جمل، وتوقع هذه

الألغام ما يزيد عن 25 ألف شخص (من المدنيين الأبرياء!) كل عام (ما زال

الحديث عن مصر وحدها) إضافة إلى تعطيل الاستفادة من مساحات هائلة من

الأراضي التي توجد بها هذه الألغام. هذا في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى أن

ما يزيد عن 2.5 مليون لغم يتم زراعتها سنوياً، كما تشير إلى تطور هذه الألغام

حتى بلغت 35 نوعاً وإلى انخفاض التكلفة الإجمالية للَّغم الواحد إلى 3.5 دولار،

في الوقت الذي ارتفعت فيه التكلفة الإجمالية لإزالة الألغام حول العالم إلى 100

بليون دولار [6] .

وإذا أخذنا بُعداً آخر لما جرَّته عقلية القوة والسيطرة الغربية على البشرية فإن

المعلومات حول التلوث البيئي الناجم عن التسلح والتهديد الذي يشكله على سلامة

الإنسان وصحته لا يمكن الوصول إليها بدقة، ولكن يمكن الإشارة إلى بعض ذلك

ليتضح مدى خطورة هذا التلوث: «تستعمل الجيوش حوالي 3% من الأراضي

على صعيد عالمي، وحوالي 3% من إنتاج النفط العالمي، وتبلغ حركة الطيران

الحربي: في ألمانيا حوالي 15% من مجموع حركة الطيران فيها، وحوالي 50%

من حركة الطيران في الولايات المتحدة. وتستهلك الدبابة من نوع ram-M1 صلى الله عليه وسلمb

1113 لتراً من البنزين في الساعة الواحدة، بينما تستهلك الطائرة المقاتلة رضي الله عنه-52

13671 لتراً، ويتحمل التسلح مسؤولية 6 - 10% من تلويث الهواء عالمياً

ويتسبب في 13% من دمار طبقة الأوزون.

في الولايات المتحدة الأمريكية هناك 21401 موقع ملوث تلوثاً كبيراً والعديد

منها ملوث بالإشعاعات العالية بسبب تفجير 1800 قنبلة هيدروجينية في مختلف

أنحاء العالم خلال العمليات التجريبية، تم تفجير ربعها في الجو، وينتج التسلح 97%

من مخلفات المواد عالية السمية، و 78% من المواد ذات الخاصية الإشعاعية

المتوسطة والمنخفضة السمية، أي ما يعادل 1.4 مليار كوري، وهذا يساوي 82

ضعف الإشعاعات التي أطلقتها حادثة تشيرنوبل (50 مليون كوري) .

ويحدث كل هذا تحت ظروف التدريب العادية بدون نشوب الحروب ...

فإذا ما دخلنا في التفاصيل وجدنا أنه في أوائل التسعينيات تم تخزين أو نشر

الأسلحة التالية:

- 50 ألف رأس حربي نووي (ما يعادل 31 مليار طن من مادة T.N.T

شديدة الانفجار) .

- 70 ألف طن من الغازات السامة.

- ملايين الأطنان من الذخيرة والمتفجرات التقليدية.

- حوالي 45 ألف طائرة حربية.

- 172 ألف دبابة عسكرية.

- 155 ألف مدفع.

- وحوالي ألفي غواصة وسفينة حربية.

واتفاقيات الحد من التسلح مثل CWC و Start، ولا تشمل حكومات ودول

العالم الثالث، وتنص معاهدة 1 Start على تخفيض الترسانة النووية من 60 ألف

رأس حربي في سنة 1998م إلى 22 ألف رأس في سنة 2005م، ولكن تفكيك

هذه الرؤوس النووية سيطلق 257 طناً من البلوتونيوم و 1310 أطنان من

اليورانيوم غني الخواص. إن إنتاج كيلو غرام واحد من البلوتونيوم ينتج المخلفات

التالية: 1300 لتر من السوائل ذات الخاصية الإشعاعية العالية، أكثر من 200

ألف كيلو غرام من المخلفات ذات الخاصية الإشعاعية المتوسطة والمنخفضة،

وحوالي 10 ملايين لتر من مياه التبريد الملوثة. إن حوالي 150 كيلو غراماً من

البلوتونيوم هي كمية كافية لإحداث سرطان رئة لكافة سكان الأرض إذا ما وزعت

توزيعاً مناسباً [7] .

هل شاهدتم في تاريخ البشرية إجراماً في حق الإنسان أكثر من ذلك الذي جنته

أيادي أدعياء السلام وزاعمي محاربة الإرهاب؟!

* فإذا ما فتشنا مرة أخرى عن منابع الإرهاب وبحثنا بدقة أكثر عن أسباب

كراهية أمريكا وهي ظاهرة لا تقتصر على المسلمين والعرب نجد أن أمريكا قامت

على رفات عدة ملايين من سكان البلاد الأصليين (الهنود الحمر) واستلاب حرية

وكرامة ملايين أخرى من الزنوج الأفارقة الذين كانوا يُسرقون من بلادهم ويساقون

قسراً ومهانة إلى الأرض الجديدة (أرض رعاة البقر والبشر!) .

