مجله البيان (صفحة 4029)

المسلمون والعالم

الإسلاميون.. وساعة الحقيقة

عبد العزيز كامل

الإسلاميون هم - بعد الله عز وجل - الأمل الباقي لهذه الأمة، وبالرغم من

كل هوانهم واستضعافهم وتفرق كلمتهم، فالأمل معقود على توحد كلمتهم وتبدل

ضعفهم وذهاب هوانهم.

* فماذا بعد أن سقطت كل أقنعة الرايات والزعامات والمناهج والبرامج

العلمانية الجاهلية الكذَّابة؟ ماذا بعد أن ظهر لآحاد الناس أنهم لم يفلحوا في السلم

بعد الحرب، وأصبحوا يتكففون الحماية من النصارى على اليهود؟ ماذا بعد أن بان

أنهم باعوا الدين ولم يكسبوا الدنيا، فأفسدوا على الناس دينهم ودنياهم..؟ !

* ماذا بعد أن هتكوا كرامة خير الأمم أمام إذلال أذل الأمم؟ ! وماذا بعد أن

ظهر أن ثورانهم لم يكن إلا على شعوبهم، وهياجهم وهمجيتهم لم تنل إلا من أحرار

أمتهم، وطغيانهم وكبرياءهم لم يتألق ويتأنق فعلاً وقولاً إلا على محاولات الإصلاح

التي تواصوا على وأدها أولاً بأول لصالح الأعداء والألدَّاء؟

* ماذا بعد أن كشفت أحداث الأشهر الأخيرة أن القوم دون مستوى المسؤولية

ودون مستوى الكلمة، ودون مستوى الشبهات في الملمات؛ حتى إنهم لهم يثلجوا

صدر الأمة بموقف سياسي ولا عسكري ولا اقتصادي فاعل لنصرة شعب ينكِّل

اليهود المجرمون بهم أمام العالم على الهواء؛ ومع ذلك فلا سفارات أغلقت، ولا

جيوش تأهبت، ولا شعوب أُعدت، بل ولا سماح بفتح أبواب الإعانة الجادة من

الشعوب الغاضبة للوقوف مع إخوانهم المجاهدين المخلصين الذائدين وحدهم عن

الحرمات والمقدسات؟

* ماذا بعد أن ظهر أننا نحن الإسلاميين كنا ولا نزال أشد الناس عداوة عند

العلمانيين من اليهود والذين أشركوا، حتى إن ما أضير به الإسلاميون على مدى

الخمسين عاماً الماضية قتلاً وأسراً وتشريداً وتهديداً لم ينل اليهود والكفار ربع

مقداره، بل ولا عُشر معشاره؟

* ماذا بعد أن ظهر للناس جميعاً أن أعداءنا يحاربوننا بالدين وللدين، وفي

أكثر بلادنا يحارب الدين وأصحاب الدين؟ ماذا بعد أن تبين أن التوراة والتلمود

تحكمان مجتمع اليهود، بينما القرآن والسنة محجوبان محجوزان عن التحكيم في

غالب بلاد المسلمين؟

* ماذا بعد أن تبين أن اليهود قد قطعوا من الشوط أطوله في الوصول إلى

أمانيهم الدينية، ومخططاتهم التلمودية وبرامجهم السياسية والاقتصادية أمام أعيننا،

دون أن يعوِّق المعوَّقون فكرياً من زعمائنا خلال ما مضى شيئاً من برنامج

سيطرتهم الكاملة الشاملة على الأرض المقدسة وما حولها، حتى إنهم أي اليهود

أقاموا الدولة (إسرائيل) واتخذوا العاصمة (القدس) وها هم يهمون بإعادة بناء

قبلتهم المنسوخة (الهيكل الثالث) مكان قبلة المسلمين الأولى بعد أن وضعوا مؤخراً

حجر الأساس لهيكلهم المزعوم؟

* ماذا بعد أن ظهر أن واقع دولة اليهود قد بلغ من الجبروت حداً جعل

(الجماعة) يُجمعون، في كل لقاءاتهم ومؤتمراتهم على أن السلام هو الخيار

(الوحيد) ؛ إذ إن الحرب كلمة قد عفى عليها الزمان عندهم بعد عقود من

(سلام الشجعان) ؛ فالأمة العربية كما عوَّدونا ليست مستعدة للحرب، ولن تستعد

للحرب، ولن تُستدرَج إلى حرب مهما كان إلا....! إذا كانت تلك الحرب حرباً

عربية عربية!

