مجله البيان (صفحة 4093)

الإرهاب يباع ولا يعلم دعوة للسلام ومواجهة الإرهاب ومحاكم التفتيش

المسلمون والعالم

الإرهاب يباع ولا يعلَّم

دعوة للسلام ومواجهة الإرهاب ومحاكم التفتيش

د. محمد حامد الأحمري [*]

بعد أكثر من عقد من الزمان وقف بوش الابن موقف والده لينذر العالم من

عربي إرهابي آخر، فأما الأول فحاول ضرب مصالح أمريكا خارج أمريكا، وأما

الثاني إن كان الاتهام صحيحاً فقد كان موجعاً أكثر، حيث قام بحرب أمريكا على

أرضها؛ ولذا قامت وسائل الإعلام الغربية بحملة تجريم للعرب والمسلمين ووضعهم

في صندوق الإرهاب مهما رفضوه، وقد بادر الغربيون بالاتهام كما فعلوا من قبل

في حادثة أوكلاهوما، وبادر العرب والمسلمون بالشعور بالذنب وتقمص الدفاع قبل

ظهور أي دليل على متهم.

وليس هناك توجه للوقوف عند من الذي فعل الآن؟ ومذكرة الحكومة

الأمريكية الموعودة التي وعد بها باول ألغاها الرئيس، وقد يكون السبب صعوبة

معرفة ذلك الآن، أو لأن تعليق الأمر حرباً أو سلماً على المعرفة سوف يعطل

مشروعاً أكبر من مجرد الانتقام لما حدث، وما تلا حرب الخليج شاهد قريب.

جذور الإرهاب:

لم يكن من الممكن أن يتحدث أحد في الحكومة الأمريكية ولا الإعلام الأمريكي

عن جذور الإرهاب في المشرق العربي المسلم، تلك البلاد التي عاشت سلاماً وأمناً

قروناً طويلة، حتى بدأت الحملة العنصرية الصهيونية.. وجاءت بالقنابل وأدخلتها

في مخَّاضات الحليب إلى فندق داود في القدس لتفجرها في البريطانيين، ثم لتقوم

بحملة إرهابية واسعة لإخراج مليون عربي ونصف مليون من دورهم، ثم بعد ذلك

تقوم حملة لإرهاب اليهود المقيمين في القاهرة وبغداد وغيرهما من اليهود الذين

رفضوا الهجرة لإسرائيل، وإخراجهم قسراً إلى إسرائيل، ولم تقتنع الدول العربية

ولا اليهود أن يهوداً سيرهبون ويقتلون بني جنسهم حتى أثبتت التحقيقات

والاعترافات أن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي يتقنها الصهاينة لجمع شتات قومهم

من العالم، وإقامة دولة الكراهية والعنصرية، وهي الثقافة التي سوف ينشرونها،

ولتبدأ سرطاناً مدمراً يصنع الإرهاب أو يجبر الآخرين على ممارسته، وسيبقى

مرهقاً للغرب والشرق ما بقيت هذه العنصرية.

ولا يملك بوش الاعتراف بالحقيقة الأخرى: أن الإرهاب المصبوب نيراناً

على الفلسطينيين ليلاً ونهاراً بطائرات إف 16 والأباتشي، وهدم البيوت على

الأرامل والأطفال، وحملات الاغتيال ودعم أمريكا لهذا الإرهاب، ثم قتل خمسمائة

ألف طفل عراقي، وتبجُّح أولبرايت في مقابلتها لدايان سوير عن جريمة قتل هذا

العدد الذي يفوق ضحايا هيروشيما قائلةً: «إنه ثمن يستحق» ، وتدمير العراق

وإعادته للعصور الحجرية، أن ذلك وغيره من أسباب الإرهاب الأولى.

ثم شعور المسلمين بالاستنزاف لثرواتهم، وغبنهم السياسي المستمر،

والمحاربة لإخوانهم المسلمين، من مثل تدبير وتأييد الانقلاب على الديموقراطية في

الجزائر والمجيء بضباط فرنسا، ثم بتأييد روسيا في تدمير الشيشان وتحويلها إلى

مجازر وكهوف للأشباح، والحرص على تقسيم السودان واستخدام المسيحيين

والعملاء لتمزيقه وإفقاره، وتدمير مصنع الدواء الوحيد دون سبب إلا الانتقام من

الأبرياء؛ إذ لم تقدم أمريكا دليلاً سابقاً ولا لاحقاً على صفة المصنع. ثم تحريم

حقوق الإنسان للمسلمين ومنع أي وسيلة للشورى أو الديمواقراطية في العالم

الإسلامي، وتأييد النظم العسكرية والاستبدادية، والموقف المعادي من علماء

الإسلام ومفكريه والإغراء بمطاردتهم وقتلهم، وبعضهم نجا من محاولات اغتيال

كما أشار (بوب وود ورد) في كتاب الحجاب ومنعهم من أي وسيلة للتعبير، وهم

روح الأمة وعقلها النابض، وقصر التوجيه على المتغربين الأتباع؛ مما أشعر

الأمة بأن دينها وحريتها وثروتها مستباحة محرومة منها، ومحرم عليها فوق هذا

حتى أبسط حق للتعبير. تلك جذور الإرهاب التي يحرم بوش واليهود نقاشها،

ويتكلمون عن سلوك ونتائج بلا أسباب.

