مجله البيان (صفحة 3887)

قضايا دعوية

إدارة الأزمات في حياة الدعاة دراسة على حادثة الإفك

محمد بن علي شماخ

يتعرض المجتمع الإسلامي منذ عهد النبوة لصنوف مختلفة من أنواع الحروب

والتضييق من أجل وأد هذا الدين، واجتمع في سبيل ذلك المشركون واليهود

والمنافقون والنصارى في بوتقة واحدة لتحقيق هذا الهدف، متناسين ما بينهم من

عداوة واختلافات؛ فمنذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم واجه المسلمون الكثير

من الأزمات مختلفة الأشكال اتسمت قبل البعثة بالتعذيب لكل من أسلم، ثم بالحصار

في شِعْب أبي طالب، وبعد البعثة أخذت المواجهات بين الطرفين الطابع الحربي

إلى أن توجت بحشد جيش عرمرم من مختلف قبائل العرب لحصار المدينة،

وبخيانة اليهود والمنافقين من الداخل، فكان هذا الموقف من أصعب المواقف التي

مرت بالمسلمين [إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ

القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً

شَدِيداً] (الأحزاب: 10-11) .

فهزم الله كيد هذه الأحزاب وعادت هذه الجيوش إلى ديارها تجر ذيول

الهزيمة والعار، فكان من أعداء الإسلام أن «عرفوا بعد إدارة دفة الحروب طيلة

خمس سنين أن القضاء على هذا الدين وأهله لا يمكن بطريق استخدام السلاح،

فقرروا أن يشنوا حرباً دعائية واسعة ضد هذا الدين من ناحية الأخلاق والتقاليد،

وأن يجعلوا شخصية الرسول أول هدف لهذه الدعاية، ولما كان المنافقون هم

الطابور الخامس في صفوف المسلمين، ولكونهم من سكان المدينة، كان يمكن لهم

الاتصال بالمسلمين واستفزاز مشاعرهم كل حين» [1] فواجه المسلمون عدة فتن

داخلية حاول المنافقون إشعالها في الصف الإسلامي، فكان أن دارت رحى أزمات

عاتية استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم الإمساك بزمام هذه الصعاب والوصول

بالمسلمين إلى بر الأمان.

إن دراسة كيفية استطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إدارة الأزمات التي

مرت به تبين «أن نظام إدارة الأزمات على الجوهر والأساس العلمي في المفاهيم

الحديثة واقع سبق أن عرفته الدولة الإسلامية العظمى منذ بداية تأسيسها على يد

رسولنا صلى الله عليه وسلم، وبالبحث العلمي الدقيق في سيرته العطرة، سواء في

حياته الاجتماعية الأولى أو حياته السياسية والإدارية والحربية، سيجد المرء ما لا

يعد ولا يحصى من أصول منهجية لعلم إدارة الأزمات» [2] .

وقبل البداية في الحديث عن هذا الموضوع لا بد من تعريف مصطلح إدارة

الأزمات.

يعرِّفه لسان العرب بأن (الأزم: شدة العض بالفم كله، وقيل بالأنياب،

والأنياب هي الأوازم، وقيل: هو أن يعض ثم يكرر عليه ولا يرسله، وقيل هو

أن يقبض عليه بفيه، أزمه، وأزم عليه أزماً وأزوماً، فهو أزم وأزوم، وأزمت يد

الرجل آزمها أزماً، وهي أشد العض. قال الأصمعي: قال عيسى بن عمر: كانت

لنا بطة تأزم. أي تعض؛ ومنه قيل للسنَّة أزمة وأزوم وأزامِ، بكسر الميم، وأزم

الفرس على فأس اللجام: قبض؛ ومنه حديث الصدِّيق: نظرت يوم أحد إلى حلقة

درع قد نشبت في جبين رسول الله، فانكببت لأنزعها، فأقسم عليَّ أبو عبيدة فأزم

بها بثنيتيه. ومنه حديث الكنز والشجاع الأقرع: فإذا أخذه أزم في يده أي عضها.

