مجله البيان (صفحة 3602)

التنصير لم يكن غائبا (2 - 2) قصة العلاقة بين الإسلام والنصرانية

ملفات

التنصير.. هل أصاب الهدف؟

(2 - 2)

التنصير لم يكن غائباً

(2 - 2)

قصة العلاقة بين الإسلام والنصرانية

إبراهيم بن محمد الحقيل

«من لم يعرف الماضي فلن يفهم الحاضر، ومن ثم يعجز عن التخطيط

للمستقبل»

انطلاقاً من هذا المفهوم سرد لنا الكاتب في الحلقة الماضية طبيعة العلاقة بين

الإسلام والنصرانية وما نجم عنها من أحداث منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم،

تنم عن مدى ما يبذلونه من مكر ومال، وما تخفي صدورهم أكبر. وفي هذه الحلقة

يتابع الكاتب قصة هذه العلاقة بتسلسلها التاريخي حتى عصرنا (عصر العولمة)

لنرى بحق: هل أصاب التنصير الهدف؟

- البيان -

الاستعمار:

بدأ الاستعمار الأوروبي عام 1450م تقريباً، ووصل قمته عام 1900م؛ إذ

قسمت الأقاليم المستقلة غير الأوروبية بين المستعمرين، وبعد الحرب العالمية

الأولى (1914م 1918م) بدأت مرحلة المعاكسة، وتقلص الاستعمار بسبب

ثورات الشعوب المستعمَرة التي رفضت الاستعمار البغيض.

مراحل الاستعمار:

يمكن القول: إن الاستعمار مرّ بمرحلتين:

المرحلة الأولى: الاستعمار الأوروبي القديم: وهي المرحلة التي تسمى

بحركة الكشوف الجغرافية التي تم شطر منها في القرن الخامس عشر الميلادي،

وكان لهذه الكشوف الجغرافية هدفان:

الأول: تطويق العالم الإسلامي لإضعافه تمهيداً لضربه في الداخل؛ فقد أيقن

النصارى أن ضرب العالم الإسلامي بجيوش جرارة غير مُجْدٍ، وأخذوا من

الحروب الصليبية التي دامت مائتي سنة دروساً في ذلك.

الثاني: البحث عن طريق تجاري مع الهند لا يمر بديار المسلمين.

وقد استفاد النصارى من علوم المسلمين الجغرافية والملاحية عن طريق

جواسيس الكشوف الجغرافية من اليهود الذين كانوا يتقنون اللغة العربية، وكثير

منهم حل بين المسلمين متظاهراً بالإسلام، مما مكن لهم الحصول على خرائط

عربية عن المحيط الهندي، ومعلومات عن التيارات البحرية والمواقع الجغرافية

والرياح الموسمية فضلاً عن معلومات عن التجارة الشرقية. وكان من أشهر هذه

الرحلات الاستكشافية رحلة (فاسكو دي جاما) التي كانت صليبية المقصد تتخفى

وراء العلم والاستكشاف؛ فقد قال عقب رحلته التي أعانه فيها من المسلمين

الجغرافي أحمد بن ماجد: «الآن طوَّقنا رقبة الإسلام، ولم يبق إلا جذب الحبل

فيختنق» [1] .

لقد حملت الكشوف الجغرافية الروح الصليبية متمثلة في آراء البابا (نيقولا

الخامس) الذي وضع خطة تنفذ مع الكشوف الجغرافية لضرب المسلمين الضربة

الأخيرة؛ فقد أرسل عام 859 هـ إلى ملك البرتغال مرسوماً بابوياً تضمن ما

يعرف باسم: (خطة الهند) التي تقوم على إعداد حملة صليبية نهائية تشنها أوروبا

للقضاء على الإسلام بعد أن تحقق كشوف البرتغاليين أهدافها ويتصلوا بالملوك

النصارى سواء في إفريقيا أو آسيا ليسهموا في تمويل الحملة الصليبية بالأموال

والرجال والعتاد، ويتم تطويق العالم الإسلامي [2] .

