المسلمون والعالم
عبد العزيز كامل
كان مقرراً أن يكون عام 2000م عام الحسم للقضايا الأكبر والأخطر في
القضية الفلسطينية من خلال ما كان يسمى بـ «مفاوضات الحل النهائي» . وقد
حبس الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون فريق التفاوض الإسرائيلي برئاسة
باراك، مع فريق التفاوض الفلسطيني برئاسة عرفات لمدة أسبوعين في منتجع
خيمة داود أو (كامب ديفيد) للوصول إلى حل نهائي. وحبس العالم أنفاسه معهم
ليرى ما المصير الذي ستؤول إليه قضايا السيادة على القدس، وملكية أرض
المسجد الأقصى، ومستقبل أربعة ملايين لاجئ فلسطيني، وما ستنتهي إليه حدود
الدولة الفلسطينية، ومشكلة توزيع المياه بين اليهود والعرب في فلسطين.
وكادت الأمور أن تُحل بشهادة كلينتون حيث قال: إن أكثر من 90% من
القضايا المطروحة تم التوصل إلى صيغة حل فيها. لكن نسبة الـ 10% الباقية
كانت كفيلة بأن تفجر المحاولة المؤجلة منذ مدريد للوصول إلى حل نهائي. وكانت
قضية القدس والأقصى كما هو معلوم هي الصخرة التي سقطت على مائدة التفاوض
فقصمتها ملقية بيهوذا وآتية بشارون!
فجاء ذئب إبليس المسمى (إرئيل) [1] ليتولى بطريقته الخاصة الوصول إلى
حل نهائي بأسلوب يليق بتاريخه الدموي الإجرامي، وقد دشن عهده الأسود
بزيارة الاقتحام الشهير للمسجد الأقصى التي كانت سبباً مباشراً في تفجير
الانتفاضة الأخيرة، ومن يومها وشارون يلعب على سياسة الفعل ورد الفعل
ليوصل الأمور إلى ما وصلت إليه الآن؛ فماذا يريد شارون؟ وما الذي يستطيع أن
ينجزه؟ وما الذي يمكن أن يعجزه في تلك المغامرات البديلة للمفاوضات؟
أريد أولاً أن أؤكد من وجهة نظري على أن ما دفع شارون لتصعيد الأمور
مؤخراً في مناطق السلطة الفلسطينية، ليس هو مجرد جلب الأمن لـ (إسرائيل)
كما تلح وسائل الإعلام، ولا القضاء على السلطة لمجرد أنها سلطة، ولا عزل
عرفات لـ «خطورة» عرفات؛ فالأمن الإسرائيلي قبل كامب ديفيد كان يعيش
أزهى عصوره في ظل سلطة عرفات؛ فقد كان الإسرائيليون قادرين على توفير
الأمن لو كان مطلبهم الوحيد بإعطاء الفلسطينيين مطالبهم المتواضعة.
وأما عرفات فلم يكن ليهدد إسرائيل يوماً منذ جاء من تونس، وإلا لما جاءوا
به من هناك أصلاً ليضعوه على رأس شرطة مسلحة لها حرية التحرك في الأراضي
المحتلة، ولم تكن مطالبه لتهدد أمن (إسرائيل) ؛ حيث اعترف بها دولة مستقلة
ذات سيادة، لها كامل الحق في أن تعيش في حدود آمنة ومعترف بها، وذلك في
معاهدات رسمية دولية ملزمة. وحتى القدس التي كان ينادي بها عاصمة للدولة
الفلسطينية؛ تنازل عنها عملياً من باب خلفي بقبول قرية «أبو ديس» بديلاً عنها
عاصمة؛ بعد إطلاق اسم القدس عليها كما دلت على ذلك وثيقة (بيلين -
أبو مازن) .
أما الانتفاضة نفسها، فقد كان بوسع شارون لا عرفات أن يوقفها في أسرع
وقت إذا ما أوقف إراقة دماء الفسلطينيين؛ فعندها كان العمال سينصرفون إلى
أعمالهم، والطلاب إلى مدارسهم، والفلاحون إلى حقولهم؛ فمن ذا الذي يريد
العيش في ظل الخوف والجوع والحرمان وهو قادر على العيش في أمان؟ !
ولكن شارون استمر في استدراج الفلسطينيين إلى دائرة رد الفعل الثأري على
الفعل الاستفزازي بالقتل والهدم والتجريف والقصف براً وبحراً وجواً؛ لكي يظفر
بردود فعل عنيفة يستطيع أن يوظفها لما هو مقبل عليه من إجرام أعنف، وهذا ما
حصل.