وما أن أحس هؤلاء (الرعاة) بالقوة وانتشوا بالاستقلال حتى خاضوا حربهم

التوسعية الأولى على أقرب جيرانهم (المكسيك) عام 1846م، فابتلعوا نصف

الأراضي المكسيكية التي أصبحت غربي الولايات المتحدة الأمريكية.

ثم توالت حروب أمريكا وتدخلاتها العسكرية في بلدان العالم الأخرى لتصل

إلى 232 حرباً وتدخلاً عسكرياً في مدة 522 عاماً هي مدة استقلالها عن بريطانيا،

» ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم هناك 75 حرباً وتدخلاً عسكرياً أو

دعماً لانقلاب عسكري، وكلها لا علاقة لها بالدفاع عن النفس، وإنما للتوسع

والسيطرة « [8] ، وسوف أذكر هنا بعض هذه الحروب والتدخلات (الظاهرة) في

بلادنا العربية والإسلامية، متجاوزاً ملايين المدنيين الذين سقطوا ضحايا حروبها

في نيكاراجوا وكوريا وكمبوديا وفيتنام والفلبين ...

- في عام 1953م تمكنت المخابرات الأمريكية من إعادة شاه إيران وإسقاط

حكومة مصدق بعد تأميمه صناعة البترول التي كانت تحتكرها بريطانيا، وقد

قبضت أمريكا ثمن هذا الانقلاب: هيمنة شركات بترولها على منابع النفط الإيرانية.

- وفي 15/7/1958م أنزلت أمريكا عدة آلاف من قوات مشاة بحريتها على

شواطئ لبنان بحجة مساعدة الحكومة اللبنانية على (التعايش الطائفي في لبنان)

وحماية الأمريكيين في لبنان.

- وفي 25/8/1982م وصل إلى ميناء بيروت 800 عنصر من قوات

المارينز الأمريكية للمشاركة في قوة (أمريكية - فرنسية - إيطالية) تشرف في

حقيقة الأمر على خروج القوات الفلسطينية من لبنان، ثم خرجت هذه القوات

الأمريكية في 10/9/1982م، لتعود لاحقاً مرة أخرى بحجة (حفظ السلام) الذي

فرضته (إسرائيل) باتفاق 17/5/1983م على لبنان المحتل، وقد استهلت القوات

الأمريكية وجودها بقيام المدمرة نيوجرسي بقصف مواقع القوات غير المسيحية في

الجبال المطلة على بيروت، ثم أجبرت هذه القوات على الخروج من لبنان في العام

نفسه بعد تدمير مقر المارينز في بيروت الذي أسفر عن مقتل 241 جندياً أمريكياً.

- وفي عام 1986 قصفت صواريخ الطائرات الأمريكية العاصمة الليبية

طرابلس ومدينة بنغازي بحجة تأديب النظام الليبي (ما زال يحكم حتى الآن!) بعد

تعرض بعض الأمريكيين لعدة هجمات في مدن مختلفة من العالم.

- وفي 17/11/1991م اشترك أكثر من نصف مليون جندي أمريكي في

عملية عاصفة الصحراء التي قادت فيها أمريكا تحالفاً دولياً لإخراج القوات العراقية

من الكويت، وقد سقط في هذه العملية أكثر من 200 ألف قتيل من الجنود

والمدنيين بينما لم تفقد أمريكا سوى 148 مقاتلاً لا غير.

وبغض النظر عن ملابسات هذه الحرب، فإن من الثابت أن القوات الأمريكية

استخدمت فيها أخطر أنواع الأسلحة وأكثرها فتكاً بالبشر والبيئة وكل الكائنات الحية،

وهي أسلحة لم تشهد الساحات العسكرية لها مثيلاً في الحروب الإقليمية والدولية

السابقة لها.

وبحسب كتاب: (حرب الخليج: الحرب القذرة النظيفة) للكاتبة الفرنسية

كرستين عبد الكريم ديلان فإنه منذ الساعات الأولى من القصف الجوي تم تدمير 90

% من محطات الطاقة الكهربائية في العراق، وأربع محطات كبرى لضخ المياه من

مجموع سبع محطات يمتلكها العراق، كما تعرضت أغلب مواقع النفط ومخازن

الوقود إلى جانب مراكز التموين الغذائي والمواقع المدنية من مساكن ومدارس

ومستشفيات ومراكز اتصال ومساجد وكنائس إلى عمليات قصف مسترسل.

وقد نفذت طائرات التحالف ما يزيد عن 100 ألف طلعة جوية على امتداد

43 يوماً من القتال حسب التقرير الرسمي الذي قدمته وزارة الدفاع الأمريكية

للكونجرس في شهر أبريل 1992م، وكانت حصة القوات الأمريكية منها 56 ألف

عملية. وتم إنزال ما يزيد عن 95 ألف طن من القنابل على امتداد ستة أسابيع

متتالية أي بمعدل 16 ألف طن في الأسبوع، وهو رقم يزيد كثيراً عن مجموع كمية

القنابل التي تم قصفها على ألمانيا والأراضي الخاضعة لسيطرة الجيش الألماني في

الحرب العالمية الثانية.