* ماذا بعد أن فوجئوا بأن (الصديق) الأمريكي، قد ألقى في وجوههم قناع

السلام والوئام والابتسام، وأظهر ملامح التحرش وأنياب النهش والانتقام؟ ! وماذا

بعد أن اكتشفنا نحن الشعوب أن ذلك (الصديق) اللدود، قد انتهى منذ زمن بعيد

من تجنيد أكثر من زعيم من (الملهمين التاريخيين) لخدمة اليهود وحماية اليهود

وإعادة مجد اليهود؟ !

* ماذا بعد أن تبين أن (العالم الحر) صار عبداً لليهود ينصرهم في المحافل

الدولية، ويطوِّع لهم (الشرعية الدولية) ويتستر على إلغاء وليس انتهاك اليهود

لحقوق الإنسان الفلسطيني، في أن يعيش آمناً على نفسه أو يسكن في أرضه، أو

يدافع عن عرضه، أو يحمي أطفاله وحقوقه وحقوله.... . ولو بالحجارة؟ !

مَنْ لهذه التحديات؟

بداءة نقول: إن هذه التحديات العظمى لن تزول بنفسها، ولن تذوب بذاتها؛

بل إن حكمة الله تعالى تأبى أن تتعطل سُنة الأسباب لمجرد أن المسلمين مسلمون،

والكافرين كافرون: [وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ]

(محمد: 4) ، وفي الوقت نفسه، فإن الله تعالى خالق الأسباب ومسبباتها يشترط

علينا لكي يسخِّر لنا الأسباب أن نسخر له أنفسنا، ونعبِّدها له متبعين لرضوانه،

مبتعدين عن كل ما لا يليق بأولياء يطلبون النصرة وضعفاء يستنزلون التأييد؛

وعندها أي عند اتباع رضوان الله فلا علينا لو اجتمع علينا من بأقطارها [الَّذِينَ

قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ

الوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ

ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ] (آل عمران: 173-174) نعم [وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ]

(آل عمران: 174) نعم [وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ]

(آل عمران: 174) .

فَمَنِ المخاطَبُ بتلك الآيات؟ ! أهم اللادينيون العلمانيون؟ أهم اللهاة

اللاعبون؟ أهم الطغاة الظالمون؟ ! أهم السكارى والحيارى والعرايا وبقية أصحاب

البلايا؟ أهم الهائمون في الطرقات أو المنغمسون في الشهوات؟ !

ليسوا هؤلاء، وإن كانوا عن التوبة غير محجوزين، ولكن الخطاب يستهدف

قلوب المخبتين، ويستشرف وجوه وعيون الوعاة الهداة المستمسكين بالدين، ولو

كانوا في غفلة أو مشغلة صارفة، أو في فرقه أو خصومات عارضة؛ فأولئك

الأولياء الذين يخوفهم الشيطان بالأعداء، فمن يكون أولئكم إلا أنتم أيها

الإسلاميون؟ !

