مصطلحات إسلامية
إعداد: عادل التل
تتميز اللغة العربية بسعتها وكثرة مدلولات ألفاظها وشمولها لمعان متقاربة،
وقد جاء الشرع (القرآن الكريم والسنة النبوية) بألفاظ معينة لأحكام محددة، وبين
بشكل واضح المعنى المراد من كل لفظ وحدد المقصود منها مما أغنى - في هذا
الموضع - عن الرجوع دائما إلى أصل اللغة، وأصبح هذا التخصيص هو المرجع
في فهم نصوص الكتاب والسنة، ونشأ علم المصطلح عند العلماء المسلمين ليساهم
في توضيح هذه القضية، وسنقدم خلال هذه الصفحات مصطلحات إسلامية نحتاج
إليها دائما.
المعنى اللغوي:
الإحسان: مصدر أحسن، يحسن، إحسانا. يقال على معنيين:
1 - أحدهما متعد بنفسه كقولك: أحسنت كذا أي حسنته وكملته وهو منقول
بالهمزة من حسن الشيء.
2 - متعد بحرف الجر كقولك أحسنت إلى فلان أي أوصلت إليه ما ينتفع به.
والحسن أصل واحد في اللغة وهو ضد القبح، وهو عبارة عن كل مرغوب فيه،
ومنه الحسنة يعبر بها عن كل ما يسر النفس من نعمة تنال الإنسان في نفسه وبدنه
وأحواله، والسيئة تضادها ومنه الإحسان ضد الإساءة.
المعنى الاصطلاحي:
يجتمع الإحسان والإنعام بمعنى العطاء ولكن الإحسان أهم من الإنعام، بحيث
يكون الإحسان للنفس، بينما لا يكون الإنعام إلا للغير، وكذلك الإحسان والعدل
ولكن الإحسان فوق العدل لقوله تعالى: [إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحْسَانِ] فالعدل
هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ما له، والإحسان أن يعطي أكثر مما عليه، ويأخذ أقل
مما له، لذلك قيل تحري العدل واجب بالشرع، وتحري الإحسان ندب وتطوع.
ولقد عرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإحسان حين أجاب جبريل
عليه السلام: «الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»
أخرجه البخاري.
قال ابن الأثير في معنى الإحسان هنا: الإخلاص، وقال القرطبي: هو
راجع إلى إتقان العبادة ومراعاتها بأدائها المصححة المكملة، ومراقبة الحق،
واستحضار عظمته وجلاله حالة الشروع وحالة الاستمرار، وأرباب القلوب في هذه
المراقبة على حالين:
أحدهما: غالب عليه مشاهدة الحق فكأنه يراه، ولعل النبي -صلى الله عليه
وسلم- أشار إلى هذه الحالة بقوله: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» .
وثانيهما: لا تنتهي إلى هذا، لكن يغلب عليه أن الحق سبحانه مطلع عليه،
ومشاهد له، وإليه الإشارة بقول الله تعالى: [الَذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وتَقَلُّبَكَ فِي
السَّاجِدِينَ] ، بينما يعتبر ابن تيمية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل الدين
ثلاث درجات، أعلاها الإحسان وأوسطها الإيمان؛ ويليه الإسلام، لقول الله تعالى: [ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ومِنْهُم مُّقْتَصِدٌ
ومِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإذْنِ اللَّهِ] فالإحسان يدخل في الإيمان والإيمان يدخل في
الإسلام.
من أحكام المصطلح:
1 - إن الإحسان درجة عالية في مراتب الدين يجب على الإنسان أن يسعى
إليها بنية صادقة ومجاهدة مستمرة، قال تعالى: [بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ وهُوَ
مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ] .
2 - الإخلاص في العمل، قال سفيان بن عيينة: (كان العلماء فيما مضى
يكتب بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات: من أصلح سريرته أصلح الله علانيته،
ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه
الله أمر دنياه) .
3 - إن الدعاة إلى الله بحاجة أن يتمثلوا بهذه الحقيقة ويكونوا في مستوى هذه
المنزلة الرفيعة، فالدعوة إلى الله تحتاج دائما إلى جيل متميز يصبر على مشاق
الدعوة، ويجتاز الصعاب، يقول تعالى: [ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ
وعَمِلَ صَالِحاً وقَالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ (33) ولا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ (34) ومَا يُلَقَّاهَا إلاَّ
الَذِينَ صَبَرُوا ومَا يُلَقَّاهَا إلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ] .
4 - أمر الإسلام بالإحسان في كل شيء، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا
ذبحتم فأحسنوا الذبحة ... ) أخرجه مسلم.
5 - عندما يصل المسلم إلى هذه الدرجة العظيمة من الإحسان والتقوى،
وكلما أوغل قلبه في هذا الطريق، تيقظ شوقه إلى مقام أرفع، ولا يبالي بعد ذلك
بما يصيبه من بلاء أو يواجهه من أهوال، ينطلق بدعوته للخير دون خوف أو
خجل ...