والآن وقد أشعل شارون فتيل الحرب كما كان متوقعاً بدءاً من فلسطين؛ فماذا
يريد من الفلسطينيين؟ وما الذي يمكن توقعه من سلوكه الهمجي في ظل الظروف
الصعبة التي يعيشها العرب؟
لا شك أننا سنشهد عالماً عربياً متغيراً في المستقبل القريب إذا ظلت الظروف
مهيأة لشارون كي يكمل مخططاته ومؤامراته؛ ففي ظل الذل العربي العجيب،
والسكوت الدولي المريب ستكون لشارون اليد الطولى في المنطقة إذا لم تجد من
يقطعها.. ومَنْ يقطعها إلا المجاهدون الصابرون؟ ! لقد أبطل الجهاد الفلسطيني كما
نتصور جزءاً كبيراً من برنامج شارون المتسارع في المنطقة، أو أجّله على الأقل،
تماماً كما أبطل الجهاد في أفغانستان جزءاً كبيراً من برنامج بوش العالمي أو أجّله،
فالرد الجهادي الفلسطيني كان أعنف مما تصور شارون، وأوسع مما توقع، وقد
أربك هذا حساباته الموزونة بين الفعل ورد الفعل، فراح يتخبط تكتيكياً وإن كان
مستمراً في خطه استراتيجياً بخطى أقل ثقة وأدنى ثباتاً، ولكن ذلك لا يمنع من أن
الأمر جد خطير في العالم؛ لأن حرب مجنون (إسرائيل) قد صادفت في توقيتها
وتسميتها وطبيعتها حرب مَوْتور أمريكا؛ حيث شاء الاثنان أن يطلقا على الحرب
الأولى في الألفية الثالثة «الحرب على الإرهاب» ؛ بمعنى الحرب على روح
المقاومة الإسلامية للهيمنة الصهيونية اليهودية النصرانية على العالم.
وبجانب التشابه والتزامن في الحرب اليهودية والحرب الصليبية، هناك
أسباب أخرى تؤكد خطورة المرحلة التي يمر بها العالم بعامة والشرق الأوسط
بخاصة، منها: سيطرة اليمين الديني الأصولي على دفة الحكم في كل من أمريكا
وإسرائيل؛ فالذي يحكم أمريكا اليوم ليس هو بوش فقط بل الذين جاؤوا به وهم
أصحاب التيار الإنجيلي الأصولي المؤمن بمركزية إسرائيل في التاريخ المستقبل.
والذي يحكم إسرائيل اليوم، ليس هو شارون فقط، بل الذين جاءوا به، وهم
أصحاب التكتل اليميني الديني المتطرف الهادف إلى (إعادة مجد إسرائيل) بكل ما
يعنيه ذلك من مخططات توراتية، ومؤامرات تلمودية، ليس آخرها ما سمح به
شارون رسمياً منذ عدة أشهر لإحدى جماعاتهم بوضع حجر الأساس للهيكل الثالث
في ساحة المسجد الأقصى.
ومن أسباب تزايد الخطورة أن الزمن الحالي زمن استثنائي عند النصارى،
فلا تزال الألفية الثالثة في بداياتها، ولا تزال المشاعر تؤجج تبشيراً بنبوءاتها،
واليهود حريصون كل الحرص على استثمار ذلك السعار فيما يعود على خزائنهم
بالدعم، وعلى مشاريعهم بالدفع. ومن الأسباب أيضاً: وصول النظام العربي في
فلسطين وما حولها إلى الباب الأخير المسدود؛ حيث نفدت الحيل، وبطل السحر،
وانكشف الخداع، ولم يعد مجدياً التظاهر بالحكمة والصمود، وفي هذا ما فيه من
مزيد إغراء لغطرسة النصارى وطغيان اليهود.
يريد بوش تغيير خريطة العالم لصالح استكمال نظام عالمي أمريكي جديد،
كان أبوه قد أعلن عنه قبل عشر سنين، ولكن عدم التمديد الرئاسي لم يمهله لإكماله،
وشارون يريد تغيير خريطة المنطقة لصالح استكمال نظام شرق أوسطي جديد،
كان سلفه سابقاً وشريكه لاحقاً: (شمعون بيريز) قد بشر به اقتصادياً ولم يكمله
سياسياً، فأراد شارون أن يجرب حظه في نظام أمني وعسكري شرق أوسطي يؤمِّن
لدولة اليهود فترة من (الهدوء التام) في المنطقة؛ ريثما يستطيع هو أو من يأتي
بعده أن يقفز خطوات واسعة نحو المشاريع المستقبلية لدولة اليهود في المنطقة؛
فالشرق أوسطية العسكرية الأمنية هي أوضح ملامح المشروع الشاروني، ودون
هذا المشروع عقبات، ووراءه تطلعات، وشارون يسعى منذ مدة فيما يبدو لإزالة
تلك العقبات أولاً؛ ليتمهد الطريق بعد ذلك له أو لمن يأتي بعده إلى تحقيق التطلعات،
ويمكن رصد الأغراض التي يمهد لها شارون في المرحلة المقبلة فيما يلي:
1 - إبطال مفعول ما يسميه اليهود بـ (القنبلة الديمغرافية) ؛ أي الخطر
المتزايد على دولتهم من الزيادة السكانية الفلسطينية التي لا يستطيع معدل النمو
السكاني الإسرائيلي أن يلاحقها، عن طريق تهجير جديد للفلسطينيين.
