المنتدى
إمام الطيّب
ليس في الإمكان أحسن مما كان هذه الفكرة التي عششت ثم باضت وأفرخت
في عقول الأجيال المعاصرة من المسلمين، بل في عقول النُخَب التي تتقدم الركب
بوصفها قيادات فكرية؛ فهم يهرعون دوماً إلى الماضي، وكم هو جميل أن نهرع
إلى بؤر الإشراق في تاريخنا، نستجديها الهدى، ونستلهمها العبر، ومن ثم نحملها
مشاعل نستضيء بها في ديجور الحياة المدلهم، ولكن أن نهرع إلى الماضي مسكناً
لآلامنا، وضماداً لجراحنا. نتغنى بمُلكنا لكسرى وقيصر في الماضي العريق،
ونذهل عن أننا في أَسْرهم في وقتنا الحاضر السحيق، نفخر بيوم كنا، ونغض
الطرف عما آل إليه أمرنا، فيتلاشى عن آفاقنا الغد، وبين أيدينا كلام الله الأزلي
الأبدي، يحثنا على الإعداد والاستعداد للغد: [وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ]
(الحشر: 18) . نعم إنه الغد الأبدي؛ حيث الناس فريقان: شقي وسعيد، [فَرِيقٌ
فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ] (الشورى: 7) وذلك المآل الأبدي رهين بما تقدمه
للغد القريب الفاني؛ فهنا العطاء، وهناك الجزاء، والنجاء مناط بسلامة القلوب،
والإحسان في كل شيء، وفي الإمكان كثير من الحُسن إذا ما أحسنَّا القصد والسعي
ومن ثم الظن [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ] (البقرة: 195) .