وتمثلت هذه الروح الصليبية في (هنري الملاح) أمير البرتغال، وفي القائد

البرتغالي (البوكرك) الذي كتب في يومياته: «كان هدفنا الوصول إلى الأراضي

المقدسة للمسلمين، واقتحام المسجد النبوي، وأخذ رفاة النبي محمد [صلى الله عليه

وسلم] رهينة لنساوم عليه العرب من أجل استرداد القدس، وكان هدفنا الثاني:

احتلال جنوب مصر، من أجل تغيير مجرى نهر النيل كي يصب في البحر الأحمر،

بدلاً من مروره على القاهرة في طريقه إلى البحر المتوسط مما يضمن لنا خنق

القلب الذي يقود الحرب ضدنا» [3] .

المرحلة الثانية: الاستعمار الأوروبي الحديث (الإمبريالزم) : كانت الثورة

الصناعية وما تلاها من نشوء الرأسمالية ورسوخها في المجتمعات الغربية من أهم

أسباب هذا الاستعمار؛ إذ احتاج الغربيون إلى المواد الخام لتشغيل مصانعهم، وإلى

الأسواق التي يصرفون فيها منتجاتهم، فكان العالم الإسلامي هدفاً من أهداف هذا

الاستعمار الذي ليس إلا فصلاً من فصول الحملات الصليبية على العالم الإسلامي

كما هو قول القائد الإنجليزي (اللورد اللبني) بعد أن دخلت قواته المستعمرة

فلسطين عام 1337هـ؛ إذ قال كلمته المشهورة: «الآن انتهت الحروب

الصليبية» .

وهذا الاستعمار الحديث الذي مهد له المنصِّرون والمستشرقون بدراساتهم

وأبحاثهم يقوم على استغلال البلاد التي استعمروها وتطويعها لإرادته أكثر من

استيطانها وحكمها. وكان الاحتلال والاستيطان فيه مرحلة أولى لتحقيق التطويع

وزرع العملاء، ومن ثم إعطاء الاستقلال والرحيل بعد ضمان ما يلي:

1 - حكمها من الخارج عن طريق عملاء الاستعمار، أو اتفاقيات الحماية

والوصاية ونحو ذلك.

2 - الاستحواذ على ثرواتها ومقدراتها عن طريق تشغيل شركات المستعمر

في أراضيها وربط عملتها بعملة الدولة التي استعمرتها، فضلاً عن القروض

والمساعدات وإقامة المشاريع وتوقيع المعاهدات التي هي في صالح المستعمرين.

3 - التبعية السياسية والثقافية للمستعمر.

آثار الاستعمار:

نتج عن الاستعمار بمرحلتيه آثار عظيمة لا زالت الأمة الإسلامية تعاني منها

إلى اليوم، ويمكن تقسيمها إلى قسمين:

القسم الأول: آثار دينية من ضعف الدعوة إلى الإسلام ونشره، وانتشار

البدع والمنكرات، والجهل بأصول الإسلام، وضعف الالتزام بأحكام الشريعة لدى

كثير من المسلمين حتى صار الإسلام اسماً فقط عند كثير من أبناء الشعوب

المستعمرة، وقد سلك المستعمرون في سبيل تحقيق ذلك طرقاً عدة منها:

1 - تقطيع العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة عقب إسقاط الخلافة العثمانية،

وقد سعى النصارى بكل ما أوتوا من قوة ومكر للقضاء على الدولة العثمانية؛

لأنها مع ما فيها من فساد وضعف كانت الرباط الذي يربط أقصى العالم الإسلامي

بأدناه؛ ولذا فإنها لما سقطت سقطت معها هيبة المسلمين، واستبيحت حرماتهم

وامتهنت كرامتهم.

وكان مكر النصارى ومخططاتهم ضد الدولة العثمانية قديماً؛ ففي عام 792

هـ تكوَّن حلف صليبي مقدس من الصرب والبوشناق والمجر وبلغاريا ونصارى

ألبانيا لقتال العثمانيين وإزالة دولتهم [4] ، وتكررت هذه التحالفات التي كانت تُخفِق

مرة إثر مرة؛ لكنها أضعفت الدولة العثمانية.

2 - تجفيف منابع العلم بأحكام الإسلام وشريعته، وإضعاف دور العلماء

والدعاة باحتوائهم، وتصفية من تأبَّى على سياسة الاحتواء، حتى صار من حاشية

جنود الاستعمار وجلساء قادته أناس ينتسبون لأهل العلم.

