ملفات
العولمة.. مقاومة وتفاعل
هيثم بن جواد الحداد [*]
Haithaml123@hotmail.com
لا أظن أن القارئ لهذا العنوان سيجد جاذبية تشده إلى قراءة موضوع عن
العولمة اللغوية، في الوقت الذي تقع عيناه على موضوعات متعلقة بالعولمة تبدو
لأول وهلة أنها هي أهم مجالاتها، وأشدها خطورة؛ فموضوع مثل العولمة
السياسية، أو العولمة الاقتصادية يستحوذ على اهتمام القارئ الذي يرى ويسمع
صباح مساء كيف تصوغ السياسة مستقبل الشعوب، وكيف تتحكم السياسة في
الاستقرار الدولي الذي يتأثر به الفرد قبل المجتمع؟
وهذا أمر طبيعي في ظل الظروف الراهنة، ولا سيما في ظل السُّعار
السياسي الذي أنشب أنيابه في أكثر طبقات المجتمع نتيجة لسرعة المتغيرات الدولية،
ولضخامة نتائجها وتأثيراتها، كل ذلك في مقابل التجهيل سواء كان مقصوداً أو
غير مقصود الذي يمارس ضد المجتمعات والأفراد فيما يتعلق بالجذور الحقيقية
لكثير من أسباب الصراعات الحضارية، أو الإقليمية بين الأمم.
لقد غفل الكثير أو تغافل، أن العقائد بمدلولها الواسع هي الرحى الذي تدور
حوله تحركات الأفراد والمجتمعات، وهذه العقائد تتأثر وتؤثر في نفس الوقت بعدة
عوامل مرتبطة بالطبيعة البشرية مثل اللغة.
فاللغة باختصار: وسيلة اتصال البشر بعضهم ببعض [1] وهي ذات علاقة
ثنائية الاتجاه بما يعتقده الإنسان؛ ولهذا فلا يسع أي دارس لظاهرة عالمية بصرف
النظر عن منحاها أن يهمل دراسة تأثير اللغة في هذه الظاهرة؛ فما بالك إذا كانت
هذه الظاهرة متعددة الجوانب، مترامية التأثير والتأثر كظاهرة العولمة؟ !
لقد كتب الكثير عن العولمة، وكأي موضوع يستجد في ساحة الفكر العالمي تبدأ
الدراسات المتعلقة به، صغيرة بصغره، لكنها تنمو وتتسع دائرتها، حتى تنتقل
إلى مرحلة تفتيت الموضوع قيد البحث، إلى موضوعات فرعية أكثر دقة؛
فالعولمة كانت محوراً واحداً تتناوله الدراسات المختلفة، ثم مع تطور تلك الدراسات،
وازدياد خبرة الفكر اتسعت دائرة مجالاتها التي وضعت قيد البحث، فظهرت
دراسات عن العولمة الاقتصادية، ثم عن العولمة السياسية، وكذلك العولمة الثقافية،
وكذلك تناولت بعض الدراسات أنماطاً أخرى من العولمة مثل العولمة الإعلامية،
والعولمة الاجتماعية، إلا أنني لم أقف على دراسة سواء كانت مستقلة أو غير
مستقلة تتناول عولمة اللغة [2] ، على الرغم مما سبق ذكره عنها.
مدخل في أهمية اللغة:
أهمية اللغة موضوع طويل بحاجة إلى دراسات مستقلة، والأبحاث فيه ليست
بالقليلة؛ ولهذا سأقتصر في هذا المدخل على جوانب أهمية اللغة التي لها اتصال
مباشر بالعولمة اللغوية باختصار شديد.
اللغة وعاء الثقافة:
اللغة وعاء الثقافة، والثقافة أساس الحضارة، والحضارة ترجمة للهوية؛
ومن هنا كانت اللغة من أهم الأركان التي تعتمد عليها الحضارات، ومن أهم
العوامل التي تساهم في تشكيل هوية الأمة، وكلما كانت اللغة أكثر اتصالاً بثقافة
الشعوب كانت أقدر على تشكيل هوية الأمة وحملها.
وبهذا ندرك السر في نهي الشريعة الإسلامية عن استعمال لغة الغير
(الرطانة) دونما حاجة [3] ، في الوقت نفسه الذي نجد فيه بعض الفقهاء أوجب تعلم
اللغة العربية [4] .
والشعور بهذا الخطر الذي تمثله اللغة الوافدة لم يكن وليد ظروف معينة حملت
الفقهاء على هذا الرأي، لكنه حقيقة مرتبطة بطبيعة النفس البشرية التي تميل إلى
المشابه والمماثل، والتي تقترب من الكائن الآخر إذا أمكن التواصل معه، وتبادل
مكنونات النفس معه.
ولهذا فلا نعجب مثلاً حينما نرى أن بعض المفكرين اللغويين في بعض البلاد
التي تعتبر نفسها أمة عريقة، يرون أن الغزو اللغوي الإنجليزي لا يقل خطورة عن
الغزو العسكري.