والأزم: القطع بالناب والسكين وغيرهما، والأوازم والأزم: الأنياب، فواحدة

الأوازم آزمة، وواحدة الأزم آزم، وواحدة الأزم أزوم. والأزم: الجدب والمحل،

قال ابن سيده: الأزمة الشدة والقحط، وجمعها إزم كبدرة وبدر، وأزم كتمرة وتمر،

قال أبو خراش:

جزى الله خيراً خالداً من مكافئ ... على كل حال من رخاء ومن أزم [3]

ويورد لنا المعجم الوسيط هذا التعريف بقوله (أزم على الشيء أزماً: عض

بالفم كله عضاً شديداً، يقال أزم الفرس على اللجام، وأزم فلان على كذا لزمه

وواظب عليه، وأزمت السنة اشتد قحطها، وأزم الحبل أحكم فتله، وأزم الباب

أغلقه، تأزم: أصابته أزمة، الأزمة: الشدة والقحط، جمع أوازم (الأزمة الأزمة)

الضيق والشدة، يقال أزمة مالية سياسية مرضية) [4] .

يحدد قاموس Wصلى الله عليه وسلمرضي الله عنهSTصلى الله عليه وسلمR الأزمة بأنها (فترة حرجة أو حالة غير مستقرة

تنتظر حدوث تغيير حاسم، هجمة مبرحة من الألم، كرب أو خلل وظيفي) [5] .

وإجمالاً يمكن تعريف إدارة الأزمة بأنها: «عملية إدارة خاصة من شأنها إنتاج

استجابة استراتيجية لمواقف الأزمات من خلال مجموعة من الإداريين المنتقين

مسبقاً والمدربين تدريباً، والذين يستخدمون مهاراتهم بالإضافة إلى إجراءات خاصة

من أجل تقليل الخسائر إلى الحد الأدنى» [6] .

ومن خلال التعاريف السابقة يمكن تحديد (الهدف من مواجهة الأزمات بأنه

«السعي بالإمكانات البشرية والمادية المتوفرة إلى إدارة الموقف، وذلك عن طريق:

* وقف التدهور والخسائر.

* تأمين وحماية العناصر الأخرى المكونة للكيان الأزموي.

* السيطرة على حركة الأزمة والقضاء عليها.

* الاستفادة من الموقف الناتج عن الأزمة في الإصلاح والتطوير.

* دراسة الأسباب والعوامل التي أدت للأزمة لاتخاذ إجراءات الوقاية لمنع

تكرارها أو حدوث أزمات مشابهة لها) [7] .

وقد تم اختيار حادثة الإفك لهذه الدراسة لعدة أسباب منها:

1 - المدة الزمنية التي مرت بها الأزمة:

لا شك أن عامل الوقت في أي أزمة تواجه الإنسان له دور فعال في سهولة

الخروج منها، والآثار الانعكاسية لهذه الأزمة؛ فكلما طالت المدة كلما زاد تعقيد

المشكلة واتسعت دائرة الأزمة، ونظراً لما مثَّله عامل الوقت في حادثة الإفك؛ فقد

ظل الرسول صلى الله عليه وسلم ما يزيد عن شهر كامل يسمع الأذى في أهله كما

تقول عائشة - رضي الله عنها -:» وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني

شيء « [8] وكاد أن يقتتل الأنصار فيما بينهم (الأوس والخزرج) بهذا الخصوص

مما زاد في ثقل هذه القضية على النبي صلى الله عليه وسلم.

2 - إيجاد حالة من عدم الاستقرار الأسري للرموز الدعوية:

فلم يكن من قبيل المصادفة أن يتم التشهير والقذف بحق عائشة - رضي الله

عنها - بل إن المنافقين وجدوا في إمكانية رمي عائشة - رضي الله عنها - بالزنا

فرصة لا تعوض في النيل من شخص الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فالعائلة

تمارس» ضغطاً هائلاً قد يكون سلبياً أو إيجابياً؛ فعائلات العاملين قد تكون نصيراً

لما يقوم به الفرد في عمله أو قد تكون عائقاً في عمله « [9] ولقد كانت زوجات

الرسول صلى الله عليه وسلم من أكبر الدعامات في سبيل دعوته؛ فلقد كانت

خديجة (من نعم الله الجليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيت معه ربع

قرن تحن عليه ساعة قلقه، وتؤازره في أحرج أوقاته، وتعينه على إبلاغ رسالته،

وتشاركه في مغارم الجهاد المر، وتواسيه بنفسها ومالها. يقول رسول الله صلى الله

عليه وسلم:» آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس،

وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها وحرم ولد

غيرها «) [10] .

