مجله البيان (صفحة 399)

أدباء الحداثة وبعض أساليبهم فى حرب الأدب الإسلامى ورواده

أدب وتاريخ

أدباء الحداثة

وبعض أساليبهم في حرب الأدب الإسلامي ورواده

يحيى رسام

تعليمات:

أيها الأدباء الحداثيون … والنقاد التقدميون:

احرصوا وأنتم تخوضون معركة غرس المفاهيم الجديدة! لتغدو بديلاً عن

المفاهيم (الرجعية) و (السلفية) أن يكون همكم الأكبر، أن تحجبوا عن جماهير

القراء ما يسمونه بـ (الأدب الإسلامي) وذلك بأن تضربوا حوله أسواراً من

الحصار الإعلامي تخنقه،.. فلا تسمحوا بنشره.. ولا تتحدثوا عنه ... أو تشيروا

إليه، وحينئذ لن تجد الجماهير ما تقرؤه، إلا ما ترشحوه لها في صحفكم،

ومجلاتكم ... وتشيدوا به في منتدياتكم ومؤلفاتكم ... فإن لم تفعلوا - ولابد -

فاعملوا على نشره و (شرحه) لتحرفوه! .. فإن لم تتمكنوا فلا تتوانوا لحظة في

تشكيك الناس فيه، وتشويه صورة من يتبناه، أو يدعو إليه! وإني رأيتم في أنفسكم

الاستطاعة على السطو عليه ثم إعادة إخراجه باسمكم- طبعا- بعد صبغه بطابعكم

فلا تترددوا.. ولكن انتبهوا فهذا الطريق لا يخلو من المخاطر والمجازفة.. ولكنكم

إن نجحتم، فإن قوانا الخفية ستوفر لكم الحماية اللازمة! وستجعل منكم الأدباء

الكبار، والفلاسفة الذين لا يشق لهم غبار، والمفكرين العظام، والنقاد. المبدعين،

بل وستكونون، أنتم أصحاب النفوذ، وستتبوؤن المراكز العلمية العالية والتي من

خلالها تواصلون القيام بمهمتكم.. وسلاحكم لتحقيق ذلك وسائل الإعلام المختلفة!..

ومما يساعد على أداء دوركم. المرسوم، أن تتستروا بغطاء المنهجية!

والأمانة العلمية، والتي يجب أن لا تسأموا من تكرارها في جامعاتكم، وأنديتكم،

ومنشوراتكم، ومؤلفاتكم حتى تغدو شارة لكم، وعلامة عليكم…

لعل العبارات السابقة تمثل تلخيصاً دقيقاً لكثير من التعليمات التي يتلقاها عبيد

الغرب.. من الأدباء الحداثيين، وكل العلمانيين القدامى والمحدثين من أساتذتهم،

وسادتهم وأولياء نعمتهم..! في كيفية حربهم للأدب الإسلامي ورواده.. والأساليب

التي يجب اتباعها، وترسم خطاها ... ونحن لا نقول ذلك افتئاتاً، أو اعتباطاً،

ورمياً للأبرياء بالاتهام جزافاً.. بل إن المتتبع للأساليب والوسائل التي ينتهجها

حاملو الفكر المستورد الدخيل ... خلال القرن الحالي، والذي شارف على النهاية،

في حرب الأدب والفكر الإسلامي ورواده ومبدعيه، وحاملي لوائه، يجد مصداق ما

نقول واضحاً. لا لبس فيه ولا غموض [1] ..

جبهات ثلاث:

وسنكتفي هنا بإلقاء بعض الأضواء على أهم الجبهات التي ينضب فيها أولئك

كمائنهم لحرب الإسلاميين والتي لخصتها العبارات السابقة.

أولاً:

فحيث لم يكتفوا باتباع أسلوب حجب الإسلاميين وأدبهم عن الجماهير، عن

طريق ضرب أنواع من الحصار الإعلامي الرهيب، والذي كان بمثابة (الحكم على

الإسلاميين بالموت، وهم أحياء يراهم الناس) كما عبر عن ذلك الأديب الإسلامي

الكبير علي أحمد باكثير يوماً [2] .

ثانياً:

فقد عمدوا إلى أسلوب أكثر خبثاً، وأعمق مكراً، وأشد خطراً، تمثل في

السطو على أعمال بعض الأدباء الإسلاميين، ومن ثم ينسبونها إلى أنفسهم، ولعل

ما شجعهم على ذلك هو غيبة أصحاب الحق الأصليين عن الساحة بالسجن تارة،

وبالإبعاد والهجرة أخرى ... وفي ظل أوضاع سياسية ترمي من يتحدث عنهم

بالعمالة لقوى الاستعمار والإمبريالية..

