المسلمون والعالم
الولايات المتحدة تخطط للقضاء على الانتفاضة
أنت السيف والحكم! !
عبد الملك محمود
مقدمة:
بينما كان المصورون يلتقطون الصور التذكارية للدبلوماسيين في قاعة
المؤتمرات في (واي بلانتيشن) قبل انطلاق مباحثات السلام بين الفلسطينيين
واليهود منذ ثلاثة أعوام تقريباً، كان مدير المخابرات الأمريكية اليهودي (جورج
تينيت) ومدير مكتب الوكالة في تل أبيب بعيدين عن الأنظار في الطابق العلوي في
انتظار خروج المصورين والصحافيين للانضمام إلى المباحثات دون لفت
الانتباه [1] . لا يبدو الأمر غريباً؛ فهذا هو الدور المعتاد للمخابرات ذات الطابع
السري. والمخابرات الأمريكية - كما هو معروف - منذ نشأتها عام 1947م ارتبط
نشاطها بالمؤامرات والدسائس، وولغت في الحروب عالمياً خاصة تجاه شعوب العالم
الثالث - وعامة بلاد المسلمين منها - وحركات التحرر الوطني التي لا تخضع
للإرادة الأمريكية. وقد كانت مؤامرات المخابرات الأمريكية وحروبها تتسم
بالسرية أو تجري وراء الكواليس. غير أن ما حدث مؤخراً من ظهور علني
في قضية الصراع مع اليهود يعتبر شيئاً جديداً؛ فما الذي تغير فدعا الإدارة
الأمريكية إلى أن تخرج عن طورها وتزج بمدير مخابراتها بصورة علنية مكشوفة،
وتتدخل بقوة في قضية أمن اليهود ودولتهم المسخ بخطة تحمل اسمه ويشرف هو
عليها شخصياً بل ويتابعها في المنطقة؟
الواقع أن دور المخابرات الأمريكية في هذا الصراع لم يكن غائباً؛ فقد ظهر
بوضوح مع الانتفاضة الأولى قبل سنوات، ومع وصول عرفات وقيادته إلى
الأراضي الفلسطينية والإدارة الأمريكية حاضرة وحريصة على إنجاح مساعي تأمين
سلامة اليهود، فأنشأت في قطاع غزة مكتباً للمخابرات الأمريكية للمتابعة ووضع
الخطوط الحمراء والخضراء ورصد وتجميع التقارير التجسسية عن الشخصيات
المؤثرة والفاعلة في المجتمع، والقيام بمهمة التنسيق بين السلطات اليهودية
والفلسطينية فيما يتعلق بالخطط الأمنية.
لسنا بحاجة إلى كشف حجم وطبيعة العلاقة بين الكيان اليهودي والحكومة
الأمريكية؛ فكل المؤشرات العلنية والسرية تؤكد أن المشاريع الأمريكية الحالية في
المنطقة هي حماية الشعب اليهودي ودولة اليهود.. سواء ظهر ذلك على صيغة
اتفاقات دولية كشرم الشيخ، أو جاء على هيئة تعليمات أو اتصالات أمنية،
أو حمل أي مسمى آخر. ولكن لعل من المناسب الإشارة إلى الأهداف القريبة
للاتصالات والمشاريع الجديدة.
التحركات الأمريكية الجديدة وأهدافها:
مضى الآن عشرة أشهر على هذه الانتفاضة المباركة وهي لا تزداد إلا
إصراراً، ولا شك أنها كما هو الحال في الانتفاضة السابقة قد أفرزت واقعاً ضخماً
في التأثير على العدو بصورة بالغة دعته إلى الاستنجاد وطلب العون من حلفائه
وأوليائه في الغرب - خصوصا الأمريكان - حيث لم يستطع الجيش اليهودي إيقافها،
وكذلك الأمر بالنسبة للسلطة؛ حيث صدرت الأوامر أكثر من مرة بضرورة وقف
(أعمال العنف!) . وقد استشاط السفاح (آرييل شارون) غضباً من عدم قدرة
عرفات على ذلك، وصرح أكثر من مرة بأن عرفات قاتل ومجرم وخائن لعملية
السلام. كما انتهت مدة الـ 100 يوم التي وعد المجرم (شارون) بها لإنهاء
الانتفاضة حيث مارس خلالها أشنع الجرائم.. واستعمل فيها كل أنواع الأسلحة
حتى طائراتF16.. ولم يتبق من الأسلحة التي لم تستعمل سوى الأسلحة النووية
فقط.
ظهرت أفكار عجيبة للقضاء على الانتفاضة - أو في أقل الأحوال - الحد من
آثارها على الكيان الصهيوني كعمل جدار إلكتروني فاصل بين المستوطنات
ومناطق الفلسطينيين، وفكرة تقسيم المناطق إلى 4 كانتونات، والتفاوض مع
كل منها على حدة.. فضلاً عن عمليات القتل والإصابات بالمدافع والدبابات
بل والقصف بالطائرات.