3 - النيل من القيادات الدعوية:

لا شك فيما تمثله القيادة من أهمية في وسط أي مجتمع؛ فهي تعتبر الواجهة

الفعلية له، وفي حالة المجتمع الإسلامي تعتبر القيادة الدعوية هي صمام الأمان لهذا

المجتمع أمام الظروف غير المناسبة سواء كانت هذه الظروف داخلية أو خارجية،

ولذلك نجد مدى الأثر الكبير على الأمة الذي يولده النيل من هذه القيادة، ولنا في

التاريخ الإسلامي خير عبر وشواهد؛ فما مر على الرسول صلى الله عليه وسلم في

هذه الحادثة التي هي محط الدراسة، كذلك أثر غزوة أحد وما حدث للجيش

الإسلامي، وما تعرض فيها الرسول صلى الله عليه وسلم من الأذى، كذلك يمكننا

الاستشهاد بما حدث في الصف الإسلامي عند مقتل عمر بن الخطاب، والفتنة التي

حدثت أواخر خلافة عثمان - رضي الله عنه - والتي كان من أبرز نتائجها مقتل

عثمان - رضي الله عنه -؛ كلها شواهد تبين مدى العاقبة على المجتمع من جراء

النيل من القيادة.

4 - إثارة البلبلة في الصف الإسلامي وإيجاد حالة من الانهزامية النفسية لدى

المسلمين:

من خلال الانسياق في بحر الأزمات مما يولد حالة من عدم الثقة بين المسلمين

فهذا يرمي بالتهمة والآخر يصدق ويكون صراع داخلي، هذا الصراع يزيد من

الفرقة بين الأمة، وفي وسط هذه الحالة من الفرقة بين أبناء الصف الإسلامي يسهل

تسلط الأعداء والابتعاد عن القيادة الدعوية، مما يولد حالة من الإحباط النفسي بين

الصفوف، والضعف والاستكانة أمام العدو.

5 - صرف اهتمامات القيادة الدعوية من أمور الدعوة إلى الفتن والأزمات

الداخلية:

عندما تشتعل الأزمة في أي مجتمع تتعطل حركة التنمية ومسيرة العطاء مدة

من الزمن تطول أو تقصر بحسب حجم هذه الأزمة وآثارها ما لم يتم العمل بحسب

الأسلوب الأمثل لعلاج هذه الأزمة، والمجتمع الإسلامي حاله حال أي مجتمع في

ذلك؛ فالأزمات تعطل عجلة العطاء، وتهدر الكثير من الطاقات والوقت، ويفقد

الصف الإسلامي بسببها الكثير من الإنجازات التي تم تحقيقها؛ فبعد انتصارات

عظيمة حققها المجتمع الإسلامي بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم على الجبهات

العسكرية أو على جبهة بناء المجتمع المسلم أو على الصعيد الدعوي، نجد الصف

النفاقي يحدث مثل هذه الفتنة لكي يصرف اهتمامات القيادة الدعوية من إرساء دعائم

المجتمع المسلم إلى إشغاله بمعالجة آثار هذه الفتن، والعمل على إخماد نارها. كل

هذه العوامل ساهمت بشكل كبير في اختيار هذه الحادثة بالذات، والتقارب العجيب

بين هذا الأسلوب في ذلك العصر وأسلوب المحاربة الداخلية في الوقت الحاضر.

ويرى بعض علماء الإدارة (أن هناك ثلاث مراحل أساسية للتعامل مع

الأزمة) :

1 - مرحلة ما قبل الأزمة.

2 - مرحلة التعامل مع الأزمة.

3 - مرحلة ما بعد الأزمة [11] .

ومن خلال استقراء للمراحل الثلاث نستطيع أن نقوم بدراسة أسلوبه صلى الله

عليه وسلم في مواجهة حادثة الإفك، وكيف عانت الأمة الإسلامية من هذه الأزمة

الكثير والكثير، لقد عمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السعي للتخلص من جميع

بذور فتن المنافقين، وبينما نجد مثل هذه البذور تتكاثر وتتوالد بين الصف

الإسلامي بين فينة وأخرى فلا بد من وضع أهداف واضحة في كيفية التخلص من

هذه المشكلات وخصوصاً في زمن الفتن الذي نعيشه، ومن هنا يتبين أن أول

وضع للأهداف يكون بالتخلص من المشاكل المستمرة، والعمل على إيجاد مستقبل

خال من المشاكل.

المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل الأزمة:

وفيها تبدأ الإرهاصات الأولى لحدوث أزمة ما، وتتميز هذه المرحلة بعدة

مميزات منها (المفاجأة نقص المعلومات التدفق المتصاعد فقد السيطرة عقلية

الحصار التركيز قصير المدى) [12] .

