الورقة الأخيرة
د. مالك الأحمد [*]
«إلى الذين يؤمنون أن في نفس المرأة قوة تُميت جراثيم الفساد، وأن في
يدها سلاحاً يمزق غياهب الاستبداد، وأن في فمها عزاءاً يخفف وطأة الشقاء
البشري ... أُقدِّم مجلتي لا كضريبة تثقل بها عواتقهم بل تقدمة إلى من يليق بهم
الإكرام، وتناط بهم الآمال، وهم مُخيَّرون في قبولها ورفضها ... ولقد رأيت من
الضرورة أن أجعل المباحث التي تتناولها المجلة ثلاثة أقسام:
أولها: باب الأدب والتاريخ.
وثانيها: لاقتطاف ما غزرت مواده وتعددت فوائده من الشؤون البيتية،
وكيفية تمريض الأطفال والعناية بهم.
وثالثها: للفكاهات ... » .
هذه افتتاحية العدد الأول من مجلة (العروس) الصادرة عام 1910م، وهي
أول مجلة نسائية في بلاد الشام، صاحبتها ماري عجمي (نصرانية) ، عالجت
فيها مشاكل المرأة والأسرة والطفل، واستمرت في الصدور 15 سنة، وفي الفترة
نفسها صدرت مجلة الحسناء من بيروت 1909م لصاحبها جرجي نقولا
(نصراني) .
وتوالت المجلات النسائية في بلاد الشام بعد ذلك تباعاً؛ فصدرت مجلة
(المرأة) عام 1930م في حماة و (الشبكة) عام 1955م في بيروت، ثم انتشرت
بعد ذلك المجلات النسائية وتعددت أسماؤها. أما في مصر فصدرت مجلة (حواء)
عن دار الهلال في بداية القرن العشرين وما زالت مستمرة في الصدور.
والناظر لواقع صحافة المرأة في ذلك الزمن المبكر قبل نصف قرن وما يزيد
يرى تغلغل العنصر النصراني في الإنشاء والإدارة والتحرير، كما يلاحظ طرح
قضايا مصادِمَة تماماً لواقع المجتمع الإسلامي في ذلك الحين وإن كان بطريقة غير
مباشرة.
والغريب أن قضايا المرأة بالفهم الغربي طُرحت منذ وقت مبكر في العالم
الإسلامي؛ فمثلاً كانت قضية الصحافة السورية عام 1924م هي الحجاب والسفور،
وكانت الصحف بين مؤيد ومعارض، وكان هذا الموضوع أيضاً مدخلاً لقضية
حقوق المرأة في التعليم والانتخاب والعمل، والأمر مشابه في الصحافة المصرية،
بل كان الأمر أصرح وأقوى نظراً للفساد الاجتماعي الذي بدأ في أوساط المتعلمين،
فضلاً عن أثر اليهود والنصارى المتنفذين في البلد.
ويلاحظ أن صحافة المرأة في وقت مبكر في العالم الإسلامي بل في وقت كان
التعليم في أضيق نطاق في وسط الرجال بَلْهَ النساء؛ لكن الكيد الماكر يعلم أن
حرف فكر المرأة أسهل خصوصاً لمن يستخدم الخطاب العاطفي معها.
ولئن بدأت صحافة المرأة محافِظَةً إلى حد ما في خطابها ومتوارية في أساليبها
لكنها الآن مع وسائل الطباعة الملونة والجميلة قفزت قفزات ضخمة، ودخلت بيوتاً
كثيرة، حتى أصبح خطابها لا يراعي تقاليد ولا يستحي من دين؛ فالدعوة للعهر
والفجور أصبح عادياً، والصورة سُخِّرت لإسقاط الحياء عن المرأة المحافِظَة.
فهلاَّ من بديل يؤدي دوراً في وسط هذا الخضم، بل بدائل كثيرة ومتنوعة
للنساء والفتيات، للصغار والكبار!
آمل ذلك مع المبشرات التي نراها، ونسأل الله لها الثبات والاستمرار.