ملفات
التنصير.. هل أصاب الهدف؟
(2 - 2)
المواجهة الفاصلة بين
الإسلام والنصرانية في إندونيسيا
د. توفيق محمد علوان
كنا قد تناولنا في مقال سابق [*] الأسباب التي دعت إلى ذلك التفوق النسبي
ونجاح التنصير في إندونيسيا، وبينَّا أن الأسباب التي أدت إلى هذه النائبة هي
أسباب عديدة ومتشابكة، وتشمل كافة جوانب الحياة العملية والاقتصادية السياسية
وغيرها من جوانب الحياة، وحددنا الأسباب الجغرافية والأسباب التاريخية
والأسباب الثقافية والأسباب السياسية وناقشناها. ونواصل في هذا المقال تناول بقية
الأسباب التي من وجهة نظرنا وعبر مشاهداتنا الواقعية تعتبر من أكبر الأسباب التي
أدت إلى هذه النازلة الكبرى التي نزلت بالإسلام والمسلمين في إندونيسيا المسلمة
وهي:
أولاً: الأسباب الاقتصادية.
ثانياً: الأسباب الاجتماعية.
ثالثاً: الأسباب العقائدية.
رابعاً: الأسباب الإعلامية.
فهذه الأسباب مجتمعة مع الأسباب السابقة قد تضافرت على الإسلام هنالك،
وأدت إلى كل ما أنت راءٍ أمامك من تحلل وتمزق وانهيار بلغ ذروته في سلخ
تيمور الشرقية نهائياً من الجسد الإسلامي، ولكن الطامة الكبرى لا تكمن ها هنا،
بل إنها تكمن في أنه إذا انفرط هذا العقد فلسوف تتتابع حباته سراعاً إلى الزوايا
السحيقة والضياع التام، وكم هنالك من تيمور بعد تيمور لا يدري العالم شيئاً عنها،
وهي كثيرة وعديدة في إندونيسيا تتربص بها العيون الصليبية تمدها من ورائها
المعاول الباترة جغرافياً وسياسياً وتنصيرياً ودولياً لوضع كلمة الختام على سفر هذه
المأساة التي نسيها الجميع في غمار النكبات المتلاحقة على أطراف العالم الإسلامي.
أولاً: الأسباب الاقتصادية:
إن جميع المؤسسات الاقتصادية المتحكمة في الاقتصاد الإندونيسي تقع بغير
استثناء في قبضة النصارى والصينيين الذين يجثمون بنيرهم الثقيل على أعناق
المسلمين، ويأكلون أكلهم ويشربون شربهم، ويعتصرون دماءهم. وقد تصاب
بصدمة هائلة ومفاجأة كبرى عندما يتبين لك أن هذه البنايات الشاهقة والتي تبشر
بنهضة عالية وضعت إندونيسيا في حقبة معينة بين النمور الاقتصادية التسعة التي
هددت الاقتصاد الأوروبي والأمريكي، إن هذه النهضة بلحمها وشحمها قد حصد
ثمارها وجنى جناها النصارى وحدهم، بينما تحكموا دون رحمة أو هوادة في
أرزاق الملايين الكثيرة التي بقيت تتضور جوعاً وتقاسي أشد حالات الحرمان
والإذلال اليومي بحثاً عمَّا يقيم حياة الكفاف. هذه الجموع المنهكة التي ثارت في
نهاية الأمر ثورة عاتية شعواء حرقت في لهيبها كل ما يمت إلى النصارى بصِلَة:
بيوتهم، ومؤسساتهم، وشركاتهم، وبنوكهم، وقبل ذلك أنفسهم وأسرهم.
(قبيل سقوط سوهارتو عام 1998م) ، الأمر الذي بدا ظاهراً للعيان أنه ناجم عن
الشعور الجسيم بالإحباط والهوان من التحكم الذي لا يرحم من النصارى، وخاصة
ذوي الأصل الصيني منهم. وكم كانت ملاحظة جديرة بالتأمل والتحليل أنه في
أثناء الهياج الكامل للناس وحرق كل ما تقع عليه أيديهم ومن أراد إنقاذ نفسه أو
مؤسسته أو أمواله أو بيته من الهجمات العارمة، فليس عليه إلا أن يكتب بخط كبير
ظاهر: «أنا مسلم» أو «الله أكبر» ، وغنيٌّ عن البيان الدلالة الحاسمة لذلك،
ألا وهي أن المسلم الجائع والذي أخذ ينهب كل ما تقع عليه يده إنما يدرك دون
غموض من هم الذين امتصوا دماءه، وأحرقوا فؤاده [1] .