3 - ممارسة التنصير، وتبديل ثقافة الأمة بثقافة أخرى ليست لها، وهذا

يتضح من خلال خطاب الوزير الفرنسي (صالغندي) الذي ألقاه عام 1846م أمام

جمع من الأطباء العسكريين في الجزائر؛ ومن قوله: «مما لا شك فيه أن

الحكومة الفرنسية تعترف لكم بجميل إخلاصكم في معاملتكم للجنود؛ غير أن لكم

مهمة أخرى أكثر أهمية؛ أنتم مدعوون إلى القيام بها وهي مؤازرتكم بقسط كبير في

العمل على إدخال حضارتنا في بيئة القبائل العربية والبربرية. إن تبشيركم سيكون

ولا شك القادر على النجاح خلال السنوات المقبلة؛ ومن جهتنا سنقوم بكل

مجهوداتنا لنوفر لكم كل الظروف وسط المواطنين للعمل على نشر التعليم الطبي

الذي سيصبح نافعاً في الوقت نفسه للإنسانية ولتثبيت قوتنا في هذا البلد» [5] .

وبقراءة هذا الخطاب يظهر أمامنا ثلاثة أمور أساسية:

أ - الارتباط الوثيق بين التنصير والاستعمار، وأن للتنصير دوراً ثقافياً

إمبريالياً.

ب - أشار الوزير إلى دور هؤلاء الأطباء في إدخال الحضارة الغربية في

البنية العربية ولكن بإدخال الثقافة الاستعمارية وليس إيجابيات الحضارة الغربية؛

بدليل أن الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي زاد على ثلاثة قرون وثلث القرن لم تجنِ

منه الجزائر إلا تخلف أبنائها ونهب خيراتها واستيطان أراضيها وإذلال شعبها.

ج - أن السلطات الاستعمارية كانت تدعم كل الجهود التي تساعد في التأثير

الثقافي [6] .

وحتى بعد رحيل المستعمرين عن ديار الإسلام ظل التأثير الثقافي مسلطاً على

الديار التي استعمروها عن طريق الجامعات الغربية كالجامعات الأمريكية في كثير

من الدول العربية، والمدارس الغربية كذلك، وفي مصر وحدها أكثر من تسع

مؤسسات تعليمية بين جامعة وكلية ومدرسة أمريكية وإنجليزية تمارس التنصير.

وكذلك عن طريق الأبناء العاقين لأمتهم المخلصين للغرب النصراني الذين

درسوا في الغرب وتشربوا ثقافته، ثم سُلِّموا وزارات التربية والثقافة في البلاد

الإسلامية، وأُعطوا المنابر الإعلامية ليقوموا بتشويه الثقافة الإسلامية، والدعاية

لثقافة المستعمرين، والدعوة إلى الأخذ بها بخيرها وشرها، وحلوها ومرها ... كما

قال طه حسين، وكما قال تركي الحمد: لا يمكن أن تأخذ السيارة ولا تأخذ ثقافتها

أي: ثقافة صانعها.

وعن طريق النوادي الماسونية أيضاً والجمعيات الغربية من نسائية وغيرها

التي أنشئت في العالم الإسلامي ويصلها كل الدعم المادي والمعنوي من المستعمرين.

4 - تغيير اللسان العربي الذي في بقائه وحفظه حفظ الإسلام؛ إذ هو شعاره

وبيانه [7] .

وقد رأينا فيما مضى كيف أن النصارى في الأندلس إبَّان تنصيرها منعوا

التخاطب باللغة العربية، وألزموا المسلمين بهجرها والتخاطب بلغة المستعمر.

وهكذا حصل في الاستعمار الحديث؛ فالاستعمار الفرنسي في الجزائر ركَّز

على تعليم الفرنسية ومنع الجزائريين من تعلم العربية، وكان على الطفل الجزائري

أن يتعلم الفرنسية بوصفها لغة قومية؛ لأن الاستعمار كان يعتبر اللغة العربية لغة

أجنبية في الجزائر العربية المسلمة [8] .