إن الاعتزاز باللغة ليس وليداً لاعتزاز بذات اللغة بقدر ما هو اعتزاز بالثقافة
التي تمثلها هذه اللغة، ونحن نقرأ في العصر الحديث مثلاً أن من أكبر العوائق التي
وقفت في وجه اتفاقات السلام في مقدونيا الاعتراف باللغة الألبانية لغة ثانية في
البلاد؛ فلماذا كل هذا الاختلاف والصراع حول مجرد لغة؟
ثم ما صراع الأمازيغ في المغرب العربي، وخصوصاً في الجزائر، الذي
يسقط فيه الضحايا، إلا من أنواع الصراع من أجل إثبات الهوية، لا مجرد اللغة؛
فاللغة الأمازيغية لغة محدودة الانتشار، ضحلة الأدب والفنون، قليلة الفائدة، ولو
أن أهلها نظروا بعين إنصاف لكانت لغة القرآن، ولغة قومهم المسلمين، ولغة
دولهم، خيراً لهم من هذه اللغة التي تحاصرهم في أضيق الخنادق الحضارية.
اللغة من مقومات الوحدة:
بها تنهض الأمم، ويعلو شأنها، وتتحقق وحدتها، وفي غيابها تتفكك الشعوب
وتضمحل الروابط وتتداعي، وينحسر الانتماء.
إن الدول التي يتحدث أهلها بلغة واحدة تكون أكثر تماسكاً وانسجاماً من الدول
التي تتحدث بعدة لغات، بل إن وحدة اللغة من أهم عوامل الاستقرار السياسي
والاقتصادي، وهذا واضح في الدول الأفريقية إذا ما قورنت بدول أوروبا وأمريكا.
لقد اعتبر جمال الدين الأفغاني إخفاق الدولة العثمانية في عدم استخدام اللغة
العربية لغة رسمية لجميع البلاد الإسلامية الواقعة تحت حكمها من أهم العوامل التي
ساعدت على قيام النعرات القومية بين العرب والترك، والتي كان لها أكبر الأثر
في سقوط الدولة العثمانية على المدى الطويل [5] .
ومن أجل هذا فليس من المستغرب أن يؤكد بعض الباحثين أن البلاد المجزأة
لغوياً بشكل كبير بلاد فقيرة دائماً [6] .
ويذهب بعض الباحثين إلى «أن التعدد اللغوي بين دول المجموعة الأوروبية
يعد عقبة أساسية تحول دون انصهارها في كيان موحد» [7] .
وتأسيساً على ما سبق ندرك خطورة دخول لغة أجنبية على قوم ما، هذه
الخطورة متمثلة بمجرد مزاحمتها للغة القوم، بصرف النظر عن كونها أقوى أو
أضعف؛ فما بالك إذا كانت اللغة الوافدة تملك من المقومات ولو خارجية أكثر مما
تملك اللغة المحلية! كأن تكون اللغة الوافدة لغة الغالب، أو اللغة التي تمنح متحدثها
ميزات اجتماعية، أو مالية، أو نحو ذلك.
وبكل حال؛ فإن ذلك يقود في الغالب إلى احتواء الثقافة المحلية بصورة
تدريجية مما يجنبها مواجهة أي مقاومة، ومن ثم ستكون لها آثار مدمرة على المدى
البعيد.
إذا علم هذا أدرك الإنسان تلك الحكمة الإلهية المتناهية حينما جعل كتاب هذه
الأمة المقدس الذي يمثل دستور حياتها، كتاباً محفوظ الألفاظ والحروف، وأن
تطالب الأمة بتعلمه وتلاوته كما هو بلسانه الذي أنزله الله به، وما أعظمه من حكيم
الذي لم يقصر ارتباط هذه الأمة بهذا الكتاب على التشريع، بل شرع معه التعبد
بتلاوة نفس اللفظ بحروفه، وزاد على ذلك بأن جعل هذا الكتاب كلامه، صدر منه
جل وعلا بصوت وحرف، مما يشعر المسلم معه بارتباط عاطفي روحي بمجرد
لفظ هذا الكتاب، زيادة على ارتباطه التشريعي به.
وبهذه المناسبة، وإن كنا نستبق بعض فقرات هذا البحث؛ فإننا نقول: إن
الأمة المسلمة تملك من مقومات الوحدة اللغوية، ومن ثَمَّ الوحدة الحضارية ما لا
تملكه أمة من الأمم؛ فوحدتها اللغوية ليست نابعة من مصلحة أرضية مؤقتة، لكنها
تنبع من عقيدة سماوية طاهرة.
ما هو المقصود بالعولمة اللغوية؟
ماذا نقصد بالعولمة اللغوية، أو هل هناك عولمة لغوية؟ إذا نظرنا إلى
مدلول العولمة الذي يعني جعل ما هو محلي عالمياً، أو الانتقال من المحلية
الإقليمية إلى العالمية؛ فهل هناك لغة انتقلت من المحلية إلى العالمية، فتجاوزت
نطاقاً جغرافياً محصورة ببلد أو بلدان، لتصبح لغة عالمية يتحدث بها العالم كله
على اختلاف لغاته الأصلية؟ لا شك أن الجواب الواضح هو الإيجاب، ولا شك
كذلك أن تلك اللغة الوحيدة التي يصدق عليها ذلك الوصف هي اللغة الإنجليزية.