إن النصارى يسيطرون على النصيب الأعظم من كل أنواع التجارة بمساعدة
الدولة، وعلى سبيل المثال، فإن الحكومة إبان النهضة الاقتصادية العامة في جنوب
شرق آسيا في السنوات العشر الأخيرة قد صرحت في أكتوبر عام 1988م، بقانون
تنظيم البنوك الأجنبية والخاصة (Pakta 1988) ، ومنذ ذلك التاريخ وحتى
ديسمبر عام 1995م تم تأسيس 165 بنك خاص، ولهذه البنوك 3458 منفذ بنكي
غالبيتها الساحقة بأيدي النصارى (إن لم تكن جميعها) . كما تم التصريح لعدد 41
بنكاً أجنبياً بعدد منافذ ومكاتب يبلغ 83 (كلها للنصارى الأجانب) . إن البنوك
الخاصة التي تتحكم في اقتصاد البلاد مثل: البنك المركزي لآسيا، بنك بالي،
رضي الله عنهعز وجلNI,رضي الله عنهLL، بنك دانامون، بنك دوتا، بنك نيجا، بانين بنك. أو البنوك
الأجنبية مثل: بنك أمريكا، بنك هونج كونج، بنك طوكيو، بنك بنكوك، بنك
تشيس مانهاتن، وغيرها، كلها تقريباً بأيدي غير مسلمة. إن الشركات المالية
الاقتصادية قد بلغت 252 شركة في عام 1995م باستثناء شركات رأسمالية الدولة.
أما شركات التأمين فقد بلغت حتى أغسطس عام 1996م عدد 173 شركة للتأمين
وإعادة التأمين، كما أن الشركات المدعمة لها 115 شركة.
هذه الأعداد الهائلة والتي تتحكم في مليارات الدولارات تحكماً كاملاً غالبيةُ
أتباعها من بنوك وشركات وتأمينات هم من النصارى (بعض التقارير تؤكد أنهم
جميعاً من النصارى والصينيين) فهذا كله من الأسباب الرئيسة للأزمة الاقتصادية
من جانب، وأزمة الإسلام في مواجهة التنصير من جانب آخر [2] .
ولا يغربن عن بالك أن النصارى الذين بلغوا هذا القدر من الثراء والغنى لن
يضنوا على إخوانهم المنصرين القادمين من أقصى الأرض بالأموال الطائلة عوناً
لهم على أداء الدور الذي جاؤوا من أجله. كل هذا والمسلمون يدورون دون رحمة
تحت النير النصراني الثقيل، بينما يكدحون مواصلين الليل بالنهار بحثاً عن حفنات
الأرز الكفاف.
ثانياً: الأسباب الاجتماعية:
هناك أسباب اجتماعية تفسر ظاهرة التنصير المستشرية، ألا وهي حرص
الأبواق الحكومية، وبصورة ملحة على ضرورة تنظيم النسل، ولا شك أن
الكثيرين من المسلمين، نظراً للظروف الاقتصادية القاهرة، مضافاً إليها الإلحاح
الإعلامي، سرعان ما تستجيب لهذه الدعايات، مما أدى إلى التناقص المستمر في
نسل المسلمين عبر العقود الأخيرة. بينما النصارى في أماكن تجمعاتهم لا يلقون
بالاً لهذه الدعايات؛ ذلك أنهم يلتزمون بصورة صارمة بالتعاليم الكنسية
البروتستانتية والكاثوليكية التي تحرضهم على الزيادة في النسل بكل وسيلة ممكنة؛
مما دعا بعض المحللين إلى اعتبار هذا الخلل الجسيم في التوازن السكاني
(حيث كانت النسبة 100% للمسلمين منذ نصف قرن فقط) ، إنما يرجع إلى هذه
الأسباب، لا إلى النجاح في عمليات التنصير.