وكما نتج بعد الانتفاضة الأولى من مؤتمرات واتفاقات (مدريد)
و (أوسلو) و (شرم الشيخ) واستقدام منظمة التحرير من تونس لإخضاع
المجاهدين أو اعتقالهم، كذلك اضطرت هذه الانتفاضة الثانية المباركة إن شاء
الله اليهود وحلفاءهم إلى الضغط لاعتقال المجاهدين ومحاولة القضاء على
الانتفاضة.
وها هي الولايات المتحدة تكشر عن أنيابها، ويظهر مدير مخابراتها
(ذو الأصول اليهودية البلقانية) [2] والمتخصص في موضوعات من نوع
حماس والجهاد الإسلامي، على هذا المستوى من العلنية فيما يعطي دلائل واضحة
على خطورة الأوضاع مما لم تحسب لها حسابات في الخطط السابقة خصوصاً بعد
عجز السفاح شارون عن تطبيق وعوده في أمن المستوطنين بل وأمن اليهود داخل
الخط الأخضر، وبعد تصاعد العمليات والنقلة النوعية فيها، فبدأت خيوط
مؤامرة جديدة تحاك لإجهاض الانتفاضة والقضاء على النشاط الإسلامي برمته،
وقد صرح (تينيت) بذلك بصفاقة.
وخطة (تينيت) ليست أولى الخطط في جعبة الإدارة الأمريكية وربما لا
تكون آخرها؛ خصوصاً ونحن نراها تترنح حالياً تحت وطأة العنف والاعتداء
الصهيوني، وقد ذكرنا في مقال سابق [3] خطة (كلينتون) في آخر أيامه في البيت
الأبيض، والجهود التي بذلت فيها الإدارة الأمريكية السابقة عصارة خبراتها،
وركزت كامل جهودها.
وها نحن نشاهد في عهد بوش الثاني زيادة التمادي في الظلم، فتتوقف
الإدارة عن الخوض أو التدخل، وترفض استقبال عرفات للضغط عليه حتى يساهم
في قمع الانتفاضة بصورة كبيرة ويقوم باعتقال الإسلاميين ومن يساهم في تحريك
الانتفاضة، ولإعطاء الفرصة لـ (شارون) ليقوم بما بدا له. وتكثف الولايات
المتحدة حجم تحركاتها، وترسل عدة مبعوثين من أبرزهم وزير الخارجية
(كولن باول) أكثر من مرة، وفي هذا السياق جاءت مبادرة مدير المخابرات الذي
وصل إلى المنطقة في 6/6/2001م (بعد ذكرى هزيمة حزيران 1967م
بيوم واحد) .
من جهة أخرى فبعد شهور طويلة من اللف والدوران تمخض المسعى
الأمريكي تحت الضغط في تقرير لجنة السناتور (ميتشل) «لتقصي الحقائق»
وبعد شهور عجاف من تضييع الوقت جاء التقرير المشوه المجحف، وأمام الظلم
الفادح الواضح فإنه أظهر في ثناياه بعض الحقيقة وألقى باللوم على اليهود، وهذا ما
دفعهم إلى رفض التقرير.
مع تصاعد وتيرة الانتفاضة والنقلة النوعية فيها كاستعمال مدافع الهاون،
وكثرة العمليات البطولية مثل عملية مرقص تل أبيب التي نفذتها كتائب القسام حيث
أسفرت عن مقتل 21 شخصاً وإصابة أكثر من 120 حسب المصادر اليهودية،
ومع دور بعض كوادر فتح فضلاً عن دور حماس والجهاد الإسلامي ... سقطت
أسطورة النظرية الأمنية لدولة إسرائيل، وصار كثير من المستوطنين يتدهور نفسياً
وأمنياً [4] .. بل إن بعضاً ممن تملكهم الرعب أصبح يفكر في الهجرة خارج فلسطين،
والصحف الإسرائيلية التي صدرت عقب الانفجار الأخير تحدثت عن نزوح عدد
من قطعان المستوطنين إلى البلاد التي قدموا منها، والقصص حول آثار الانتفاضة
عموماً على الشخصية اليهودية كثيرة وليس هذا مكان الحديث عنها [5] ، هذا فضلاً
عن الآثار الاقتصادية الضخمة التي أظهرتها التقارير عن أثر الانتفاضة. في هذه
الأجواء جاءت التحركات الأمريكية الأخيرة التي تسارع كالعادة في إنقاذ الحليف
اليهودي، مما يذكرنا بالجسر الجوي الأمريكي لإسرائيل في حرب رمضان عام
1393هـ (أكتوبر 1973م) لإنقاذ دولة اليهود.