وفي العقد الأخير يمكن القول إن سيطرة اللغة الإنجليزية وانتشارها العالمي الذي
تضاعف مع الهيمنة الاقتصادية والإعلامية الأمريكية، ثم بسبب تزايد استخدام
شبكة الإنترنت أدى إلى اتساع نطاق استخدام كلمات وعبارات إنجليزية تعبر عن
الثقافة الأميركية والقيم الاستهلاكية التي قد لا تتناسب مع قيم بعض الأمم التي تعتبر
نفسها عريقة، مثل الألمان، والصينيين، والفرنسيين، دون العرب وللأسف.
مظاهر عولمة اللغة الإنجليزية:
أول مظاهر عولمة ظاهرة من الظواهر أن تنتقل هذه الظاهرة من المحلية إلى
العالمية، وهذا تماماً ما يحدث للغة الإنجليزية، أو لنقل ما يقوم به البشر نحو اللغة
الإنجليزية.
لا أخفي على القارئ الكريم أني وقفت حائراً أثناء كتابة هذه المبحث؛ فقد
وقفت على بعض الإحصائيات التي تفيد اتساع نطاق استخدام اللغة الإنجليزية،
سواء كانت لغة أولى، أو لغة ثانية، ثم إذا بي أجد إحصاءات أخرى تدل في أقل
الأحوال على انحسار ضئيل في اتساع هذه اللغة، ويبدو أن من أهم أسباب هذا
التناقض باختصار شديد أن كثيراً من الدول النامية لا تملك إحصاءات دقيقة عن
انتشار هذه اللغة أو لغات أخرى في بلادهم، بالإضافة إلى تباين المعايير في الحد
الذي يعتبر الشخص به متحدثاً بلغة ما؛ فما هو حجم المفردات التي يتوجب على
الإنسان حفظها؟ وما هي كمية التراكيب التي عليه أن يتقنها حتى يقال إنه يتحدث
أو يتقن لغة أجنبية؟ وكيف ينظر إلى من يحسن القراءة دون الكتابة، أو العكس؟
ومن الغريب أن أحد أسباب تناقص نسبة المتحدثين باللغة الإنجليزية في العالم هو
التناقص الحاد في أعداد المواليد الذي تشهده البلاد المتحدثة بالإنجليزية، وهو ما
يؤدي إلى نقص عدد سكانها، في مقابل ازدياد عدد سكان البلاد الأخرى، ولا سيما
دول العالم الثالث [8] .
بالإضافة إلى ما ذكر فإن عدد المتحدثين بلغة ما لا يمثل حقيقة انتشار هذه
اللغة أو عولمتها؛ فإن أكثر الإحصائيات، إن لم يكن كلها، تشير إلا أن أكثر لغة
في العالم تحدثاً هي اللغة الصينية، والكل يعلم أن سبب ذلك ليس انتشار أو عولمة
اللغة الصينية بقدر ما يعود لعدد سكان الصين الهائل، وهذا مما يزهد الباحث نوعاً
ما في هذه الإحصاءات، إذا ما زاحمها في إثبات ذلك الافتراض شواهد وحقائق
أخرى أقوى في الدلالة.
وبكل حال يكاد يجمع من كتب في حاضر اللغات أن اللغة الإنجليزية هي
اللغة العالمية بصرف النظر عن عدد المتحدثين بها وتوزيعهم الجغرافي؛ حتى إن
كثيراً من الكتابات نظرت إلى اللغة الإنجليزية باعتبارها اللغة المعيارية
العالمية [9] .
وهنا نكتفي ببعض هذه الشواهد والظواهر التي تدلنا على مدى امتداد هذه
الظاهرة الأفقي:
1 - شعور كثير من الأمم بهذا الخطر الداهم الذي يمثله هذا التغلغل
والانتشار للغة الإنجليزية، لا سيما تلك الدول التي تعتز بحضارتها، وتنظر بريبة
لانتشار الثقافة الأمريكية، ولم تستسلم بسهولة للهيمنة الأمريكية على معظم جوانب
الحياة، في معظم البلدان، فهذه فرنسا مثلاً وهي صديق لدود لأمريكا، يدعو
رئيسها جاك شيراك إلى إقامة «تحالف» بين الدول التي تعتمد لغات من أصل
لاتيني للتصدي بشكل أفضل لهيمنة اللغة الإنجليزية، وذلك لدى افتتاحه منتدى
حول موضوع «تحديات العولمة» .
وقال الرئيس الفرنسي لدى افتتاحه منتدى في جامعة السوربون جمع بين
الناطقين بالفرنسية والإسبانية والبرتغالية إنه «في مواجهة قوة نظام مهيمن يحق
للآخرين حشد القوى لإرساء المساواة في الفرص وسماع أصواتهم» .