* المفاجأة:

من الصعب منع الأزمات من الوقوع أو تحديد وقت الانفجار لأي أزمة،

ولذلك تتسم الأزمات بعنصر المفاجأة، وعندما تقع الأزمة لا يستطيع إلا قلة من

الناس التعامل معها بهدوء ورباطة جأش، ولقد هال عائشة - رضي الله عنها - ما

رماها به أهل الإفك؛ فتصفه أم رومان - رضي الله عنها - بقولها:» فخرَّت

مغشياً عليها فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض « [13] من عظم الأمر الذي رميت به،

» وهي كانت لما تحققته من براءة نفسها ومنزلتها تعتقد أنه كان ينبغي لكل من

سمع ذلك أن يقطع بكذبه « [14] ؛ لذلك يجب على المرء أن يحاول قدر المستطاع

التخفيف من هول المفاجأة على من وقعت به أزمة، وليعلم أنه [مَا أَصَابَ مِن

مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ

يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ

فَخُورٍ] (الحديد: 22-23) .

* نقص المعلومات:

تشكل المعلومة أهمية بالغة في اتخاذ القرار، وكلما توفرت المعلومات

الصحيحة كان القرار أقرب للصواب، ويجب التحقق من صحة المعلومة أو غير

ذلك، ف» البحث عن الأمر القبيح إذا أشيع وتعرف صحته وفساده بالتنقيب على

من قيل فيه، وهل وقع منه قبل ذلك ما يشبه أو يقرب منه؟ واستصحاب حال من

اتهم بسوء إذا كان معروفاً بالخير إذا لم يظهر عنه بالبحث ما يخالف ذلك « [15]

يقول رب العزة والجلالة في كيفية التعامل مع الخبر سواء كان ذلك للقيادة أو

القاعدة: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ

فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ] (الحجرات: 6) يقول العلاَّمة السعدي - رحمه

الله تعالى -:» وهذا أيضاً من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها

واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بنبأ أي خبر أن يتثبتوا في خبره ولا يأخذوه

مجرداً؛ فإن في ذلك خطراً كبيراً ووقوعاً في الإثم؛ فإن خبره إذا جعل بمنزلة خبر

الصادق العدل حكم بموجب ذلك ومقتضاه؛ فحصل من تلف النفوس والأموال بغير

حق بسبب ذلك الخبر ما يكون سبباً للندامة، بل الواجب عند سماع خبر الفاسق

التثبت والتبين « [16] .

وفي حادثة الإفك عمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمع المعلومات وجمع

الآراء في كيفية علاج هذه الأزمة؛ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن

أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت:

» فأما أسامة فأشار على رسول الله بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في

نفسه لهم من الود، فقال: يا رسول الله! هم أهلك ولا نعلم إلا خيراً. وأما علي

بن أبي طالب فقال: لم يضيِّق الله عليك؛ والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية

تصدقك. قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيْ بريرةُ! هل رأيت

من شيء يريبك من عائشة؟ قالت بريرة: والذي بعثك بالحق! إنْ رأيت عليها

أمراً قط أغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي

الداجن فتأكله « [17] لذلك كان» من الضروري أن تتم عملية إدارة الأزمة في ظل

تدفق المعلومات [18] ؛ لأن فريق إدارة الأزمة في موقف مساومة، يجب أن يكون

محاطاً وبصفة مستمرة بكل البيانات التي تمكنه من التقدير المتجدد للموقف؛ بحيث

يمكنه الاستفادة من تلك المعلومات في معالجة الموقف « [19] .

* التدفق المتصاعد:

فبمجرد ظهور طلائع الأزمة يتناول هذا وذاك الموضوع فتكون هناك حالة من

الغليان - وفي العصر الحديث تجد للحادثة الواحدة ألف قصة وقصة في وسائل

الإعلام المقروء والمسموع - فيحتار اللبيب ويعجز عن معرفة الحقيقة الأريب،

ويعيش المجتمع الأزموي حالة من البحث عن الحقيقة؛ بينما تقوم وسائل الإعلام

باستقطاب الرأي العام إلى تفسيرها للحادثة بحسب الصياغة التي تراها مناسبة؛

فعندما رأى المنافقون عائشة - رضي الله عنها - مقبلة على الجمل يقوده صفوان

بن المعطل - رضي الله عنه - طاروا بمقالتهم وبهتانهم» وكان الذي يجتمع إليه

فيه ويستوشيه ويشعله عبد الله بن أبي بن سلول المنافق، وهو الذي رأى صفوان

آخذاً بزمام ناقة عائشة، فقال: واللهِ ما نجت منه، ولا نجا منها، وقال: امرأة

نبيكم باتت مع رجل! « [20] حتى اغتر بذلك المؤمنون وصاروا يتناقلون هذه

المقالة، ويمكن تقدير الحالة بعد ذلك، مما يساهم للميزة التالية (فقد السيطرة) لولا

قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم الرشيدة في معالجة الأزمة.