يرمي المشروع الأمريكي الجديد إلى أهداف صغيرة داخل الهدف الأساسي،
مثل:
1 - إيقاف الانتفاضة والعمليات النوعية التي أحدثت تغييرات ضخمة في
الشارع الفلسطيني والإسلامي عموماً.
2 - جمع الأسلحة خصوصاً أسلحة الهاون التي برزت مؤخراً، وقد جن
جنون اليهود عند ظهورها وبعض مسؤوليهم صرح تصريحات هستيرية بسببها.
3 - إشعال فتيل الحرب بين الفلسطينيين بالتحريض على اعتقال المجاهدين،
خصوصاً بعدما تبين أن جزءاً من كوادر فتح متعاطفون مع الإسلاميين أو أنهم
سئموا من سياسات عرفات الخيانية.
وخطة المخابرات الأمريكية وضعت لتحقيق هذه الأهداف وهي لا تعدو أن
تكون صورة من مطالب شارون الثلاثة التي من بينها اعتقال النشطين الذين أفرجت
عنهم السلطة. وفي تقريره الذي قدمه مدير المخابرات الأمريكية إلى مجلس النواب
الأمريكي قبل بضعة اشهر حذر «تينيت» من مخاطر الانتفاضة وآثارها حتى
على الشارع العربي عموماً [6] ، وبالطبع فإنه وضع خططاً للقضاء على الانتفاضة
منذ فترة طويلة؛ فهي ليست خطة جديدة إلا في توقيت تطبيقها فقط.
الشرق الأوسط يعج بالوفود:
نود الإشارة أولاً إلى الجو المحموم الذي اكتنف المنطقة؛ حيث أصبحت تعج
بالوفود والمراسلين من شتى بقاع العالم؛ فعلى صعيد المساعي الغربية مثلاً رأينا
وفوداً كثيرة جابت المنطقة.
وطوال أشهر الانتفاضة لم تحرك عمليات القتل والقصف والهدم والإصابات
اليومية كوامن الإنسانية الغربية، ولكنها تستيقظ عند قتل أي يهودي.. فتتحرك
الإنسانية الحانية و.. بعد عملية تل أبيب تحرك الغرب كله، فازدحمت المنطقة
بالوفود والمبعوثين من أمريكا وأوروبا.. خافير سولانا المتعصب، وموراتينوس،
وبيرسون.. ودبلوماسيين من روسيا، ثم مبعوث جديد هو أندريه فدوفين.. حتى
ألمانيا الباردة عادةً تحركت فأرسلت وزير خارجيتها يوشكا فيشر ثم مدد زيارته إلى
المنطقة [7] .. وفود أمريكية كثيرة ترسل فيها أمريكا أكبر شخصياتها: مثل وزير
خارجية أمريكا كولن باول والمبعوث الخاص وليام بينز، وأخيراً مدير المخابرات
CIصلى الله عليه وسلم، ولم تكتف الإدارة الأمريكية بذلك فقررت أيضاً إدخال رئيس أعلى منظمة
دولية في العالم كوفي عنان الذي يسير حسب المطلوب.
فلماذا جاء هؤلاء يتوسطون؟ أمن أجل دمائنا وأطفالنا؟ هل آلمهم قتل
العجائز والأطفال؟ أم حركتهم صور محمد الدرة وإيمان حجو والعشرات من
الأطفال؟ أم أحزنتهم صور الشيوخ والعجائز الجالسين على ركام بيوتهم المهدمة
بفعل الجرافات الإسرائيلية؟ الحقيقة التي يعرفها كل الناس أنه لم يحركهم لا هذا
ولا ذاك.
لا بد من وقفة هنا: ما هو الأمر الذي دعا الإدارة الأمريكية إلى التدخل بهذه
الصورة الصارخة، بحيث يقوم مدير مخابراتها الذي يفترض في طبيعة عمله
السرية التامة والمحكمة إلى الظهور هكذا والتدخل في الترتيبات الأمنية لليهود؟
نعود الى موضوعنا لنتابع بعض تحركات الإدارة الأمريكية التي تتحرك كلها
برئيسها ووزرائها ومندوبيها وسفرائها في المنطقة، ونعطي صورة عن مدى
التحالف اليهودي الأمريكي.