وفي عملية خرق واضح للاتفاقيات الدولية تم استخدام قنابل النابالم ضد

الجيش العراقي سواء في الثكنات أو الخنادق الأرضية علماً بأن هذا النوع من

الأسلحة الفتاكة لم يتم استخدامه منذ حرب فيتنام.. كما أن القنابل الانشطارية القاتلة

والمحظورة دولياً والتي استخدمت للمرة الأولى في حرب فيتنام تم استعمالها هذه

المرة ضد العراق بشكل أكثر» تطوراً «وتعقيداً؛ إذ أصبح بمقدور كل واحدة منها

الانقسام إلى مئات من القنابل الصغيرة، وإحداث آلاف الانفجارات عند ملامسة

الجو. لقد استخدم ما بين 60 ألفاً و 80 ألفاً من هذه القنابل ضد السكان المدنيين

العراقيين، وقتل ما لا يقل عن 25 ألف شخص نقلاً عن السلطات العسكرية

الأمريكية نفسها أثناء هروبهم في الطريق الرابط بين الكويت ومدينة البصرة جنوبي

العراق.

هذا فضلاً عن استهداف مواقع مدنية بحتة، كقصف ملجأ العامرية ليلة 13/2/

1991م بصواريخ موجهة بالليزر صهرت أجساد الأطفال والنساء والشيوخ في

درجة حرارة وصلت آلاف الدرجات المئوية، في وقت كان الملجأ الذي يسع ألف

شخص ممتلئاً باللاجئين إليه؛ مما أوقع أكثر من 400 قتيل.

ومن المعروف أن الطائرات الأمريكية والبريطانية ما زالت تواصل طلعاتها

على العراق حتى الآن.

وبعد أكثر من 10 سنوات على حصار العراق ظهرت نتائج مخيفة في جميع

مجالات الحياة العامة الصحية والبيئية والاجتماعية والتربوية والعلمية والاقتصادية؛

فقد بلغ حجم التضخم في نهاية عام 1994م معدل 24000% سنوياً، وإن كان قد

خف قليلاً في السنوات اللاحقة التي شهدت تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء،

وتعمقت مظاهر التردي والترهل إلى الحد الذي أفقد المجتمع العراقي سمات

المجتمع المتحضر المتماسك الذي كان عليه قبل غزو الكويت.

فنظراً لعدم قدرة الحكومة على تأمين الوظائف الحكومية وفي القطاعات

الصناعية التي توقفت نتيجة الحصار فقد تم تسريح ما يقارب ثلثي القوى العاملة؛

مما ساهم في زيادة معدلات البطالة وتمزق الحياة العائلية نتيجة ارتفاع معدلات

الجريمة، والعنف الاجتماعي، والرشوة، والانتحار، والسرقة، والتهريب،

والبغاء، وجنوح الأحداث، وظواهر اجتماعية أخرى تؤكد الخلل الخطير في بنية

المجتمع العراقي.

وقد كان أطفال العراق من أكثر الشرائح تضرراً بسبب هذا الحصار، حيث

تشير تقارير اليونيسيف إلى أن أكثر المناطق تأثراً في العراق هي المنطقة الجنوبية

والوسطى، حيث يقطنها 85% من مجموع السكان؛ إذ إن معدل وفيات الأطفال

دون سن الخامسة زاد عن الضعف؛ فقد قفز من 56 حالة وفاة لكل ألف مولود

خلال الفترة من 1984م - 1989م إلى 131 حالة وفاة في الفترة من 1994م -

1999م، وكذلك تزايد معدل وفيات المواليد من 47 لكل ألف مولود إلى 108 حالة

وفاة خلال نفس الفترة السابقة.

وقد تزايد معدل الوفيات أثناء الولادة من 50 لكل مائة ألف حالة ولادة عام

1989م إلى 117 لكل مائة ألف حالة ولادة عام 1997م، وزادت نسبة وفيات

الأطفال دون سن الخامسة من 30.2 لكل ألف حالة ولادة إلى 97.2 خلال

الفترة نفسها. وارتفع نقص وزن وفيات المواليد (أقل من 2.5 كجم) من 4%

عام 1990م إلى حوالي ربع المواليد المسجلين عام 1997م، بسبب سوء التغذية

عند الولادة. وهناك حوالي 70% من نساء العراق يعانين من الأنيميا (فقر

الدم) ، ناهيك عن الآثار الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية الأخرى [9] .

ولا يلتفت إلى كل ذلك ما دامت أمريكا هي المستفيد الأول من هذا الحصار؛

إذ إنها أكبر مستورد للبترول العراقي الرخيص في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء،

أما مئات الآلاف من أطفال العراق الذين يموتون بسبب هذا الحصار فإنه» ثمن

كان من الضروري دفعه «على حد تعبير أولبرايت عندما سئلت عن مقتل نصف

مليون طفل عراقي. ولكنها لم توضح: لأي شيء هذا الثمن؟ .. ربما لرخص هذا

البترول ولاستمرار هذا التواجد في المنطقة، وهذه معادلة (النفط مقابل الدماء)

التي تطبقها أمريكا في أحيان كثيرة.