ودعا شيراك الناطقين بالإيطالية من الاتحاد اللاتيني إلى الانضمام إلى منظمة
الفرنكفونية ومجموعة الدول الناطقة بالبرتغالية والمنظمتين الناطقتين بالإسبانية
للدول الأمريكية الأيبيرية والقمة الأيبيرية الأمريكية.
وأضاف أنه «من خلال منظماتنا الخمس تصبح هناك 79 دولة وحكومة من
كل القارات تمثل 2. 1 مليار رجل وامرأة يريدون الإبقاء على لغاتهم» .
ودعا شيراك إلى القيام بتحرك في الأمم المتحدة بالاتفاق بين المنظمات الخمس
لإقامة «مشاريع مشتركة» .
ودافع شيراك عن مبدأ «تعددية اللغات في المجتمع الدولي» ودعا شركاءه
إلى «الاستثمار بقوة في شبكات المعلوماتية» مقترحاً إنشاء موقع للثقافات اللاتينية
على الإنترنت.
وأعرب أخيراً عن أمله في أن تعترف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم
والثقافة (يونسكو) رسمياً بـ «حق التعددية الثقافية» من خلال إصدار «إعلان
عالمي يكون بمثابة ميثاق تأسيسي» [10] .
وهكذا نجد أمة أخرى مثل الصين ينتابها القلق من هذا الانتشار الواسع أو
العولمة للغة الإنجليزية في بلادهم من خلال الأفلام الأمريكية التي يحرص الشباب
على متابعتها ثم التأثر بها، مما دفع الحكومة الصينية إلى إصدار أول قانون للغة
من أجل الوقوف أمام الخطر الذي يتهدد اللغة الصينية، ويلزم القانون الذي بدأ
العمل به اعتباراً من مطلع شهر يناير 2001م وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة
بضرورة الالتزام بالأسس المتعارف عليها في اللغة الصينية المعتمدة على الكتابة
المبسطة في الصين الأم بعيداً عن الكتابة المعقدة المتبعة في المستعمرة البريطانية
السابقة هونغ كونغ [11] .
أما الألمان وهم من أكثر الناس اعتزازاً بلغتهم، فقد كان لهم نصيب من هذا
القلق المتزايد؛ حيث اتسع في ألمانيا نطاق المناداة بسن قوانين لحماية اللغة
الألمانية من تأثير اللغات الأخرى وعلى رأسها اللغة الإنجليزية التي يعتقد اللغويون
الألمان أن مصطلحاتها بدأت تشكل خطورة على سلامة لغتهم. ويرغبون أن تحذو
ألمانيا حذو فرنسا في هذا المجال.
فالألمان الذين هدموا قبل عقد مضى جدار برلين الشهير، في ثورة سلمية
أعادت الوحدة إلى شطري بلدهم يحاولون الآن بناء جدار حديدي من نوع آخر
للحفاظ على هويتهم الثقافية واللغوية من طغيان الغزو الثقافي واللغوي القادم من
الولايات المتحدة وبريطانيا متخفياً برداء اللغة الإنجليزية، والمصطلحات التي
تقض مضجع اللغويين الألمان.
ويطالب هؤلاء بأن تحذو بلادهم حذو فرنسا بسن تشريعات تمنع استخدام
المصطلحات الأجنبية في الإعلانات والرسائل الإعلامية.
ويعترف وزير الثقافة الألماني بوجود المشكلة لكنه يرفض فكرة سن قوانين قد
تؤدي إلى استحداث شرطة للغة؛ لأن هذا سيكون فيه نوع من القسوة غير المسوغة.
ويتفق مع رأي الوزير عدد من اللغويين الألمان غير أنهم يؤكدون ضرورة
اتخاذ إجراء ما لحماية اللغة التي يعتبرونها أغلى ما تملكه أي أمة للحفاظ على
وجودها [12] .
2 - ومن مظاهر وربما أسباب عولمة اللغة الإنجليزية، أنها أصبحت لغة
الإنترنت بلا منازع؛ فقد أظهرت دراسة أجرتها إحدى المؤسسات الألمانية أن 77
% من صفحات الإنترنت باللغة الإنجليزية بينما لا تتمتع باقي لغات العالم مجتمعة
إلا بـ 23% من صفحات الإنترنت، وقد جاءت هذه الدراسة بعد فحص أكثر من
مليار صفحة إلكترونية على الشبكة.
وجاءت اللغة اليابانية في المركز الثاني، تليها اللغه الألمانية.
الجدير بالذكر أن نسبة الأمريكيين المستخدمين للشبكة تتضاءل باستمرار، إلا
أنهم يمثلون حالياً قرابة نصف مرتادي الإنترنت حول العالم بعد أن كان نصيبهم
ثلاثة أرباع مستخدميه قبل خمسة أعوام، [13] والظاهر أن ذلك يعود لازدياد عدد
مستخدمي الإنترنت في العالم أكثر من كون السبب تناقص العدد الفعلي لمستخدمي
الإنترنت في أمريكا.