2 - تهيئة الأجواء وتوفير الإمكانيات لاستيعاب أفواج ضخمة من المهاجرين
اليهود الجدد الذين أعلن شارون أنه بصدد استقدام مليون مهاجر منهم في الفترة
المقبلة [2] .
3 - تثبيت سياسة توسيع المستعمرات اليهودية في الأراضي الفلسطينية
المحتلة لإيجاد واقع جديد لا يسمح للفلسطينيين بالعيش في أراضٍ خالصة لهم لا
يشاركهم فيها يهود. وقد دعا شارون في شهر مايو 2001م إلى تخصيص 1.2
مليار شيكل (300 مليون دولار) للمستوطنات كمساعدات حكومية.
4 - تحقيق مسألة اعتراف العالم بالقدس بشطريها «عاصمة أبدية موحدة»
للدولة الإسرائيلية، وهو ما لم يحدث إلى الآن لسبب واحد؛ وهو التأجيل الأمريكي
المتكرر لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس في عَهدَيِ الإدارة الديمقراطية برئاسة بيل
كلينتون [3] .
5 - اتخاذ خطوة كبيرة على طريق إعادة بناء الهيكل اليهودي الثالث مكان
المسجد الأقصى، أو تقسيم ساحته ليبنى فيها كنيس مجاور للأقصى يكون مرحلة
ممهدة للتوسع في البناء فيما بعد.
6 - ضمان الأمن الإسرائيلي الداخلي والخارجي لتأمين الوصول إلى كل ما
سبق، عن طريق القضاء على المقاومة في الداخل، والتوصل إلى اتفاقيات لـ
(إنهاء الصراع) مع الدول المحيطة بالخارج. وهناك مسائل أخرى تدخل ضمن تلك
الأهداف كانت مجال حرب تفاوضية في كامب ديفيد 2000م، مثل المسائل المتعلقة
بالمياه والحدود واللاجئين ونحو ذلك.
ولعلي أحاول تغطية ما يتعلق بالمرحلة الراهنة من تلك الأهداف المعلنة.
(الترانسفير) ... ومؤامرة التهجير:
«الترانسفير» مصطلح سياسي يعني في الفكر الصهيوني: طرد عناصر
سكانية وتوطين أخرى، والعناصر المطرودة هنا ليست إلا العرب المسلمين،
والمستوطنون مكانهم هم اليهود، وفكرة الترانسفير بالرغم من أنها في الأصل
يهودية؛ فإن النصارى البروتستانت هم أول من أحيوها وطبقوها في العصور
الحديثة في القارة الأمريكية والقارة الأسترالية؛ حيث أبيد أقوام وأحل مكانهم
آخرون لتتأسس على ذلك الهيمنة الغربية الإنجليزية ثم الأمريكية المعاصرة التي
سيطر على أصحابها الشعور بالتميز على بقية البشر لانتمائهم إلى العنصر الأبيض
الإنجلوساكسوني.
أما العنصر اليهودي المعاصر؛ فالبرغم من عدم مصداقية دعواه في النقاء أو
الانتماء العرقي لبني إسرائيل الأوائل؛ فإنهم يتعاملون مع العرب والمسلمين على
أساس دعوى التميز؛ ولهذا فإن منطق التدمير والتهجير هو الأصل في تعامل
اليهود مع العرب منذ وطئت أقدامهم أرض فلسطين.
واليهود الذين بنوا فلسفتهم الاستعمارية على نظرية: (أرض بلا شعب
لشعب بلا أرض) وجدوا أن هذه الأرض التي ادعوا أنها بلا صاحب هي أرض
عامرة بأهلها، بل إن أهلها من أخصب الشعوب نسلاً وأسرعهم تكاثراً، فمثَّل هذا
عندهم فيما بعد مشكلة مزمنة أطلقوا عليها: (القنبلة الديمغرافية) ؛ يقصدون بذلك
التهديد السكاني الفلسطيني الكافي مع الزمن لإغراق اليهود في بحر الكثافة السكانية
العربية؛ فماذا يفعلون؟ !