- وفي 9/12/1992م وبعد انهيار حكم سياد بري أرسلت أمريكا 21 ألف

جندي إلى الصومال - المهمة استراتيجياً - لقيادة تحالف دولي صوري ينفذ عملية

(إعادة الأمل) التي كانت ترفع شعار رفع المجاعة عن الصومال، وقد لفظ الشعب

الصومالي هذه القوات، واصطدمت بها قوات الميليشيات الصومالية، فقرر الرئيس

كلينتون في 31/3/1993م سحب القوات الأمريكية، وانسحبت في إثرها القوات

الدولية الأخرى.

- وفي صيف عام 1998م شنت أمريكا هجمات صاروخية على أفغانستان

والسودان انتقاماً لتفجير السفارة الأمريكية في كل من كينيا وتنزانيا، وبزعم إنتاج

(أسلحة كيمائية) دمرت مصنع الشفا السوداني للأدوية، فقضت على ما يقارب

نصف طاقة إنتاج الأدوية في هذا البلد، وقد اعترف لاحقاً وزير الدفاع الأمريكي

حينها بأن الإدارة الأمريكية لم تكن على علم بأن المصنع ينتج أدوية، كما أنها لا

تملك أي أدلة على أن لأسامة بن لادن أي حصة مالية فيه.

* وفي بحثنا عن منابع الإرهاب فسوف نجد أن أي مسلم لا ينسى أن

الخطيئة الكبرى التي اقترفتها أيادي الغرب منذ بدايات القرن الميلادي الماضي

وتلقفتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالرعاية والمتابعة منذ خرجت إلى حيز الوجود

وحتى الآن ... هي استجلاب ملايين اليهود من آفاق المعمورة وتوطينهم ودعمهم

وتمكينهم في فلسطين، لزرع دولة (إسرائيل) الشاذة عن كل شيء في نسيج هذه

البقعة المباركة من قلب عالمنا العربي والإسلامي، مع استخدام كافة السبل

العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية لإعاقة جميع جهود مقاومة هذا التعدي.

وقد تم هذا الاغتصاب عبر ممارسات إرهابية ومجازر وحشية عديدة ما زالت

مستمرة حتى الآن وقد بلغت أكثر من ثلاثين مذبحة مع محو أكثر من 320 قرية

ومدينة فلسطينية، ونذكر أبرز هذه المذابح وأشهرها فيما يأتي [10] :

- مذبحة بلدة الشيخ، في 31/12/1947م، والتي قتل فيها 600 شخص

(مدني بريء) داخل بيوتهم.

- مذبحة قرية سعسع، في 14/2/1948م، ونسف فيها 20 منزلاً على

سكانهم الفلسطينيين العزل.

- مذبحة دير ياسين، في 10/4/ 1948م، والتي قتل فيها أكثر من نصف

سكان القرية، وهي المذبحة التي تفاخر بالقيام بها مناحم بيجن (الحاصل على

جائزة نوبل للسلام!) .

- مذبحة اللد، في 11/7/1948م، والتي قتل فيها 426 مدنياً تجمعوا في

مسجد القرية، فاقتحمه اليهود وقتلوا كل من فيه.

- مذبحة قبية، التي قام بها الجيش الإسرائيلي النظامي في 14/10/1953م،

عندما طوق 600 جندي القرية وقصفوها بالمدفعية ثم اقتحموها وهم يطلقون النار

بشكل عشوائي، وكانت الحصيلة تدمير 56 منزلاً ومسجد القرية والمدرسة وخزان

المياه.

- مذبحة كفر قاسم، في 10/1956م، والتي قتل فيها 49 مدنياً من الأطفال

والنساء.

- مذبحة صبرا وشاتيلا، في 18/9/1982م، والتي نفذها في لبنان مجرم

الحرب شارون (رجل السلام حالياً بحسب تعبير الرئيس بوش) بالتواطؤ مع

قوات الكتائب المسيحية اللبنانية، فقتلوا في مجزرة استمرت 72 ساعة 3500

فلسطيني ولبناني معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، لم تكن لهم أي جريمة

سوى هويتهم الإسلامية.

- مذبحة المسجد الإبراهيمي، في 25/4/1994م، التي نفذها أحد جنود

الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع عناصر أخرى من هذا الجيش ومن المستوطنين،

وقتل في هذه المذبحة 29 مصلياً داخل المسجد و 50 خارجه وأصيب أكثر من

350 من المصلين.

- مذبحة قانا، في 18/4/1996م، وفيها قامت الطائرات والمدفعية

(الإسرائيلية) بقصف ملجأ لقوات الأمم المتحدة في قانا بلبنان بقنابل تنفجر في الجو

لزيادة الإصابات، فقتلت 160 مدنياً فلسطينياً ولبنانياً معظمهم من النساء والأطفال

والشيوخ رغم علمها بهويتهم المدنية، وكانت هذه المذبحة بأمر مباشر من شيمون

بيريز (الحاصل على جائزة نوبل للسلام أيضاً!) الذي كان رئيساً للوزراء حينها.