وقد دلت هذه الظاهرة على خبيئة نفسيات أولئك الأدباء الكبار، حيث لم يعد

فيها مكان لشيء اسمه حياد، أو خجل، أو شرف، أو احترام حقوق الآخرين

فصدق فيهم قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «إن

مما أثر من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت» ، مع أنهم لا يفتأون

يرددون كلمات (العلمية) و (المنهجية) ! ! وينفرون الناشئة من طلبة الجامعات

من (السرقات الأدبية) في الوقت الذي يمارسونها في أبشع صورها! . ...

لقد مارس العلمانيون عمليات السطو والسرقة جهاراً نهاراً، وأمام الجميع دون

أن يمسهم سوء، أو يطالبهم عقاب، أو يضرهم ضار! ما دام أصحاب الحق

غائبين حساً ومعنًى! فحتى لو علموا ذلك فهم غير قادرين على الدفاع عن حقهم،

والمطالبة بفضح ومعاقبة الذين يسطون على أعمالهم ممن يسمون أنفسهم، ويعتبرهم

الناس، نقاداً مبدعين أو أدباء كباراً! وهم وحدهم الذين يصولون ويجولون في

الساحة الأدبية ...

ونحن لو ذهبنا، ندلل على صحة ما ادعيناه آنفا، لطال بنا الحديث، إذ أن

الوقائع التي مورس فيها السطو أكثر من أن تحصى ... ولكننا سنكتفي بضرب

بعض الأمثلة من بلدين عربيين مكاناً فقط وفي فترتين مختلفتين زماناً! .

المثال الأول:

ناقد عربي، وأستاذ في جامعة يحسب نفسه كبيراً، ويعتبره كثير من النقاد

والأدباء كذلك، يقال له الدكتور أحمد كمال زكي، هذا الأديب الحداثي الكبير!

والناقد (التقدمي) استغل وجود سيد قطب رحمه الله على عهد نظام عبد الناصر

فانقض على كتاب سيد قطب المشهور (النقد الأدبي أصوله ومناهجه) ، وأعاد

قراءته، ثم أجرى عليه بعض الحذف والتغيير، والإضافة، والتقديم والتأخير، مع

إعادة صياغة بعض أفكاره ومعانيه، وفي أماكن مختلفة من الكتاب، حتى غلب

على ظنه صعوبة اكتشاف عملية السطو، ثم عمل على إعادة نشر الكتاب تحت

عنوان مشابه (النقد الأدبي أصوله وأهدافه) [3] .. وبالتالي فقد وجد الكتاب

والأدباء والنقاد، الكتاب الجديد منسوباً للناقد الكبير!

فاعتبروه من إبداعه! ! وعدوه إضافة جديدة في عالم النقد الأدبي! !

حدث ذلك يوم كان سيد قطب - وإخوانه - يؤدون ضريبة إيمانهم، وجهادهم، ورفضهم لحكم الطاغوت كما أسلفنا، ويوم كانت كتبهم مصادرة، و (كان يسيطر

على قافلة النقاد حشد من الشيوعيين المعروفين، الذين يكيدون ويدبرون، فيرفعون

المؤيدين، ويهيلون، تراب التجاهل والنسيان على أصحاب المواقف الشريفة)

على حد تعبير الأستاذ الأديب نجيب الكيلانى.

ولا أظن إلا أن بعضاً من النقاد والأدباء - من غير الماركسيين - قد أدركوا (هذه اللعبة) ولكنهم آثروا الصمت على الكلام، لأسباب معظمها معروف.

تلميذ جريء وأستاذ أكثر جرأة:

ولئن كان هذا الناقد الناشئ حينها قد سطا [4] على ما ليس له ودعاه لنفسه!

فإنه إنما كان يسير على خطى أستاذه العميد د. طه الذي مارس هذه اللعبة من قبل

... ولكن بصورة أكثر جرأة، وأشد بشاعة، إذ أنه كان قد سرق مرتين، فعلها مرة

مع أستاذه المستشرق مرجليوث، وفعلها أخرى مع تلميذه محمود شاكر! ومع أن

حكاية سرقته بحث مرجليوث عن (الشعر الجاهلي) غدت معروفة لدى من عاصر

أحداثها، ثم الجيل الذي تلاه، إلا أننا نرى أنها فرصة مناسبة لسرد الحكاية

باختصار لأن كثرة الأحداث، وتواليها ينسي بعضها بعضاً، وحتى يرى القارئ

المعاصر الخبرة التي توفرت لأولئك، وورثها عنهم تلامذتهم ومريدوهم! .