5 - نشر الفاحشة في المسلمين وذلك بإخراج المرأة من بيتها، وإلقاء حجابها،

وخلطها بالرجال في ميادين الدراسة والعمل، بل وإنشاء دور التمثيل والرقص

والأزياء الفاضحة، والمجلات الهابطة، ومراكز إنتاج الأفلام والأغاني الخليعة،

والإشادة بالماجنين والفسقة والسوقة من أولاد المسلمين ورفع شأنهم في وسائل

الإعلام المختلفة.

وفي مقابل ذلك تضييق سبل المحافظة على العفة والطهارة بانتقاد وربما منع

الزواج المبكر ومنع تعدد الزوجات، وإباحة الزنا قانونياً كما في تونس وتركيا، أو

تضييق سبل الحلال وتوسيع سبل الحرام كما في كثير من الدول الإسلامية.

وقد قال قائد من قادة الصليبيين: «لن تهزموا المسلمين بكثرة الجيوش ولا

بقوتها ولكن ستهزمهم جيوش النساء، وستهزمهم قوارير الخمر» [9] .

6 - إحياء النعرات القومية (العربية، الطورانية، البربرية ... ) بقصد

إضعاف الانتماء إلى الإسلام، واستبداله بالانتماء إلى القطر أو الوطن أو القبيلة أو

نحو ذلك.

يقول أحد المستشرقين: «إننا في كل بلد إسلامي دخلناه نبشنا الأرض

لنحصل على تراث الحضارات القديمة قبل الإسلام، ولسنا نعتقد بهذا أن المسلم

سيترك دينه، ولكن يكفينا منه تذبذب ولائه بين الإسلام وتلك الحضارات» [10] .

القسم الثاني: آثار دنيوية: وهي كثيرة ومنها:

1 - تفريق الأمة الواحدة وضرب الحدود الاستعمارية بينها، ومن ثم

التحريش بين الجار وجاره خدمة لمصالح المستعمرين، في إرغام الدول المستعمَرة

على توقيع اتفاقات الأمن والحماية التي بموجبها تمتص الدول الكبرى دول

الاستعمار خيرات هذه الدول الضعيفة التي تخاف جيرانها.

2 - اغتصاب الأراضي الإسلامية؛ فقد اغتصب الاستعمار الأندلس كاملة،

وأجزاءاً كبيرة من البلقان وروسيا البيضاء وأرض الجمهوريات الإسلامية وجبل

طارق والجولان وفلسطين وغيرها، وأخيراً تيمور الشرقية.

3 - التخلف الاقتصادي في البلاد المستعمَرة، والاعتماد على وسائل الإنتاج

البدائي كـ (الزراعة) والتدخل في العلاقات الاقتصادية، وإقامة الحواجز

الاقتصادية كالاحتكارات والمضاربات ونحوها.

4 - تكريس تبعية نظم البلدان المستعمرة الاقتصادية والسياسية والثقافية

والاجتماعية للدول الاستعمارية العظمى ونظمها.

5 - تغريب المواطن عن مشاكل شعبه، وإيجاد نموذج من المثقفين العاجزين

عن فهم هذه المشاكل فضلاً عن حلها وتسليمهم زمام القيادة، كما أسهم الاستعمار

ولا زال يسهم في حدوث القلاقل والثورات في المجتمعات الآمنة المستقرة خاصة

عند رفضها لما تقرره السلطات الاستعمارية، إضافة إلى شغل المثقفين والمفكرين

عن هموم أمتهم بالدعوة إلى الذوبان في الأنظمة الاستعمارية.

6 - تكريس ما دُعي بالنخبوية الطبقية مع الحرص على اختيار نماذج من

أبناء الطبقات الشعبية إخفاءاً للدور الحقيقي لمؤسسات الاستعمار الثقافي والإعلامي

الموجودة في العالم الإسلامي.

7 - وجود مجتمعات خاصة (فصائل ثقافية أجنبية) ضمن المجتمع

الإسلامي تهدد وحدة المجتمع ووجوده؛ فالإرساليات التنصيرية، والشبكات

الماسونية، والمؤسسات والجمعيات الغربية تعمل في كثير من بلاد المسلمين دون

رقيب أو حسيب عليها، بل تدعمها الأنظمة العلمانية في الوقت الذي تقمع فيه أي

توجه إسلامي.