* فقد السيطرة:

في خضم معترك الأزمة قد ينفلت الأمر من بين يدي القيادة - بسبب عدم

معرفة الدور المطلوب في إدارة الأزمة - فتتصاعد الأزمة وتتوسع هوة الخلاف

والشقة بين صفوف المجتمع الأزموي؛ مما قد يؤدي إلى ظهور تيارات وانقسامات

داخل المجتمع، وقد يتطور الأمر إلى القتال بين فئة المجتمع الواحد. ولذلك كان لا

بد للقائد المحنك من العمل على الإمساك بزمام الأمر، والعمل على السيطرة على

الوضع ف» القائد برغم كل الضغوط من جميع الاتجاهات وهو يشعر بالحرارة

المتزايدة والمتصاعدة عليه أن يبدو هادئاً في كيفية عدم الاستسلام للضغوط

والهروب منها. وتمثل فداحة الخسائر وحياة الناس التي تتعرض للخطر اختباراً

قاسياً للقائد، وتؤدي في أغلب الأحوال إلى استنفار مهارات وقدرات قيادية في

الأوقات العادية، ويحتاج القائد في وقت المواجهة مع الأزمة إلى أن يستخدم ما

يتوفر لديه من مهارات الابتكار والمرونة في الاستفادة من مشاركة الآخرين بالرأي

والمشورة « [21] فنجد القيادة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام استطاعت

السيطرة على الوضع من خلال اتجاهين:

الاتجاه الأول: الفئة الواقعة بالأزمة، وفي هذه الحادثة عائشة - رضي الله

عنها - فقد قلَّت ملاطفة الرسول صلى الله عليه وسلم لها حتى إنها شعرت بذلك،

ولم يهجرها بالكلية، وفي ذلك» إشارة إلى مراتب الهجران بالكلام والملاطفة، فإذا

كان السبب محققاً فيترك أصلاً، وإن كان مظنوناً فيخفف، وإن كان مشكوكاً فيه أو

محتملاً فيحسن التقليل منه لا العمل بما قيل؛ بل لئلا يظن بصاحبه عدم المبالاة بما

قيل في حقه؛ لأن ذلك من خوارم المروءة « [22] .

الاتجاه الثاني: المجتمع الأزموي: وهو الذي يعاصر الأزمة، فعندما صعد

النبي صلى الله عليه وسلم المنبر يستعذر من عبد الله بن أُبَيّ (ثار الحيان من

الأوس والخزرج حتى همُّوا أن يقتتلوا ورسول الله قائم على المنبر، فلم يزل

يخفضهم رسول الله حتى سكتوا وسكت) ، والأمثلة في الأسلوب النبوي على

السيطرة على الأزمات التي سببها المنافقون بالذات كثيرة جداً، منها قوله صلى الله

عليه وسلم:» فكيف يا عمر! إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؟ ! «في

غزوة بني المصطلق، ويمكن الاستزادة منها في كتب السير.

* عقلية الحصار:

مع تفاعل الأزمة وتسابق الأحداث وتلبد السماء بالغيوم السوداء نشعر أننا

أصبحنا ضحايا سقطنا جراء إساءة الفهم، وليس هناك من يهتم بروايتنا للأحداث أو

يوافق قصتنا، ويرمقنا الجميع بسهام الاتهام؛ فلا نجد الإجابة للسؤال. تقول

عائشة - رضي الله عنها - صاحبة المعاناة:» دخل علينا رسول الله صلى الله

عليه وسلم فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ ما قيل قبلها، وقد لبث

شهراً لا يوحى إليه في شأني، قالت: فتشهَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين

جلس، ثم قال: أما بعدُ يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا؛ فإن كنت بريئة

فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإن العبد إذا

اعترف بذنبه وتاب تاب الله عليه، قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه

وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله

فيما قال! قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم! فقلت

لأمي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم! قالت: والله ما أدري ما أقول

لرسول الله صلى الله عليه وسلم! قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً

من القرآن: إني والله لقد علمت؛ لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم

وصدقتم به؛ فلئن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك،

ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقُنِّي، والله ما أجد لكم

مثلاً إلا قول أبي يوسف: [فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ]

(يوسف: 18) . قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا حينئذ

أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكنْ والله ما كنت أظن أن الله منزل

في شأني وحياً يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر

يتلى « [23] .