وملخص الحكاية:

أن الدكتور طه كان قد سطا على بحث كتبه المستشرق المعروف مرجليوث

حول (الشعر الجاهلي) أنكر أو على الأقل شكك فيه بوجود شيء اسمه (شعر

جاهلي) مدعياً بأن ما يسمى (بالشعر الجاهلي) إنما هو في الحقيقة (شعر إسلامي) ابتدعه المسلمون من أتباع محمد حتى يفسروا به قرآن نبيهم! ! ويؤيدوا به دينهم! ثم قام العميد، وبجرأة نادرة يحسد عليها! ! بإلقاء البحث على طلابه! في مدرج

كلية الآداب على أنه صاحبه ومبدعه، ولسوء حظ طه حسين، فقد تنبه لهذا السطو

العلني تلميذ ذكي كان الدكتور طه قد بذل غاية جهده من قبل ليقنع هذا الطالب النبيه

للالتحاق بكلية الآداب حيث رأى فيه موهبة أدبية [5] وميلاً ظاهراً لدراسة الآداب.. وقد كان ذلك الطالب هو محمود شاكر، الأخ الأصغر للإمام المحدث أحمد شاكر

رحمه الله ... ولو كان طه حسين يعلم ما يخبئ له الغيب لما عمل على إقناع التلميذ

محمود شاكر للتخصص في الآداب، لأن هذا التلميذ قد تخصص فيما بعد في كشف

سرقات أستاذه، وإن كان د. طه، لم يعدم الاستفادة من تلميذه النابغة، بطريقة أو

بأخرى كما سنرى! .

وعود على بدء نقول: بأن التلميذ محمود شاكر كان قد تنبه لفعلة أستاذه إذ أنه

نفسه كان قد اطلع على بحث مرجليوث قبل إلقاء الأستاذ لمحاضرته عن الشعر

الجاهلي فوجدها هي هي ... دون أدنى تغيير أو تبديل، أو حتى مجرد تعديل

فدهش لهذه الجرأة التي يتمتع بها أستاذه، ثم وقف مستغرباً ومتعجباً لهذا الذي يراه

أمامه، وممن؟ ! من أستاذه الذي كان يحترمه من قبل، ولعله حاول تنبيه الأستاذ،

ولفت نظره،.. إلا أنه لما رأى الإصرار! هب صائحاً، وكاشفاً لما رآه من سطو

في وضح النهار، بعد أن هاله ما حدث، وانتهت إلى الأبد تلك الهالة التي كان

أستاذه يحاط بها! فناقش أساتذته، وتحدث مع زملائه، وحاور أستاذه - بجرأة -

في قاعة الدرس، بعد أن ذهبت هيبته، وإن كلفه ذاك تعنيف الدكتور طه بعد كل

درس.. ثم لما لم يجد أدنى تجاوب لجأ لزملاء أستاذه من المستشرقين العاملين في

الجامعة، وفي كلية الآداب بالذات، ولكنه مع الأسف، ووجه بصمت مطبق،

يبعث على الريب، وبدا له وكأن الأمر قد دبر بليل، حيث وجد الجميع لا يحركون

ساكناً، ولا يفتحون فماً، اللهم إلا من كلمة تأييد، وأحياناً، لا تتجاوز الابتسامة

وهز الرأس في السر، لهذا الطالب، وكأنهم يقولون له: أن نعم! ! ، الرجل

سارق، والحق معك، والأدلة في جانبك! ولكن ماذا نفعل؟ ! لا حيلة لنا! فالرجل

يسطو لأنه صاحب صولة سطوة! ! وأمام هذا الوضع الذي أظلم في وجه هذا

الناشئ.. فضاقت عليه الأرض بما رحبت.. وهو ذو القلب الصغير، لم يستطع

تحمل وقع الصدمة … فما كان منه إلا أن قرر لا ترك الجامعة فحسب، بل ترك

البلد أيضاً! ! فهاجر إلى حيث وجد نفسه أكثر استقراراً.. فمكث هناك فترة من

الزمان.. هدأت فيها نفسه! وأعطاها فترة استراحة، وتعبئة في نفس الوقت..