إن مقارنة سريعة بين خطبة بوش الأب وخطبة بوش الابن وخطبة نابليون

للمصريين تكاد تكون واحدة، في نفس السياق حماية ورعاية، وعدلاً وخيراً يعد به

المستعمر، ولم نرَ فيما شاهدنا في بلاد المسلمين من نتائج الاحتلال إلا الخوف

والفقر والجهل، والإرهاب والحروب، وزيادة الاستعمار العسكري، والقهر

والتخلف السياسي، ونجاح الاستثمارات والبنوك الغربية وزيادة نفوذها وتحكمها في

القرارات.

وجاءت الحرب السابقة ببوش الصغير، جاءت به أموال كنائس تكساس

الغنية، ومواقف حزبية أخرى، وجاءت شركات البترول بوزير الدفاع السابق

تشيني نائباً ولكنه عملياً الحاكم الفعلي لأمريكا، والرئيس يتولى المظاهر وديكور

الإخراج، خَطَبَ بوش الابن ومدح الإسلام، ولم يكن قادراً ولا شجاعاً على أن

يعيد مسرحية نابليون ويكمل الصورة التاريخية فيعلن عن وزير مسلم في حكومته

أو أن يسلم أحد وزرائه ثم يزوجه واحدة من آل البيت كما فعل نابليون، فيفرح

ساذجون بنصر للإسلام والمسلمين وظهور الحامي الأمين. أما الخطاب فقد كان

نصاً تهييجياً فيه قليل من الحقيقة وكثير من الترويع والإرهاب والغرور والتعالي،

ولا أظن خطيباً قبله خطب بمثل هذه العنجهية والثقة، وأهمية الخطاب تبرز في

استعادة ماء الوجه، والتسلية عن المصيبة، وهذا واجب المرحلة، مع إعادة الثقة

بشخصه، وأنه ليس ديكوراً أو واجهة لغيره. وقد أصبح حكمه وضعف شخصيته

مثار سخرية من قبل التنصيب ومن بعده؛ مما يذكر بالمثل التركي: «إن وصلت

للحكم فسوف يعطيك الله عقلاً يناسبه» . غير أن أمريكا ليست بلد الحاكم المنفرد.

الحاجة للحرب وصناعة عدو:

قامت الولايات المتحدة على الحروب المتوالية، وكسب قادتها وزعماؤها

المؤسسون زعامتهم من صفاتهم الحربية ومن شجاعتهم، ومواجهتهم للهنود الحمر

ثم من مواجهتهم للحكومة البريطانية، ولا تكاد تجد تاريخاً لبطولة أمريكية منفصلة

عن القتل، والغارات على الأقليات أو على الحكومات المعارضة لتجارتهم. وبرز

من رجال الحكومة الأمريكية حكام دخلوا في مبارزات شخصية، وممن دخلها

الرئيس جاكسون، ووافق لينكولن على الدخول فيها، ولما خرجت القرعة عليه

ليختار السلاح الذي يبارز به خصمه اختار السيف، وقرينه قصير مما جعله يوقن

بالهزيمة بسبب الطول فانسحب، وكانت المبارزة بالسيف أو بالمسدس وجهاً لوجه

من مسافة قريبة، تلك كانت تقاليد الرجولة. وفي الحرب الأمريكية مع العراق

خرج كتاب يتحدث عن حرب السيد بوش يؤكد فيه الكاتب أن العامل الشخصي

والبحث عن البطولة، والدخول في أمجاد التاريخ الأمريكي تاريخ المحاربين كان

من موقدات الحرب. ولم تخل الأيام الماضية من الحديث عن حظ بوش الجيد أن

تشب حرب في عهده، والبكاء على الزعيم المحبوب عندهم كلينتون الذي لم يحالفه

الحظ بحرب في زمانه. وقد ترسخت ثقافة العنف في المجتمع الأمريكي كما لم

تترسخ في مجتمع آخر على وجه الأرض. واختلطت الحرية بالدين بالعنف

بالعنصرية في تشكيل هذه الثقافة.

ولربما كانت هذه الثقافة هي ثقافة شائعة بين المنتصرين الفاتحين الأقوياء

عبر الدهور؛ غير أننا لم نعرفها ولم نرها عند غيرهم لذا نراها أجنبية على

الإنسان، ومريعة ومخيفة أن تحكم العالم، وأن تكون هي السائدة، ثم قاعدة الرفاه

بعد الحروب دافع مهم أيضاً، وأمريكا عاشت أحسن أيامها بعد الحروب، ودرت

الأموال عليها نتيجة لذلك؛ ففيها البنوك التي يثق فيها المنهزمون، وفيها الحكومة

التي ترعب الجبناء، وكما قال بوش الابن: تأتي بخصومها إلى العدالة أو تحمل

العدالة إليهم. حسب منطق: «القوة حق» ، أو «قوي الغابة عادل» .

