المسلمون والعالم
متطرف صهيوني:
سيأتي اليوم الذي سيزال فيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة
فماذا نحن فاعلون؟
يوسف رشاد [*]
في برنامج يبثه التلفزيون الصهيوني باسم «بولوتيكان» قال رئيس حركة
صهيونية سرية متطرفة تطلق على نفسها اسم «حركة بناء هيكل سليمان» :
«إن المسجدين هما مبنيان غير مناسبين أقيما في مكان غير مناسب، وسوف
يُزالان من هنا. وليس هناك يهودي متدين يشك في ذلك» .
وحينما سأله مقدم البرنامج: «هل سيزالان بيد شخص؟ أجاب الحِبر
الصهيوني رئيس العصابة ويُدعى عتسيوني:» لست أعلم إن كان ذلك سيتم على
يد إنسان أم على يد عنصر آخر. وأنا أعتقد أن اليهودية ديانة كُلِّفنا بتطبيقها
وتنفيذها باعتبارنا رسل الله وخلفاءه على الأرض «! وأردف مقدم البرنامج:
» لكنك أعلنت من قبل عن أسفك لمحاولة نسف المسجدين! «، فأجاب حبر
التطرف:» هذا غير دقيق؛ ذلك أنه من المستحيل إبداء الأسى إزاء هذا
المبدأ؛ لأن المسجدين سوف يزالان حتماً، وسوف يأتي اليوم الذي سيزالان فيه
حتماً «.
وعاود مقدم البرنامج سؤاله:» بيد إنسان أم بطريقة قانونية؟ «فأجاب حبر
التطرف هذه المرة بصراحة ودون مواربة:» بيد إنسان وينبغي أن تكون إزالتهما
مهمة دولة (إسرائيل) الأولى، لقد قامت (إسرائيل) لكي تحقق حلم الأجيال،
وتعد إزالتهما أولى مراحل تنفيذ هذا الحلم وتحقيقه «. ثم ختم مقدم البرنامج حواره
فسأله:» وهل تعمل في هذا الاتجاه الآن؟ «فأجاب حبر التطرف:» نعم «.
وكان حبر التطرف هذا قد خطط هو وأفراد عصابته منذ حوالي خمسة أعوام
لتفجير المسجد الأقصى عن طريق وضع شحنات ناسفة أسفله، وقد ألقت الشرطة
الإسرائيلية القبض عليه بعد أن أمسك به حراس المسجد الفلسطينيون، وحوكم
محاكمة صورية ثم أفرج عنه الكيان الصهيوني بعد بضعة أشهر من سجنه بعد أن
» أبدى ندمه على ما فعل «.
بعد إذاعة هذا البرنامج تقدم أحد أعضاء حركة» ميريتس «اليسارية
العلمانية بشكوى رسمية ضد هذا الحبر طالب فيها بإلقاء القبض عليه والتحقيق معه
» لأنه يحرض على ارتكاب جرائم بالمسجد الأقصى من شأنها أن تلحق (كارثة
قومية) ، وأن تشعل حريقاً دينياً وسياسياً يهدد أمن المواطنين الإسرائيليين «.
وبالطبع فإن هذا العضو لم يتقدم بهذه الشكوى حباً في المسجد الأقصى أو
عرب القدس وإنما خوفاً وهلعاً مما سيحدث إثر هذا العمل الطائش، ولا أدل على
ذلك من زيارة المأفون شارون هو وجنود الاحتلال الصهيوني إلى ساحة المسجد
الأقصى؛ إذ اندلعت على إثر هذه الزيارة الانتفاضة الثانية التي أرعبت كل يهود
في الأراضي المحتلة.
وبعد إذاعة البرنامج سالف الذكر انبرت الصحف الصهيونية للدفاع عن حبر
التطرف مرددة المزاعم نفسها وتخاريف المتطرفين الصهاينة وأساطيرهم، فتحت
عنوان:» بقايا سيادة واعتراف عالمي «كتبت صحيفة» هآرتس «تقول:» لو
كان من الممكن القيام بعمليات حفر من أسفل بوابة المغاربة وحتى داخل المسجد
الأقصى، أو اختراق هذه المسافة بأشعة الليزر لبدت بقايا هيكل سليمان اليهودي
الذي دُمر منذ 1930 عاماً، فأنقاضه موجودة هناك، لا تحت مئذنتي الأقصى وقبة
الصخرة، وإنما بينهما «.
ثم تقول الصحيفة:» إن كبار الفلسطينيين الذين شككوا في ذلك في كامب
ديفيد يعلمون أن هيكل سليمان موجود هناك بين المئذنتين فعلاً؛ ولذا فإنهم لن
يجازفوا بالموافقة على إجراء مثل عمليات الحفر هذه «.
إن ما قاله عتيسوني (المتطرف) ليس جديداً؛ فهناك حركات وجماعات في
الشعب اليهودي أفقدها التطرف ودعوى رؤية هيكل سليمان صوابها إلى حد تهديد
هذه الجماعات بالقيام بأعمال عنف لبناء الهيكل وبالقوة.
فهذه الجماعات والحركات أرقها ولا يزال يؤرقها الحظر الذي فرضه
الحاخامات في كل الأجيال على الدخول في منطقة الأقصى حتى لو كان الهدف هو
اختصار الطريق الذي حال دون قيام الجماهير الدينية بالصلاة في المنطقة.
إن الغالبية من الشعب اليهودي ومن المتدينين يحيون ذكرى خراب هيكل
سليمان سنوياً بالصوم والبكاء والعويل يوم التاسع من أغسطس من كل عام.