لأننا سنلاحظ أنه بعد بضع سنوات قد قرر العودة ليواصل القيام بدوره في دفع

الأذى عن أمته، وفضح أعدائها، وتعريتهم بعد أن تبين له عظم المؤامرة،

وخطورة السكوت عليها! فقام بواجبه على خير وجه، فكشف عن أبعاد المؤامرة،

وخططها، ومنفذيها ولا زال.. تلك كانت خلاصة الحكاية التي رواها الأستاذ

الكبير محمود شاكر حفظه الله في أحد كتبه [6] .، وهي كما رأيت لا تحتاج إلى

أي تعليق.!

طه حسين ومحمود شاكر:

وأما ما فعله د. طه حسين مع محمود شاكر، فيتلخص في أن محمود شاكر

التلميذ قديماً، والأديب الكبير والمرموق فيما بعد كان قد كتب بحثاً ضخماً عن (المتنبي) الشاعر في الذكرى الألفية له، نشرته مجلة (المقتطف) في عدد خاص [7] .. فما كان من الأستاذ الخبير في الاستفادة من جهود غيره! ! الذي أعجب بالبحث فكرة، ومادة، وجدة، إلا أن قرر إخراج البحث في طبعة جديدة.. ولكن باسمه لا باسم صاحبه، وطبعاً كالعادة كان قد أجرى بعض التغييرات كصياغة كثير من فقراته، ومواده، بأسلوبه، وأعاد ترتيب مواضيعه وزاد من الشروح والحواشي، وأضاف إلى ذلك نتفاً من كتاب عن المتنبي لمؤلف آخر، حتى ظهر له أنه صاحب الكتاب، بعد أن غدا أكبر من حجمه الأصلي، فأصدره باسمه، بعنوان (مع المتنبي) ، ولعله قصد تكريم تلميذه، ومكافئته على جرأته، وصراحته! ولكن الأديب محمود شاكر كان له بالمرصاد هذه المرة، ففضحه على الملأ، حيث كتب عدداً من المقالات في (البلاغ) بعنوان (بيني وبين طه) جعل الدكتور أضحوكة تلوكها الألسن، ويتهكم به الناس! .

وفي اليمن أيضاً:

تكررت نفس الأحداث، وإن كانت أقل خبرة، وخطراً، ومختلفة طريقة

وأسلوباً، فقد تجرأ بعضهم -وهم تلاميذ للدكتور طه حسين - وغيره ممن هم على

شاكلته، فأنكر إنتاج بعض الأدباء الإسلاميين، فهذا أحد شعراء اليمن المشهورين،

الأستاذ: عبد الله البردوني، عمل على إنكار قصيدة مشهورة للشاعر الشهيد:

محمد محمود الزبيري، وهي القصيدة السينية والتي قالها بعد أن تأزم الموقف بين

الحكومة والأحرار، في أوائل الستينات، فقدم استقالته من الوزارة [8] وخرج إلى

القبائل، ورأى أن إصلاح اليمن لن يتحقق إلا بالتبني الواضح والصادق للإسلام،

وتحكيم شرعه، في مقابل قوانين العبيد الملفقة والمجلوبة، فأعلن الزبيري عن

تأسيس (حزب الله) ودعا كل المخلصين من أبناء اليمن إلى الانضمام إليه (انظر

ص 237، اليمن المعاصر) للأستاذ محمد الحداد.

وكان الزبيري قد هاجم في قصيدته تلك الحكام العسكريين الذين كانوا يسيرون

ضمن الخط الناصري، والذين أرادوا صرف اليمن عن هويته، وجعله ذنباً يدور

في فلك الاشتراكية حيث دارت، فأساءوا إلى اليمن، كما أساء إليها من قبلهم،

وقال الزبيري فيها أنه سيحارب كل من يعمل ضد مصلحة اليمن ودينها، وإن

لبسوا ما لبسوا.!

بل إن الأستاذ البردوني لم ينكر قصيدة الزبيري، المذكورة فحسب، لكنه

حكم على الزبيري بالشيخوخة الشعرية، حيث قال في كتابه (رحلة في الشعر

اليمنى) ص28: (فرجوعه - أي الأستاذ الزبيري - إلى اليمن من القاهرة كان

نهاية عمر شعره، فلم يرو له في عهد الثورة بيت شعر حتى استشهاده في إبريل

1965م) .

