المسلمون والعالم
د. أحمد بن سالم الحميدان
بعد التفجير الأول في مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993م شنت
وسائل الإعلام الأمريكية حملة مركَّزة لتشويه الإسلام، وإبراز الصورة الدموية
الإرهابية التي ينظرون بها إلى العرب والمسلمين. وكان من أشهر البرامج التي
تؤكد هذا برنامج وثائقي أعده (ستيف إمرسون) العضو السابق في لجنة العلاقات
الخارجية المنبثقة من مجلس الشيوخ الأمريكي. عرض البرنامج باسم: (الجهاد
في أمريكا) ، وبثته شبكة (P. رضي الله عنه. C) الأمريكية عام 1994م، حيث أُظهِر
فيه المسلم إرهابياً متعطشاً لسفك الدماء يغلي قلبه بالحقد على غير المسلمين، وأبرز
الفيلم الولايات المتحدة الأمريكية على أنها أرض يتدرب عليها الإرهابيون المسلمون
وأن شبكة من الأصوليين المتطرفين موجودة بقوة داخل أمريكا [1] . وفي العام
نفسه عرض الفيلم السينمائي: (أكاذيب حقيقية) ، وفيه يقف الممثل الأمريكي
الشهير (أرنولد شوارتز) وهو يقتل بالرصاص عشرات الإرهابيين من المسلمين
العرب الذين يخططون لتفجير قنبلة نووية على سواحل فلوريدا..!
وتوالت الأفلام والبرامج التي تسخر من العرب والمسلمين بصورة لافتة
للأنظار [2] ، وقد نشرت صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) في 28/7/1997م مقالاً
ذكرت فيه كاتبته الطرق التي تتبعها السينما الأمريكية في تشويه الإسلام وأهله؛
فقالت: (ينبغي تصويرهم على أنهم مجموعة من القرويين أصحاب اللحى، ولا بد
لهم جميعاً من ارتداء الكوفية بصرف النظر عن البلد التي أتوا منها، وقد يكتفى
بارتداء بعضهم للغترة والعقال، ولا بد لهم من التحدث بالإنجليزية الركيكة، وأن
تبدو الوقاحة واضحة في معاملاتهم ... ولن يحتاجوا إلا إلى مصاحف وأسلحة تبعاً
للموقف السينمائي، ويفضل أن يظهروا مدخنين لكي يطفئوا السجائر في أيدي
ضحاياهم، ومن الضروري أن يهددوا بتفجير شيء ما، ومن المهم إظهار ضحية
بريئة لهذا التفجير، وأن يبين بشكل واضح أن هذا هو الجهاد ... ومن المهم أن
تصرخ المجموعة في إحدى اللقطات: الموت للكفار، قبل نهاية الفيلم ... ! !) .
إنَّ هذه الحملة الإعلامية الشرسة نجحت في تشويه صورة الإسلام في أمريكا؛
فقد أظهرت دراسة علمية تبنتها جامعة نيويورك عام (1995م) : أنَّ الإسلام
يكثر الحديث عنه في الإعلام الأمريكي المكتوب، ولكن في معرض الحديث عن
العنف أو التطرف، أما الحديث عن الإسلام باعتباره ديناً وقيماً ثقافية وأخلاقية فإنه
قليل جداً [3] .
وتزداد حدة التهويل والترهيب من الإسلام في بعض المجلات والجرائد
التنصيرية، أو من بعض الكتاب اليمينيين؛ فقد كتب (كارل إليس) في عام
1996م مقالة قال فيها: (إذا أخفقنا في مواجهة التحدي الإسلامي بجدية فإننا قد
نجد أنفسنا يوماً ما وقد أصبحنا تحت النظام الذمِّي، وقد أحاط بنا أناس يركعون في
اتجاه مكة؛ فالكنيسة في أكثر المجتمعات التي أصبح الإسلام فيها الدين السائد
تعرضت للاضطهاد!) .
ومن فضول القول تأكيد أن تلك الحملة استغل اليهود استثمارها وتوجيهها
للتأثير على الرأي العام وصنَّاع القرار في الإدارة الأمريكية، وقد أدرك ذلك الكاتب
الشهير (آرثر لوري) في مقالة له في مجلة (Middle صلى الله عليه وسلمast policy)
الصادرة في سبتمبر 1995م، حيث قال: (طبيعة الحملة ضد الإسلام هذه تدل
على أن النظرة التي تتبناها إسرائيل أصبحت متبناة بشكل كبير في أمريكا من قِبَل
الموالين لها والداعمين لوجودها. وقد ظهر جلياً أن الحملة موجهة للرأي العام
ولصنَّاع القرارات على حد سواء!) .