ثالثاً: الأسباب العقائدية:
عقيدة الدولة الإندونيسية علمانية، أي أنها لا تلقي بالاً إلى الديانات عند
تخطيط وتوزيع الخدمات أو الامتيازات، ولقد أدى هذا المذهب الأعمى إلى إيقاع
أشد الظلم بالمسلمين؛ حيث تم فتح الأبواب والفرص دون تمييز بين الأغلبية
الساحقة من المسلمين، وبين الأقلية التي لا تكاد تذكر من النصارى على رغم
القاعدة المعتمدة في جميع أنحاء العالم والتي بموجبها تخضع الأقليات لرأي الأغلبية
وإن لم تعتنقه، وإلا لزم العكس وهو غير معقول، إلا في حالة الأغلبيات المسلمة
والأقليات النصرانية كما هو الحال في إندونيسيا؛ حيث يتوجب على الأغلبية
المسلمة أن تعطل كافة أعمالها احتفالاً بالأعياد النصرانية الكثيرة، وعلى الأغلبية
المسلمة أن تنصت بإمعان إلى البرامج المتتالية والتي لا تنقطع فيها الدعوة إلى
الديانة النصرانية والتنصير المعلن الصريح الذي يذاع دون مداراة في التلفزيون
الإندونيسي. وعلى الغالبية المسلمة أن تنصت بإعجاب إلى البطولات الخارقة لدعاة
التنصير في التلفزيون الإندونيسي، مثال الأم تيريزا التي واصل التلفزيون
الإندونيسي في حالة من الإبهار والاستعراض الكامل عرض تفاصيل حياتها
التنصيرية على أعين الجمهور المسلم وأسماعه لساعات طوال، وكنت واحداً من
المنكوبين بهذه البرامج؛ حيث رأيت التضخيم الذي لا يعقل في بعض الأحيان
لأعمال هزيلة تافهة يمكن دون جهد مشاهدة أضعاف أضعافها من صغار الدعاة من
الشباب الإسلامي، كذا تصوير الترف الذي تمارسه المنصرات على أنه شظف
وجهاد ونبذ للحياة الدنيا، فضلاً عن الكذب والخداع وتقليب الحقائق والأمور، دع
عنك الدعاية طوال هذا جميعه إلى أدلة كون الحق المبين في الديانة النصرانية،
هذا الذي على الغالبية المسلمة في إندونيسية المسلمة أن تعيه وأن تسمعه، وخاصة
في يوم الأحد؛ حيث إن يوم الجمعة يوم عمل لا يهدأ؛ بينما الأحد هو الإجازة
الرسمية في أنحاء البلاد التي يقطنها مائتا مليون من المسلمين الذين ما زالوا بعدُ
يحتفظون بشعائرهم يوم الجمعة وعلى رأسها شعيرة صلاة الجمعة.
رابعاً: الأسباب الإعلامية:
الإعلام الإندونيسي خاصة التلفزيون يركز بصورة أساسية على البرامج
النصرانية التنصيرية الصريحة خاصة في أيام الأجازات والعطلات الرسمية، كذلك
في أوقات الذروة الهامة من البث التلفزيوني.
وإنني ومع أني مسلم مضطر إلى الإنصات لساعات طويلة مشاهداً الكنائس
من داخلها، وسماع المواعظ الطويلة وكأني أحد النصارى هذا على الأقل مرة
أسبوعياً. وكما ذكرنا فإن يوم الأحد هو يوم الإجازة الرسمية في البلاد، بيد أن
مائتي مليون من المسلمين ملزمون بالخضوع لهذه الخطة الشنعاء التي تخضع فيها
الأغلبية على صورة مؤلمة لرأي الأقلية التي لا تكاد تذكر، بل الخضوع للأذقان
لعقيدتها وديانتها. والأدهى من ذلك أن الكثير من المؤسسات تعتمد يوم السبت
مضافاً إلى الأحد يوم عطلة أسبوعية مجاملة لعيون اليهود الذين لا وجود لهم أصلاً
إن يوم الجمعة هو اليوم الوحيد الذي لا خلاف على العمل فيه بغاية الجد
والإخلاص ودون توقف إلا من أراد أن يصلي الجمعة فإنه يحصل على فترة انقطاع
تساوي قدر الصلاة على أن يعود إلى العمل فور الانتهاء منه. بل إنني لاحظت أنه
كلما كان الموظف أكثر التزاماً أو حتى أراد أن يبدو هكذا أمام رؤسائه فإنه يحرص
غاية الحرص على الانتظام يوم الجمعة. إن العمل يوم الجمعة بالذات هو الدليل
الذي لا تشوبه شائبة على ولاء الموظف والتزامه بالنظام العام في الدولة، وهو
الجواز الذي عبره يحصل على رضى الرؤساء، ولما كان عملي في جامعة إسلامية
تدرس العلوم الشرعية، ولما كان هذا هو النظام المتبع فيها، فلا تسل عن غيرها
من المؤسسات الحكومية الأخرى غير المعنية بشؤون الإسلام، بل لا تسل عن
المؤسسات الخاصة التي يترأسها عادة الصينيون والنصارى والتي لا ترعى فيه
لمشاعر المسلم أدنى اهتمام.