وهذا افتراء، وجرأة على الحقيقة والتاريخ ... لا تقل عن مثيلاتها مما سبق

الإشارة إليه ... وعلى الرغم من مرور فترة من الزمن على هذه العملية.. كان

اليمنيون مشغولين بما هو أهم في نظرهم بناء اليمن، والعمل على نشر العلم

والمعرفة في أرجائه [9] ، إلا أن أحد الأدباء اليمنيين الكبار [10] ممن عايشوا

الزبيري، وشاركوه في الجهاد ضد الاستبداد والظلم في بعض مراحل حياته، قد

تعرض في بعض كتبه لهذه القضية، فقال وهو يفضح البردوني، ويكشف حقيقة

دعواه. (كيف يجرؤ الأستاذ البردوني على التاريخ والأدب! ! ويقول بأنه لم

يسمع ولم يقرأ للزبيري في عهد الثورة بيتا، وهو يعلم والجميع يعلمون أنه - أي

الزبيري - قال أشعاراً كثيرة، وحسبك منها قصيدته الشهيرة التي أنشدني بعض

أبياتها عندما التقينا في أول مؤتمر للسلام في (إركويت) بالسودان عام 1964م) .

قصيدة (الكارثة) :

ولا بأس بأن نورد بعض أبيات تلك القصيدة التي أختار لها الشهيد الزبيري

رحمه الله عنوان (الكارثة) ولعله يقصد بذلك أن الأوضاع في بلاده إذا استمرت

على ذلك الحال، فإنها ستؤدي حتماً إلى الهاوية، فتحل باليمن وشعبها الكارثة.

يقول في بعض أبياتها مخاطبا الحكام حينذاك [11] :

كفى خداعا فعين الشعب صاحية ... لقد سئموا الرؤيا وقد يئسوا

يلفقون قوانين العبيد لنا ... ونحن شعب أبي مارد شرس

لم القوانين رؤياها تعاودهم ... قد ألبسوها نفاق العصر والتبسوا

قانونكم لاغتصاب الحكم مهزلة ... كترهات إمام مسه الهوس

والحكم بالغصب رجعي نقاومه ... حتى ولو لبس الحكام ما لبسوا! !

والظلم يعلنه القانون نفهمه ظلماً ... وإن زينوا الألفاظ واحترسوا

والموت من مدفع حر نقول له ... موتاً وإن أوهمونا أنه عرس

عار على صانع القانون يكتبه ... وحكمه في بحار الدم منغمس

ثم يقول مقارناً لهم من جهة ثانية بحكم الإمام السابق:

روح الإمامة تسري في مشاعرهم ... وإن تغيرت الأشكال والأسس

وأنتم عودة للأمس قد قبر ... الطغاة فيكم وعادوا بعدما اندرسوا

وأنتم طبعة للظلم ثانية ... تداركت كل ما قد أهملوا ونسوا

ثانياً: وفي اليمن كذلك:

لجاء البعض الآخر إلى تحريف الكلم عن مواضعه، وتسمية الأشياء بغير.

مسمياتها، وساروا في الخط الذي رسمه الأسياد، فسعوا إلى تفسير إنتاج الأدباء

الإسلاميين تفسيراً اشتراكياً، بعد أن رأوا فشل الأسلوب السابق، فجعلوا من أدب

الإسلاميين خادما لأهدافهم العلمانية ... فعل ذلك أحد الأدباء الكبار وهو يقرأ بعض

روايات الأديب الإسلامي الكبير: علي أحمد باكثير [12] رحمه الله، وكذلك كان

شأن بعض أدباء اليمن الذين ينتمون لأفكار ومدارس فكرية شتى مع شاعر اليمن

القاضي الشهيد محمد محمود الزبيري [13] فقد ذهب كل أصحاب مذهب إلى،

تفسير شعر الزبيري وأدبه تفسيراً يؤيد مذهبهم وفكرهم، بل وينسبونه إليهم ونفي

صفة الإسلامية عنه.

ولا شك أن مثل هذا العمل إلى جانب كونه طمساً للحقيقة، حقيقة أدب

الزبيري الإسلامي فقد كان، دعاية لهذه الفئة أو تلك ... ولا شك أيضاً أن ذلك يعد

زيادة في التعمية، وإمعانا في الكيد، وحجبا للحقيقة عن الجماهير، والمهم أن

يطمس وجهه الإسلامي، ثم ليكن ما يكون ولكن الجميع متفقون على أنه لا صلة له

بالإسلام ... لقد أصبحوا خبراء في لي أعناق الكلام، وتشويه الحقائق [14] ..

إن أساليب عبيد الفكر الغربي، وتلاميذ المستشرقين أصبحت مفضوحة، وقد

آن لهم أن يعيدوا النظر في مواقفهم، ويكفروا عن أخطائهم قبل فوات الأوان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015