وما زالت هذه المذابح مستمرة حتى الآن، وآخرها مذبحتا نابلس وجنين،

التي رفضت (إسرائيل) مجرد دخول لجنة دولية للتحقيق فيها، وهي مذابح

تستهدف بالقصد مدنيين أبرياء، حتى إن أكثر من 30% من قتلى الانتفاضة

الفلسطينية هم من الأطفال الذين سقط كثير منهم برصاص أصاب الجزء العلوي من

أجسامهم، وهذا القصد عبَّر عنه مجرم الحرب شارون صراحة بقوله:» يجب

ضرب الفلسطينيين ضرباً مؤلماً، وعلينا إلحاق الخسائر بهم وإيقاع الضحايا كي

يشعروا بفداحة الثمن «، وهذا ما أوردته منظمة العفو الدولية في تقرير لها بتاريخ

12/4/2002م، تضمن نماذج وإشارات لهذه الممارسات التي شملت استهداف

سيارات الإسعاف والمرافق الطبية وإطلاق النار عشوائياً على المنازل والناس

المارة في الشوارع، وتحطيم الأثاث وتمزيق الكتب بما فيها القرآن الكريم، والقيام

بعمليات اعتقال تعسفية جماعية على نحو يهدف إلى إذلال المعتقلين (الوثيقة رقم

Mعز وجلصلى الله عليه وسلم 15/045/2002) .

وقد خرجت هذه الممارسات الوحشية من جذور دينية اعتقادية تدعو إلى قتل

كل من ليس يهودياً (الأغيار) وطردهم والاستيلاء على أموالهم، ثم ترجمت إلى

تعاليم وتعليمات مباشرة موجهة لأفراد المجتمع (الإسرائيلي) وجيشه.

يقول إسرائيل شاحاك في كتابه: (الديانة اليهودية وتاريخ اليهود.. وطأة

3000 عام) :» فقد استنتج عدد من الحاخامات بأن جميع (الأغيار) في زمن

الحرب الذين ينتمون إلى السكان المعادين: أغيار يمكن قتلهم، بل يجب قتلهم..

ومنذ عام 1973م وهذا المبدأ يبث علناً من أجل إرشاد الجنود المتدينين، وكان أول

حض رسمي من هذا النوع مضمناً في كتيب نشرته قيادة المنطقة الوسطى في

الجيش الإسرائيلي وهي المنطقة التي تشمل الضفة الغربية وقد كتب الكاهن الرئيس

لهذه القيادة في هذا الكتيب: عندما تصادف قواتنا مدنيين خلال الحرب، أو أثناء

عملية مطاردة، أو في غارة من الغارات، وما دام هناك عدم يقين حول ما إذا كان

هؤلاء المدنيون غير قادرين على إيذاء قواتنا فيمكن قتلهم بحسب الهالاخاه

(الشريعة اليهودية) ، بل ينبغي قتلهم؛ إذ ينبغي عدم الثقة بالعربي في أي ظرف من

الظروف حتى وإن أعطى انطباعاً بأنه متمدن، ففي الحرب يسمح لقواتنا وهي

تهاجم العدو بل إنها مأمورة بقتل حتى المدنيين الطيبين، أي المدنيين الذين يبدون

طيبين في الظاهر.. «.

فهل رفعت أمريكا عقيرتها وطالبت بمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة؟ أو

حشدت تحالفاً دولياً وشنت (حرباً عادلة) على الإرهابيين التلموديين؟ أو أنزلت

قواتها على سواحل فلسطين لـ (إعادة الأمل) إلى المستضعفين المضطهدين؟ أو

حاصرت (إسرائيل) حتى تذعن وتنفذ جميع قرارات (الشرعية الدولية)

بحذافيرها كما يقتضيه المذهب العناني؟ أو حتى طالبت بتغيير المناهج اليهودية

والخطاب الإعلامي الصهيوني الذي يحض على الكراهية والإرهاب؟

إنها لم تفعل أياً من ذلك؛ لأنها في الحقيقة هي راعية هذا الإرهاب، وهي

التي تدعمه سياسياً وإعلامياً وتمده بالمال والعتاد؛ فرعاية أمريكا للإرهاب لا

تقتصر على توفيرها ملاذاً آمناً لأكثر من عشرة آلاف شخص مطلوب القبض عليهم

لممارستهم انتهاكات لحقوق الإنسان باعتراف أمريكا نفسها حتى إنها أصبحت

» ملجأ آمناً لمرتكبي التعذيب «تمنح بعضهم جنسيتها كما يقول تقرير لمنظمة العفو

الدولية (الشرق الأوسط، 12/4/2002م) بل إنها تتعدى ذلك لتصبح أكبر راعية

للإرهاب الدولي منذ أن كوّن فيها الصهيوني البروتستانتي بلاكستون أول جماعة

ضغط (لوبي) صهيونية عام 7881م.