ثم خطب بلير رئيس الحكومة البريطانية من بعد ذلك بطريقة أعادت أيام

تشرشل، وتمسك إمبراطورية غاربة بحضور مكلف، ويحاول بلير أن ينقذ بلده

ولو بصحوة الموت، واعترف أن بلده أصبح مقوداً منذ خمسين عاماً، وهو يحاول

أن يرده للقيادة، فأرسلت الحكومة البريطانية من القوات ما لفت نظر المراقبين؛

حيث يرى بلير أن هذه الحرب هي حرب بريطانيا، وقد كان الشارع البريطاني

ينظر للحدث في وقته بعين المراقبة الباحثة عن السبب، ولكن رئيس الوزراء حمل

الميكرفون وشن حملة إعلامية كبيرة، وأصبح يخرج بطريقة أعاد بها ذكريات أحمد

سعيد في تهييجه للناس أيام عبد الناصر.

فهو يواجه أزمة ترسيخ سلطته الشخصية والحزبية، ويرى نفسه وذكاءه

وقدراته تبز بوش الذي يحكم أمريكا وليس قريباً من مستواها. ويواجه ظرفاً يتمنى

أن يكون فيه تشرشل القرن المسيحي الجديد، وأن يلقي بظلاله على فترة جديدة

يرى نفسه فيها الرجل المناسب للمرحلة وللحرب مع العالم الإسلامي الذي نال به

بريطانيون كثيرون أمجاد الفتوح، وليس زعيماً دينياً مثل جلادستون قبل أكثر من

قرن، ولكنه يتولى المنصب التنفيذي للقب الملكة الرسمي «حامية المسيحية» ،

فهو تنفيذياً حامي المسيحية البريطانية. وقد لا تكون الدوافع الدينية محركاً أكبر من

أزمة بريطانيا الداخلية والعالمية؛ فهذه فرنسا وألمانيا تسحب بساط أوروبا من

تحت أقدام الإمبراطورية، وأمام أي حاكم بريطاني تحد أكبر مما يتوقع وهو إعادة

بريطانيا لطريق التاريخ.

ومن الإجراءات التي بدأها جون ميجر في عهده إعادة الروح الدينية

لبريطانيا، وقد خطب منتقداً التعليم الذي لا يهتم بهوية بريطانيا وثقافتها قاصداً

الهوية الدينية ويقبل حتى حزب العمال على الثقافة المسيحية، وهو الحزب الذي

عاش لفترة مرتعاً للملحدين وخصوم المحافظين من غير المتدينين.

لقد أعلن بوش أنه يقود كما قال حرباً صليبية؛ فكيف يجمع معه المسلمين في

حرب صليبية؟ ثم أكد في خطابه أنه سينشر عملاً قد يكون أشبه بمحاكم التفتيش

ويروج لإرهاب جديد في كل مكان، وقبل خطابه هذا رأى أحد القساوسة حرب

المسلمين فرصة، ودعا لمواجهة المسلمين في العالم، وقتلهم وتنصير الباقين،

هكذا يخاطبون ملياراً وثلثاً من البشر، وأكثر من خمسين دولة مسلمة، حتى لقد

اغتنم النصارى الصغار المناسبة فاعتقلوا المسلمين، واستغلوها لحرب المعارضة

السياسية لفسادهم حتى في إرتيريا، وتلك أنسب الأوقات لتصفية الحسابات القديمة

والخروج على الأعراف، وإشباع الأحقاد، وقد استغل الهندوس أيضاً الحدث كما

فعل حاقدون آخرون ورأوا في هذا بدء بناء معبد على حطام المسجد، وستنطلق

أحقاد أخرى مؤجلة.

صعود الحساسية الدينية:

وللغربيين وبخاصة البريطانيين بعض العذر في الموقف المنفعل تجاه الإسلام،

وهو ما حدث أخيراً من مواجهات في بعض المدن البريطانية بين المسلمين

والمتطرفين البيض، وكثرة المهاجرين، حتى أصبحت بعض أحياء لندن من

المسلمين فقط، وفي بعض المدن أصبحوا الأغلبية من السكان مثل برادفورد، ثم

إقبال العديد من الناس على الإسلام؛ مما يهدد مع الزمن الهوية التي يخاف عليها

بعض المسيحيين. فوقفة زعيم بهذا الحجم تمثل عنده وعندهم وقفة إنذار تاريخي

من الهجرة الإسلامية إلى أوروبا من الجنوب.

والذي يعمل له الغربيون في خارج بلادهم فيما يراه بعض المحليين أنه موقف

حاسم من الشعوب الإسلامية التي عليها أن تقر القيم الغربية بالإكراه والعنف،

وتقبل بالمسيحية مشكلة للمجتمع الإسلامي ومؤثرة فيه، والبابا يبشر ويتجول في

العالم الإسلامي كما لم يحدث لزعيم مسيحي من قبله وبنفس الجرأة والتوسع والقوة،

والتأثير السياسي والاقتصادي للكنيسة الكاثوليكية، وفي تعاملها وتسامحها مع

خصومها البروتستانت والاتجاه لكسب بلاد جديدة وسياسة ودول. وقد يعجب المسلم

من المبادرة البابوية في عقد مؤتمر عن الموقف من القتلى حضره ممثلون من الدول

الإسلامية زعماء ومشايخ وسياسيين، ولا يجد للمؤسسات الإسلامية ولا للمنظمات

الإسلامية حضوراً، ولا اسماً ولا موقفاً دولياً مؤثراً، مع أنها المحاصرة بالجيوش

النصرانية تسد عليها الآفاق في كل صقع، وهي المتهمة.