خطة (تينيت) بوصفها نموذجاً عملياً:
هُرِعَ مدير المخابرات الأمريكية إلى المنطقة راكباً حمار بطرس الناسك،
ومكث فيها أسبوعاً كاملاً، فالتقى المسؤولين الأردنيين أولاً، ثم توجه إلى
الأراضي الفلسطينية وعقد لقاءات مع المسؤولين اليهود؛ حيث تم تدارس الخطة،
ثم التقى القيادة الفلسطينية في رام الله، ثم توجه بعد ذلك إلى القاهرة حيث التقى
الرئيس المصري وأبلغه بها أيضاً [8] . الجدير بالذكر أنه لم يصرح أي مسؤول
مصري أو أردني أو غيرهم بالاعتراض على الخطة، بل على العكس فإن الأخبار
تؤكد أنه كان هناك اتفاق على الضغط على الفلسطينيين لقبولها وإلقاء القبض على
مقاتلي حماس والجهاد ومن يسمونهم بالإرهابيين، وقد حمل (تينيت) في جعبته
قائمة بأسماء اكثر من 300 شخص من المطلوب القبض عليهم [9] ممن لهم علاقة
بالتخطيط لعمليات استشهادية أو بعض الأسماء البارزة في الجناح العسكري لحماس
مثل محمد ضيف قائد الجناح العسكري في غزة ومحمود أبو الهنود القائد في
الضفة [10] .
وقد أشارت بعض الصحف إلى التقارير الدالة على أن ضغوطاً عربية
مورست على الفلسطينيين لقبول الخطة كما ذكرت ذلك صحيفة جيروزاليم
بوس [11] واتفقت معها صحيفة الحياة (بنفس التاريخ) على المضمون ذاته. وقد
سبق ذلك ضغوط مماثلة لقبول تقرير (ميتشل) [12] ، وهو أسلوب متبع طوال
الأعوام السابقة.. ضغوط هائلة لقبول كل تنازل جديد. ولا يعني هذا بالطبع تبرئة
عرفات ورجاله مطلقاً، وهذا له حديث آخر طويل؛ فالقيادة الفلسطينية مثلاً ساهمت
بشكل مباشر في رسم الإطار السياسي لمسيرة الأحداث، والمنظمة ليس لديها
خطط واضحة، بل تصريحات فضفاضة بدون معالم، كما أن سوابق المنظمة
في اعتقال الإسلاميين والتعاون الأمني مع إسرائيل لا تخالف هذا النهج.
قراءة لبنود الخطة (المكيال الأمريكي) :
النقاط الأساسية لخطة وقف إطلاق النار التي توصل إليها الفلسطينيون
والإسرائيليون مع رئيس وكالة المخابرات الأمريكية، يبدو أن الصحافة الإسرائيلية
هي أول من نشرها، ثم نقلتها عنها الوكالات والصحف، وقد نشرت تفصيلاتها
البي بي سي [13] وصحيفة الحياة وغيرها. ولا يتسع المقام هنا لذكر تفاصيل
الخطة، ولكن هذه بعض البنود باختصار:
- التزام الطرفين بوقف لإطلاق النار وجميع أعمال العنف [الذي يدافع عن
نفسه أمام الدبابة والبندقية ماذا يسمى عمله؟ عنف أم دفاع عن النفس؟ قتل خلال
الانتفاضة نحو 600 شخص، كم جندي إسرائيلي تم القبض عليه؟ أم أن كل
القتلى كانوا يرتكبون اعمال عنف؟] .
- يستأنف الفلسطينيون والإسرائيليون على الفور (! !) التعاون الأمني،
مع مسؤولين أمنيين أمريكيين، يليه عقد اجتماع كل أسبوع (! !) . [لاحظ
صيغة الفورية، والعجلة، والحرص الأمريكي على الحضور حتى في التفاصيل
للاطمئنان] .
- يعمل الجانبان على منع الأفراد والجماعات من شن هجمات من مناطقهم أو
الهرب إليها بعد تنفيذ أي أعمال عنف [المقصود بالطبع الفلسطينيين، وإلا فإن
اليهود يأتون على هيئة جنود] .
يمد كل طرف الطرف الآخر والمسؤولين الأمريكيين بأي معلومات (! !)
عن وجود تهديدات بشن هجمات إرهابية، وأن يجري التعامل فوراً معها، وتبلغ
لجنة التعاون الأمني بجهود إجهاض تلك التهديدات ونتائجها [الأمريكان حاضرون
هنا أيضا للاطمئنان، ولا تكتفي الخطة بتزويد المعلومات بل الإبلاغ أيضاً عن
جهود إجهاض المحاولات الإرهابية ونتائجه أيضاً] .
- يحدد الطرفان قائمة بمناطق وقوع المصادمات، وتطبق آلية لجعلها مناطق
عازلة يحظر فيها قيام المظاهرات (! !) .
إعادة تفعيل دور مكاتب الارتباط المحلية، والوصول إلى مستوى التعاون
الذي كان قائماً قبل الانتفاضة، وتزال جميع معوقات التنسيق بين الجانبين، بما في
ذلك الحواجز، ويبدأ تسيير الدوريات المشتركة [مطلوب من الفلسطينيين أن يكونوا
حراساً مشاركين في أمن إسرائيل وسجانين لشعبهم] .