فإلى جانب إمدادات أحدث الأسلحة وأشدها فتكاً التي لا تنقطع لضمان تفوق

(إسرائيل) على العرب، والتي تستخدم في مواجهة الفلسطينيين العزل وقتلهم..

دعمت أمريكا إسرائيل بمنح ومساعدات (رسمية) بلغت 130 بليون دولار في

فترة 35 عاماً فقط (1948م - 1983م) ، وعلى الصعيد السياسي والدبلوماسي

يكفي أن نذكر أن أمريكا استخدمت حق النقض (الفيتو) 72 مرة لتعطيل قرارات

تدين (إسرائيل) من أصل 79 قراراً متعلقاً بالقضية الفلسطينية قدمت إلى لجنة

حقوق الإنسان في الأمم المتحدة؛ وذلك خلال 30 عاماً (1968م -1998م) ، كما

استخدمت أمريكا حق (الفيتو) لإبطال أكثر من 29 قراراً ضد إسرائيل أقرته

(الشرعية الدولية) في مجلس الأمن.

وقد تبلور هذا الدعم العسكري الاقتصادي السياسي فيما يعرف باتفاق التعاون

الاستراتيجي بين البلدين مع صعود الرئيس الجمهوري (اليميني) ريجان (في

11/1981م) ، والذي كان يقضي بتكوين لجنة مشتركة للتعاون العسكري، وعمل

مناورات عسكرية مشتركة، وتخزين أسلحة ومواد طبية أمريكية في (إسرائيل) ،

وزيادة الدعم الاقتصادي والتكنولوجي لها، والتفاوض لإقامة منطقة حرة بين

البلدين، ولعل هذا الاتفاق مما شجع (إسرائيل) على غزو لبنان في العام التالي

مباشرة.

يرى كثير من المتابعين صعوبة تغيير الموقف الأمريكي من (إسرائيل) ؛

لأنه موقف قائم على أسس (أخلاقية) ومصالح اقتصادية واستراتيجية تعشش في

أذهان معظم ساسة أمريكا وأفراد شعبها؛ فبحسب استطلاع للرأي حول الدين

والسياسة مولته جامعة (أكرون) عام 1996م فإن ثلث المسيحيين الأمريكيين

يعتقدون أن نهاية العالم ستكون خلال معركة (هرمجيدون) علي أرض فلسطين،

وهذا هو اعتقاد الأصوليين الإنجيليين الذين ينتشرون ويملكون إمكانات ونفوذاً

واسعاً في الدوائر الأمريكية، ويلخص الدكتور يوسف الحسن الاتجاهات الصهيونية

لدى هؤلاء في النقاط التالية:

» 1 - أن دعم (إسرائيل) وتأييدها ليس قضية أخلاقية أو إنسانية أو أمراً

اختيارياً، أو يعود إلى اعتبارات سياسية أو عسكرية، بل إنه قضاء إلهي، ومن ثم:

فإن معارضة (إسرائيل) خطيئة دينية، وإن دعمها وتأييدها هو في سبيل الخير

وإرضاء الله.

2 - أن وجود مدينة القدس تحت السيطرة اليهودية هو محور عودة المسيح

الثانية جغرافياً وتاريخياً، وأن المعبد اليهودي لا بد أن يقام قبل هذه العودة الثانية،

وعلى أرض المسجد الأقصى الذي لا بد له من زوال.. [تجمع الأموال في أمريكا

برعاية رسمية لبناء الهيكل الثالث على جبل (موريا) مكان المسجد الأقصى] .

3 - أن الالتزام بتدعيم أمن (إسرائيل) وتقويتها عسكرياً واقتصادياً، وإقامة

تحالف استراتيجي شامل معها، ومساعدتها بالتبرعات وشراء وتسويق منتجاتها

وسنداتها، وإنشاء صناديق الاستثمار الدولية لمصلحتها، وتشجيع الاستثمار

الأمريكي الخاص داخلها، واستصلاح الأراضي، وبناء المستوطنات فيها وفي

الضفة الغربية وغزة والجولان، وتوفير فرص التدريب للإسرائيليين داخل

مؤسسات ثقافية أمريكية.. هو التزام مسيحي مبني على اعتبارات روحانية

وتاريخية وأمنية.

4 - اعتبار كل أراضي الضفة الغربية وغزة والجولان ملكاً للشعب اليهودي،

وتسويغ حروب (إسرائيل) التوسعية، والدفاع عن غزواتها وعملياتها العسكرية

الخارجية، وحث الولايات المتحدة على دعم هذه الحروب والسياسات باعتبار أن

الله هو الذي عين حدود (إسرائيل) وأيد مطالبها في الأرض.

5 - وصم العرب بعامة والفلسطينيين بخاصة بالإرهاب، وممارسة الضغوط

المنظمة على صانعي القرارات السياسية والتشريعية لمنع بيع الأسلحة الأمريكية

إلى البلدان العربية ... وكذلك المطالبة بتوطين الفلسطينيين في البلدان التي نزحوا

إليها، والدعوة إلى الاعتراف الدولي بإسرائيل، ومطالبة أمريكا بالانسحاب من أي

منظمة دولية أو إقليمية أو خاصة ترفض عضوية إسرائيل أو الإسرائيليين

فيها.. « [11] .