* التركيز قصير الأمد:

في خضم معمعة الأزمة لا بد من العمل على ضبط النفس وعدم الثوران

والغضب، ومحاولة استجماع القوى، والتفكير الصحيح في كيفية الرد المنطقي

السليم، ومن أقوى السبل في الحصول على حالة من الثبات النفسي» اتباع نظام

العزلة المؤقتة عند التعرض للمشاكل، والفكرة هنا أن الفرد يحتاج إلى مسافة أكبر

بينه وبين المشكلة التي يتعرض لها؛ إذ إنه من المرجح أن يفقد المرء قدرته على

تصور الأمور بشكل سليم عند بقائه قريباً جداً من القضايا الصعبة « [24] ولذلك نجد

الرسول صلى الله عليه وسلم وافق على طلب عائشة - رضي الله عنها - الانتقال

إلى بيت والدها عندما شاع الخبر، مع يقينه الكامل ببراءتها مما نسب إليها.

المرحلة الثانية: مرحلة التعامل مع الأزمة:

هي المحور الرئيس في المعالجة الفعلية للأزمة، وفيها يتم العمل على حل

هذه الأزمة مع جمهور المجتمع الأزموي على ضوء المعطيات السابقة، والملَكة

الإدارية لدى القيادة في حل هذه المشاكل، وذلك من خلال ثلاث خطوات:

1 - التعامل مع الجمهور المتأثر:

فمن خلال ما سبق من الروايات يجب علينا مراعاة الآتي عند التعامل مع

الجمهور وقت الأزمة:

- تحديد فريق العمل المسؤول عن إدارة الأزمة، ويجب أن يكون ذا قدرات

في التعامل مع هذه الجماهير.

- ضبط النفس والسيطرة على ردود الأفعال.

- (المبادرة إلى قطع الفتن والخصومات والمنازعات وتسكين

الغضب) [25] .

- على القيادة التعامل برفق مع المسببين للأزمة، وأن أمر الخطأ وارد،

وعدم التنصل منهم وطردهم وجعلهم عرضة للهجوم من الغير، ومد يد العون لنقله

إلى بر الأمان؛ فالواقع في أزمة أو في محط اتهام قد يبلغ به الضعف والانهيار

الاعتراف بذنب لم يقترفه، ويطلب التوبة؛ فعلى القيادة الفطنة إفهامه أن التوبة

(تُقْبَل من المُقلع المخلص، وأن مجرد الاعتراف لا يجزئ فيها، وأن الاعتراف

بما لا يقع لا يجوز ولو عرفت أنه يصدق في ذلك، ولا يؤاخذ على ما يترتب على

اعترافه بل عليه أن يقول الحق أو يسكت) [26] .

- طلب الرأي والمشورة من أصحاب الرأي في كيفية معالجة الأزمة.

- أخذ العذر لردود الفعل من بعض الأشخاص في خضم الأزمة؛ فهذه عائشة

- رضي الله عنها - تبين هذا الموقف عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم من

على المنبر:» من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟ «، فكان اقتراح سعد

بن معاذ ضرب عنقه، ولكن سعد بن عبادة عارض ذلك، فتصف سعد بن عبادة:

» وكان رجلاً صالحاً، ولكن اجتهلته الحمية «.

2 - دمج التغذية الاسترجاعية في خطة الأزمة:

والمقصود من ذلك العمل على توظيف ردود أفعال الجماهير لصالح حل

الأزمة، ويتمثل ذلك في هذه الحادثة بالآتي:

- غضب المسلمين عند انتهاك حرمة أميرهم واهتمامهم يدفع ذلك [27] .

- توجيه مشاعر التعاطف الجماهيري في اتجاه عدم انتشار الأزمة.

- العمل على إظهار الحقائق للجماهير، ليكون ذلك سبباً في الحد من الأزمة،

والانطلاق نحو الحل النهائي.

- عدم التقليل من شأن آراء الناصحين والساعين في إيجاد الحلول، حتى ولو

كانت بعض هذه الحلول صعبة ومرة في بعض الأحيان.