8 - إقناع الشعوب الإسلامية بأن الخير في الاستعمار الثقافي؛ وذلك عن

طريق الوقوف ضد تطوير التعليم العام والتعليم العالي، وتشجيع التعليم اللاوطني

والمؤسسات التعليمية الأجنبية وإثبات كفاءتها وقدرتها بدءاً من ضخامة منشآتها،

وتطور وسائلها التعليمية والتربوية، وانتهاءاً بإيجاد الفرص الوظيفية لخريجيها

دون الجامعات المحلية، ولا يمكن مقارنة الجامعة الأمريكية في مصر أو بيروت

بالجامعات المحلية.

9 - الشعور بالدونية والإحباط، والاقتناع بتميز الرجل الأبيض عن سائر

الشعوب الملونة، وهذا كرَّسه الاستعمار العسكري بما مارسه من إرهاب جسدي

وتصفية لأبناء الشعوب المستعمرة، بل وممارسة أبشع صور القهر والإذلال النفسي

والجسدي؛ ومثال ذلك ما فعله الاستعمار الهولندي في إندونيسيا حتى إن الجندي

الهولندي إذا أراد أن يعلو ظهر جواده أشار إلى الأندونيسي فيركع أمامه فيدوس

الهولندي بحذائه على ظهر الأندونيسي ليعلو جواده.

وقبل ذلك أُلْزِمَ المتنصِّرون في الأندلس أن يسجدوا في الشوارع والطرقات إذا

مر بهم الرهبان والقساوسة احتراماً لهم.

النظم العالمية والعولمة:

خرج الغربيون النصارى من بلاد المسلمين عقب استعمارهم لها بعد أن

زرعوا عملاءهم، ومكنوا لأبنائهم، وضمنوا هيمنتهم في شتى المجالات، ولم يعد

الشرق الإسلامي مصدر قلق لهم، وقضوا على خلافته، وفتتوا دولته وجزَّؤوه إلى

دويلات صغيرة. كما نتج عن ذلك انتشار البغي والظلم؛ لأن القيادة والسيادة

انتقلت من المسلمين الذين يدينون بدين الحق والعدل مع الناس كلهم إلى غيرهم

سواء أكان هذا الغير أهل الكتاب اليهود والنصارى أم الملاحدة العلمانيين الماديين

الليبراليين والماركسيين وغيرهم من أصحاب النظريات المادية. ومن أجل إضفاء

الشرعية على ممارسات الظلم التي قام بها النصارى المتدينون منهم والعلمانيون في

عصر سيادتهم وقوتهم فإنهم اخترعوا المجمعات الأممية، وأسسوا المؤسسات الدولية

التي يمررون قراراتهم وتوصياتهم الجائرة عبر مجالسها واجتماعاتها. وجاءت فكرة

هذه المؤسسات الدولية في نهاية الحرب العالمية الأولى حينما بات من الواضح

انتصار الحلفاء على ألمانيا والدولة العثمانية؛ إذ كان النظام الدولي قبل الحرب

قائماً على توازن القوى بين الدول الأوروبية الكبرى وكانت بريطانيا هي الطرف

الأقوى في هذا النظام لحفظ التوازن، وبعد الحرب تبنى أصحاب الرأي وقادة الفكر

في المجتمعات الأوروبية الدعوة إلى بناء نظام دولي جديد على أساس تكريس

الهيمنة والسيادة الأوروبية على العالم، وتسخير عصبة الأمم لرعاية هذه السيادة

وتنظيمها [11] .

وبعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة دول المحور (ألمانيا وإيطاليا

واليابان) على يد قوات التحالف اجتمع قادة الحلفاء (أمريكا والاتحاد

السوفييتي وبريطانيا) في قمة يالطا عام 1945م لإعادة رسم الخريطة العالمية

وتوزيع مناطق النفوذ بين المنتصرين في الحرب، ثم تحول شكل النظام الدولي إلى

القطبية الثانية بعد تكوين حلف الأطلسي عام 1949م وامتلاك الاتحاد السوفييتي

القنبلة الذرية وتكوين حلف وارسو عام 1955م [12] .