إني لأعجب من هذا النظام وممن يقرره: من الذي يعطل الأعمال يوم الأحد؟
ولماذا يطبق بهذه الصرامة؟ ولماذا كان لا بد على المسلمين بأجمعهم أن يعطلوا
أعمالهم حتى تذهب القلة النصرانية إلى كنائسها هانئين؟ ألم يكن كافياً أن يسمح لهم
مثلاً بالذهاب إلى الكنائس يوم الأحد في الوقت المخصص لعبادتهم، بينما يجازون
مع المسلمين يوم الجمعة؟ وهل يعقل أن يعطل تسعمائة مسلم من كل ألف أعمالهم
كل أسبوع من أجل ذهاب مائة إلى أداء طقوسهم الدينية؟ إن يوم الجمعة هو اليوم
المعلوم على مستوى العالم الإسلامي ومهما كانت العقيدة التي تتبناها الدولة فيه.
ودون النظر إلى مدى وجوبه شرعاً أم لا، بيد أن هذه الظاهرة هي الظاهرة اللافتة
للنظر، والتي تشير دون لبس أو خفاء إلى حالة التحكم النصراني في شؤون الحياة
السياسية والعقائدية في إندونيسيا المسلمة.
وكل يوم أحد يجلس المسلمون في البيوت لكي يستمعوا إما إلى برامج فاحشة
جداً، أو إلى مواعظ نصرانية منوعة في كل أسبوع من كنيسة جديدة، أو خطبة
ووعظ نصراني، أو فيلم عقائدي نصراني، أو سيرة أحد رجال نشر المسيحية
المشهورين.
إن المسلمين يُحرَمون من أعمالهم يوم الأحد لمشاهدة التنصير على كافة
القنوات، وهؤلاء المنصرون والمنصرات في أيديهم الأناجيل يقرؤونها، ولا ندري
على من يقرؤونها؟ أعلى رعاياهم من النصارى أم على المغلوبين على أمرهم من
المسلمين؟
ولماذا يجب على جميع المسلمين أن ينصتوا طوعاً أو كرهاً وأن يلتزموا؟
وبالطبع فإن وسائل الإعلام تعرض المواعظ الإسلامية أيضاً والبرامج
الإسلامية؛ غير أن أوقاتها تكون على الغالب غير مناسبة، وكلها تقريباً بعد صلاة
الفجر في التلفزيون، وهو وقت كما هو معلوم مشحون بالاستعداد للمدارس أو
الاستعداد للخروج للوظيفة أو العمل، علماً بأن اليوم في إندونيسيا يبدأ فعلياً عند
صلاة الفجر أي أن السوق وشراء الحاجيات المنزلية اليومية والسلع الغذائية وغير
ذلك يتم عند الفجر أو قبله بقليل؛ بحيث لا يمكن أن يُرى في السوق أحد في
العاشرة صباحاً مثلاً.
والمقصود أن الأوقات التي يعرض التلفزيون فيها برامجه الإسلامية هي
أوقات أضعف بما لا يقارن بالتوقيت الذي يعرض فيه البرامج النصرانية، وأين
وقت الفجر من وقت الإجازة الأسبوعية بكاملها.
ومما سبق يتبين أن التنصير إنما يتم بأموال المسلمين النازفة في أجهزة
الإعلام، ولقد رأيت ساعة كاملة يوم الإجازة الرسمية ومن بعد صلاة العصر
الاختيار الدقيق لأفضل الأوقات لبطولات الأم تيريزا مصورة في كل مكان نصَّرت
فيه، مع عرض النتائج الباهرة لآثار تنصيرها والجموع التي تسير من ورائها إلى
النصرانية، ذلك الشرف الذي لم يحظ به أحد من كبار دعاة الإسلام الذين قضوا
أعمارهم فداء للدعوة ومنهم في بلاد المسلمين المختلفة، ومنهم من قضاها في بلاد
بعيدة سائحاً في سبيل الله تعالى، بل ومنهم من كان في إندونيسيا نفسها السنوات
الطوال يعلِّم ويعظ ويدعو، ولعل في الصورة التي بيناها لك يتبين ما وراءها،
وقس على ذلك بالطبع الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام.
إن التنصير ها هنا لا يتم في زاوية نائية بعيدة، إنه يبث على وسائل الإعلام
ظُهراً وفي رابعة النهار وعلى كل القنوات، وفي جميع الأوقات.
هذا بالطبع عدا أعياد النصارى؛ حيث تتفرغ نشرات الأخبار المرئية
والمسموعة والمكتوبة لعرض الاحتفالات وتصوير الكنائس والجموع النصرانية في
جميع أنحاء العالم في الاحتفالات الهائلة في أوروبا وأمريكا والفاتيكان وغيرها في
تقارير تفصيلية ومطولة جداً ومنقولة بتمامها من البلاد التي تمت بها.
