مجله البيان (صفحة 3985)

قضايا دعوية

تقويم مخرجات العمل الدعوي ضرورة

سليمان الخضير

كان للتوسع في مفهوم (اعمل ... ولا تنتظر الثمرة) أثر في رتابة العمل

الدعوي، واتخاذه أنماطاً تقليدية في قوالب متطورة، أو أنماطاً متطورة في قوالب

تقليدية ... لقد ظل العمل الدعوي زمناً يقوم على المواعظ، ثم حدثت نقلة نوعية

إلى ما يشبه المحاضن التربوية، ثم تطور إلى تفعيلها، وجعلها منطلقات دعوية ...

ثم ما زال العمل على تطوير العمل الدعوي عبر مؤسسات رسمية وقنوات خيرية.

وكان لكل وسيلة دعوية آثار حميدة يعسر أن يسد غيرها مكانها، مع الحاجة

إلى التطوير والتجديد، ولكن من المؤسف أن الوسائل الحالية يغلب عليها التقليد

دون دراسة لجدواها السابقة والحالية والمستقبلية؛ فلا يكاد أحد يبتكر أسلوباً دعوياً

حتى يهرع إليه بقية المهتمين (أو العاملين) في حقل الدعوة، ولا يبارحوه حتى

يبعث الله من يجدد لهم أسلوباً دعوياً!

ولعل في الاستمرار على توزيع الكتيب والشريط مثالاً على التقليد دون النظر

في مصالحه ونتائجه؛ فحتى هذا اليوم: كم طبع من الكتيبات، وكم نسخ من

الأشرطة؟ وكم بيع منها، وكم وزع؟

ولا أنكر كون هذين النوعين وسيلتين دعويتين كانتا ناجحتين في وقت ما،

كما لا أنكر - أيضاً - أن هذين النوعين من مصادر العلم والمعرفة والموعظة،

ولكن الذي أرغب الوقوف عنده:

* ما حجم استفادة المستهدفين بالتوزيع من هذا العمل؟

* وما مدى تأثرهم به؟

* وما مدى إقبالهم عليه؟

* وهل يساوي الجهد والمال المبذولين النتائج المتحققة؟ ! [1]

* وهل استطعنا - فعلاً - خلال برامج التوزيع أن نلبي حاجات الناس إلى

العلم الشرعي والموعظة الحسنة؟

* وهل الناس بمستوى واحد من التفكير وعوامل التأثر؟

* وهل هم بدرجة من القناعة التي يُقبِلون بها على هذا الكتاب أو ذاك

الشريط؟ !

والحق يقال: إني لا أملك إجابة دقيقة ولا تقريبية لهذه الأسئلة لا سلباً ولا

إيجاباً، لكنه يغلب على ظني أن كثيراً من العاملين في حقل الدعوة لا يملكون

الإجابة هم أيضاً؛ ذلك أننا ننطلق في أعمالنا الدعوية وأحكامنا الاجتهادية من

انطباعاتنا الخاصة، ولا نكاد نتجاوز ذلك إلا إلى مستوى ضيق من الحالات الفردية

التي تتناقل أخبارها الأجيال! !

وهل وصلنا فعلاً إلى قلب إنسان يعكف على منكر ما من خلال نشرة سُطِّر

على غلافها: رسالة إلى صاحب ( ... ) [2] ، ثم ملئت بالاستفهامات التي ربما

يجيب عليها - بفعل الغفلة - بكل برود أو استهجان.

المفيد من الكتب والأشرطة - في نظرنا - هو الذي نجد فيه معلومة جديدة أو

غريبة بالنسبة لنا، أو أن لصاحبها (الكاتب أو المتحدث) قدراً من التقدير والثقة

في نفوسنا نحن، مع أن مادة عدد من الأشرطة والكتب من أولها إلى آخرها مليئة

بالمعلومات المفيدة لبعض الناس وجديدة عليهم! ولفلان العالم عندهم من القبول ما

لا نظن، ولفلان الواعظ من التأثير فيهم ما لم نحس به في أنفسنا! !

خذ - كذلك - عنوان الكتاب أو الشريط (أي كتاب أو شريط) وغلافهما:

هل هو يحقق الجاذبية المرجوة؟

(هو جميل وجذاب) لكن بالنسبة لي ولك ... ولكننا ما زلنا لا نعرف رأي

المستهدفين.

بل الأمر - كما يبدو - أبعد من ذلك ... فلسنا - فقط - نجهل رأي المدعوين

في منتج أو برنامج، وإنما لم نتعرف - بعد - على نفسياتهم واهتمامهم، ومدى

شعورهم بالانتماء للإسلام، وما قدر الدعاة والعلماء في قلوبهم، وما أسباب تقصير

المقصر منهم وذنب المذنب كما يرونها هم، وما الفرق - في ذلك كله - بين شبابهم

وشيبهم، وبين رجالهم ونسائهم ... وإنما هي عمومات وحالات فردية، وحسب

الحماسة للعمل والقناعة به! !

ولا أدعي أننا نتعامل مع أناس في كوكب آخر، ولكن الناس في المجتمع

ليسوا وحدة متجانسة القدرة والطباع والميول والاتجاهات، ولا يسوغ أن يعاملوا

على هذا الأساس، ومخاطبة الناس ودعوتهم ليس القصد منهما تحقيق التجانس،

ولكن لاستثمار القوى التربوية لمجموعة متنوعة القدرات والميول؛ فالتنوع الدعوي

ضرورة لنمو المجموعة وحيويتها وتبادل الخبرة، كما أن التأثير الإعلامي الرهيب

الذي يتعرض له الناس قد صاغ أذواقهم لدرجة أنه أصبح هناك فرق بين أذواقهم

وذوق الدعاة [3] ! والملاحظ «أن الذي يسود النتاج الإنساني (الفني) و (الأدبي)

في واقعنا الحاضر هو روح الحضارة الغربية وذوقها وهويتها! ... تتحرك من

جذور أوروبية: إغريقية، مسيحية، وتعبر عن وجدان أوروبي في همومها

وخيالاتها وحسها الفني كذلك ... » [4] ، والعاملون في حقل الدعوة - بفضل الله -

يحتفظون بخصوصياتهم إلى حد كبير.

إن من المهم أن نتعرف إلى الناس في طريقة تفكيرهم وما الذي يحبون؟ وممَّ

ينفرون في دراسات ميدانية دقيقة جادة [5] ؟ فيمكننا - بعدُ - أن نساهم معاً في

استثمار الجهود والأوقات التي نحتاجها للبناء، ونحن مطمئنون إلى معرفتنا المسبقة

بمواطن الزلات والأوهام ومنطلقات القوة و (النقاط المشتركة) بيننا وبين الناس،

وهذا كما أؤمل لا يفهم منه أنها محاولة لشق طريق للتنازل عن المسلَّمات الشرعية

أو الأحكام الراجحة، وإنما هي سبب للاقتراب من المستهدفين أكثر: شباباً وشيباً،

ورجالاً ونساءً، حينئذ نصل بإذن الله إلى أسلوب من التواصل مع الناس من شأنه

تنظيم هذا السيل الهادر من المطبوعات المقروءة والمسموعة.... التي هي في

الميزان الإعلامي (نفخة) أو (تورم) ، وتقريب النافع المفيد، وتجديد العهد برب

العالمين. وأستغفر الله وأتوب إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015