هل نحن منتبهون؟

إن الأحداث في العالم بعامة، وفي المناطق العربية والإسلامية بخاصة تشي

بأن الإسلاميين قد وُضعوا، من حيث يدرون أو لا يدرون، ومن حيث يريدون أو

لا يريدون، في وسط أتون الصراع الدائر في أكثر بقاع العالم؛ فما من منطقة

توتر في الدنيا منذ انتهاء الحرب الباردة إلا وُضع الإسلاميون طرفاً أساسياً في

النزاع فيها؛ فمن أفغانستان إلى السودان، ومن البوسنة إلى كوسوفا، ومن كشمير

إلى فلسطين، ومن الشيشان إلى ألبانيا، ومن الصومال إلى مقدونيا إلى إريتريا إلى

بورما إلى غير ذلك من البقاع والبلدان التي يجد فيها الإسلاميون أنفسهم في صدر

الأحداث وفي صفها الأول، فإذا أضفنا إلى ذلك الصراعات الداخلية التي استُجر

الإسلاميون إليها في أكثر الأحيان مع الأنظمة اللادينية واللاأخلاقية، لوجدنا أن

الغالبية العظمى من المتدينين في العالم الإسلامي، قد حُشروا حشراً في معارك مع

أولياء الشيطان قبل الأوان. ولكن العجيب في كل ذلك، أن الإسلاميين كانوا دائماً

أو غالباً غير قادرين على تقدير قوة أعدائهم ولا تقدير قوة أنفسهم! حيث إن قوتهم

تفوق أضعاف قوة أعدائهم لو وُجد الوفاق والاتفاق والتناصر والتناصح، ووجد

الأخذ بقوانين القوة وأسباب التمكين وعوامله؛ فقد وعد الله به عباده ولو كانوا

مستضعفين [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ

كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ

خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ]

(النور: 55)

هل نحن مستعدون؟

نعم! هل نحن مستعدون لليوم الذي سنجد أنفسنا فيه وجهاً لوجه مع اليهود،

كما سبق للأفغان أن وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع الروس، وللبوسنيين والألبان

عندما وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع الصرب، وللباكستانيين والكشميريين عندما

وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع الهندوس، وللإسلاميين في العديد من الدول العلمانية

عندما وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع الرافضين المحاربين للدين من المتسمين بأسماء

المسلمين؟

والسؤال عن الاستعداد هنا ليس سؤالاً عن الاستعداد بالسلاح والعتاد؛ فهذا

أمر له ظرفه وطبيعته، ولكن السؤال عن الاستعداد بحيازة أسلحة النصر الربانية؟ !

بمعنى آخر: هل الإسلاميون وهم جزء من الأمة على حال تستحق نصر الله..؟ !

هل لنا من أفعالنا وأقوالنا وأحوالنا ما نستنزل به رحمات الله وتأييده الذي يؤيد

به أولياءه؟ !

أم أننا ما زلنا نحتفظ كبقية الأمة بحقوق الفشل، وعلى رأسها التنازع والتدابر

والتنافر؟

هل نحن جادون؟

مهما بلغت بلاغة المتحدثين عن أسباب ضعفنا وهواننا وقلة حيلتنا وطول

عجزنا أمام الأعداء، فلن تصل إلى الوصف الجامع البليغ في القرآن حيث حذرنا

الله فقال: [وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ

اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] (الأنفال: 46) .

إنه التنازع، ومعناه: حرص كل طرف على نزع ما بيد الآخر، حرصه

على نزع ما بيده من قوة، من حجة، من جاه، من احترام، من فاعلية في التأثير،

من قدرة على النجاح، من انتظام في العمل!

ماذا يبقى بأيدي الإسلاميين عندما ينزع بعضهم عن بعض أسباب القوة

والاحترام؟ ! لن يبقى إلا الفشل.. ثم الفشل ثم الفشل! حيث يكون هذا الفشل هو

الإنجاز الأكبر، وعندها فما على أصحاب هذا (الإنتاج) إلا أن يتقاسموه فيما بينهم،

فهو ثمرة طبيعية لبذرة صناعية تصنعها أيدي الغافلين، بتزيين من الشياطين

[أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلاَ

تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ] (فاطر: 8) .

