المسلمون والعالم
حسن قطامش
في ظلام دامس لا يتبين فيه فرق كبير بين البشر والحجر، انطلقت القاذفات
والطائرات الحربية وصواريخ كروز الأمريكية تدك الأراضي الأفغانية.
ورأى العالم «غضب أمريكا الشديد» الذي وعد به «ديك تشيني» نائب
الرئيس الأمريكي انتقاماً لجرح الكبرياء المسفوح على الأراضي الأمريكية.
رسم الأمريكان لهذه الحرب مدى أفقياً بعيداً في الزمان والمكان والأعداء، وأرادوا
تقسيم العالم إلى معسكرين! ! معسكر مع أمريكا، ومعسكر.. ليس مع أمريكا،
ومن ليس معها فهو مع «الإرهاب» .
تثير هذه الحرب عدداً من الأسئلة والاستفهامات لعلها تصل بنا إلى استنتاجات
نفهم منها ماهية هذه الحرب:
في بيان إعلان الحرب قال جورج بوش: «اليوم نركز أنظارنا على
أفغانستان، ولكن المعركة أوسع، هناك خيار أمام كل أمة، ليس هناك منطقة
محايدة في هذا النزاع» .
وتبعه وزير الدفاع رامسفيلد بقوله: «في حين أن غاراتنا تركز على
أفغانستان، فإن هدفنا أوسع بكثير، والعالم يقف متحداً في هذا المجهود. إن
شركاءنا في هذا المسعى يمثلون أمماً وشعوباً من كل الثقافات والأديان والأعراق ...
وهذه لن تكون حرباً نظيفة! ! وآسف بأن أقول ذلك، وستكون حرباً عسيرة
محفوفة بالمخاطر، وهناك ترجيح بأن عدداً أكبر من الناس سيفقدون» .
ومع تسارع الأحداث وشدتها تبدو لكثير من الناس هلامية وضبابية الأهداف
الأمريكية في تلك الحرب، إلا أن الولايات المتحدة عودتنا على استغلال الأحداث
لمصالحها الاستراتيجية بشكل جيد.
وهذه الحرب الكبيرة التي «تعهد أصدقاء عظام مثل بريطانيا وكندا
وأستراليا وألمانيا وفرنسا بمشاركة قواتها في هذه المعركة، إضافة إلى أربعين دولة
في الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا وآسيا منحت أمريكا حرية استخدام مجالاتها
الجوية أو حقوق الهبوط لطائراتها، إضافة كذلك للعديد من الدول التي وفرت
لأمريكا معلومات استخباراتية» .. في هذه الحرب لم يكن هذا الإجماع العالمي
المتنوع الثقافات والأعراق والأديان والذي لم يجتمع في الأمم المتحدة ولا مجلس
الأمن! ! لم يكن ليجتمع بهذه السرعة التي فاقت تجميع التحالف الدولي في حرب
الخليج الثانية، ولم يكن الدافع لهذا التداعي الكثيف سيف أمريكا أو ذهبها فقط، بل
كانت الأمور أشد تعقيداً وأكثر تآمراً من ذلك.
فحين أعلنت الحرب، أعلنها الرئيس الأمريكي صليبية بحتة، ومهما قيل إن
الكلمة كانت زلة لسان، فلا يمكن للمرء أن يغسلها من أدرانها، أو أن يقطعها من
جذورها النصرانية الغربية، أو لا يستدعي لها أخواتها من الأقوال والأفعال التي
تنوء بها سجلات العداء النصراني لدين الإسلام.
وإذا تجاوزنا هذه النقطة، وكنا من أصحاب «النوايا المعولمة» الحسنة
الظن بأمريكا، ونتساءل: أفهكذا يساق العالم إلى حرب أمام هدف مجهول..
مجهول التعريف، مجهول المكان، مجهول الزمان، مجهول التبعات؟ !
قالت الولايات المتحدة إن حربها ستشمل ستين دولة، وقالت إن الدول
الإرهابية التي ضمتها قائمتها للدول الراعية للإرهاب لا يتجاوز عددها أصابع
اليدين! ! فأين بقية الستين دولة؟ ! !
هذا.. وقد شكرت الولايات المتحدة تعاون بعض دول هذه القائمة في هذه
الحرب كإيران والسودان! !
وقالت الولايات المتحدة إن المنظمات والأفراد الذين أدرجوا أخيراً ضمن قائمة
الإرهاب، سبع وثلاثون منظمة وفرداً..؛ فأين بقية الستين هنا أيضاً؟ !
وكانت الولايات المتحدة حين أعلنت حربها على العراق لم تقل إن حربها ستشمل
أكثر من هذه الدولة، وبرغم ذلك ما زالت الحرب معها قائمة لأكثر من عشر
سنوات؛ فكم من الزمن تستغرق حرب أمريكا للستين دولة؟ ! ومتى تضع هذه
الحرب أوزارها؟
ثم نتساءل عن هذا «المريب» الأمريكي الذي يكرر كل يوم أن هذه الحرب
ليست ضد الإسلام، ولا تستهدف دين الإسلام، وليست بداية لصراع حضارات أو
ثقافات بين الغرب والإسلام: لماذا كل هذا النفي اللافت والمريب؟ ! سؤال بريء
من أصحاب النوايا.. المستريبة.
وأخيراً.. عندما وقعت الانفجارات في واشنطن ونيويورك فزع الأمريكان
إلى «كنائسهم» بداية من رؤسائهم إلى عامتهم يقيمون «القداس» الجنائزي.
وعندما أرسل جورج الجنود الأمريكان لضرب أفغانستان قال: «إن القائد الأعلى
للقوات المسلحة لا يرسل أبناء وبنات أمريكا في أرض غريبة إلا بعد أعظم قدر من
الحرص ومن..» الصلاة «شكراً لكم، وليواصل الله مباركة أمريكا» ! !
فأول هذه الحرب كان قداساً في كنيسة، ثم ثانيها إعلانها حرباً صليبية،
وثالثها بدء حرب بدعاء وصلاة صليبية.. فماذا نسمي تلك الحرب؟ !
سؤال لأصحاب النوايا الحسنة.