وبلغت الحملة ضد ما سمي بـ (الإرهاب الإسلامي) مداها عندما وافق
الكونجرس الأمريكي في عهد الرئيس السابق (بيل كلينتون) على تخصيص
ميزانية قدرها مليارا دولار لتغطية تكاليف أعباء حملة مكافحة الإرهاب، ثم وافق
الكونجرس على قانون (الأدلة السرية!) الذي قدمه كلينتون، والذي وضع غطاء
لملاحقة العمل الإسلامي وكبته تماماً، كقانون الطوارئ الذي تمارسه بعض الدول
الديكتاتورية المتخلفة في عالمنا الثالث؛ ولهذا ليس غريباً أن يكون 95% من
المعتقلين تحت مظلة العمل بهذا القانون من المسلمين!
كل تلك الحملة كانت قبل 11/9/2001م، أما بعد هذا التاريخ فإن الموازين
اختلفت جذرياً، والحملة على الإسلام وأهله اشتد سعيرها، وتطاير شررها، وفقد
الجميع اتزانهم، حتى أصبح مصطلح (الإرهاب الإسلامي) من أكثر المصطلحات
الدارجة حالياً في اللغة السياسية والإعلامية والاجتماعية، بل أصبح الإرهاب قريناً
للإسلام والحركات الإسلامية دون استثناء أي توجه إسلامي في أي مكان كان..!
وأصبح الهجوم على الإسلام مادة رخيصة سافرة يتبارى فيها الإعلاميون بكل جرأة
وصفاقة.
ولم يقتصر الأمر على الصحافة الشعبية أو على بعض الكتاب المغمورين أو
طالبي الشهرة أو ممَّن لهم علاقات وثيقة باللوبي اليهودي، بل امتد هذا العداء
المتشنج ليخترق أعلى قمة في هرم الإدارة السياسية، ويتغلغل في مراكز البحث
والدراسات الاستراتيجية، وعند كثير من الكتاب المرموقين الذين كانوا يُظهرون
للناس حيادهم وموضوعيتهم..! ! وليس أدل على ذلك من التصريحات المتشنجة
التي خرجت عن نطاق اللياقة الدبلوماسية للرئيس الأمريكي (جورج بوش) ، ومن
بعده رئيس الوزراء الإيطالي (سيليفيو بير لوسكوني) ، ثم رئيسة وزراء بريطانيا
السابقة (مارجريت تاتشر) .
ثم انفرط عقد الكراهية وراح الساسة والإعلاميون بمختلف تخصصاتهم
يخرجون بعض كمائن نفوسهم؛ ففي جريدة (صنداي تيلجراف) الرصينة عادةً
يُنشر في 7/10/2001م مقال بعنوان: (هذه الحرب ليس موضوعها الإرهاب..
بل الإسلام!) كتبه (ديفيد سيلبورن) افتتحه بقوله: «حرب الساعة هذه هي ضد
الإرهاب العالمي كما تم إخبارنا، وكما أعلن الرئيس الأمريكي في حديثه إلى
الكونجرس في 20/9/2001م، وتوني بلير في خطابه لمؤتمر حزبه في الأسبوع
الأخير، إلا أنها ليست شيئاً من هذا القبيل؛ لقد كان الاتحاد السوفييتي ذات مرة
إمبراطورية الشر المتحدية للغرب، أما الآن فإن تمرد الإسلام أو ولادته الجديدة هي
التي تمد ظلالاً من الفزع على العالم غير الإسلامي، لقد ظل زخم الإحياء الإسلامي
يحشد خطوه منذ الخمسينيات على الأقل، مع أن تخوُّف الغرب المسوّغ من هذا
الانبعاث، ورغبته في تجنب إهانة الدين الإسلامي جعل قياداتنا تخطو على قشر
البيض خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر..!» ، ثم يواصل تحذيره من
الإسلام قائلاً: «بدءاً من الخمسينيات، وخصوصاً عندما حرَّر سقوط الشيوعية
الدول المسلمة في الكتلة السوفييتية من قيودها، أخذ الإسلام الصدارة في النشاط
المعادي للغرب سياسياً ودينياً وعسكرياً، إنه يهدد بالبنادق في يد، والنصوص
المقدسة في يد أخرى، محيلاً أمريكا والصهيونية والمسيحية إلى شياطين» .