إنهم لم يجدوا حيلة في منافسة العرب الفلسطينيين بالكثرة العددية؛ فالله تعالى
شاء وهو العليم الخبير أن يقلل من نسل اليهود في أصل الخلقة؛ فهم من أقل الخلق
خِلْفةً، وأندرهم نسلاً، فالمرأة اليهودية لا تزيد ولادتها في الغالب عن مولود أو
اثنين!! ! فسبحان من قطع دابر الإفساد فيهم على مر العصور، وإلا..... فكيف
كان الأمر لو كان عدد اليهود في العالم كعدد الهنود أو كان الصهيونيون بعدد
الصينيين؟ ! ! إن تعدادهم في العالم لا يزيد عن اثني عشر مليوناً، ولكنهم مع
ذلك متغلبون بالقهر على حقوق اثني عشر مئة ألفِ ألفٍ من المسلمين!
وإن تعدادهم في وسط العرب لا يزيد عن خمسة ملايين؛ ومع ذلك فهم
مُخْضِعُون لأكثر من مئتي مليون! ومع خبث اليهود وشدة مكرهم وقدرتهم على
استغلال غيرهم؛ فإن نقطة الضعف الكبرى فيهم هي العنصر البشري، وهذا ما
يفسر شدة الجزع والخوف والهلع كلما أزهقت منهم روح خبيثة أو أريقت منهم دماء
نجسة.
وقد استشعر اليهود هذا الخطر الماحق واستحضروه منذ بدايات التفكير في
وضع بذرة الشؤم لدولتهم (إسرائيل) ، وبدءوا يعملون على محورين متوازيين
للتغلب على الضعف العددي وهما: التهجير والهجرة: تهجير العرب، وهجرة
اليهود.
قال زعيم الصهيونية الحديثة تيودور هرتزل في مذكراته التي كتبها عام
1895م أي قبل قيام الدولة بنحو نصف قرن: «سنسعى لنقل السكان الفلسطينيين
خلف الحدود دون ضجيج، بواسطة منحهم عملاً في البلدان التي سينتقلون إليها؛
إن نقل الأراضي إلى سيطرتنا وإخراج العرب من دولتنا يجب أن يتم بتدرج
وحذر» !
ولما اقترب أوان قيام تلك الدولة، قال زعيمها الأول (داود بن جوريون)
الذي صار أول رئيس لوزراء (إسرائيل) في رسالة وجهها بتاريخ 5/10/1937م:
«لا مهرب أمامنا إلا أن نحتل الأرض بقوة السلاح؛ لأننا لا يمكن أن نتحمل
بقاء مساحات شاسعة من أرضنا خالية من اليهود في حين أننا نستطيع استيعاب
عشرات الألوف منهم» . وقال في مناسبة أخرى عند انعقاد المؤتمر اليهودي
العالمي العشرين: «لو استطعنا تنفيذ النقل القسري للفلسطينيين لكان هذا إنجازاً
كبيراً؛ فذلك هو السبيل للاستيطان في مناطق شاسعة» . وقال: «إن العراق
وسوريا لن تعانيا مشكلة في استيعاب سكان إضافيين من عرب إسرائيل يعني
الفلسطينيين حتى لو نقلناهم كلهم إليهما» !
وقد عقد (وايزمان) أول رئيس للدولة اليهودية [4] نسبة عددية لما يمكن أن
يظهر من نتائج على الأرض لسياسة الهجرة والتهجير فقال: «كلما استطعنا نقل
نصف مليون عربي سيكون في مقدورنا توطين مليون يهودي مكانهم»
وقد سار الخبثاء على هذا الصراط الشيطاني الأعوج، فكانت نتائجه مذهلة؛
فيكفي أن نعلم أن عدد اليهود في فلسطين عند صدور وعد بلفور عام 1917م كان
ستين ألف يهودي فقط، ثم صار اليوم قريباً من خمسة ملايين.
ومن الملاحظ أن سياسة (الترانسفير) أمر مجمع عليه بين مختلف الكتل
والأحزاب في دولة اليهود، فاليمينيون واليساريون، والعلمانيون والمتدينون كلهم
متفقون على أن مكان الفلسطينيين هو في الدول المحيطة بفلسطين طال الأمر أم
قصر، ولم تقتصر هذه القناعة على الآباء المؤسسين لدولة اليهود، بل لا يزال هذا
هاجس قادتهم وزعمائهم الحاليين.
ففي كتابه (مكان تحت الشمس) يصرح نتنياهو الزعيم السابق لباراك
واللاحق لشارون (على الأرجح) بأن الفلسطينيين يجب أن يهجَّروا إلى الأردن،
مع أن الأردن كما قال: هي أرض إسرائيلية محتلة! ! وقال عن العرب الذين
هاجروا من فلسطين عام 1948م: «إن الإسرائيليين لم يطردوهم، وإنما هم الذين
هربوا من الحرب، ثم طرد العرب اليهود من بلادهم فجاءوا بدلاً من العرب الذين
هربوا» [5] وكان باراك يردد كثيراً أن الأردن هي (الوطن البديل) للفلسطينيين.