3 - من مظاهر العولمة اللغوية الإنجليزية أن اللغة الإنجليزية أصبحت اللغة
الثانية في أغلب بلاد العالم لا سيما العربية بدرجة أولى، ثم البلاد الإسلامية بدرجة
ثانية، يتلوها بذلك اللغة الفرنسية [14] ، وبعيداً كذلك عن الإحصاءات الدقيقة التي
تقف خلف هذه الحقيقة؛ فإن نظرة سريعة لمناهج التعليم في العالم العربي ثم
الإسلامي تجد مصداق ذلك؛ حيث ينقسم العالم الإسلامي إلى معسكرين: أحدهما
وهو الأغلب يدرس الإنجليزية لغة ثانية لأبنائه، كما هو الحال في دول الخليج
ومصر، والسودان، والباكستان، وبعض دول جنوب شرق آسيا، وأما الثاني
فيدرس اللغة الفرنسية كدول المغرب العربي، وبلاد الشام.
ويميل المرء نوعاً ما إلى صدق جانب من الإحصاء الوارد في كتاب مستقبل
اللغة الإنجليزية الذي قام به المجلس البريطاني عام 1995م والذي يقول إن خمس
سكان العالم يتكلمون الإنجليزية بدرجة ما، وأن الحاجة من الباقين لتعلمها في
ازدياد مستمر، وبحلول عام 2000م سيكون هناك بليون شخص يتعلمون
الإنجليزية، وستصبح اللغة الإنجليزية هي اللغة الرئيسة لكثير من القطاعات التقنية
وغيرها [15] .
4 - ومن مظاهر العولمة اللغوية عموماً بصرف النظر عن عولمة اللغة
الإنجليزية انحسار نطاق بعض اللغات، أو حتى اندراسها بالكلية؛ فقد أفادت
دراسة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أن نصف اللغات المحلية في العالم في طريقها
إلى الزوال مما يهدد الثقافات والبيئة في آن واحد.
واعتبرت الدراسة التي أعدها فريق من خبراء برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن
«أسرار الطبيعة التي تتضمنها الأغاني والقصص والفن والصناعات الحرفية لدى
الشعوب الأصلية قد تختفي إلى الأبد بسبب ظاهرة العولمة المتصاعدة في جميع
المجالات» .
وقال الخبراء إن 234 لغة أصلية معاصرة اختفت كلياً، محذرين من أن
90 % من اللغات المحلية في العالم سوف تختفي في القرن الحادي والعشرين.
وحذر المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة كلاوس تويبفر من أن
تحرير الأسواق في العالم الذي هو مفتاح التنمية الاقتصادية في الدول الغنية
والفقيرة قد يتم على حساب آلاف الثقافات والتقاليد المحلية.
وأشار برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن حوالي 32% من اللغات المحلية في
العالم توجد في آسيا و30% في أفريقيا، و 19% في منطقة المحيط الهادي،
و15 % في القارة الأميركية، و3% في أوروبا.
وتأتي غينيا الجديدة على رأس الدول التي تنتشر فيها اللغات المحلية؛ إذ
توجد فيها (847) لغة، وتليها إندونيسيا بنحو (655) لغة، ثم نيجيريا
(376) ، والهند (309) ، وأستراليا (261) ، ثم المكسيك (230) ،
والكاميرون (201) ، والبرازيل (185) ، والكونغو الديمقراطية (158)
والفلبين (153) [16] .
وقد نشرت هذه الدراسة في مؤتمر عقده برنامج حول البيئة في نيروبي في
الخامس من فبراير/ شباط 2001م، وأعلنت الأمم المتحدة أن حوالي سبعين وزيراً
للبيئة من القارات الخمس شاركوا في هذا المؤتمر الذي تبنى في يوم انعقاده الرابع
خطة للدفاع عن الثقافات واللغات المحلية التي تمثل إحدى الأولويات لحماية البيئة.
4 - ويحلو لي أن أذكر ملاحظة غريبة طريفة تدل على قوة هذا النوع من
العولمة ونفوذه، وسريانه حتى إنه فرض نفسه دون أن يشعر به المتظاهرون
أنفسهم ضد العولمة في دافوس، ونيس، وساو بالو، فضلاً عن عموم الناس،
ألا وهي التي ذكرها (أليكسي باير) في مقال له في صحيفة «The
Globalist» حيث قال: «إن اللغة الإنجليزية كانت لغة اللوحات التي استخدمها
المتظاهرون المعارضون للعولمة في التعبير عن معارضتهم للعولمة، وما ذلك إلا
دليل على عولمة هذه اللغة دون أن يشعر بذلك أحد» [17] .