3 - تحديد الرسالة الإعلامية الموجهة إلى الجمهور:

لا شك أن للأعلام أهمية بالغة في التأثير على الرأي العام بصفة عامة،

ولذلك كان لا بد من تحديد الرسالة الإعلامية وتوقيتها، ولا بد من وضوح أهدافها

ونوعيتها لمعالجة الأزمة، ومن هنا يجب التنبه إلى عدم السراع في توجيه هذه

الرسالة دون الأخذ بالروية والهدوء، ومن هنا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم ما

تعجل في توجيه خطاب معين إلى المجتمع المدني؛ فبعد السؤال والاستشارة قام إلى

المنبر وقال:» يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل

بيتي؟ «، وتحمل هذه العبارات الكثير من الفوائد الجليلة في صفات الرسالة

الإعلامية، ومنها:

أ - أن الخطاب كان في كلمات موجزة ذات هدف واضح.

ب - لم يقطع الرسول صلى الله عليه وسلم بالنفي أو الإثبات في الأمر،

وإنما قال:» فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً «، وفي حق صفوان:» ما

علمت عليه إلا خيراً «.

ت - تسعى هذه الرسالة إلى توصيل أمرين:

الأول: حقيقة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم إلا بما علمه الله.

والثاني: معرفة آراء الصحابة بخصوص موضوع الإفك؛ فقد جمعت في

محتواها حقيقة معينة ثم معرفة الآراء.

ث - تعليم القادة عدم التسرع بالحكم بالنفي القاطع، وأن الشخص المتهم

(فوق مستوى الشبهات) أو إثبات التهمة عليه بمجرد السماع، وإنما يكون حكمنا

على الظاهر مع التأكيد أن الشخص يصيب ويخطئ، وليكن لدينا هذا الرد الجميل:

(لا نعلم إلا خيراً) في التزكية، وإن كان ذلك كافياً في حق من سبقت عدالته

ممن يطلع على خفي أمره) [28] .

غير أنه يجب التنبه إلى عدم تحديد شخص بعينه أنه هو وراء هذه الأزمة

مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم:» من يعذرني في رجل بلغ أذاه في أهلي؟ «

وفي ذلك عدة فوائد منها:

1 - قد ينساق أشخاص من داخل الصف الإسلامي في معمعة هذه الأزمة،

ويشارك في إثارتها، دون قصد للشر، فتبقى هذه التهمة وصمة عليه، ومثال ذلك

مشاركة بعض الصحابة - رضوان الله عليهم - أجمعين في حديث الإفك مثل حسان

بن ثابت، ومسطح بن أثاثة.

2 - قد يكون من بين الصف النفاقي من ليس له أي علاقة بالموضوع من

ينسب إليه التهم بأنه المسبب لهذه الأزمة أو تلك، وبعد بيان الحقيقة يظهر أنه

بريء مما نسب إليه، فيجد في ذلك ذريعة للتهجم على الصف الإسلامي.

3 - عدم رمي الآخرين بأسباب الأخطاء أو المشاكل التي نقع فيها دون بينة

وإثبات، بل يجب التثبت أولاً، ومواجهة الأزمة مواجهة حقيقية سعياً إلى إيجاد

العلاج الناجع.

ومن خلال ما سبق ذكره يمكن وضع ثلاث نقاط مهمة عند توجيه الرسالة

الإعلامية:

(1 - الحصول على الوقائع المتصلة بمشكلة معينة بأسرع ما يمكن؛ فأسوأ

الأمور هو التصريح لوسائل الإعلام بمعلومات غير صحيحة.

2 - إذا لم تكن تعرف الجواب عن سؤال فلا تجب بأي شيء، فإذا أعطيت

الأجوبة فإنه يكون من الصعب نفيها.

3 - اطرق جوهر المشكلة ولا تحاول الالتفاف حولها، وهنا ينبغي تكوين

مصداقية مع وسائل الإعلام بإبداء التجاوب والثقة) [29] .

المرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد الأزمة:

من الخطأ الذي تقع فيه بعض القيادات الإدارية بشكل عام والقيادات الدعوية

بشكل خاص أنه بعدما تنتهي عاصفة الأزمة وتنقشع غيومها وتنفرج تلك العقدة التي

كانت محكمة، أن يُظَنَّ أن القضية قد انتهت فيُغفل عن أهمية الاستفادة من هذه

الأزمة وتحديد الدروس المستفادة من تلك التجربة التي مرت، والأدهى من ذلك كله

أنها تمر أزمة وأختها دون العمل على إغلاق منافذ الفتن أو العمل على حصر

دورها وقدراتها، ومن خلال حادثة الإفك وبعد إعلان براءة عائشة - رضي الله

عنها - يتبين لنا عدة فوائد تحققت بسبب هذه الأزمة التي كان يراد منها إلحاق أكبر

قدر ممكن من الخسائر، ولكن بفضل الله ومنته تحولت الخسائر إلى مكاسب

والهزيمة إلى نصر، نذكر منها:

* إن الأزمة التي يمر بها الشخص قد تكون سبباً لخير كثير لم يكن ليحصل

عليه لولا الوقوع في الابتلاء، ولذلك يجب أن يكون العمل بعد الأزمة السعي

للانطلاق في طريق البناء، من خلال هذه المكاسب وعدم النظر للأزمة بأنها شر

محض؛ ودليل ذلك قوله - تعالى - عن حادثة الإفك: [لاَ تَحْسَبُوهُ شَراً لَّكُم بَلْ

هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ

عَظِيمٌ] (النور: 11) لما تضمن ذلك من تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها والتنويه

بذكرها حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولما

تضمن ذلك من بيان الآيات المضطر إليها العباد التي ما زال العمل بها إلى يوم

القيامة؛ فكل هذا خير عظيم ولولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك، وإذا أراد الله

أمراً جعل له سبباً، ولذلك جعل الخطاب عاماً مع المؤمنين كلهم، وأخبر أن قدح

بعضهم ببعض كقدحٍ في أنفسهم» [30] .

* «تدريج من وقع في مصيبة فزالت عنه لئلا يهجم على قلبه الفرح من أول

وهلة فيهلكه، يؤخذ ذلك من ابتداء النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول الوحي

ببراءة عائشة بالضحك، ثم تبشيرها، ثم إعلامها ببراءتها مجملة، ثم تلاوته

الآيات على وجهها، وقد نص الحكماء على أن من اشتد عليه العطش لا يُمَكَّن من

المبالغة في الري لئلا يفضي به ذلك إلى الهلكة بل يجرع قليلاً قليلاً» [31] .

* يجب النظر بعد الأزمة إلى تصفية النفوس داخل المجتمع، والعمل على

الاهتمام بالأثر النفسي الذي خلفته هذه الأزمة في صفوف المجتمع، بل يجب

الإحسان إلى المسيء بعد أداء العقاب الخاص به، وأن لا تكون هذه الأزمة سبباً

لمقته من المجتمع؛ فهذا مثال حي للمعالجة الربانية لبعض الآثار التي خلفتها مقولة

الإفك على أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حين نزلت الآيات «تتناول الأمة

إلى يوم القيامة بألا يغتاظ ذو فضل وسعة فيحلف ألا ينفع من هذه صفته غابر الدهر

روي في الصحيح أن الله - تبارك وتعالى - لما أنزل: [إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ

عُصْبَةٌ مِّنكُمْ] (النور: 11) العشر الآيات قال أبو بكر - رضي الله عنه - وكان

ينفق على مسطح لقرابته وفقره:» والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال

لعائشة «، فأنزل الله تعالى: [وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي

القُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ

اللَّهُ لَكُمْ] (النور: 22) قال عبد الله بن المبارك:» هذه أرجى آية في كتاب

الله - تعالى - «. فقال أبو بكر - رضي الله عنه -:» والله إني لأحب أن يغفر

الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه

أبداً « [32] .

* إن خطأ الفرد في المجتمع لا يكون أبداً سبباً في تعطيل طاقات ذلك الفرد

وعدم أهليته للمشاركة في البناء، ويجب العمل على الاستفادة منه في عملية البناء

بعد بيان الخطأ الذي وقع فيه، كذلك يجب التنبه إلى عدم رمي المذنب أو المخطئ

بإحباط العمل ونجعل منه أسير خطئه، ونسيان حسناته السابقة، ف» القذف وإن

كان كبيراً لا يحبط الأعمال؛ لأن الله - تعالى - وصف مسطحاً بعد قوله بالهجرة

والإيمان، وكذلك سائر الكبائر، ولا يحبط الأعمال غير الشرك بالله، قال -

تعالى-: [لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ] (الزمر:65) « [33] .

ومن خلال ما سبق نستخلص هذه الآلية في التعامل مع المجتمع بعد الأزمة

على النحو الآتي:

(1 - الاستمرار في إيلاء الاهتمام بالجماهير.

2 - الاستمرار في مراقبة المشكلة إلى أن تتناقص حدتها.

3 - تقييم كيفية عمل خطة الأزمة، وكيفية استجابة الإدارة والعاملين.

4 - دمج التغذية الارتجاعية في خطة الأزمة وتحسينها ومنع أي أزمات

مستقبلية.

5 - تطوير استراتيجية طويلة الأمد للاتصالات لتقليل الأخطار الناجمة) [34] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015