- توضع إجراءات محددة لضمان أمن وسلامة المسؤولين الأمنيين عند
انتقالهم إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرتهم، على أن تزود الولايات المتحدة
الجانبين بدوائر تلفزيونية مغلقة لتيسير الاتصال [من صور الكرم الأمريكي] .
- في غضون أسبوع واحد (! !) من استئناف التعاون يتفق الطرفان على
جدول زمني لعودة القوات الإسرائيلية إلى مواقعها قبل اندلاع الانتفاضة [هذا هو
أهم الإنجازات التي سيحصل عليها الفلسطينيون] ويتفق الطرفان على جدول زمني
لرفع الحصار عن المناطق الفلسطينية وفتح الطرق الداخلية وجسر اللَّنبي ومطار
وميناء غزة والمعابر الحدودية، وتقليص عدد نقاط التفتيش المقامة على الطرق.
- وبعد مضي 48 ساعة (! !) من الأسبوع الأول ينبغي البدء في تنفيذ
إجراءات عملية، ويتواصل التنفيذ أثناء فترة التفاوض حول الجدول الزمني.
- على الجانب الفلسطيني أن يعتقل فوراً (! !) منفذي العمليات الإرهابية
في الضفة الغربية وقطاع غزة [قرار لا يحتمل التأخير] .
- يقدم المسؤولون الفلسطينيون قائمة بأسماء هؤلاء المعتقلين وبالإجراءات
المتخذة ضدهم [! !] .
- يتعين على أجهزة الأمن الفلسطينية مصادرة مدافع الهاون وكافة الأسلحة
غير القانونية، ومنع أنشطة تهريب الأسلحة [يبدو أن المخطط نسي منع سكاكين
المطبخ، حيث إن المطلوب أن يكون الضحية مجرداً من أية وسيلة للدفاع عن نفسه
أمام الدبابات والمدافع الإسرائيلية] .
- يجب (! !) على السلطة الوطنية الفلسطينية أن تدعو المسؤولين الأمنيين
للتوقف عن تحريض الفلسطينيين أو تمكينهم من تنفيذ هجمات ضد الأراضي
الإسرائيلية أو المستوطنات [لاحظ صيغة الأمر: يجب] .
- على القوات الإسرائيلية أن تكف عن مهاجمة قوات السلطة الوطنية
الفلسطينية ومنشآتها المدنية ومراكز قيادتها، وأن تتوقف عن شن عمليات عسكرية
ضد المدنيين الأبرياء [يلاحظ أن التركيز فقط على الحفاظ على السلطة ومنشآتها] .
- على القوات الإسرائيلية أن تستخدم أسلحة غير قاتلة في تفريق المظاهرات
[لكم أن تفسروا هذا البند بما تعرفونه، يعني ما هو حكم استخدام طائرات إف 16
مثلاً؟ أو الرصاص الذي يتفجر داخل الجسم؟ أو أن لا يموت الشخص على الفور
وإنما يتوفى في المستشفى بعد يومين؟ هناك تشكيلة واسعة من الأسلحة يمكن
استخدامها حتى لا تسمى الأسلحة بأنها قاتلة، يكفي أن تؤدي الإصابة إلى عاهات
مستديمة كالشلل مثلاً أو كسور أو عمى] .
- يجب على السلطات الإسرائيلية أن تتخذ إجراءات ضد المواطنين
الإسرائيليين الذين يشنون هجمات انتقامية على الفلسطينيين، أو يحرضون على
إيذائهم.
- على السلطات الإسرائيلية أن تحقق (! !) في حوادث قتل الفلسطينيين
الذين لم يتورطوا في أعمال إرهابية أو مواجهات مع الجيش الإسرائيلي. [ولِمَ هذه
التكاليف الباهظة؟] .
- ينبغي أن تطلق إسرائيل سراح السجناء الفلسطينيين غير المتورطين في
أعمال إرهابية [ما حكم الأشخاص الذين اعتقلوا بسبب إلقائهم الحجارة على الجنود
الإسرائيليين] .
من مجمل البنود.. لعل القارئ الكريم لاحظ حجم ما هو مطلوب من الجانب
الفلسطيني.. ومدى إجحافها بل إجرامها.. كما يلاحظ صيغ الأمر الفوري الذي لا
يحتمل التأجيل.. مثل صيغ: فوراً.. فوراً.. و48 ساعة.. والأسبوع الأول..
وتحت ذريعة «وقف التحريض» فإن على السلطة اتخاذ كل الإجراءات للقضاء
على الانتفاضة، فهي إذن ما يطلبه شارون.
وأترك للقارئ قراءة ما وراء السطور، والتأمل مرة أخرى في الخطة
وأهدافها.