وأما شارون فهو المصدر الأصلي لمقولة (الأردن الوطن البديل) لا كشعار
فقط، بل كمشروع، ويقوم مشروعه في الوطن البديل على إشعال الأرض من
تحت أرجل الفلسطينيين ومن فوقهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم حتى يقولوا: النجاة
النجاة.. الخروج الخروج؛ فيندفعوا طوعاً وكرهاً إلى هجرة جديدة! وهو يستعد
كما شاع في الأنباء مؤخراً لاستقدام نحو مليون مهاجر يهودي، وهؤلاء إذا قدموا
إلى فلسطين، سيرسلون إلى المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة،
فهو بحسبة آلون السابقة محتاج لتهجير ما لا يقل عن نصف مليون فلسطيني!
يحاول اليهود منذ مدة تحقيق هدف جديد في الهجرة والتهجير بالسلم أو بالحرب،
فقبل سنوات تسربت أنباء عن مخطط لتهجير مليون فلسطيني إلى العراق مقابل
إشراك العراق في (عملية السلام) ؛ ومن ثم رفع الحصار عنه.
ولبنان أيضاً، يبدو أنه كانت هناك مساع من خارجه لتوطين اللاجئين فيه
من الفلسطينيين ومنحهم الجنسية اللبنانية، ولكن تفاعلات البيان الختامي للقمة
العربية الأخيرة، أظهرت أن نصارى لبنان، وعلى رأسهم رئيسهم رافضون لهذا
الطلب [6] : ظاهراً لأنه يتعارض مع (الدستور) ، وباطناً؛ لأنه يخل بالتوازن
الطائفي المحسوم فرنسياً في لبنان لتظل دولة (مسيحية) في وسط الطوفان العربي
المسلم؛ ليقترن وجودها بوجود الدولة اليهودية وسط هذا الطوفان.
إن الأنباء تتسرب بين الحين والآخر بمعلومات عن مخططات تبحث في
دوائر رسمية غربية؛ لإيجاد مخرج يخلص اليهود من خطر (القنبلة الديمغرافية) .
وهذه المساعي ذات جذور قديمة قدم الاحتلال الإنجليزي لفلسطين الذي سبق
الاحتلال الصهيوني، فتاريخ بريطانيا في طبخ مؤامرات الهجرة والتهجير معروف
وموثق. أما بعد أن أطفأ الله نجمها ونكس رايتها من أطراف الدنيا، فقد تولت
أمريكا بعدها هذه المهمة، ومساعي الأمريكيين وراء تدبير مؤامرات الهجرة أو
التهجير تكاد لا تخطئها العين سواء في هجرة اليهود الروس أو يهود أوروبا الشرقية،
أو يهود الفلاشا الإثيوبيين، وقد استقبلت دولة اليهود نحو مليون مهاجر يهودي
على مدى السنوات العشر الماضية، جاء معظهم من الجمهوريات السوفييتية
السابقة، وشارون نفسه هو ابن لمهاجريْن روسيين.
ويشرف على تهجير اليهود إلى فلسطين عتاة اليهود الأمريكيين، من أمثال
هنري كيسنجر الذي أدلى بتصريح في مارس عام 1973م قال فيه معلقاً على
المشكلة السكانية الفلسطينية: «الحل هو أن يصبح الفلسطينيون في لبنان،
والمسيحيون في كندا أو أوروبا» . فهو يأمل في أن تفرغ الشام من النصارى
الكاثوليك، وهذا يعبر عن سياسة حكومته البروتستانتية التي لا تطيق أن ترى لبابا
الفاتيكان رعايا قريبين من الأرض المقدسة.
ويظل الأردن (دون استبعاد لبنان أو سوريا أو مصر) في مقدمة البلدان
المرشحة عند اليهود لاستقبال موجة جديدة من الهجرة الفلسطينية.
وقد أظهر تتابع الأحداث أن هناك ثلاثة تصورات أو صيغ لتحقيق الحل الإسرائيلي
بالترانسفير:
أولاً: الترانسفير الاقتصادي: وهو تصور باراك، وكان يقترح فيه أن تقوم
(إسرائيل) بفصل إجباري بين الفلسطينيين واليهود؛ بحيث يمنع الفلسطينيون من
العمل في أماكن سيطرة الإسرائيليين فتضيق بهم الأحوال الاقتصادية، فيضطرون
طوعاً للهجرة للخارج، والخارج عنها لن يبعد عن الأردن كثيراً لاعتبارات كثيرة
تجعل من ذلك البلد بلداً ثانياً للفلسطينيين.