إن هذه الدعوة القهرية لهي واحدة من أعظم الأسباب، لا أقول في نجاح
التنصير، ولكن لدورها المعنوي الهائل الذي لا ينكر في إشعال مس الجنون في
عقول النصارى.
بركان النار في الجزر الإندونيسية:
بدأت وكالات الأنباء العالمية تنشر بصورة شبه يومية أخباراً عن اشتباكات
بين المسلمين والمسيحيين في بقاع شتى من أنحاء إندونيسيا، هذه السياسة التي
صارت الآن في عداد المسلَّمات المقررة عند بدء أي مخطط دولي لتمزيق أية بقعة
إسلامية على وجه الأرض؛ فهي المقدمة للتدخل الدولي في الصومال عن طريق
نشر أنباء الحرب والمجاعات، وهي الطريق للتدخل السابق في تيمور لفصلها،
وغير ذلك مما هو معلوم من البدايات الإعلامية للاقتحام والتدخل الدولي السافر في
الشؤون الداخلية للدول الإسلامية دون غيرهم من طوائف العالم أجمع. والآن تبدأ
من جديد المقدمة الممجوجة والمكررة نفسها لبدايات التدخل الدولي المزمع للمرة
الثانية في إندونيسيا، الأمر الذي بات المسلمون منه على أشد حالات الفزع
والترقب والارتياب من خطط ونوايا الأمم المتحدة. ويضاف إلى تلك الصورة
المأساوية الحالة المزرية التي تتعامل بها الحكومة الإندونيسية مع الأحداث الجسام
التي تمثل الحياة أو الموت بالنسبة لإندونيسيا ووحدتها وحاضرها ومستقبلها، حيث
يشلها الرعب القاتل من الغرب عامة ومن الولايات المتحدة الأمريكية خاصة،
والذي تتراخى تحت وطأته أمام خطر داهم محدق بصورة ماثلة لا خفاء فيها، فقد
بدأت «إيريان جايا» في عقد مؤتمر تحت إشراف الحكومة، وهي المحافظة التي
سلمتها الأمم المتحدة في عام 1963م إلى إندونيسيا معتبرة إياها محافظة إندونيسية
خالصة بعد معارك طاحنة بين الحكومة الإندونيسية وبين المتمردين من النصارى
في عام 1961م مع اشتراط إجراء استفتاء عام لسكان الجزيرة وهو ما تم تحت
إشراف الأمم المتحدة في أغسطس عام 1969م، وصارت بناء عليه «إيريان جايا»
هي المحافظة السادسة والعشرين من إندونيسيا. ولكن الدول الأوروبية بقيت تقدم
الدعم العسكري والمالي للمتمردين، وتولت أستراليا كبر الفتنة غير عابئة بقرارات
أو مواثيق. وفي المؤتمر الذي عقد في 29 مايو2000م في «إيريان جايا» قرر
المؤتمرون الانفصال عن إندونيسيا أسوة بتيمور، ووجهوا نداءاً إلى الأمم المتحدة
بسحب قرارها رقم 2504 (1969م) في حالة خداع معلن للرئيس عبد الرحمن
وحيد بعد أن تناقلت الأنباء على أنه دعم المؤتمر بناءاً على وعود من قادة
الانفصاليين بأن يكون مؤتمراً حقيقياً خالياً من أية تدخلات أجنبية. والواضح أن
عبد الرحمن وحيد الذي فوجئ بالذي حدث قد مضى في التنازل على صورة مستفزة؛
بحيث سمح لأول مرة في تاريخ هذه المنطقة للانفصاليين برفع أعلامهم عالية
جنباً إلى جنب مع الأعلام الإندونيسية، مما أثار ثائرة مجلس النواب الإندونيسي
الذي أعلن رئيسه أكبر تانجونج أن الشعب الإندونيسي لن يتسامح في شبر واحد من
الأراضي الإندونيسية، وأن الجميع مستعدون للموت دون ذلك.
ثم كانت أحداث بوسو وجزر الملوك في سولاويسي الوسطى؛ حيث قامت
المجموعات الصليبية بتحريض من الرهبان في الكنائس بالهجوم على المسلمين مما
أدى إلى مقتل مائتين منهم، ولكن الجديد في السيناريو هو الصورة البشعة التي
يصر العالم المتحضر على تقرير أنها أسلوب ناجع في إرهاب المسلمين وإثارة
الذعر في قلوبهم، ألا وهي التمزيق الوحشي للأجساد والتعذيب البشع للأحياء منهم.