وكما أشرنا سابقاً فقد وافق عرفات بصورة تدعو إلى الاشمئزاز على بنود
الخطة التي ذكرت بعض الأنباء أن فيها بنوداً سرية لم تكشف أيضاً، ولم يبد إلا
اعتراضات بسيطة مثل النص الذي يدعو إلى إقامة مناطق عازلة بين إسرائيل
والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م. واعتراض آخر حول النص الذي
أشار إلى أن السلطة الوطنية ستلقي القبض على من يشتبه في أنهم شاركوا في
هجمات وقعت في السابق [14] ؛ لأن هذا في الواقع سيسبب له إحراجاً بالغاً في هذه
المرحلة. وربما أبدت القيادة الفلسطينية ملاحظات على استمرار خطة شارون في
بناء المستوطنات، ولكن السلطة عودتنا منذ بداية الانتفاضة على أن أكبر مطالبها
أشياء أخرى مثل موضوع الأموال التي تحتجزها إسرائيل من مستحقات السلطة.
ودعت قيادة السلطة عناصر فتح وغيرهم إلى الالتزام بخطة المخابرات
الأمريكية لوقف إطلاق النار وعدم القيام بأية إجراءات تحدث خللاً في الوضع العام.
وذكر بيان اللجنة المركزية لفتح بعد اجتماع طارئ في رام الله مساء 15/6/
2001م في إطار تسويقه لخطة المخابرات الأمريكية: بأن التفاهمات التي توصل
إليها جورج (تينيت) في المجال الأمني خطوة مهمة وأولية لتنفيذ تقرير (ميتشل)
وتفاهمات قمة شرم الشيخ، ويتوجب الالتزام بما ورد فيها وتطبيقه بكل مسؤولية.
ولم ينس البيان وضع كليشة المنظمة المعروفة: دعوة أمريكا وروسيا والاتحاد
الأوروبي ودول عدم الانحياز وكافة الدول والأطراف المحبة للسلام في العالم
للضغط على إسرائيل للعودة إلى طاولة المفاوضات. كما رحبت اللجنة المركزية
ببيان القمة الأوروبية الأمريكية الذي صدر في نفس اليوم.
وفي اليوم نفسه شهدت كافة المدن بعد صلاة الجمعة 15/6/2001م مسيرات
حاشدة بدعوة من لجنة التنسيق الوطنية والإسلامية (تمثل 13 تنظيماً) للتعبير عن
رفض الخطة. ولو أن عرفات أجرى استفتاء حقيقياً لوجد أن غالبية الشعب ترفض
الخطة وتشعر بالمرارة لما يحاك من مؤامرات لإجهاض الانتفاضة. ويتساءل المرء
بدهشة عن هذا الخنوع والتنازل السريع ونسيان الجرائم اليهودية البشعة طوال
الفترة الماضية وعن دماء الشهداء وإصابات آلاف الجرحى.. هل تمحى هكذا بدون
ثمن؟ تستطيع المنظمة أن تكون في موقف أقوى من هذا بكثير.
من ناحية أخرى فقد كانت حماس وفتح قد أعلنتا قبل ذلك عن وقف مشروط
لإطلاق النار بحيث تقبل إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967
م. وذكر أحد قياديي حماس إسماعيل أبو شنب للبي بي سي أن القرار يهدف إلى
حمل الشارع الإسرائيلي على دعوة حكومته لوقف العمليات ضد الفلسطينيين
والانسحاب من الأراضي الفلسطينية [15] .
الصف الفلسطيني:
لسنا من أنصار ما يسمى بالوحدة الوطنية، أو التحالف مع العلمانيين..
ولكننا نقدر اجتهادات إخواننا في حماس تجاه المواجهة مع السلطة وعدم فتح جبهات
جديدة ضدهم. ومن هذه الرؤية فإننا نعتقد بأن الخطة اليهودية الأمريكية حريصة
على وجود شرخ بين الفلسطينيين وهو مسعى إسرائيلي قديم، وقد كتب أحد
المسؤولين اليهود يقول: سترون خلال أيام أننا نجحنا في إشعال حرب أهلية بين
الفلسطينيين. والتاريخ الطويل لليهود يثبت أنهم يتقنون هذه الصناعة الحقيرة من
زرع العداوات والأحقاد في الأمم. وقد ذكر د. عبد العزيز الرنتيسي: أن مدير
الـ CIصلى الله عليه وسلم سوف يخفق في إجهاض الانتفاضة، وأن جورج (تينيت) يحاول
تحويل الصراع إلى صراع فلسطيني فلسطيني من خلال تحريض السلطة
الفلسطينية ضد شعبها، معتبراً أنه سوف لن ينجح في ذلك؛ لأن السلطة لن تخضع
لضغوطه [16] .