ونظرية صراع الديانات كما بشروا بها تأخذ دوراً كبيراً حتى على ألسنة

المعلقين والعامة. والغربيون لا يمكن أن يقبلوا بقولنا إنهم هم الذين يصنعون من

أقليةٍ مسلمة أقليةً إرهابية، ويدفعون بها قسراً أن تحتج بهذه الطريقة وكل هذا القول

مبني على تصديق تُهم الإعلام؛ فالحكومة الأمريكية لم تصدر التهمة بعد وقد بدأت

المواجهة الحضارية للمسلمين قبل عرض الأدلة.

هل قصد بوش حرباَ صليبية؟

اعتذر الناطق في البيت الأبيض عن كلمة بوش في وصف حربه بالحرب

الصليبية، وأبقت البي بي سي الخبر يوماً ثم غيرته واعتذرت عنه، ومن العدل ألا

نهيج لمعنى قيل لعله لم يقصده، ولكن ما لنا وللألفاظ وترك الحقائق والمعاني؛ فإن

المدارس الإسلامية والجامعات في الغرب أغلقت، والمساجد عطلت فيها الصلوات،

وحل الخوف، وتركت نساء الحجاب، وقلَّ رواد صلاة الجمعة، وأرهقت

المؤسسات الإسلامية، وأصبح الراكب المسلم يُخرَج من الطائرة، ويوقَف القطار

بسبب وجود معمم سيخي فيه ظنُّوه مسلماً، ويضيق الأمر على المسلمين، واعتقلت

أعداد كبيرة، وقد أصبحت الضجة سبباً للمطاردة. ولم يأبه صاحب متجر أن يكتب

لوحة على بابه تقول: (اقتلوهم جميعاً يعني المسلمين ثم الله يميز بينهم فيما بعد) .

وقد كان نداء الحكومة الأمريكية ومسؤوليها مشجعاً، وتعاطف عدد كبير من

عامة الناس طيباً، وبعضهم أعلن إسلامه، غير أننا نراقب حال الإسلام عموماً،

وليس في بلد محدد بل في كل مكان؛ فالاعتقالات ومواجهة البنية المؤسسية

والدعوية الإسلامية في خطر كبير في كل مكان، وتصرف الحكومة الأمريكية مع

الدين ومؤسساته في الغرب وفي المناطق الإسلامية هو الذي يحدد هل هي حملة

صليبية تجتث الإرهاب أم تهدف لحرب الإسلام، وشل قوته، ومحاصرته بالنشاط

الكنسي والمليارات الكريمة المتدفقة على التبشير؟ يقابل ذلك أن الحكومات في

العالم الإسلامي ليس لها وجود رسالي دعوي.

أمريكا الظالمة لن تقف أمام هذه الحقيقة ولكن سيخطب بوش ويسترضي

بعض الناس، ثم تخالف قوته المرعبة لبيوت الأبرياء في العالم، مطاردة وترويعاًَ

لإجراء حملة تفتيش وإرهاب على الأفراد والحكومات في العالم الإسلامي،

وستستغل هذه الحادثة إلى أقصى الحدود لتعيير الحكومات العربية وهجائها،

وانتقاص سيادتها، وإضعاف مكانتها ومطالبتها بتنفيذ حملة الإرهاب والتفتيش في

كل مدينة.

إننا ضد الفساد والتدمير وقتل الأبرياء نقولها دائماً، والآن نؤكد، وضد قيام

حملة صليبية مرعبة حول العالم، تستخدم الدول العربية والإسلامية طواعية أو

قسراً، وسوف يحرِّمون الأوصاف الصحيحة لما يجري، ويمنعون الناس من ترديد

هذا اللفظ الذي اختاره بوش، ولن يسمحوا لنا أن نستخدم كلامه العفوي مستقبلاً،

وسيقولون إننا متعصبون ومتهورون ومتطرفون؛ لأننا صدقنا قوله، وكان علينا أن

لا نصدق أنه قال. إن لغة وثقافة جديدة يجب أن تسود، وسلوك المكارثية الجديدة

سيكون أشنع من مجرد المحاسبة على الأفكار.