الثاني: الترانسفير الأمني: ويقوم على تكثيف الإزعاج الأمني للفلسطينيين؛
حتى يفقدوا الراحة في البيوت أو الشوارع أو أماكن العمل بسبب كثرة الملاحقة
والمراقبة والاعتقالات والاغتيالات. وهذه الصيغة هي التي حاول شارون تجريبها
منذ ما يقرب من ثمانية عشر شهراً عندما تسبب في بدء الانتفاضة الحالية التي وإن
أفقدت الفلسطينيين أمنهم إلا أنها لم تفقدهم إيمانهم بواجب الصبر والمصابرة ضد
إجرام اليهود المغتصبين لأرضهم.
الثالث: الترانسفير العسكري: وهو الخيار الأصعب والأسهل في آن؛ فهو
أصعب لأنه يحتاج إلى حرب ولو محدودة يمكن أن تخسر فيها (إسرائيل) أرواحاً
كثيرة، وهو أسهل لأنه يضمن وسيلة فعالة ومجربة لدفع أكبر عدد ممكن من
الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم.
الأردن ... وحرب شارون:
تحمل الأردن أكبر نصيب من مشكلة لجوء الفلسطينيين إليه، وذلك في
موجات ثلاث صاحبت كلاً منها نكبة أو نكسة أو كارثة عربية؛ فالمرة الأولى كانت
بعد حرب النكبة 1948م، والثانية كانت بعد حرب النكسة عام 1967م، والثالثة
كانت بعد كارثة غزو الكويت واندلاع حرب الخليج عام 1991م؛ حيث انتقل
الآلاف من الفلسطينيين الموجودين في الكويت إلى الأردن.
والظاهر أن شارون يعد للموجة الرابعة من خلال الحرب التي أشعلها هذه
الأيام، والتي يسعى بالاشتراك مع شريكه في محور الشر جورج بوش إلى توسيعها
وتكثير أطرافها.
لو طالت تلك الحرب أو توسعت، فسوف يكون الهدف القريب لها تنفيذ
الموجة الرابعة من هجرة الفلسطينيين، وستكون تلك الحرب خادمة بشكل أو بآخر
لبقية الأهداف الستة السابق ذكرها.
أما إذا انتهت بسرعة وأطفأ الله نارها؛ فإنها ستصنع من حديث النفس
بالهجرة عند كثير من الفلسطينيين همّاً ثم عزماً ثم فعلاً؛ فالإنسان مهما كان فإنه
خلق ضعيفاً، والسواد الأعظم من الناس يقدم الرُّخَص على العزائم، هذا إذا وجدوا
على العزيمة معيناً، فكيف إذا لم يجدوا إلا الخذلان، والنسيان والنكران؟ !
شارون الذي أقنعه العرب إقناعاً بوجوب استغلال فرصة ضعفهم، لن يضيع
الفرصة، وطريقه لاستغلالها أن يكمل السير في خطته على ثلاثة محاور طالما لمح
وصرح بها خلال الأشهر الفائتة:
أولها: إنهاء مهمة الشرطة الفلسطينية، بكسر أذرعتها ونزع أسلحتها؛ ليجد
الفلسطينيون أنفسهم في العراء بلا حماية دولية أو عربية أو فلسطينية.
ثانيها: تغييب أو تغيير القيادة الفلسطينية رغم هوانها حتى لا يجد
الفلسطينيون من يأمر أو ينهى أو يوجه حتى إشعار آخر إلا إدارة الاحتلال.
ثالثها: تدمير البنية الاقتصادية في الحياة الفلسطينية؛ حتى يجد الفلسطينيون
أنفسهم في حياة أشبه بحياة إخوانهم في المخيمات؛ فيتمنوا أن يتركوا الخوف
والجوع في فلسطين إلى الجوع فقط خارج فلسطين.
ماذا بعد..؟
إن ما يجري هو جريمة كاملة، ومرحلة جديدة من مراحل إذلال أمة الإسلام
يشهدها جيلنا، وهذا يحتم علينا نحن المسلمين عامة والإسلاميين خاصة أن نقف مع
أنفسنا ومع أمتنا الوقفات الآتية:
أولاً: التفاعل مع قضايا الأمة لا يزال دون المستوى، ولا تزال مواقفنا
محكومة بردود الأفعال لا الأفعال، نسخن بسخونتها ونبرد ببرودها، ولا تزال أكثر
الأمة قابعة في غُرف الانتظار، بانتظار ما لا يأتي، وكأن كلاً منا على موعد مع
(صلاح الدين) ! يرجئ كل شيء حتى لا يضيع الموعد معه! ! يا أخي: كن أنت
صلاح الدين، أعدَّ أنت صلاح الدين، تعاون أنت مع صلحاء الدين، وهم في
الأمة اليوم أكثر منهم في عهد نور الدين.
ثانياً: من الواجبات ما لا يقبل التأجيل؛ فإن لله تعالى عملاً بالليل لا يقبله
بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وأهلنا اليوم في فلسطين في رباط وعلى
ثغر، يخافون العدو ويخيفونه، وإذا تصورنا أن رباطهم واجب عليهم فقط في هذه
الظروف، فنحن لم نفقه ديننا، ولم نؤد ما علينا، ومن لم يقف اليوم مع إخوانه في
محنتهم وشدتهم، فلن يجد غداً من يقف معه في محنته وشدته في الدنيا أو في
الآخرة.