هذا التماسك الفلسطيني أغاظ شارون وبيريز واليهود وحلفاءهم، ومطلوب
فلسطينياً من الوطنيين الذين لا يسيرون في ركاب عرفات (وهم في تزايد) تفويت
الفرصة، ومراجعة أنفسهم ومعرفة واجبهم تجاه دينهم؛ فالإسلام ليس وقفاً على
جماعة أو حزب، بل هو همُّ كل مسلم؛ فهي فرصة لمراجعة النفس وتحديد المسار
الذي يرضي الله سبحانه.
لا نعتقد أن اليهود والسفاح شارون سيلتزمون باتفاقات وعهود، بل سرعان ما
سينقضون الاتفاقات، وقد سبقها الكثير، ولن يلتزموا منها إلا بمقدار ما تحقق
مصالحهم، وسيلجؤون إلى أساليبهم في الاحتيال والغدر ونقض العهود.. إنها
أبرز خصائصهم التي اخبرنا عنها ربنا - سبحانه وتعالى -. وقد أوضح
وزير الحكم المحلي صائب عريقات أن تحريك الدبابات الإسرائيلية تم فقط أمام
كاميرات التلفزيون، لكن لم يتغير شيء على الأرض.. وأشار في17/6/2001م
إلى عدم التزام إسرائيل بالاتفاق، وان الوضع كما كان عليه قبل 10 أيام. كما
قامت الجرافات الإسرائيلية بتدمير بعض المباني في غزة قرب الحدود المصرية
مع وصول (تينيت) [17] .
والاتفاق لا يُعنى بالحلول وإنما يهتم فقط بآلية حماية اليهود وعدم تعرضهم
للأذى، ولا تتحدث الخطة عن أي شيء آخر: لا القدس ولا اللاجئين ولا المعتقلين
ولا وقف بناء المستوطنات ولا قضية المياه ولا ... لا شيء مطلقاً؛ فهي خطة
أمنية ولا شيء غير ذلك كتطبيق للبند الأول في تقرير ميتشل لتهدئة الأمور
والتمهيد للعودة إلى طبخة الحصى القديمة (طاولة المفاوضات) .. وفقاً لصيغة
التنازلات الجديدة في تقرير لجنة السناتور الأمريكي ميتشل بعد 6 أسابيع من بدء
تطبيق خطة (تينيت) .
كانت مطالب السلطة أن يكون هناك تدخل دولي، فاستعملت أمريكا حق
النقض (الفيتو) ، ثم رتبت مؤتمر قمة شرم الشيخ بالتواطؤ مع إسرائيل والاتحاد
الأوروبي وأطراف أخرى لإنهاء الانتفاضة، وضغط على عرفات جماعياً، وعند
نهاية الاجتماع كان سقف المطلب المطروح فلسطينياً قد هبط من مستوى
«قوة مراقبة دولية» الى مستوى «لجنة دولية للتحقيق» ليستقر أخيراً إلى «لجنة
دولية لتقصي الحقائق» . وما أن غادر الزعماء شرم الشيخ حتى فاجأ كلينتون
العالم بانفراد واشنطن بتشكيل «لجنة تقصي الحقائق الدولية» ومن هنا
جاءت لجنة السناتور الأمريكي جورج ميتشل لجنة أمريكية تنتهي
مرجعيتها إلى الرئيس الأمريكي لا غير [18] . والسلطة الفلسطينية وافقت على
تقرير ميتشل وهي تعلم يقيناً هزاله، وكيف أنه قزَّم القضية حتى عما تريده السلطة
من أفق دولي وصراع ضخم في المنطقة إلى مجرد ملف تابع للمخابرات
الأمريكية التابعة لليهود!
أما تقرير ميتشل ومساواة الضحية بالجزار ولم يسجل التقرير أية إدانة
لإسرائيل على أنها دولة محتلة، كما أنه يسعى إلى وضع نهاية للانتفاضة والمقاومة.
وبعد ذلك جاء مدير المخابرات الأمريكية للنزول درجة أخرى ولقمع الانتفاضة
ميدانياً تمهيداً للبدء في ورقة ميتشل ... وأمريكا هي السيف والحكم. ويعود باول
وزير الخارجية الأمريكية مرة أخرى - وهو لم ينقطع باتصالاته وتحركاته منذ
زيارته الأولى - ليطالب عرفات بإلقاء القبض على العناصر التي يمكن أن تقوم
بتنفيذ هجمات مسلحة على اليهود، وطالب عرفات بأن يقرن الأقوال بالأفعال [19] .