ونحن لا ندري كيف اقتنع الغرب بأن هذه المناظر البشعة يمكن أن تحدث آثارها
في إندونيسيا التي تقطنها أكبر أغلبية مسلمة على وجه الأرض؟ إن هذه المناظر
المقززة الكالحة لم يعد لها من فائدة إلا إثبات السعار المحموم الذي يتلمظ في أتونه
الحارق الرهبان الذين فعلوا من الأفاعيل ما لم يجرؤ الكفار الشيوعيون في
الستينيات على فعله، وإذا صحت هذه الأنباء عن هذه الوقائع الوحشية من الجثث
التي عرضتها وكالات الأنباء فإن تداعياتها سوف تعود على النصارى أنفسهم في
إندونيسيا بأوخم العواقب. ومهما تناولت الأمم المتحدة قضيتهم وأعدت المخططات
السرية أو المعلنة لها، فإن إندونيسيا ليست البوسنة أو كوسوفا أو الشيشان، وإن
النصارى بها ليسوا أغلبية حتى يقطعوا الأجساد ويحرقوا القرى، كما أن الشعوب
لا تفهم كثيراً في لهجات ومخططات وألاعيب الأمم المتحدة.
إن المسلمين البسطاء الذين يطالعون هذه الصور والأخبار وبغاية البساطة
ودون كثير فلسفة أو تحليل سوف يحرقون قرى النصارى الذين يمثلون الأقليات في
الغالبية العظمى من الجزر الإندونيسية، وسوف يمزقونهم كذلك بحسب الدروس
الإعلامية المرسلة إليهم من العالم المتحضر بالليل والنهار من أجل الثأر لإخوانهم.
كما أن الضعف المزري في سلوكيات وتصرفات حكومة عبد الرحمن وحيد لن
يؤدي إلى تنصير إندونيسيا أو انفصال «إيريان جايا» ، بل سيؤدي إلى حرب
أهلية منفلتة لا تحكمها إلا معايير تقطيع الأشلاء وتمزيق الجثث وحرق البيوت
والقرى والاغتصاب، والقيم المجيدة التي ميزت عصر الشرعية الدولية، والدروس
البليغة التي علمتها وكالات الأنباء للمسلمين في كيفية التعامل مع الخصوم وتحت
دعوى النصرانية والإنجيلية، وسترتكب الأمم المتحدة والعالم الحر الجريمة الكبرى
التي لن تؤدي إلى تنصير إندونيسيا كما ظل الرهبان والبابوات يحلمون به لمدة
ثلاثة قرون من الزمان، وإنما ستؤدي إلى سحق النصارى عن بكرة أبيهم.
والأغرب من كل هذا أن البابا الذي لزم الصمت المطبق المميت عندما
اغتصبت النساء المسلمات بعشرات الآلاف على مرمى حجر من بيته في أوروبا،
وأعلنت شاهرة جاهرة على جميع القنوات الفضائية، نراه اليوم يرفع عقيرته من
أجل إنقاذ النصارى في إندونيسيا توطئة بالطبع للتدخل العسكري الدولي في شؤونها
الداخلية، وهي اللعبة التي استمرأتها الهيئات الدولية لَمَّا لم تقف في وجهها أمة
مسلمة تدفع عن شرفها وتفضل الموت الكريم على الحياة المستذلة المهينة.
والأغرب منه أن بعض المسلمين الذين ما زالوا يوجهون النداءات للبابا المتسامح
المسالم بتعليم النصارى التعاليم السمحة للإنجيل، وهو الذي حرضهم باسم الإنجيل
على أن يقوموا بالحرق والاغتصاب وتمزيق الأجساد، وهو الذي أزَّهم أزّاً وألهب
مشاعرهم وعلمهم أشد التعاليم توحشاً وهمجية.
إن على المسلمين اليوم سواء في إندونيسيا أو في غيرها أن يدركوا أن خطر
الرهبان الصليبية الوالغة في دمائهم على الإسلام أشد وطأة وأكثر ضراوة من غلاة
الملاحدة الشيوعيين إبان أحقاب العربدة الكافرة في ديار المسلمين، وعليهم أن
يعلموا أن الخلاص لن يكون عبر إرسال النداءات للأمم المتحدة أو مجلس الأمن
الذي ليس من بين وظائفه تحقيق أي أمن لأي مسلم على وجه الأرض. ولا يغرنك
القرارات التي صدرت بأن إيريان جايا جزء لا يتجزأ من إندونيسيا، فلسوف تنعقد
الأمم المتحدة وتلغيها إن رأت إمكانية تدمير إندونيسيا. ولكن على الجميع أن
يذكروا هجمة الغرب القريبة في لبنان عندما ظنوا أن النسبة السكانية المسيحية فيه
يمكن أن تؤدي إلى انتزاع السيادة لهم والحكم بالعبودية على المسلمين، وقامت
المجزرة الكبرى في لبنان حتى أتت على الأخضر واليابس، ثم لم تثمر إلا الآلام
المضنية والجراح الغائرة العميقة، وعادت الأمور سيرتها الأولى.