إن الأصل أن يضيف بعضنا ما صنع من خير ولو قليلاً إلى جانب ما صنع

إخوانه، لا أن ينزع بعضنا من الآخرين ما أنجزوه ليلقي به في تُرَعِ الضياع

والضعف والضعة التي تصب جميعاً في نهر يحيا به الأعداء.

ومع ذلك:

ومع كل ذلك؛ فالإسلاميون هم أولياء الله على الرغم مما يسرق الشيطان من

كمال ولايتهم، فلا نعرف لله ولياً إن لم يكن أولياؤه هم عُمَّارَ المساجد، ومقيمي

الصلوات، والباذلين للجود، والداعين إلى التوحيد، والمعلمين الخير للناس.

ولكن أولياء الله بشر ممن خلق، يضعفون ويقوون، ويجتمعون ويتفرقون،

ويطيعون ويعصون، ولذلك فهم يُنصَرون ويُهزمون، ويَعِزُّون ويذلون، بمقدار ما

أخذوه من أسباب الولاية وأركان الهداية، وعوامل النصرة وموجبات العزة، ولا بد

لنا أن نقيس قدر ولايتنا بما يتحقق فينا من ثمرات الولاية، وأهم ثمرات الولاية

الحقة أن يكون الله تعالى وليَّنا في الدنيا قبل الآخرة؛ فقد قال الله تعالى للذين قالوا

ربنا الله ثم استقاموا: [نَحْنُ أَوْلَيَاؤُكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ]

(فصلت: 31) .

الولاية والنصرة:

من أخص صفات أولياء الله أنهم يوالون من والى الله، ولا يتورطون في

أدنى أسباب الولاية لأعداء الله: قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي

وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ

وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ] (الممتحنة: 1) .

وعلى عكس فعل أهل الإيمان يبذل أهل النفاق النصرة للأعداء، ويمنعونها

عن الأولياء [الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ

فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً] (النساء: 139) .

ونحن الإسلاميين بحاجة إلى أن نسأل أنفسنا بصدق:

- هل نحقق شرط الولاية الحقة الدافعة للخوف والحزن بتحقيق

معنى الربوبية لله والاستقامة على دينه كما هو مذكور في الآية: [إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا

اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا] (فصلت: 30) . وهل نستشعر تنزُّل الملائكة لرفع

الخوف والحزن عنا: [تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا]

(فصلت: 30) ؟ ؟ !

سؤال تجيب عنه أحوالنا!

- هل يوالي بعضنا بعضاً، وينصر بعضنا بعضاً حتى يوالينا الله وينصرنا

على أعدائنا؟ !

سؤال يجيب عنه واقعنا:

- هل نعادي الأعداء حقاً، ونطيع أمر الله بالإعداد والاستعداد لهم؟ !

سؤال يجيب عنه أعداؤنا:

- هل نؤدي واجب النصرة لإخواننا ضد أعدائهم وأعدائنا بما يرفع الكرب

عنهم والإثم عنا؟ !

سؤال يجيب عنه إخواننا:

- وقبل كل ذلك: هل نصرنا الله حتى ينصرنا؟

سؤال سيعاد علينا يوم بعثنا:

إن هذه السؤالات وغيرها ستظل تتهاوش في فضاء واقعنا المؤلم، حتى نضع

لها إجابات بالعمل قبل القول، وبالحركة مع التنظير، وبالاتقان المقترن بالنية؛

فالتحديات التي تواجه الإسلاميين اليوم وقبل اليوم، وفي الغد وبعد الغد، تفرض

عليهم أن يكونوا على مستوى المرحلة، وعلى مستوى المسؤولية، وعلى مستوى

الأمانة.

الإسلاميون والرجولة:

لن نناشد في الإسلاميين اليوم إلا الرجولة؛ فلنكن رجالاً وإلاَّ فلن نكون شيئاً

مذكوراً، ولنكن رجالاً كما أراد الله؛ فالله أرادنا رجالاً في العبودية له، وأرادنا

رجالاً في الانتصار لدينه [فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ

فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ] (النور: 36-37) ، [مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ

صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً]

(الأحزاب: 23) .

