المنتدى
عبد الرحمن التميمي
قلّ أن تخلو المجتمعات من بعض الظواهر الاجتماعية السيئة حتى في الأزمنة
الطاهرة أزمنة النبوات، ومن هذه الظواهر السيئة على سبيل المثال المشاكل
الأسرية والخلافات الزوجية؛ حيث وقوع الظلم من الزوج للزوجة أو العكس، أو
وقوع الظلم على الأولاد من الزوجين أو العكس، أو وقوع الظلم بين الأولاد أنفسهم
وهكذا. ولكن من خلال متابعتي للصحافة منذ مدّة رأيت تركيزاً على قضية ظلم
الأزواج للزوجات سواء من قبل الكتاب أو الكاتبات أو رسّامي الكاريكاتير، حتى
خيّل لبعض القراء أنه لا يمكن أن يوجد بيت في بلدان المسلمين يعيش الحياة
الزوجية المستقرة المطمئنة، فأحببت أن أبدي وجهة نظري حيال هذا الموضوع
فأقول:
1 - إن من الثوابت التي ينبغي أن يفهمها ويحرص عليها المسلم المحب
لمجتمعه وأمته المسلمة هو مفهوم (الأمن الاجتماعي) ومن متطلباته الاجتماع
والوئام ووحدة الكلمة، ومن متطلبات ذلك الكف عن إثارة الصراعات والنزاعات
لتقوم الحياة على المودة والرحمة [وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً] (الروم: 21) ،
وعلى التكامل والتداخل والتشاور والتناصح، وعلى الموالاة الإيمانية والتعاون على
مكارم الأعمال [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ
سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] (التوبة: 71) .
2 - إن ظلم بعض الأزواج للزوجات ووجود الصراع فيما بينهم أمر وارد
بل هو موجود؛ لكن بنظرة العقلاء المنصفين المتجردين من الهوى: هل هو يشكل
ظاهرة في مجتمعاتنا الإسلامية تستحق هذا الزخم من الطروحات؟ أظن أن جواب
المنصف المتجرد: (لا) بملء فيه.
3 - إن عرض صور المجتمعات الغربية فيما يحدث بين الأزواج والزوجات
هناك من الصراعات كأنموذج لمجتمعنا المسلم المحافظ أمر مرفوض من قبل العقلاء
الصالحين؛ لأن المجتمع هناك غالبه مبني على الخيانة والضياع والشقاق، وما
حادثة رئيس أكبر دولة في العالم منا ببعيدة. وإليك بعض الإحصائيات مما تعانيه
المرأة هناك؛ فمثلاً في بريطانيا تستقبل شرطة لندن وحدها مائة ألف مكالمة سنوياً
من نساء يضربهن أزواجهن، على مدار السنين الخمس عشرة الماضية، وأن
79 % من الأمريكيين يضربون زوجاتهم، و 83% دخلن المستشفى سابقاً مرة
واحدة على الأقل للعلاج من أثر الضرب، وإن مائة ألف ألمانية يضربهن الرجال
سنوياً، ومليوني فرنسية يضربهن الرجال سنوياً [1] . كل هذا في أرقى
المجتمعات كما يُزعَم؛ فما بالك في المجتمعات الغربية الضعيفة والجاهلة؟ بعد
هذا؛ هل يعقل أن تقاس مجتمعاتنا المسلمة الواعية بتلك المجتمعات التائهة
الضائعة؟
4 - إن تكرار مثل هذه المعاني عبر الصور الكاريكاتيرية والكتابات
والتحقيقات يحكي التعميم على كل طبقات المجتمع، والتعميم في الأحكام دون علم
وتدقيق أمرٌ نهى عنه شرعنا الحكيم؛ فما بالك في التعميم في أمر يخل بأمن البيوت
ومن ثم أمن المجتمعات الإسلامية كلها؟
5 - إن الخلافات الزوجية سنّة إلهية قديمة قدم البشرية يمتحن فيها الزوجان،
وقد نزلت آيات عديدة من أجلها، بل سميت سور بها كسورة الطلاق مثلاً. فهل
تضيق المجتمعات الإسلامية ذرعاً بكل مؤسساتها وأفرادها ببعض هذه الخلافات
الطبيعية التي لها حل في شرعنا الكامل الشامل الموافق للفطرة حتى تعلن هزيمتها
أمام الملأ؟
6 - إن الذين ينظرون هذه القضية «ظلم الأزواج للزوجات ووجود
المشكلات والنزاعات» . سواء من الكتّاب أو الكاتبات أو رسّامي الكاريكاتير لا
يخرجون عن أحد صنفين:
أ - إما عن حسن نية وقصد للإصلاح وتنبيه بعض الأزواج لفداحة ما يقعون
به؛ فهم مأجورون إن شاء الله.
ب - أما الصنف الثاني فهم الذين يتخذون افتعال الخصومة والنزاع فيما بين
النساء والرجال مطية ووسيلة إلى هدف آخر ممقوت وهو مناداة المرأة لإعلان
التمرد على الأزواج، ونفي القوامة الشرعية! فهذه دعاية تصادم الشرع من أدعياء
تحرير المرأة.
7 - أقول لكل مسلم رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً: قد كفيت همّ
حقوق المرأة؛ فشرعك قد تكفَّل للمرأة بكامل حقوقها؛ فما عليك سوى الاطلاع على
شرعك والنهل من معينه الصافي العذب، فستجد فيه الدواء الشافي والجواب الكافي
وإليك مثالاً واحداً يبين قدر تحميل الإسلام الرجل مسؤولية المرأة: قال صلى الله
عليه وسلم فيما صح عنه: «اللهم إني أحرّج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة» [2] .
ولو أن المجال يتسع لذكرت من الآيات والأحاديث الشيء الكثير. وحسبي
أن الجميع يعرف مثل هذه الأمور في مجتمعاتنا الإسلامية والحمد لله.