التحيز ضد الإسلام:

يستغرب أحد المراقبين كيف يختلف تعامل المجتمعات الغربية مع حوادث

الإرهاب؛ فعندما يضرب الجيش الإيرلندي لندن لا تخرج الأصوات باتجاه طلب

تفجير نيويورك، ولا السؤال عن تمويل الجيش الإيرلندي، بل يتعاونون على

معرفة المطالب، والجلوس إلى مائدة الصلح، ومواجهة العنف بالعدل، وانتخاب

الممثلين للمعارضة، أما يوم حدث تفجير أوكلاهوما فكان الرد من بعضهم بطلب

ضرب العالم الإسلامي، وزاغت القلوب والعيون وأحرقت مساجد، ولما تبين من

الذي كان سبب الإرهاب وأنه واحد منهم جاء الرد متعقلاً مؤدباً وحضارياً، لأنه لن

يبنى على هذه الحركة حرباً استعمارية، فقد جاء الأمر بطلب بدء البحث عن

الأشخاص الذين فجروا، ولم تعلن الحرب على الولايات التي أنتجت الإرهابيين،

ولا جيش البيض المسلحين الذين بقوا بأسلحتهم إلى هذه اللحظة. أما بعد التفجير

الأخير فكانت الحملة موجهة مباشرة للعالم الإسلامي قبل أي أدلة، مع تهييج العالم

كله، ووضع الدول والأشخاص والأحلاف الدولية جزءاًً من العملية، نعم إنها

مرعبة من حيث الحجم! ولكن لو تبين بعد فترة عدم مسؤولية المسلمين فلن يتعامل

الغرب بالطريقة نفسها.

أبعد من طالبان ومن تخريب الخرائب:

أصول بعض المتهمين ومكانهم تسوِّغ إلى حد كبير الموقف المتشدد ضد

طالبان وبعض الدول العربية، غير أن المطلوب لا يمكن أن توافق عليه حكومة

ذات سيادة وطنية، إذ تواجه طالبان موقفاً تدميرياً لوجودها، وإنهاءً لحكمها،

ولكنها لو سلّمت ابن لادن لما وقفت شهية الغرب النصراني عند هذا، ولو أنهت

القواعد المدعى وجودها لما قبل الغرب بذلك، ليس فقط لأن الغرب كما يقول سيد

قطب: «لا يقبل بدولة إسلامية ولو جزيرة في المحيط» ، وليس فقط بسبب

بعض التشدد والأخطاء التي مارستها طالبان. ولكن لأسباب مختلفة لا تذكر هذه

الأيام، وهي خطورة وجود دولة إسلامية مستقلة في مناطق وسط آسيا الإسلامية

وقد بدأت تصحو وتتفلت من الاستعمار الروسي الطويل، وتنذر بحياة إسلامية

جديدة في بلدان واسعة وثروات ضخمة، ومستقبل يعد بالكثير؛ ما لم تدمر هذه

التوجهات في مهدها.

وقامت طالبان بموقف آخر أثار الغرب أيما إثارة، وهو العالم الذي تؤثر

كثيراً في قراراته الجمعيات غير الحكومية الكنائس تحديداً هذا الموقف هو الإقدام

على سجن مجموعة من المبشرين ومشروع محاكمتهم، ومحاكمة المرتدين

للنصرانية، وهذه جريمة دولية عند النصارى تفوق في حساسيتها ما يتوقع

المسلمون؛ فمن قبل ذلك كلَّف تصرف عيدي أمين مع قسيس بريطاني منصبَه،

وسُلِّمت أوغندا للنصارى بسبب إثارة حمقاء لبريطانيا التي تحمل ملكتها لقب حامية

الكنيسة، وبريطانيا تحمي وترعى مصالح النصرانية حقيقة لا مجرد لقب.

حرب طويلة المدى:

يقول طرف الحرب الغربي إن هذه الحرب قد تستمر لعشر سنوات، ومنهم

من يراها أقصر أو أقل، فأما عملية مواجهة شخص بن لادن وحكومة طالبان فقد

تكون قصيرة، ومثلها مواجهة الجماعات المتهمة بالعنف، ولكن الطول المقصود قد

يراد به المواجهة التي يسمونها حضارية وهي عند العرب «الدينية» فهذه لم تهدأ

منذ أربعة عشر قرناً ليقول أحد أنها ستقف، بل ستكون أبعادها الأمنية والمالية

مرهقة لجميع الأطراف، ما لم يتوقف الغرب عن إيقادها في كل مكان، ويوقف

الترويع والإرهاب الرسمي من الشيشان إلى فلسطين والسودان وغيرها من المناطق

التي يسود فيها الإرهاب المحمي بالقوة الدولية الكبرى.

رؤية العالم لأمريكا:

إن أمريكا دخلت بجيشها أكثر من مائتين وستة عشر مرة لبلاد أجنبية،

وقتلت أكثر من اثني عشر زعيماً لدولة، ودمرت الديموقراطية في المستعمرات،

وأقامت انقلابات ضد الشعوب، وقتلت الحكام المنتخبين ونصبت خدمها وجواسيسها

من أمثال بينوشيه، وبأوامر من كيسنجر قتل آلاف الناس في العالم من المعارضين

لأمريكا ولسياستها، عندما كانوا مقرين لقانون الاغتيال للمعارضين السياسيين

يناقش الآن إعادة هذا القانون ولم تدنها هيئة الأمم، ويوم أدانتها محكمة العدل

الدولية فمر الخبر وكأنه نكتة عابرة، وعندما تريد أمريكا أن تدين المحكمة الدولية

بلداً مسلماً فإنه يحاصر، ويمنع منه الرزق ويوقف الطيران، وتشل الحياة، حتى

يركع المعترضون أذلاء وهم غالباً دول مسلمة تحت أقدام طغيان هذا الصنم

المسيحي الذي يسمى هيئة الأمم المتحدة.