ثالثاً: نتعذر بالمسموح وغير المسموح، والمستطاع وغير المستطاع، وقد
علم الله أن المسموح أضعاف أضعاف غير المسموح، والمستطاع أضعاف أضعاف
غير المستطاع، وحتى غير المسموح وغير المستطاع نستطيع لو أردنا أن نجعله
مسموحاً مستطاعاً، لو جعلناه هماً شخصياً لنا؛ فكم في حياتنا الشخصية مما لم يكن
مستطاعاً فشققنا طريق الاستطاعة إليه، وكم مما لم يكن مسموحاً انتزعنا السماحة
به، ومع ذلك سيظل هناك ممنوع أو غير مستطاع من واجبات الدين، فلنحوله إلى
نية صالحة بانتظار التيسير، فنية المرء إذا صدقت خير من عمله.
رابعاًَ: لا حدود للخير في هذه الأمة، على الرغم مما يفتح عليها من أبواب
الفتن وما يلاحقها من المحن، وقد رأينا ذلك في بطولات الرجال والنساء والأطفال
في فلسطين والشيشان وأفغانستان، حيث ذكَّرنا هؤلاء بطولات لم نكن نراها إلا
في كتب السير والتراجم، ما كنا نتصور أن تنبعث في عصرنا خنساء تقدم على
تشييع ولدها وفلذة كبدها وهو ذاهب للشهادة مفتخرة به وداعية النساءَ كي يقتدين بها،
وما كنا نتخيل أن تخرج من أرحام الوهن في عصرنا فتيات.. نعم فتيات..
يعلمن الرجال أن لهذا الدين نساء بعشرات الرجال، صدقن ما عاهدن الله عليه
فمنهن من قضت نحبها، ومنهن من تنتظر، ما كنا نتصور أن يخرج (ملايين)
من الشباب بالرغم من كل ما يراد بالشباب ليطالبوا في مظاهرات صاخبة في بلدان
عربية وإسلامية بفتح باب الجهاد إلى فلسطين.
خامساً: يحز في النفس أن هذا الخير في الأمة لا يجد من يوظفه ولا من
يوجهه، ولكنه يجد من يُلقي عليه القنابل المسيلة للدموع ويطارده بالهراوات
والمصفحات، وكأن (العساكر) في بلاد المسلمين لم تعد لهم وظائف إلا إحدى
وظيفتين: قتال الإخوان في الدين، أو الدفاع عن أعداء الدين. إن هذا يضاعف
المسؤولية على رجال الدعوة في هذه الأمة لاستنفار كل الجهود لرعاية هذا الخير
الموجود في الأمة وحمايته من (حَمَلَة الهراوات) .
سادساً: ويحز في النفس أيضاً، أن عاطفة المسلمين وحماستهم لا يزال
يداخلها دَخَنُ العهود الثورية؛ فالذين خرجوا بالآلاف وهم يحملون صور (عرفات)
على كل ما عُرف عنه وظهر منه، ذكَّرونا بمن خرجوا بالملايين يحملون صور
عبد الناصر ويهتفون بحياته بعد هزيمته بأيام، وهذه الظواهر تجعلنا نتريث في
تقويم حال الأمة ولا نعمم بالنماذج الجزئية ولا ننخدع بكل المظاهر؛ فليست كل
بيضاء شحمة، ولا كل سوداء فحمة.
سابعاً: العاطفية المدفوعة بآثار اللحظة ليست مقصورة فيما يبدو على العامة
والبسطاء؛ فقد رأينا إسلاميين في فلسطين وخارجها يريدون أن يجعلوا من عرفات
بطلاً، ونحن لا نصادر حق أحد في البطولة أو الترشيح لمسابقات البطولات،
ولكنا أبداً لا ينبغي أن نساهم في خداع الأمة بإعادة تصنيع المزيد من الزعامات
المزيفة، كفانا الزعيم أتاتورك وعبد الناصر وصدام، و.... عادل إمام!
ثامناً: من حقنا على رموز الباطل أن نسألهم: لماذا تسطون في كل مرة على
ما ينجزه رجال الحق فتركبون موجته وتقطفون ثمرته؟ ! إننا نعجب من قدرة
المبطلين على الخداع والتمويه والكذب! هل لاحظتم معي هذه المهارة الفائقة في
(تجيير) عرفات ثمرات الانتفاضة لصالحه ولصالح رجاله؟ ! هل لاحظتم أنه يكرر
اليوم ما سبق أن فعله في الانتفاضة الأولى التي ركبها وهو في تونس ثم دفنها وهو
في غزة؟ ! إن عرفات الذي قتل واعتقل خلال سبع سنين مضت العشرات بل
المئات من إخواننا المجاهدين في فلسطين لصالح (الأمن الوقائي) لليهود؛ لا
يجوز لنا ولا يليق بنا أن ننساق وراء مسعاه في مواصلة مسخ القضية الكبرى بمزيد
من الصيغ العلمانية وصبغها الملوث.