إنه يمكن أن نفقد القدس في حرب، لكن لا يستطيع أي حاكم عربي التوقيع
على صك تنازل عنها وإلا كان ذلك إيذاناً بإنهائه.
وهذا ما تعلمه ويجب أن يتعلمه عرفات؛ لذا لم يوقع على صك التنازل عن
القدس في كامب ديفيد الثانية؛ لأنه يعلم مآله إذا فعل ذلك.
إن هذا الكلام ليس مجرد خبر نشرته الصحف الإسرائيلية ولكنه مخطط من قِبَل
الدولة اليهودية يستهدف هدم المسجد الأقصى، واليهود عندما يخططون ينفذون،
وبالفعل فالأنفاق التي حفرت تحت المسجد الأقصى وفي مدينة القدس وبدعم من
مليارديرات اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد استهلت جمعية» عتيريت
كوهانيم « (زينة كهان المعبد الثالث) الذي سيقام بعد هدم الأقصى الصهيونية
المسيحانية الخمسين عاماً الثانية في عمر الصهيونية، والتي نطلق عليها» عصر
ما بعد الصهيونية «بحملة ضخمة بين الصهاينة بالكيان الصهيوني وصهاينة
الولايات المتحدة وأوروبا عبر أفرعها في هذه الدول للاكتتاب وجمع التبرعات
لتنفيذ مخططها الجديد لإزالة الأحياء والمنازل العربية بالحي الإسلامي والبلدة
العتيقة بالقدس الشرقية تارة بحجة إجراء حفائر أثرية للبحث عن بقايا وآثار الوجود
اليهودي القديم في هذه المنطقة، وتارة أخرى بحجة شراء المنازل العربية وتخليص
» التراث اليهودي «من أيدي السكان العرب. وهدف هذه الحفريات تحت المسجد
الأقصى وقبة الصخرة هو خلخلة أساسات الأعمدة في المسجد؛ ومن ثم يسهل
انهياره، ولقد تم حفر العديد من الأنفاق؛ إذن فاليهود جادون في هدم المسجد
الأقصى وقبة الصخرة.. فماذا نحن فاعلون؟
أنبكي على أطلاله بعد أن يهدمه لا قدر الله أولاد الأفاعي ونقول كما قال
الشاعر:
مزجنا دماءً بالدموع السواجم ... فلم يبق منا عرضة للمراجم [1]
وشر سلاح المرء دمع يفيضه ... إذا الحرب شُبًَّت نارها بالصوارم [2]
وكما قال الشاعر الآخر:
لتبك على القدس البلاد بأسرها ... وتعلن بالأحزان والترحات
لتبك عليها مكة، فهي أختها ... وتشكو الذي لاقت إلى عرفات
لتبك على ما حلّ بالقدس طيبة ... وتشرحه في أكرم الحجرات
إن حالنا الآن وما نحن فيه من ذل وانكسار ليذكرني بقول الشاعر الذي يرثي
ضياع القدس إبان الحروب الصليبية [3] :
أعيني لا تَرْقي من العبرات ... صِلي في البُكا الآصال بالبُكُرات [4]
لعل سيول الدمع يطفئ فيضها ... توقد ما في القلب من جمرات [5]
ويا قلب أسعر نار وَجْدِكَ كلما ... خبت، بادّكار يبعث الحسرات [6]
ويا فم بُح بالشجو منك لعله ... يروّح ما ألقى من الكُرُبات [7]
إن الفارق بيننا وبين إخواننا في الزمن الماضي أن دموعهم كانت نضية طرية
وأما دموعنا فجفت ورقأت، هم لبوا نداء الجهاد فحرروا المسجد الأقصى من
براثن الفرنجة الصليبيين، أما نحن فتم غسيل أدمغة الشعوب العربية ونجح مخطط
اليهود الذي كتبوه في بروتوكولاتهم:» سنلهي الجماهير بأنواع شتى من الملاهي
والألعاب والمزجيات للفراغ والمجامع العامة وهلم جراً، وسرعان ما سنبدأ الإعلان
في الصحف داعين الناس إلى الدخول في مباريات شتى في كل أنواع المشروعات
كالفن والرياضة وما إليها «. وقد كان لهم ما أرادوا وأصبحت الجماهير العريضة
من أبناء أمة الإسلام في ملهاة عن دينها وقرآنها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم
لدرجة وصلت بأحد الصحفيين السفهاء أن يكتب مانشيت جريدته يقول قبل مباراة
مصر والمغرب:» اللهم ثبت أقدام لاعبينا وزلزل الأقدام من تحت لاعبي المغرب،
اللهم انصرنا نصراً عزيزاً مؤزراً «؛ فخذلهم الله. هذا هو الحال الذي وصلت
إليه الشعوب العربية والإسلامية.
فهل إذا هُدِمَ الأقصى لا قدر الله ستهب الشعوب العربية والإسلامية وتثب وثبة
رجل واحد لنجدة إخوانهم في القدس؟ أم أن ذنوبنا ستجعلنا نستسلم لذلك الواقع لا
قدر الله.
لكن يجب على المسلمين أن يجعلوا اليهود يدفعون ثمن ذلك التهور إن تم ثمناً
غالياً؛ بحيث تسقط كل المعاهدات الاستسلامية، وتقفل كل السفارات والمكاتب
الصهيونية، ومن يرفض ذلك فهو أخ لليهود ومتواطئ معهم، ويجب أن يعامل
مثلما يعامل اليهود متى ما كان من الجبن والخور بحيث لا يحرك ساكناً مع هدم هذا
المكان المقدس، وليعلم يهود أنه لثمن ربما لا يحلمون به.