وتدمير البنى الثقافية والسياسية والعلمية والاقتصادية في العالم الإسلامي هدف

تعلنه الدول الغربية أحياناً وتكتمه أحياناً أخرى، بحسب الحاجة لمنافقة الضحايا،

ثم تسلب أموالهم مرة أخرى لإعادة البناء، كما فعلت فرنسا التي سلبت مال العراق،

ثم هاجمته مع المهاجمين ثم تطالب بالعقود لإعادة بنائه، وهكذا أفغانستان مكسب

للجيش الأمريكي: أن يحارب هناك ولو جوياً، ثم مكسب بعد الهدم ثم يأتي الخير

فيما بعد لعقود وصفقات البناء، وحكومة عميلة وهكذا دواليك.

المسلمون والحادثة:

تعلَّم المسلمون من حادثة صدَّام السابقة أنهم كانوا ضحية المعركة الأولى،

سواء بسبب تصرفاتهم، أو بسبب الموقف المسبق منهم، ولا فرق هنا بين حركة

قومية صادقة، أو وطنية مخلصة أو إسلامية هادية، فكلها لن يغفر لها الاستعمار

أن توجد، ولا أن تؤثر، وكلها حركات معادية في نظر المحتلين، وبحكم أن

الإسلاميين كانوا الأعلى صوتاً أخيراً، والأنفذ أثراً، فقد تلقوا العقوبات الأشد قتلاً

ومطاردة وتشويهاً للسمعة؛ فالمستعمر لا يقبل إلا صداه. والحملة الجديدة لا تبحث

عن غيرهم، ويجب أن يوضعوا في صندوق الإرهاب، ويلحق بهم كل ذي كرامة

وحس وطني حتى وإن لم يكن مسلماً في عالم الإسلام.

فإن من المهم للمسلمين أن يعلموا أنهم قد رُموا عن قوس واحدة، وأنهم قد

دخلوا طوراً جديداً من العلاقة بينهم وبين الغرب، وهذا يلزم بتغيير طريقة التعامل،

وبتوفير النفس والمصالح، وعدم توجيه السهام كلٌّ إلى نحر قريبه؛ فقد أثبت

الموقف أن هؤلاء لا تقف شهيتهم عند حد من حيث الرغبة في تدمير الكيان

الإسلامي بأي وسيلة، ولو كانت مجرد تهمة، والطريق الصحيح هو البحث عن

وجوه الخلاص من الظاهرة الإرهابية السياسية الجديدة، والبحث عن السلم والأمن

والثقة، وتجاوز المواقف الخاطئة السابقة التي أثمرت ذلاً وفقراً وتبعية؛ لأن

الموقف الإرهابي الغربي الجديد لا يفرق بين الأطراف، وقد بدا ذلك صريحاً جداً،

لا يقبل المساومة مع أمريكا أو ضدها، وللحكومات قيم ومجتمع ومصالح ودين

وظروف مختلفة، ولكن السياسة المعلنة لأمريكا مقلقة لكل عاقل، حتى ولو رغب

في ولائها ومجاملتها. فهذه اللغة السياسية متطرفة منفعلة إرهابية تنذر بعنتريات

وبمجازر كمجازر رعاة البقر للهنود الحمر، وتنذر بالقضاء على الحريات وكرامة

الشعوب والأديان الأخرى؛ لأنهم يختلفون مع أمريكا فقط.

وما هي حدود الإرهاب؟ وما هو تعريفه؟ إن كان قتل المدنيين وإرهابهم،

فهذا الإرهاب قائم مرعي تدفع له معونات من دافعي الضرائب الأمريكيين،

ويحصل كل بيت إسرائيلي على ما معدله ألف دولار من المعونات الأمريكية، ربما

لأنهم يقومون بعمليات إرهاب وقتل للأطفال والنساء الآمنين العرب. وتقتل أمريكا

في العراق مائة وخمسين طفلاً يومياً، وتمطر الأُسر بالإرهاب كل ليل، وتحافظ

على صدَّام وسيلة لاستمرار ما تسميه بالإرهاب، وتمنع الثورة عليه كما في محاولة

سفيان الغريري؛ فهي تكرهه ولكنه خير وسيلة لاستمرار الإرهاب المحمود،

وأحسن الطرق لاستثمار المنطقة.

إننا لم نشهد الرحمة المسيحية تمتد لنصف مليون طفل مقتول في العراق، ولا

نرى عدل المسيحية يمتد للإنسان، بل نراه سيفاً مسلطاً على المساكين المستضعفين،

وها هو دور المسيحية في البلقان وغيرها لا تخطئه عين. فهل الإنسانية فقط

تعني المسيحي؟ ثم ترسل بعد ذلك إغاثات رمزية، ومساعدات تافهة لذر الرماد في

العيون.