كيف نقاوم هذه العولمة اللغوية؟
قبل البدء في طرح بعض الحلول العملية لمقاومة هذا الاجتياح العولمي
اللغوي الإنجليزي ولا سيما لبلادنا الإسلامية، أود أن أثير نخوة الحمية فيه لا
لقومية مذمومة، ولكن للغة القرآن الكريم، ووعاء الإسلام، حينما أقول له: ألا
تعجب أخي القارئ حينما تعلم أن العرب خصوصاً والمسلمين عموماً هم أوهى من
يتمسك بلغته؟ ! ولا يتوقف العجب عند ذلك، إذا ما علم وهو معلوم ولا شك أن
أقواماً من أهل العربية الذين يدينون بهذا الدين يزوِّقون كل يوم مسوغات جديدة
لنشر اللغة الإنجليزية في بلادهم العربية والإسلامية.
وإن العجب لا ينقضي حينما نرى الغربيين على وجه الخصوص الذين كانوا
وما زالوا يطالبوننا بفتح الأبواب للغاتهم سواء إنجليزية أو فرنسية، والتخلي عن
لغتنا هم أشد الناس تمسكاً بلغاتهم.
لعلك أخي القارئ سافرت أو قابلت من سافر إلى بعض بلاد الغرب، مثل
فرنسا أو ألمانيا؛ فهل تجد للغة الإنجليزية ذلك الحضور الذي تجده لها في بلادنا
العربية والإسلامية؟ هل تجد أسماء المحلات كتبت بالإنجليزية؟ هل تجد لوحات
الإرشادات أو التوجيهات الصوتية في المطارات أو في غيرها بخلاف الأوراق
الرسمية للاتحاد الأوروبي كتبت بالإنجليزية؟
ثم ألم تسمع أن الألمان يشعرون بالانزعاج المقرف لمن يحدثهم بغير لغتهم،
وأنهم يرفضون الإجابة عنه حتى وإن كانوا يحسنون الحديث بها، وأن الفرنسيين
يشمئزون ممن يتحدث بالإنجليزية مع أن أم الإنجليزية لا تبعد عنهم سوى رمية
حجر؟ !
ألا تصيبك أخي القارئ الدهشة حينما ترى الفرنسيين وهم أقرب الدول إلى
الإنجليز وقد حافظوا على لغتهم، بل وساهموا في نشرها وامتدادها خارج حدودهم
الجغرافية؟ !
لو كانت فرنسا دولة عربية أو إسلامية فهل تظن أن الحال سيكون كذلك؟ !
إذن لماذا العربية هي المستباحة الحمى؟ أم كما قال العقاد عنها: «لقد تعرضت
وحدها من بين لغات العالم لكل ما ينصبُّ عليها من معاول الهدم ويحيط بها من
دسائس الراصدين لها؛ لأنها قوام فكرة وثقافة وعلاقة تاريخية» .
إن هذه المقدمة، هي مقدمة الجيش الذي سنخوض به هذه المعركة الشرسة التي
تواجهها لغتنا العربية في ظل هذه العولمة الشرسة البشعة.
إن اعتزاز الإنسان بقيمه ومبادئه هو أول الطريق إلى انتصاره ولو طال الأمد،
فلا يمكن لنا مقاومة هذا الزحف اللغوي العولمي بجيوشه الجرارة بجنود ملأ
نفوسها الخور، وهد قواها نظرية «إعجاب المغلوب بالغالب» .
وعليه فلا بد من حملة ضارية يحملها العلماء وقادة الفكر أولاً لإعادة ثقة هذه
الأمة بلغتها، واستنهاض هممهم للذود عنها من خلال الخطوات الآتية، وهي:
1 - نشر اللغة العربية في أكبر رقعة جغرافية ممكنة، وهذا الأمر تؤيده
وتسهل القيام به مسوغات شرعية، ومسوغات واقعية، ولا شك أن نتائجه ملموسة
وسريعة.
وللقيام بهذه المهمة لا بد من سلوك قنوات عدة أذكر منها على سبيل المثال ما
يلي:
أ- نشر اللغة بين الأقليات غير العربية التي تعيش في بلاد عربية، مثل بلاد
المغرب العربي، ولو يدرك المسؤولون في تلك البلاد فوائد هذا الأمر حتى من
ناحية سياسية لاستقرار البلاد لسارعوا إليه.
ب - نشر اللغة العربية في البلاد الإسلامية الناطقة بغير العربية، وهي
كثيرة وتمثل ثقلاً سكانياً مثل إندونيسيا، والباكستان، وبنغلاديش، وقد بدأت بذكر
هذه البلاد؛ لأن مسلمي تلك البلاد لهم عاطفة جياشة تجاه الإسلام، وتجاه تعلم اللغة
العربية، ولا تهمل هذه الخطوة أيضاً مع البلاد التي تبدي تعاطفاً أقل مثل تركياً.
ج- ويتلو هذه البلاد في الأولوية البلاد الغربية، سواء قلنا نشر اللغة العربية
بين الجاليات المسلمة التي تعيش فيها، أو حتى بين الغربيين أنفسهم، ويوجد في
بلاد الغرب متحمسون كثيرون للتعرف على الثقافة العربية، والدين الإسلامي،
وهذا قد يكون مفتاحاً لتفهم مزايا هذه اللغة، أو مفتاحاً لتعلم الإسلام.