وإن ما يجري الآن في إندونيسيا من ألاعيب لا مسؤولة وعبث مدمر بالنار
يفعله الرهبان الذين يحملون أشد الوجوه سماحة ووداعة، وأشد القلوب سواداً
وضغناً وحقداً، يتعجلون تنصير إندونيسيا عن طريق الدم والحرق والنار لن
يحرقوا إلا أيديهم، وسيلقنون أهالي إندونيسيا شرائع الغرب المتحضر في البوسنة
ثم كوسوفا ثم الشيشان على مرأى العالم وسمعه، وستطبق هذه الشرائع كذلك دون
الرجوع لأحد على نصارى إندونيسيا ولن يستطيع مجلس الأمن أن يفصل إندونيسيا
عن إندونيسيا، ولا إندونيسيا عن جاوة ولا سومطرة ولا غيرها من الجزر الهائلة
التي تشمل عشرات الملايين من المسلمين الجاهزين معنوياً ودينياً للدفاع عن
إسلامهم حتى الموت.
إن إندونيسيا ليست البوسنة، كما أن النصارى فيها ليسوا هم الصرب. وإذا
ظن العالم أنه بالسهولة التي تم بها قطع تيمور الشرقية سيتم ذلك في سولاوسي أو
وادي الملوك أو إيريان جايا فهو واهم. ولن يفيد ضعف الحكومة الإندونيسية
الحالي في التعجيل بالهدف النصراني المعلن، بل سيؤدي إلى أوخم العواقب إذا
تداعت الأمور ونفد صبر الشعب الإندونيسي على فصول المهزلة التي تدور
شاخصة أمام ناظريه بإسقاطه لهذه الحكومة العاجزة الهزيلة، ومن ثم ينفتح الباب
المتضرم على مصراعيه لصنوف من التطرف والاندفاع والتهور الذي لا تُشبع
نيرانه الجامحة إلا مفاخر الحروب المتحضرة التي لقنها الغرب للمسلمين، فهي
مفخرة جديدة وإنجاز عظيم من سلسلة الإنجازات الكبرى التي أتحفت الشرعية
الدولية والأمم المتحدة عالمنا البائس المبتلى بها، وانتظروا فإنا منتظرون..!
مناطق سقطت في قبضة التنصير:
أولاً: نوساتنجارا الشرقية:
- العاصمة: كوبانج.
- المساحة: 47876 كيلو متر مربع.
- تتكون من 111 جزيرة أكبرها تيمور.
- بها أقل مستوى لسقوط الأمطار في جميع أنحاء إندونيسيا.
- بها حيوانات ما قبل التاريخ (زواحف عملاقة) .
- عدد السكان: 274,577,3 نسمة.
- الكثافة السكانية: 75 فرداً لكل كيلو متر مربع.
- توزيع أصحاب الديانات:
- المسلمون: 12,9%.
- بروتستانت: 16,33%.
- كاثوليك: 89,52%.
- هندوس: 19,0%. بوذيون: 04,0%.
ثانياً: إيريان جايا:
- المساحة: 421981 كيلو متر مربع.
- عدد السكان: 627,942,1.
- العاصمة: جايا بورا.
- غنية بإنتاج البترول والنحاس.
- تشمل نصف جزيرة إيريان (جينية) وهي ثاني أكبر جزر العالم.
- تتميز بمنحدرات جبلية تنحدر تدريجياً، ومناطق شاسعة من المسطحات
المائية.
- الكثافة السكانية: 5 أشخاص لكل كيلو متر مربع.
- توزيع أتباع الديانات:
- مسلمون: 15%.
- بروتستانت: 63%.
- كاثوليك: 20%.
- هندوس: 1,0%. بوذيون: 8,0%.
- تتميز بثقافتها الشعبية التقليدية والتي تميز المجموعات العرقية المختلفة.
ثالثاً: تيمور الشرقية:
- العاصمة ديلي.
- المساحة: 14874 كيلو متر مربع.
- غنية بالأخشاب المميزة: الخشب الأحمر، خشب الحديد، خشب الرقائق
وغيرها.
- عدد السكان: 839719.