أين الرحمة المسيحية من التحالفات الدينية المسلحة المقدسة ضد المسلمين في

كل مكان، أين المسيحية من الحشود البربرية في البلقان؟ ! أم أنها مشروع انتهى

ونجح وبقي أن تتباكى الكنيسة في أعين الترك المطرودين وبقايا الألبان، وتدعو

العرب أن يحضروا مؤتمرات تسوية ومؤتمرات إدانة، ومؤتمرات سخرية؟ !

إيطاليا أزعجها قتل مبشرين في الجزائر وهو قتل أزعج المسلمين أيضاً، ولكن لِمَ

لا تقف ضد فرنسا وتطالبها بإنهاء احتلال عساكرها للجزائر، لتنتهي المأساة مأساة

القساوسة، ومأساة الشعب الجزائري؟ ! ولكن البابا وإيطاليا وفرنسا تكسب

باستعمارها أكثر من خسائرها بموت عدد قليل.

والرعب والإرهاب لا بد أن يكون إسلامياً، حتى وإن كان في أعمال تحررية

يقرها القانون الدولي؛ فقانونهم الذي أقروه يقول بحق الناس في تحرير بلادهم،

وهذه البلاد قد وافق عليها مجلس الأمن، وقرر أنها للفلسطينيين، فكيف لا يحق

لهم حسب ميثاقهم الذي سنوه أن يواجهوا الغزاة، وأن يوقفوا الإرهاب؟ وكلما قتل

من المسلمين مقتلة قالوا أوقفوا الإرهاب الإسلامي.

من المستفيد من هذه الأحداث:

هناك المستفيدون الأولون من هذه الحرب أو هذه المواجهات، وقد ظهر على

الساحة الأمريكية استفادة اليهود الكبيرة من الحدث، وحاولوا أن يقولوا للناس إنهم

الهادئون الطيبون، المظلومون، واستنفدوا كل الوسائل وأصبحوا الخطباء

والمعلقين والمستشارين، وقد يبدؤوها مرحلة استثمارية جديدة من بيع الإرهاب.

ولكنها مع الزمن ليست لصالحهم؛ فبالرغم من خداعهم للشعوب الغربية

والزعم أن السبب هو أن المسلمين يرفضون النموذج الغربي للحياة وما يمثله، وأن

السبب هو الرفض للغرب، وليس لما حدث علاقة بالإرهاب الصهيوني مما

يحاولون به تبرئة ساحتهم، ولكن من النصارى من يرى في هذه الأحداث رابطاً

بينه وبين الهمجية الصهيونية، والإرهاب الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي.

وأمريكا تحرص على تحالف سريع هادف على المدى الطويل، وتثق من أن

العرب ينسون، ولا يحتملون الصبر الطويل على العمل ولا المشاريع الدائمة،

فسرعان ما ينسون سخطهم، وشروطهم، ويعملون تحت الشروط الجديدة، وقد

نسوا كثيراً في الماضي شروطهم، وسينسون مستقبلاً أكثر.

يتضح من المواقف الحاجة لمزيد من الوجود العسكري في وسط آسيا، وبناء

قواعد عسكرية أمريكية في المنطقة حماية للحكومات الموالية وخوفاً من الشعوب أن

تستقل أو تحكم بلادها. وهناك مخاوف من الصين وعلاقاتها بالباكستان، والقوى

النووية الصاعدة، وهذه تقتضي سيطرة عسكرية وسياسية على الجيش الباكستاني،

وهذا ما يثير قلقاً كبيراً على كل الأصعدة؛ فهو موقف مريب ومخيف في الباكستان

وأمريكا، ومزعج للهند، ولو قامت حرب كبيرة قد لا تقف عند حرب هندية

باكستانية بل قد تصنع عالماً جديداً تماماً يشبه التغيرات بعد الحرب الأولى، إن لم

يستعمل أحد الأطراف قوته النووية.

إسرائيل الغائبة الحاضرة:

لم يتحدث بوش عن إسرائيل؛ لأنه يريد أن يبني تحالفاً عالمياً لمصلحتها

ولمصلحة سياستها وسياسة أمريكا وهي عامل مزعج في الحديث والسياسة؛ إذ لا

يملك رئيس أمريكي مهما تكن شجاعته إن كان حريصاً على انتخابه وعلى مصلحة

حزبه أن يعالج المشكلة الحقيقية وهي النفوذ والسيطرة الإسرائيلية على الكثير من

المواقف السياسية الخارجية لأمريكا، وهي كلمة قالها الرئيس (ترومان) بوضوح:

«معذرة أيها السادة، ولكن ليس ثمة آلاف من العرب بين الناخبين في دائرتي»

فالأمر في خطاب (ترومان) لا يخضع إلا للناخبين الذين إن لم يحقق لهم رغباتهم

صوَّتوا لغيره. وذلك عامل أساس في السياسة الأمريكية. ولكن اليوم هناك عوامل

كبر دورها وليس بإمكان العالم الإسلامي تجاهلها، ومنها: التكاتف الديني بين

الصهيونية وبعض النصارى، والتهويد لمواقف أغلبية البروتستانت في أمريكا

وأوروبا وأستراليا، ثم بروز حقيقة صراع الديانات أو كما سمي: (صراع

الحضارات) ، ثم سقوط المعارضة العالمية للغرب إلا في عالم الإسلام.

