مجله البيان (صفحة 4205)

الورقة الأخيرة

تيار النسوية في الفكر الغربي

د. رقية طه جابر العلواني

برز التيار النسوي تاريخياً في المجتمع الليبرالي الرأسمالي على أنه حركة

لتحرير المرأة في القرن التاسع عشر باعتباره من ردة الفعل لأوضاع المرأة

المتردية أثناء الثورة الصناعية وما تلاها. وعلى الرغم من تعاقب المحاولات

لتغيير وضع المرأة في المجتمع الغربي إلا أنها لم تكلل بالنجاح إلى القرن العشرين؛

حيث تبلورت مطالب ذلك التيار بشكل أكثر تحديداً من خلال إنشاء بعض

الجمعيات هناك. وفي عام 1966م تم إنشاء الجمعية الوطنية للمرأة في الولايات

المتحدة The National Organization for Womenللمطالبة بحقوق

المساواة للمرأة.

وقد اتسم هذا التيار منذ بداية نشأته باتهام الدين بتكريسه لفكرة الأبوية، كما

قام بدور مضاد للكنيسة ورجالاتها على اعتبار أن الكنيسة كانت وراء تردي أوضاع

المرأة وتخلفها عبر التاريخ الأوروبي. فقد تفجرت العديد من الممارسات الممقوتة

تجاه المرأة الغربية بناءً على قواعد راسخة في الذهنية الغربية وطدت دعائمها

جذور الأساطير اليونانية والتقاليد الرومانية من جهة، وما جاء فيما يسمى على

لسان بولص من جهة أخرى. وتضايفت تلك العوامل لتشكل في الذهنية الغربية

تصوراً سلبياً عن المرأة ودورها في الحياة والمجتمع.

كما استعرت نيران تلك التصورات السلبية بشكل ممارسات اتسمت بالوحشية

والعنف تجاه المرأة. وتعد حملات القمع التي وقعت في نهاية القرن الخامس عشر

حلقة في سلسلة الاضطهادات التي تعرضت لها المرأة في المجتمع الأوروبي،

واستمرت تلك الحملات إلى عام 1680م تحت دعوى محاربة الساحرات

والمتشيطنات التي راح ضحيتها من النساء بقدر ما راح في حروب أوروبا قاطبة

حتى عام 1914م [1] .

وسرت رياح التيار النسوي إلى عدد من بلدان العالم خاصة تلك التي وقعت

تحت الاحتلال الغربي في منتصف القرن التاسع عشر وما بعده، وقد لاقت تلك

الدعوى دعماً واسع النطاق من قبل منظمة الأمم المتحدة التي أعلنت في عام 1945 م

أول وثيقة عالمية معاصرة تبنت فيها حقوق المساواة بين المرأة والرجل.

ولم تفرق تلك الحركات الناشئة في مختلف بلدان العالم بين البيئة التي تمخض

عنها التيار النسوي في الغرب وما واجهته المرأة في الغرب من ممارسات عنيفة،

وبين موقع المرأة وظروفها المغايرة في مجتمعاتهم المحتضنة لتلك التيارات.

فقد قام أصحاب هذا الاتجاه ببناء تصورات حول المجتمع الغربي تعبر عن

الحرية الظاهرية التي تتمتع بها النساء هناك. إلا أنهم في الواقع لم يدركوا حجم

الانتهاكات التي تعاني منها النساء في أوروبا كما لم يدركوا جسامة تورط النساء

هناك [2] . كما أغفلوا الخلفية التاريخية التي نشأت في أعقابها تلك الحركات

والتيارات التي جاءت تعبيراً صارخاً عن معاناة المرأة ووضعها الاجتماعي هناك.

لقد جاء التيار النسوي في الغرب ثورة على تعاليم دينية محرفة وأقوال وسلوكيات

بشرية تحكم فيها الجهل والأثرة. وعلى هذا قامت بمحاولات عديدة للانفكاك من

مختلف الموروثات الدينية والاجتماعية المتراكمة؛ مما أدى في النهاية إلى اتساع

البون والشقة بين الحركات النسوية في الغرب من جهة، وبين الدين والكنيسة من

جهة أخرى.

إن إغفال الوعي بالخلفية التاريخية والظروف الاجتماعية التي قارنت ظهور

التيار النسوي في المجتمع الغربي يمكن أن تسوق إلى الوقوع في مزيد من عمليات

تقمص الآخر والسير على طريقه دون إدراك كاف لما يمكن أن ينجم عن ذلك من

مغالطات وثغرات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015