2 - نشر اللغة العربية الفصيحة بين المتحدثين بالعامية في جميع الأقطار
العربية؛ وتخيل يا أخي القارئ لو أن العالم العربي كله من الخليج إلى المحيط،
يتحدثون العربية الفصحى أو ما يقاربها، ألا ترى أن ذلك يكون أقوى على إزالة
الحواجز القبلية والعرقية واللغوية بين المسلمين في العالم الإسلامي، ومن ثم يمهد
الأرض للعمل من أجل الوحدة الإسلامية؟
وحتى يكون هذا الهدف واقعياً، فلنقل: لنقتربْ من الفصحى بقدر الإمكان،
ويمكن تحقيق نتائج إيجابية بنسبة مقبولة وبسرعة إذا تمت معالجة بعض الظواهر
المرضية التي تشكل مناخاً ملائماً لفُشُوِّ العامية في البلاد العربية، مثل:
أ- استخدام العامية لغة للإعلام المرئي والمقروء؛ وللأسف أن بعض الدول
العربية لم تمانع في أقل الأحوال من استخدام العامية في بعض الصحف والمجلات
المحلية، ناهيك عن استخدام العامية في بعض خطابات مسؤوليها.
ب- انتشار ما أسميه بالفكر الفلكلوري أو التراثي؛ حيث تعمد بعض الجهات
بحسن نية أو بسوئها إلى تبني العامية وجعلها مظهراً من مظاهر الاعتزاز بالتاريخ،
وتعبيراً عن الانتماء الإقليمي أو الوطني، حيث تعمد إلى النبش عن تاريخ
العامية، وأهميتها، وأثرها في تنمية الوعي الوطني، ودورها في المحافظة على
قيم وثقافة ذلك البلد، بالإضافة إلى نشر الكتابات العامية، وتبني الشعر العامي، أو
النبطي كما يسمى في بلاد الجزيرة العربية، وعليه؛ فحتى يمكن نشر العربية
الفصيحة فإنه يتوجب علينا أن نبين للناس مدى خطورة هذا الفكر، ومحاولة
محاصرته في دوائر ضيقة.
ويحسن بي هنا أن أذكر بعض ما يمكن اتخاذه من أجل محاصرة العامية،
وتجاوز ما تقوم به ضد انتشار العربية الفصحى:
أ- بيان خطر العامية على وحدة العالم العربي، ويمكن أن يدلل على ذلك بأن
العامية أصبحت في بعض البلاد، إذا ما قورنت بعامية أخرى، كلغة غير عربية؛
فلو أنك جمعت رجلاً من أقحاح قلب الجزيرة العربية، كالقصيم، ورجلاً من أقحاح
بلاد الشام، كلبنان، وثالثاً من الجزائر لاحتاجوا إلى مترجم يساعدهم في التخاطب
فيما بينهم. ويمكن للقارئ أن يقوم بتجربة يسيرة تبين له صدق هذا الافتراض؛
فلو أخذ بعض العبارات المتداولة في بلاد الجزائر ودفعها لشخص من لبنان، أو
إلى آخر من السعودية، لما استطاعا فهم أكثرها، وهكذا العكس.
جاء في كلمة رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور شوقي ضيف في افتتاح
مؤتمر دورة المجمع السابعة والستين بالقاهرة: «لو تمادت الإذاعات العربية في
البث بالعاميات لانفكت الصلات التي تربط بين شعوب الأمة، وانعزل كل شعب
عربي وعاش وحده، بينما شعوب الغرب في أوروبا المتعددة اللغات تجمع شملها
في تكتلات اقتصادية وسياسية واحدة كالاتحاد الأوروبي» [18] .
ب - بيان خطر العامية على التمسك بالإسلام وفهمه؛ فالذي يستخدم العامية
بدل العربية الفصيحة يكون أبعد من الألفاظ والتراكيب اللغوية الفصيحة، ومن ثَمَّ
يكون أبعد عن فهم القرآن الكريم والسنة النبوية، وشيئاً فشيئاً تبنى الحواجز بين
كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم اللذين هما مصدر هذا الدين، وبين أهل
الإسلام.
3 - الحد من توسع اللغة الإنجليزية ولا سيما في المجالات التي يمكن
الاستغناء عنها ولو بشيء من المشقة. والذي يؤسف له أن بعض البلاد العربية
نشرت التعليم الأجنبي في مراحل التعليم المختلفة بدءاً من التعليم الابتدائي، وهذا
والله لو أدركوا خطره لما فعلوه، بل لحاربوه بكل الوسائل.
