مجله البيان (صفحة 3622)

المنتدى

الشُكْرُ وأحلام التحقيق!

عبد الكريم علي الشهري

الشُكْرُ ... نعم معناه في اللغة: الثناء على الإنسان بمعروف يُولِيكَهُ [1] .

وأيضاً هو: عرفان الإحسان ونشره [2] .

إلا أن محدودية الحروف لا تفي معنى «الشكر» حقه؛ إذ للشكر في

الوجدان فضاء شاسع، وتُحَمِّل قائلها عاطفة جياشة، ومشاعر فيّاضة، وتمنَّت

النفس التخلص من هَمِّ القيام بالشكر، جزاءاً للمعروف المُسدى إليها.

فالشاكر الحقيقي دائماً صادق المشاعر، كبير الهَمِّ تجاه مَنْ سيشكره كيف

يجازيه؟ وهل ستكون الكلمات والمشاعر في رد المعروف كافية؟ نعم! يحق لمن

أراد أن يشكر أحداً أن يكون مهموماً؛ لأن حقيقة الشكر نابعةٌ من حقيقة المعروف؛

فجميل روح تقديم المعروف على النفس يستوجب حكماً مشابهاً له من الشكر وإلا

يُعدَّ ناكراً للمعروف هذا هو ميزان الفطرة التي ترى التقدير والشكر معيار العطاء.

والله المستعان. لكن ونحن نعزِّز هذه الفطرة لا نعزِّزها لذواتنا وعلى حساب نياتنا،

بل لأنه «لا يشكر الله مَنْ لا يشكر الناس» [3] وحتى نتربى على هذا الخُلُق

العظيم ... وإلا لو أردنا القيام بحق الشكر مع الله أولاً لما استطاع أحدٌ ذلك ولو يُجَرُّ

على وجهه من ميلاده حتى مماته ليفي بنعمة واحدة ومعروف واحد لما وفَّى:

[وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا] (النحل: 18) ، ولكن رحمته شاملة وسابقة.

فكيف لنا أن نقوم بالشكر مع البشر ذوي النفوس الطامعة الذين قد يمنون

عليك معروفهم ولو كنت قد شكرتهم! ولو وسعهم شكرك لما منّوا عليك.

ولكن هناك النفوس الطيبة والضمائر المؤدَّبة بالخُلُق الرفيع، تزن خُلُق الشكر

مكاييل كثيرة، فتجد حرارة مشاعرها وصدق عواطفها، تجاه كل من أسدى معروفاً

إليها؛ ففي أقل الأحوال الكلمة الصادقة المقرونة بالمشاعر الفيّاضة. أما الصمت

وكأن معروفاً لم يكن فهذا لا تطيقه النفس البشرية، وإن استطاعته قدراً من الزمن؛

فالنفس تتوق أن ترى ثمار معروفها لتستمر أو تزيد في العطاء، هذا ما يشهد به

الواقع وليس يقدح في الإخلاص لله من هذا شيء.

فمَنْ لم يُحسن إلى مَنْ أساء فهذا عدل، ومَنْ أحسن إلى مَنْ أساء فهذا فضل:

[ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ] (الجمعة: 4) .

فالمربّون والمعلّمون والدعاة والناصحون لهم فضل علينا كبير، ولهم فضل

من الله؛ إذ تحمّلوا عناء التربية والتعليم والدعوة والنصح لنا، رغم أننا لم نستطع

تحقيق الشكر لهم ولن نستطيع! إذ كيف يُشكر من كان سبباً في هدايتك؟ أم كيف

يُشكر من سعى في تربيتك؟ أم كيف يُشكر من أفرغ وقته لك؟ أم كيف يُشكر من

أدام النصح لك؟ أم كيف وربي يُشكر مثل هؤلاء وخاصةً وهم يتمثّلون قول الله

تعالى: [لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً] (الإِنسان: 9) فهل يمكن أن نحقق

لهم الشكر؟ حسبنا أن نسأل الله أن يقيهم شر ذلك اليوم، ويلقيهم نضرةً وسروراً،

وأن يجزيهم بما صبروا جنةً وحريراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015