وامتد هذا التحريض إلى شتى الدول الغربية؛ ففي هولندا نشرت مجلة
(هاخسابوست) في منتصف أكتوبر 2001م، مقالة للبروفيسور (باول فيتروب)
دعا فيها إلى: (مراجعة جذرية للوجود الإسلامي في هولندا، وإلغاء مدارس
المسلمين) ، وقال فيتروب: (إن الوقت حان للتأكد من إمكان التعايش مع الدين
الإسلامي كدين يحترم القيم الديموقراطية للدولة الغربية والنظام الدستوري والقانون)
ثم قال: (إذا ثبت عكس ذلك فإن علينا أن نواجه استحقاقاتنا بتحريم الإسلام في
هولندا) .
أما في فرنسا فقد شنَّ الإعلام هجوماً شرساً على الإسلام وأهله، ففي صحيفة
(لونوفيل أو بسر فاتور) نشر ملف خاص بعنوان: (الإسلام زمن النقد الذاتي)
في 4/10/2001م كتبت فيه (جوزيت آليا) مقالاً دعت فيه إلى تحالف دولي يضم
المثقفين المسلمين المعتدلين ليقاتلوا القرآن كافة كما يقاتل العالم الأفغان كافة، ثم
قالت: «عليهم أن يُظهروا كيف يزكي القرآن العنف، عليهم أن يعتبروا أن النص
القرآني ما هو إلا إنتاج بشري يحتوي على أخطاء جسيمة في الأخلاق والتاريخ
والعلوم، إنه نص بني على مبادئ متجاوزة! !) .
أما صحيفة (لوموند) فقد خصصت ملفاً ضخماً عن الإسلام في 6/10/
2001م، ثم وسعت الملف في العدد الشهري الخاص المسمى (لوموند 2) وعنوان
العدد: (الأزمة، الفعل الثاني) ، وكذلك نشرت صحيفة (لوبوان) في 5/10/
2001م ملفاً بعنوان: (الحقيقة عن الإسلام في فرنسا) ، وحشيت هذه الملفات
بهجوم شرس على الإسلام والقرآن والثوابت الشرعية [4] .
إن هذا التحريض المتكرر في وسائل الإعلام الغربية [5] ظهرت ثمرته جلية
واضحة في التصرفات العنصرية المتشنجة التي لم تخل منها ولاية أمريكية أو دولة
أوروبية بعد حادثي نيويورك وواشنطن، وها هو ذا رجل أمريكي من عامة الناس
يعلق على سيارته في مدينة لوس أنجلوس عبارة كتب فيها: (اقتلوهم.. إنهم
مسلمون!) [6] .
ولم يقتصر هذا التأثير على أوساط العامة أو اليمينيين المتعصبين، بل ظهر
هذا التأثير في قلب الإدارة الأمريكية الحالية التي حوّلت قانون (الأدلة السرية)
المحلي إلى قانون دولي صارم تفرض سلطانه بالعصا الغليظة على كافة الشعوب
والحكومات، وتمارس به أقصى ألوان الديكتاتورية والتسلط وسحق كرامة الشعوب
وحقوقها، ومن لم يخضع ويستسلم للإرادة الأمريكية فإنه إرهابي يجب أن تجتمع
الدول المتحضرة لترويضه ومسخ هويته أو القضاء عليه! ولهذا أعلنها الرئيس
الأمريكي بكل صلف وعنجهية بأن من لم يكن معهم؛ فهو مع الإرهاب..! !
إننا معاشرَ المسلمين ندرك سبب ظهور كل هذا الحقد والتحريض على الإسلام
فنحن نقرأ قول الله تعالى: [إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ
وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ] (الممتحنة: 2) ، وقوله تعالى: [وَدَّ كَثِيرٌ
مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم] (البقرة:
109) وقوله تعالى: [وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ]
(البقرة: 120) ، وقوله تعالى: [قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي
صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ] (آل عمران: 118) ؛ ولهذا فإن الآلة الإعلامية الغربية تفيدنا
حينما تهاجم الإسلام وأهله بهذه الصفاقة المستفزة؛ لأنَّ ذلك سيكون بإذن الله تعالى
أحد الأسباب الرئيسة التي توقظ قلوبنا، وتبصرنا بحقيقة المعركة القادمة، وتحيي
الوعي في صفوفنا التي علاها الوهن وغشَّاها الخور بسبب الشعارات العلمانية التي
غيبت وعي الأمة، وسلكت بها سبيلاً منحرفاً أبعدها عن منابعها الكريمة وحياضها
الشريفة.