وأخيراً:
ليست الصورة محصورة في المصير الذي ينتظر عرفات وسلطته [7] ؛
ففلسطين موجودة قبل عرفات وبعده، ورجالها موجودون قبل السلطة وبعدها.
ونحن على يقين بأن أيام الصبر التي يعيشها أهل فلسطين ستلد أيام الفرج لهم
وللأمة جمعاء بإذن الله؛ فرغم قتامة وعتامة المشهد الذي نعيشه فإن هناك زخات
من تباشير الأمل:
- نراها في تنامي الوعي الإسلامي داخل فلسطين، بحسب ما يحكيه القادمون
من أرض الرباط.
- ونراها بأعيننا فيما تنقل بعضه وسائل الإعلام من بطولات شعب جدير بأن
يُحترم، وجدير بأن يُعان ويُكرم، وجدير بأن ينتظر منه الخير ويثمر فيه المعروف.
- ونراها في بدايات تحول (الانتفاضة) الشعبية إلى سلوك الجندية المتطورة
بإذن الله إلى جهاد شرعي حقيقي موعود بنصر الله، [وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ
إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] (الحج: 40) .
- ونراها في تحقق أمل طالما طالب به المطالبون وتظاهر لأجله المتظاهرون
وهو: فتح الحدود للمجاهدين ... فبشرانا اليوم أن فتح الله للمجاهدين حدود
فلسطين من الداخل، فقد كنا نتمنى إمدادهم بالمجاهدين من الخارج؛ فإذا بهم
يتحولون أسوداً في الداخل، فجهادهم اليوم قائم وعددهم في تزايد، وسلاحهم في
تطور، وبذلهم وتضحياتهم في انتظار من يريد أن يشاركهم أجر الجهاد والرباط.
- ونرى تباشير الأمل في إثخان المجاهدين في أعداء الله على مسمع ومرأى
من العالم، حتى ساؤوا وجوههم وأشاهوا سحنهم على وجه لم يسبق في تاريخ
الحروب العربية الإسرائيلية، التي كان اليهود فيها يقاتلون وهم يرقصون
ويضحكون، وهم يدمرون الطائرات في المطارات قبل أن تطير، ويقتلون
المقاتلين في التحصينات قبل أن يخرجوا.
- ونرى هذه التباشير في أول حالة رعب عام تدب في صفوف الشعب
المحتار بين طوارئ أمريكا وعمليات (إسرائيل) ، فيذهب نحو 800.000 ألف
يهودي منهم بتقديم طلبات هجرة إلى أمريكا فترفض طلباتهم! !
- ونراها: في إفلاس كل الطروحات غير الإسلامية في معالجة القضية، بما
يفسح المجال لمستقبل قوي للعمل الإسلامي في الأرض المقدسة وغيرها، لا
يستطيع المزايدون أن يزايدوا عليه بالشعارات الكاذبة والوعود الزائفة.
- ونراها في تزايد معرفة الناس بعامة، والملتزمين منهم بخاصة بجوانب
كثيرة كانت مجهولة إلى وقت قريب مما يتعلق بالقضية المركزية الأولى، وهذا
يرشح إلى مزيد من التفاعل، ومزيد من التخصص في جوانب من أداء الواجبات
المتعلقة بها.
- بل إني أرى من وراء شرور شارون خيراً مقبلاً، يتمثل في بواكير
تأسيس (الجبهة الشرقية) التي أخبر عنها نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم
عندما قال: «تقاتلون اليهود أنتم شرقي النهر وهم غربيه» ؛ فَدَفْعُ الإسرائيليين
للفلسطينيين المستمر منذ حرب النكبة ثم حرب النكسة من الضفة الغربية إلى الضفة
الشرقية، قد أنشأ أجيالاً وسينشئ أخرى تعيش على أمل الدخول المظفر باتجاه
الغرب، بعد أن يلحق بهم في المستقبل القريب بإذن الله أبدال الشام، وعصائب
العراق، ونجباء اليمن، وأبطال الجزيرة ومصر وإفريقيا وآسيا.
هل نحن نحلم؟ ! لا والله! فقد وُعدنا بالغلبة على اليهود وأعوان اليهود،
ولكنا كُلِّفنا قبل الوعد بموجبات الوعد: [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن
كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ] (النور: 55) .
وليكونن من ذلك ما شاء الله أن يكون، ولتعلمن نبأه بعد حين.