إن إسرائيل من أهم المستفيدين من المواجهة بين الغرب والإسلام، وأول

فوائد الإرهاب الأخير أن الانتفاضة وقفت أو كادت تقف.

واليوم يستغلون حادثة نيويورك أبشع استغلال، والاستغلال الأول تمثل في

هجوم كاسح ليلة الحادثة على جنين وأريحا، وقتلوا العشرات، والاستغلال الثاني

الأطول مدى وهو أنهم سوف يستثمرون الحادثة ودماء الأمريكان مالاً ومشاريع

وعقوداً؛ فهذا نتنياهو يبحث عن وظيفة وارتزاق لمحاربة الإرهاب، وقد سارعوا

من قبل لفتح هذه المتاجر التي تدعي مواجهة الإرهاب، ومعاهد السلام، وسوف

ينجلي الموقف عن صناعة الإرهاب كما انجلى عن صناعة الهولوكوست «مذبحة

هتلر» ، وتكتب الكتب بعد زمن عن استغلال اليهود لدماء الأمريكان، ونستمع إلى

حكيم آخر يقول: «إن الإرهاب يباع ولا يعلَّم» .

ولكن إبقاء إسرائيل قاعدة عسكرية لحملات صليبية قادمة أمر مصيري يغرى

به المتطرفون النصارى، والحالمون من اليهود، ويغفل اليهود عن حقيقة مصيرهم

الكئيب، فسيدفع اليهود أنهار دماء ثم يتبين لهم أن النصارى سوف يتركونهم

يواجهون مصيراً وحشياً من شعوب عاشت تحت إرهابهم زمناً لا نعلمه. ومن

اليهود أنفسهم من يتنبأ لهم بمصائر أسوأ من قصص التاريخ السالفة.

أهمية تغيير التركيبة الدولية وهيئة الأمم المتحدة:

يرى كثيرون أن هذه المواجهات هي مواجهات دولية، يسميها الغرب

حضارية، وهي تعديل لكلمة دينية، وليكن ذلك كما يشاؤون، ولكن السؤال: لماذا

تكون المسيحية هي الدين الوحيد المحرك للسياسة الدولية ويحرم العالم من ذلك؟

فمثلاً مجلس الأمن مكون من خمسة أعضاء (دائمي العضوية) أربعة منهم

للنصرانية، وخامس للصين، أما العالم الإسلامي الذي سكانه أكثر من مليار فليس

له ممثل واحد؛ بينما يمثل في المجلس فرنسا وبريطانيا وسكانها مجتمعة أقل من

سكان الباكستان، والمسلمون يزيد عددهم عن خمس البشرية وليس لهم قيمة مقابل

فرنسا أو بريطانيا؛ فهم إلى الآن أسواق فقط.

إيقاظ العملاق:

سيطرة فكرة الصراع الحضاري الإسلامي المسيحي من أسباب الوعي التي

سوف تعم العالم الإسلامي، وسياسة القهر التي سوف تواجه بها أمريكا دول العالم

الإسلامي ومشاريع إفقاره وتجويعه، وجلب السلاح لهلاكه وحروبه الداخلية، قد

تجعله يستيقظ، من خداع طويل دخل في ظلماته ثم لم يخرج منه. لقد دخل العرب

في الحرب العالمية الأولى مع بريطانيا، وقاتلوا الأتراك فكافأتهم بريطانيا

بالاستعمار وإعطاء فلسطين للصهاينة، واليوم تتحول الحرب إلى حرب تدميرية

داخلية أعنف وأخبث من كل حرب عرفها المسلمون في السابق، إنها تقتضي

المزيد من خضوع المسلمين للمستعمرين، وقهر الشعوب وتحويل الثروات للغرب،

إنها سياسة: «أرسلوا أموالكم واقمعوا أولادكم» . إن سارت أمريكا فيما أعلنه

رئيسها في حرب صليبية يحرك بها عواطف الغرب، ويغوي عامته، فسوف يعي

العالم الإسلامي الخطر، وسوف تسقط الحملة على أعتاب الوعي، أما إن كان يريد

كف الخطر عن بلاده فله الحق، وللمسلمين الحق في كف الخطر أيضاً ويعيش

العالم في سلام.

الدور القادم:

إن المسلمين لا يريدون الشر بالناس شرقيين أو غربيين، بل يريدون لهم

الخير والحق والهداية، والدين نزل لسعادة البشر، ويريد الله بكم اليسر ولا يريد

بكم العسر، وإن لم يسلم اليهودي والنصراني فالإسلام يحترم كرامة الناس ودماءهم،

وليس ديناً للدمار والقتل كما توهم الثقافة الغربية وتلزم؛ وذلك بوصم الإسلام

بالقوة حتى يسوِّغوا لأنفسهم العنف تجاه المسلمين وإرهابهم، ومن واجب المسلمين

أن يعملوا على أن يكونوا رحمة للعالمين، وهؤلاء الرحماء يجب ألا يكونوا أغبياء،

ولا الأغبياء يخدعونهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015