يا قومنا! هذه دول العالم التي تحترم نفسها، وتعتز بهويتها لا تدرس هذه
اللغة إلا في أقسام اللغات في المراحل الدراسية العليا الجامعية، وما فرنسا،
وألمانيا، واليابان، وروسيا، والصين منا ببعيد؛ فهل نحن أحرص على التقدم
الحضاري أو العلمي أو التقني منهم؟ وهل أدى نهجهم هذا الذي نهجوه في الحد من
استعمال اللغة الإنجليزية إلى التخلف الذي يتذرع به من يدعون الثقافة ويمسكون
زمام الأمور في بلادنا العربية والإسلامية؟
وبكل حال، لِمَ لا نجعل تعليم اللغة الإنجليزية مرهوناً بالحاجة لاستعمالها؟
فما الفائدة بالله عليكم حينما يتعلم الطالب منذ نعومة أظفاره لغة أخرى لتزاحم لغته
الأم، مع العلم أن حاجته لها في حياته العملية قد تكون محدودة جداً، أو معدومة؟
وليعلم أن كثيراً من الذين تعلموا اللغة الإنجليزية على سبيل المثال كانوا أحرص
على السفر للبلاد الغربية بحجة وبدون حجة؛ وما ذلك إلا لأن معرفتهم بهذه اللغة
شيدت جسوراً من التواصل المعنوي العاطفي معها.
ولا يزعمن زاعم أنه لا يمكن الاستغناء عن اللغة الإنجليزية لعموم الناس؛
فالرد على هذا الزعم يكون أولاً بالنظر إلى أحوال الدول التي ذكرناها، ثم ليعلم أن
الحاجة إلى اللغة الأجنبية تزداد إذا أراد الناس ذلك، وتقل إذا أراد الناس ذلك،
ولعل هذا يذكرني بما قاله بعض فقهائنا من أن الناس يجدُّ لهم من القضايا بقدر ما
أحدثوا من الفجور، ولنضرب لذلك مثالاً استخدام جهاز الحاسب الآلي؛ حيث
أصبح من الحاجيات الأساسية لدى بعض الناس ولا سيما مع شبكة الإنترنت؛ لكن
مطالبة الناس للبرامج العربية شجع منتجي البرامج على تكثيف إنتاج البرامج
العربية، وبذلك قلَّت حاجة عموم الناس لتعلم مصطلحات إنجليزية أكثر، وهكذا في
دائرة تتسارع؛ حتى إن بعض الناس يحسنون استخدام تطبيقات الحاسب الآلي دون
إلمام باللغة الإنجليزية.
وملاحظة أخرى يحسن التنبيه لها وهو التفريق بين تعليم اللغة الانجليزية لمن
يخشى عليه من الذوبان الثقافي العقدي إما لصغر سن، أو ضعف دين، ومن لا
يخشى عليه ذلك، وبنظرة لواقع النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته حينما حث
بعض أصحابه وليس (عموم المسلمين) على تعلم لغة يهود.
4 - مقاومة الاعتقاد السائد لدى قطاعات كثيرة من عامة الناس أن تعلم اللغة
الإنجليزية مفتاح للمستقبل المشرق والوظيفة المرموقة.
5 - تكثيف الترجمة العلمية الصحيحة والراقية، وقد أثبتت التجارب العملية
سواء التي قامت بها دولة مثل سوريا، أو بعض الجامعات العربية أن الترجمة إلى
العربية لها آثار إيجابية واسعة النطاق؛ حيث يزداد التحصيل العلمي لمن يتعلم
بلغته الأم، ناهيك عما تؤدي إليه هذه الترجمة من تحفيز الجهود لأعمال عربية
مماثلة لتلك التي تترجم، بالإضافة إلى أن الترجمة إذا تمت من قبل أناس يجمعون
بين إتقان الترجمة، وإتقان العلم الذي تتناوله المادة المترجمة؛ فإن ذلك سيحملهم
على نقد المادة المترجمة، أو الاستدراك عليها، أو التعليق عليها، وهذا يؤكد
مقدرتهم على «هضم» ما قيل، بل على الزيادة عليه.
6 - على أهل التعليم، لا سيما مدرسي المراحل الابتدائية والمتوسطة،
ومديري الجامعات، والمشايخ في حِلَق المساجد، والموجهين في القنوات الإعلامية،
إتقان اللغة العربية، وجعل هذا الإتقان عدوى إن صح التعبير تنتقل للأجيال التي
تقع بين أيديهم، فيساهمون في إحداث ثورة لغوية تصحيحية.
7 - تكثيف الأنشطة والمسابقات اللغوية؛ ففي القديم كانت مدارسنا تقيم
مسابقات للخطابة والإلقاء، وكذا مطارحات شعرية، ومسابقات للقصة القصيرة،
وغيرها من صنوف الأدب واللغة، ولكنها اضمحلت في السنوات الأخيرة، وليس
هذا والله بفأل حسن.
وختاماً نقول: إن اللغة العربية تملك من المؤهلات ما يحميها ليس من
الاضمحلال فقط، بل ما يجعلها منافسة للغة الإنجليزية، إذا ما وجدت ألسناً تفخر
بالتحدث بها، والدفاع عنها، ونشرها، وتحويل العولمة الإنجليزية إلى عوربة
للعالم الإسلامي في أقل الأحوال؛ فمن يستجيب؟