إن واقعنا اليوم، وفي هذه المرحلة بالذات لا يحتاج منا إلا أن نكون رجالاً؛

بل يحتاج أن يكون نساؤنا وأطفالنا كالرجال في الثبات والعطاء والفداء.

- ومن الرجولة أن نكون نحن الإسلاميين أفراداً وجماعات كالبنيان

المرصوص كما يحب الله؛ فأين رصنا؟ بل أين بنياننا.. أين الذلة على المؤمنين

مع العزة على الكافرين..؟ أين فريضة التعاون على البر والتقوى؟ ! أين سجية

التراحم والتناصح والتسامح؟ ! أين إخباتنا وخشوعنا وضراعتنا إلى الله ومجافاة

الهجوع بالدعاء والرجاء؟

- أين دعمنا للصامدين الصابرين الذين يدافعون نيابة عنا، ويخففون الإثم

عن كواهلنا، ويدفعون الشر عن أبوابنا؟ !

أين وأين؟ !

- أين برامجنا في أحوال السلامة لمواجهة أيام الخطر؟ أين جهدنا في بلدان

الرفاه والأمان لدفع الجوع والخوف عمن ابتلاهم الله وعافانا، وقَدَر عليهم رزقهم

وأعطانا، واختبرنا معهم واستحفظنا أرضنا وديارنا وقدسنا وأقصانا؟ !

- هل نحدث أنفسنا بالغزو حتى لا نموت على شعبة من النفاق؟ أم تحدثنا

هي بدلاً من الغزوات بالنزوات والشهوات واللذائذ والغرائز؟

- أين جهاد الروح وروح الجهاد والاستشهاد في ذواتنا وذرياتنا؟ أين نماذج

الفداء والعطاء في زوجاتنا وأخواتنا وبناتنا عند مجيء الجد أو نزول الخطب؟ !

- نتساءل وحق لنا أن نتساءل: ألسنا مكلفين قبل سائر المكلفين بحمل أعباء

هذا الدين، وحماية جنابه من شرور الأعداء الظالمين؟

أعداؤنا استعدوا بالدين الباطل لنا، فهل استعددنا بالدين الحق لهم..؟ !

أعداؤنا يطرقون أبوابنا وبأيديهم توراة وإنجيل محرفان؛ فهل أوصدنا تلك الأبواب،

وصددنا ذلكم الطغيان وبأيدينا السُّنَّة والقرآن؟ !

متى نتصارح.. متى نتصالح؟

* يقولون: ما لك تنكأ جراح أمة مثخنة تحتاج إلى الضماد والدواء قبل الكلام

عن الأمراض والأدواء؟ !

أقول: نعم! الأمة جريحة، ولكن أخشى أن نكون أخطر جراحها، ولو

صلحنا لأصلح الله حالها بنا، ولأنزل النصر عليها إكراماً لسعينا وعملنا وجهادنا،

ولغيَّر ما بها وبنا بتغييرنا لأنفسنا.

* سيقولون: لسنا نحن سبب الهزيمة والعار الذي حاق بالأمة؛ إذ ليس لنا

من الأمر شيء! ! أقول: وما الذي جعلنا في موقع من ليس له من الأمر شيء

طيلة هذه العقود، إلاَّ أننا على مختلف مستوياتنا لا نريد الخروج من هذا الشيء،

ونستمرئ أن نظل هكذا بتشرذمنا وتشعثنا واستنكاف بعضنا عن إجابة دعوة الله لنا

جميعاً [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً] (آل عمران: 103) يا الله ماذا لو

اعتصمنا بحبل الله (جميعاً) ماذا يكون حالنا؟ ! إننا سنكون كل شيء ولن يقف

أمام اعتصامنا بالله أي شيء.