دور عرفات والسلطة:
لقد أجرمت السلطة في حق قضية فلسطين بما لو كتب فيه مجلدات لكان قليلاً،
وكان من أبرز ما ارتكبته الإبعاد المتعمد للطابع الإسلامي للقضية.. والسير في
مسيرة تنازلات للأعداء بما لا نهاية مما لا يقبله أي حريص على وطنيته فضلاً عن
دينه.
صورة قبيحة كالحة يمثلها عرفات الذي يراهن على أعداء الله من اليهود
والنصارى، مراهنة على سراب بيريز الداهية، وعلى الدور الأمريكي الحاقد..
فهل هناك أعجب من هذا؟ ! وإلى متى يصر عرفات على المراهنة على الدور
الأمريكي الحيادي (!) ؟ وهل بقي شيء لدى الحكومة الأمريكية لم تفعله في
عداوتنا؟ هل يوجد مثلاً قرار صوتت فيه أمريكا لمصلحة حق المسلمين على
حساب باطل اليهود منذ نشأة هيئة الأمم المتحدة؟
قام شارون بزيارة واشنطن مرة أخرى لينسق مع الإدارة الأمريكية سبل
القضاء على الانتفاضة والإسلاميين؛ بينما ترفض هذه الإدارة محاورة السلطة أو
استقبال عرفات، وعرفات لا زال يراهن بصورة غريبة على الدور الأمريكي ...
ثم ها هو بوش في استقباله لشارون يثني على صبره (! !) في التعامل مع
الفلسطينيين [20] ! وترفض الإدارة فكرة محاكمة شارون باعتباره مجرم حرب؛
لأنه زعيم منتخب بطريقة حرة لدولة ديمقراطية (! !) . وتشير مصادر البيت
الأبيض إلى أن محادثاتهما كانت (منفتحة وجدية) وأن الجو كان (دافئاً) واتسم
بـ (الصداقة) لأن الرجلين (يكنان الإعجاب أحدهما بالآخر) [21] ، ولا ندري ما
سبب إعجاب (بوش) بالسفاح (شارون) ؟ غير أننا نتعجب من عرفات الذي لم
يَصْحُ بعدُ أمام هذه الوقاحات الأمريكية واللكمات التي تكيلها الإدارة في واشنطن
للعرب صباح مساء وتقلب الحق باطلاً والباطل حقاً!
ونحن هنا ذكرنا مثالاً على موقف عرفات في مسلسل التنازلات وهو قبوله
بخطة (تينيت) والتي سارت الجماهير الحاشدة من الشعب الفلسطيني بفصائله
المختلفة معترضة عليها. إنها صورة جديدة للسير في مؤامرة تحاك للقضاء على
الانتفاضة والتراجع عن كل المكتسبات والتضحية بدماء الشهداء وآلام الأطفال
والعجائز، أبعد هذه المسيرة الهائلة من التضحيات يصل الأمر إلى تضيع كل ذلك
في سبيل مكاسب تافهة للسلطة والرجوع إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل شهور؟ !
لقد أصبح الآن الطموح هو تطبيق بنود تقرير ميتشل فقط.. إنها صورة مكرورة
لمسلسل التنازلات التي مشت فيها قيادات المنظمة العلمانية منذ سنوات طويلة.
فمتى يستيقظ الغافلون الذين يحسنون الظن بهذه السلطة؟ ونحن لا نتخيل أن
عرفات سيتعظ ويرجع، كما أن من ورائه طائفة منتفعة لا يهمها شيء إلا مصالحها
الآنية ولا يرجى أن تسعى لمصالح الشعب الفلسطيني. هذه الطائفة مارست كل
صور الموالاة والمداهنة الخطيرة للكفار مثل طاعتهم في حرب دين الله والمتدينين،
والتآمر مع الكفار على مصالح الأمة والسير في تنفيذ مخططاتهم، وبعضهم تكشف
الكثير عن علاقاته بالموساد.
ونقول لإخواننا في الأرض المباركة: إن هذه التحركات والمؤامرات بشرى
خير، لقد أخفتم أعداء الله وأرعبتموهم على مسيرة شهر وشهرين.. فهي معركة
إسلامية صادقة إن شاء الله.. ليست من أجل أرض أو تراب بل من أجل دين الله
وبيته المقدس.. إنها معركة الإيمان في مواجهة الباطل وأعداء الله، بل أشد أعداء
الله اليهود وأعوانهم.
ماذا سيحدث لو أن المعركة تطورت قليلاً أو كان هناك جيش مسلم ولو
صغيراً في مواجهة هؤلاء الجبناء؟
وختاماً: فإنها دعوة لكل مسلم حتى يساهم في تفويت مخططات الأعداء،
ويساهم في نصرة إخوانه المظلومين، ويساهم في النكاية في العدو ... فإن هناك
طرقاً عدة لهذه الأهداف ومنها تفعيل عقيدة الولاء والبراء ومن مفرداتها سلاح
المقاطعة.