وهذا ما يؤمن به ساسة أمريكا، الذين نقتطف تصريحات يسيرة لبعض

رؤسائهم:

-» إن الرئيس سعيد لأن أبواب فلسطين مفتحة اليوم أمام اللاجئين اليهود،

وعندما يتم التوصل إلى قرارات في المستقبل فسوف ينصف أولئك الذين ينشدون

وطناً قومياً لليهود «.. من تصريح للرئيس فرانكلين روزفلت في 16/3/1944م.

-» إن الولايات المتحدة.. اتخذت الموقف الذي لا تزال تَلْزَمُه، ألا وهو

تهيئة هذه الشعوب للحكم الذاتي ووجوب إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في

فلسطين «.. الرئيس ترومان في 28/10/1946م.

-» ... إسرائيل هي الضوء الساطع في الشرق الأوسط «الرئيس جون

كنيدي في 24/2/1957م.

-» إن إقامة إسرائيل هي تحقيق للنبوءة التوراتية والتنفيذ الجوهري لها «

الرئيس جيمي كارتر.

-» ربما نكون الجيل الذي سوف يرى هرمجيدون «الرئيس رونالد ريجان

أثناء حديث له مع وزير خارجيته جيم بيكر 1981م.

-» رحلتكم هي رحلتنا، وأمريكا إلى جانبكم الآن وعلى الدوام «.. من

كلمة للرئيس بيل كلينتون أمام الكنيست الإسرائيلي ألقاها أثناء زيارته لإسرائيل في

27/10/1994م.

لقد لخص إسرائيل شاحاك علاقة أمريكا بإسرائيل عندما سئل في إحدى

محاضراته في واشنطن: ماذا يمكن أن تفعل إسرائيل لكي تغضب الولايات المتحدة؟

فأجاب:» إنه لا يوجد أي شيء تقوم به إسرائيل يستطيع أن يثير غضب

أمريكا! «.

وتسألون بعد ذلك: لماذا نكره أمريكا؟!!

* ثم أتت الحرب (العادلة!) الدائرة حالياً في أفغانستان وغيرها من بلدان

العالم الإسلامي لتكمل مسيرة العداء الأمريكي للعالم الإسلامي، وتروي عطش

الهيمنة الأمريكية على العالم وخيراته.

ومهما يكن من أمر، ورغم كل الظروف المحيطة بهذه الحرب والمسوغات

التي أشيعت لشنها، فإننا نستطيع القول بثقة: إن هذه الحرب مخطط لها منذ زمن

بعيد، بل يرجع بعض المحللين استهداف هذه المنطقة إلى أيام إيزنهاور، أوائل

خمسينيات القرن الماضي، وقد كشفت شبكة تلفزيون (C.رضي الله عنه.N) الأمريكية

أن خطة الحرب الأمريكية كانت على مكتب بوش قبل يومين من 11 سبتمبر

(الحياة 22/5/2002م) .. وإن هذه الحرب تأتي في إطار الرغبة المحمومة لأمريكا

ولحلف الناتو في البحث عن عدو، وأنها حلقة في مسلسل يستهدف محاصرة رجوع

الأمة الإسلامية الحميد إلى إسلامها الصحيح، وإلا فما علاقة أحداث سبتمبر بقضايا

المرأة والتعليم والإعلام والدعوة وجمعيات الإغاثة ومعاهد الفكر ومؤسسات

الاقتصاد؟ كما تأتي هذه الحرب تحقيقاً لمصالح استراتيجية واقتصادية بعيدة سيكشف

التاريخ عنها ولا بد، ومسيرتها تقول: إنها حرب إجرامية تشهد أحداثها أنها لا

تراعي أي قيم أو مبادئ، وبتعبير الدكتور نعوم تشومسكي في لقاء مع قناة

الجزيرة:» إن الحرب الحالية في أفغانستان هي حرب إجرامية باختيار مرتكبيها؛

لأنهم أرادوها أن تكون كذلك، وهي فعلاً كذلك ... «.

وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه البروفيسور (فيدريكو مايور) المدير العام

السابق لليونسكو، بقوله لجريدة (العربي) القاهرية:» إن ما يحدث في أفغانستان

هو ثأر أمريكا الشخصي، وهو أمر متوقع من قبل قوى عظمى جبارة، وعلينا

الآن أن نكون في منتهى الحذر، ونتعلم من أخطاء الماضي؛ فلم يعد الأمر الآن

يتعلق بمواجهة جيش لجيش، إن ما نحتاجه الآن أكثر من السلام هو العدل الحقيقي

لا العدل على الطريقة الأمريكية «، ولكننا نعود ونذكِّر بأن هذه العدالة (الأمريكية)

المشوهة قائمة على جذور فكرية تستمد منها تأصيلها وأخلاقيتها [12] ، وهذا هو

مكمن الخطورة في وثيقة المثقفين الستين.