* سيقولون: كيف تطالب الإسلاميين بأن يكونوا على مستوى المعركة

المصيرية مع الأمة الغضبية، ونحن لم نفلح في كسب معركة واحدة فاصلة ضد

العلمانية العربية؟ ! والجواب: لو نجحنا في هذه، لنجحنا في تلك، وأسباب

الإخفاق هنا، هي أسباب الإخفاق هنالك، تنازعنا وفشلنا أمام العلمانيين، وتنازع

العلمانيون ففشلوا أمام اليهود، وأخشى أن يظل التنازع سيد الموقف، حتى نغدو

عبيداً لأذل العبيد، والفضل عندها يعود للتنازع!

إننا نتنازع ونتنازع حتى في أسباب التنازع ونتائج التنازع، وأسباب وعلاج

التنازع، فعندما نفشل، أو تذهب ريحنا، يرمي بعضنا بعضاً بتبعة الهزيمة والفشل

على الآخرين! !

يا عزيزي! كلنا مهزومون..! وإلى إشعار آخر.. كلنا مغلوبون، فلِمَ

التعالي فيما بيننا؟ ولِمَ التعامي عن أحوالنا، ولِمَ يظن بعضنا أنه الوحيد المعصوم

عن أسباب الهزائم؟ ! صحيح أن الأمة مهزومة ولكننا طليعتها وخلاصتها وإن كنا

بعد الله أملها ورجاءها.

نصر الله قريب ... ولكن!

كنت أريد ألا أستدرك بـ (لكن) ولكن: نحن أمام مسؤوليات جسام تستدعي

تجييش أمة، وإعداد شعوب، وترتيب طاقات وحشد إمكانات، نحن أمام عدو عادٍ

وعاتٍ متجبر مزود بأحدث وأخطر سلاح، ومدعوم من أخبث وأطغى القوى،

ومجهز بأمكر وأكبر الخطط، والذين ولاَّهم الله أمر أمتنا المبتلاة يعلمون ذلك

ولكنهم لا يعملون، والظاهر أن جعبتهم ما تزال ملأى بالمزيد من التفريط في حق

الأمة، والتوريط لها في مزيد من المحن والنكبات..

ولا أمل بعد الله كما بدأت القول إلا في قيادة اعتبارية للأمة الإسلامية، من

علمائها ودعاتها، وعامليها ومجاهديها، تكون بديلة للقيادات الشوهاء الرعناء على

المدى القريب والبعيد، وهذا لن يكون إلا بأن يصبح الإسلاميون على مستوى رضا

الله، فيحوزوا رضا الناس، ويستعيدوا احترامهم، فيسلموا لهم القيادة الاعتبارية

في أوقات التحدي، كما هو حادث الآن في فلسطين، وما أكثر ما تعلِّمُنا فلسطين!

إنني أتصور أن الأحداث في المنطقة قد دخلت منطقة اللاعودة، أما عودتنا نحن،

فقد دخلت منطقة اللاتراجع وإلا [وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا

أَمْثَالَكُمْ] (محمد: 38) .

لنغتنم اللحظة ... ولننتهز الفرصة.. ولنوحد صفوفنا أمام التحديات والمحن؛

فتلك فريضة الوقت ... ولنطهر قلوبنا من البغضاء والشحناء والإحن؛ فتلك أمانة

المرحلة ... ولننظر بعين المسؤولية إلى خطورة الواقع؛ فتلك رسالة الساعة،

ورسالتنا بوصفنا مصلحين في الأمة، لن يؤديها غيرنا، مهما تمنينا على الله

الأماني.

إن هناك الكثير مما يقال لتسويغ واقع الحال، أو التملص من تبعته، حتى

من بعض الإسلاميين؛ فهناك حجج وطروحات جعلت منا نحن الإسلاميين كغيرنا

من بقية الناس سبباً لاستهانة الأعداء بالأمة، ولكن ذلك حديث يطول.

فإلى بقية في لقاء آخر بإذن الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015