- الكثافة السكانية: 56 فرداً لكل كيلو متر مربع.
- توزيع أتباع الديانات:
- مسلمون: 7,1%.
- بروتستانت: 6,2%.
- هندوس: 3,0%.
- بوذيون: 1,0%.
- كاثوليك: 4,91%.
- كانت مسرحاً للحرب العالمية الثانية وبها كثير من الآثار الخاصة بالحرب.
ثانياً: مناطق في معارك فاصلة وانحسار مستمر للكثافة الإسلامية في
صالح الكثافة النصرانية:
أولاً: سومطرة الشمالية:
- العاصمة: ميدان.
- المساحة: 70787 كيلو متر مربع.
- الأنهار: 120 نهر.
- غنية بالثروات النباتية والحيوانية.
- عدد السكان: 667,114,11 حسب آخر إحصاء عام 1995م.
- الكثافة السكانية: 157 فرد لكل كيلو متر مربع.
- توزيع أتباع الديانات:
- مسلمون: 22,63%.
- بروتستانت: 27,96%.
- كاثوليك: 6,4%.
- هندوس: 41,0 %. بوذيون: 68,3 %.
ثانياً: سولا ويسي الشمالية:
- العاصمة: مانادو.
- المساحة: 19023 كيلو متر مربع.
- عدد السكان: 093,649,2.
- الكثافة السكانية: 139 فرد لكل كيلو متر مربع.
- توزيع أصحاب الديانات:
- مسلمون: 1,44%.
- بروتستانت: 1,49%.
- كاثوليك: 9,2%.
- هندوس: 58,0%. بوذيون: 2,0%.
- من أغنى المناطق بالثروة السمكية للمياه العذبة (مساحة 2678 هتكار) .
- تحظى على اهتمام بالغ بها في كتب الإعلان عن إندونيسيا خاصة ارتفاع
دخل الفرد والصادرات والواردات بالدولار الأمريكي.
- غنية بالذهب والنحاس والحديد والكبريت.
وأود من القارئ الكريم أن يعي جيداً ما في الأرقام من دلالات، وخاصة ما
يتعلق بالمساحات التي تحتلها كل طائفة من أرض إندونيسيا، وعدد المسلمين
مجتمعين إلى عدد الديانات الأخرى مجتمعين، وكثافة السكان في كل كيلو متر
مربع، فإنها ناطقة بالمعاني الكبار التي قصدناها من هذا المقال، والتي سنبدأ في
تحليلها ومناقشتها لاستجلاء الحقائق المجردة العارية، وكشف النقاب عن الأخطار
الداهمة التي تهدد هذا الجزء العزيز من العالم الإسلامي، وذلك في مقال قادم إن
شاء الله تعالى.
هذه هي شهادة الأرقام التي لا تكذب ولا تزيغ، هذه هي المناطق النائية
المجهولة التي لم يسمع لها العالم ذكراً قبل اليوم. ومن يدري؟ ! ربما هبت عاصفة
دولية مفاجئة من أجل تحرير (نوستنجارا الحرة) من تجاوزات وممارسات الجيش
الإندونيسي، هذه المحافظة الإندونيسية التي لا يدري بها أحد حتى في العالم
الإسلامي، ولكن العالم الصليبي يعرفها جيداً ويتلمظ لافتراسها كما فعل بتيمور
الشرقية من قبل، هم الذين ما زالوا ينصِّرون هنالك منذ ثلاثة قرون توطئة لليوم
الموعود الذي تتدخل فيه الشرعية الدولية ولجان حقوق الإنسان والمقررات العالمية
والقوات الدولية من أجل إنقاذها من المسلمين على غرار ما تم في كل القضايا
المماثلة سواء في الماضي أو في الحاضر. ثم من يدري؟ ! ربما خرج من بين
أطفال المسلمين المطرودين اليوم من يعي ويفهم جيداً حقيقة الإعصار المدمر الذي
يكتسح كل شيء أمامه، فيعيد الأمور المختلة المائلة إلى نصابها، ويقيم الحق مكان
الباطل وينقذ الأطراف الغالية من الجسد الإسلامي المثخن بالجراح، من يدري؟
ربما يكون الانتصار الآتي أقرب من عيوننا، والفرج أدنى من المسافة بين أقلامنا
وصحائفنا، يوم تتبدل أمور ظن الجميع أنها استعصت على السنن فلا تتبدل ولا
تتغير، ظنوا أنها سبقت وأعجزت فلا تطالها سنة الله تعالى الصارمة الماضية دون
هوادة على مشارف الدهور الغابرة في الأولين والآخرين.