* مطالب عادلة:

وإزاء كل ما سبق فإنني أرى أن من حق المثقفين والمفكرين في بلادنا، ومن

حق شعوبنا أن يقدموا وجهة نظرهم في الموقف الذي عليهم اتخاذه، وفي كيفية

تحقيق (العدالة) التي نكأت الوثيقة جرحها، ومن خلال هذا المقال أقدم بعض ذلك

من وجهة نظر شخصية لا تعبر إلا عن صاحبها:

1 - أن ينأى أهل الفكر والثقافة بأنفسهم عن أن يكونوا أداة لتسويغ العدوان

وبوقاً لفلسفة القهر، فالمثقفون هم ضمير الأمم وليسوا أجهزة دعاية الحكومات،

وعليهم أن يرتفعوا عن الأحداث ويتجردوا من الهوى والمصالح ويتجاوزوا عوائق

الأنظمة وقيودها؛ ليكونوا بحق عقولاً لشعوبهم.

2 - أن يهتم الصف الإسلامي بضرورة إبراز حقيقة الإسلام للعالم بوضوح

وشجاعة أدبية، وبذل الجهد في مخاطبة فعاليات وجمهور العالم الغربي لإيصال هذه

الحقيقة، ومتابعة الافتراءات والشبهات التي تطلق على الإسلام والمسلمين وإيضاح

جانب الحق فيها. وفي الوقت نفسه يجب على هذا الصف الاهتمام بتنقية صفوفه

من الدخلاء أو من يشوهون حقيقة الإسلام، حتى لا تختلط الأوراق وتلتبس الحقائق

بأفعال أو أقوال منسوبة إلى العمل الإسلامي.

3 - وكما أن الغرب لا يقبل ولا يرضى أن يملي عليه أحد أفكاره ونمط

حياته وطريقة عيشه، فإن عليه أن يخلي بين الشعوب ورغباتها في طريقة حياتها،

وعليه أن يرفع يده عن التدخل في شؤوننا الداخلية ومحاولة فرض قيمه وتصوراته

على مجتمعاتنا، أما الحوار والمجادلة وهو أمر لم تطلبه الوثيقة فإن بابها عندنا

مفتوح، ولكنها يجب أن تكون عن رغبة صادقة وحقيقية وبدون ضغوط وقيود

تحول دون وصول هذا الحوار إلى الجماهير ودون تشويه الحقائق أو ممارسة ألوان

الدجل السياسي والإعلامي، كالذي نراه في الإعلام الغربي الصهيوني ومن دار في

فلكه في كمِّ أفواه كل من غرد خارج سربه حتى ولو كان من أبناء جلدته والمنتسبين

إليه (روجيه جارودي، ونعوم تشومسكي، وديفيد ديوك مثالاً) .

4 - أن يقف العالم الغربي وقفة محاسبة صادقة مع نفسه تجاه ماضيه

الاستعماري وحاضره الاستغلالي والهيمني، وأن يعمل على إزالة آثار ذلك الماضي

وهذا الحاضر من نفوس الشعوب المستضعفة بوضوح وبإجراءات ملموسة وفعالة.

5 - مع اعتبار أن ممارسات النهب المنظم والقهر المقنن التي مارسها الغرب

كانت أحد أسباب تأخر (العالم الثالث) وفقره، وفي الوقت نفسه أحد عوامل تقدم

الغرب وإحدى ركائز منجزاته (الحضارية) ، فإن العدالة تقتضي إعادة اقتسام

خيرات الدنيا ونواتج هذا النهب والاستغلال بالقسط، ويدخل في ذلك الثروات

الطبيعية وإنجازات العلوم والتكنولوجيا بما فيها حقوق الملكية الفكرية وبراءات

الاختراع، وإذا تعارض هذا الحق مع الحقوق الشخصية والمؤسساتية فإن على

المجتمع الغربي كله معالجة هذا الوضع بتحمله إعطاء الحقوق لأصحابها مع

تعويض أصحاب الحق المسلوب.

6 - وبما أن الغرب هو المسؤول الأول عن الفساد والدمار الذي لحق وما

زال بالأرض والبيئة، وهي تخص جميع البشر وجميع الأجيال.. فإن الموقف

الأخلاقي يحتم عليه أن يهتم بهذا الشأن ويتحمل تكاليف معالجة هذه الأوضاع دون

أدنى تكلفة أو إضرار بالشعوب الأخرى التي كانت ضحية لتقدم الغرب المادي.

7 - أن يوقف الغرب وخاصة أمريكا دعمهم الجائر والمطلق لـ (إسرائيل) ،

وأن يحملوا حكومتها بشتى السبل التي تستخدم مع الدول والشعوب الأخرى على

تنفيذ القرارات التي رأى الغرب نفسه بحسب قيمه ومعاييره شرعيتها، وأن يمكنوا

أهلنا في فلسطين من حقوقهم ويوقفوا مسلسل القهر والذل الذي يمارسه اليهود عليهم،

وهذا ما تقتضيه العدالة عند أي (ظالم عاقل) .

هذه هي النقاط (المطالب) التي أرى أنها الحد الأدنى الذي بغيره سيكون

هنتجنتون هو ملهم القرن الحالي! ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015