وتحيزت دول العالم الثالث إلى أحد المعسكرين الاشتراكي الشرقي، أو

الليبرالي الغربي واندفعت إلى صراع محموم وتنافس رهيب على امتلاك الأسلحة

الفتاكة والدخول في حروب شعواء لمصلحة أحد المعسكرين مما أدى إلى فساد

العمران واستنزاف الأموال، وإفقار الدول التي سموها دول العالم الثالث.

وبعد أزمة الخليج وترنح الدب الشيوعي وتفكك الاتحاد السوفييتي تحولت

السيادة ومن دون منافس إلى أمريكا الرأسمالية البروتستانتية المحكومة باللوبيات

الصهيونية، وهذه الزعامة القطبية لأمريكا جعلت رئيسها بوش عقب أزمة الخليج

يفصح عن الغرور الأمريكي والابتهاج بحكم العالم حينما رسم خطوط النظام العالمي

الجديد الذي تديره بلاده أمام الكونجرس فكان من قوله: كانت الولايات المتحدة على

مدى قرنين من الزمان هي مثل العالم الأعلى في الحرية والديمقراطية، وقد حملت

أجيال متعددة راية النضال للحفاظ على الحرية وتعظيم المكاسب التي حققتها،

واليوم وفي عالم يتحول بسرعة شديدة فإن زعامة الولايات المتحدة لا غنى

عنها [13] . وفي مناسبة أخرى قال في زهو وغرور: لقد أنقذنا أوروبا، وتغلبنا

على الشلل، ووصلنا إلى القمر، وأضأنا العالم بثقافتنا، والآن ونحن على مشارف

قرن جديد نسأل: لمن ينسب هذا العصر؟ ! إنني أؤكد أنه سيكون عصراً أمريكياً

آخر [14] .

ما الذي يريدونه في عصر النظام العالمي الجديد (العولمة) ؟ !

لقد تكفَّل أهل الكفر بتفتيت العالم الإسلامي وفرض سيادتهم عليه، ونهب

ثرواته، وتصدير نظمهم إليه، لكن القصعة المستباحة كانت مقسمة بين الشرق

والغرب وبعد سقوط الشيوعية ضمن الغرب الاستئثار بها وحده، ولم يبق ما يزعج

الغرب النصراني العلماني إلا تفوق العالم الإسلامي في النواحي الاجتماعية،

ومحافظته على نظام الأسرة، مما جعل قوى الشر تتواصى بالاختراق الثقافي

وتجتمع على إفساد الأسرة المسلمة عبر مقررات المؤتمرات الدولية: مؤتمرات

السكان والإيواء البشري والطفل والمرأة، وفرض المقررات الإلحادية على البلاد

الإسلامية وربطها بالسياسة والاقتصاد والحصار لتأخذ صفة الإلزام بعد إخفاق

التوصيات والنصائح، ولم تفلح المنظمات المشبوهة التي تسوِّق لهذا الإلحاد

والفساد، وفُضح القائمون عليها من عملاء خونة خانوا دينهم وأوطانهم.

هل يريدون تنصير العالم الإسلامي أم علمنته؟ !

يبدو أنه لا فرق بين الأمرين؛ لأن الكنيسة تعلمنت، والعلمانية أحست

بضرورة وجود الكنيسة؛ فالصراع زال، وحل محله الوفاق ليقوم كل بدوره تجاه

أبناء النصرانية العلمانيين وتجاه غيرهم.

لقد ثار الغرب ثورة الحرية على الكنيسة وقيودها، وأعلن العلمانية فانتهى

بذلك دور الكنيسة، وتحول الغربي إلى مادي حيواني يعب من شهواته ويشبع

غرائزه ويعيش يومه ولا يفكر في غده ولا يؤمن بالحساب، ومنذ تلك الثورة ظلت

الكنيسة تغازل العلمانية، وتخطب ودها بما يقدمه رجال الدين النصراني من

تنازلات لإرضاء الماديين حتى خرقوا أنظمة الكهنوت، وخالفوا تعليمات أناجيلهم

المحرفة، وأباحوا للناس ما أجمعت الشرائع والعقول والفطر السليمة على تحريمه

من زواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء وسائر أنواع الشذوذات، كما قالت

مجموعة أبناء الرب [*] : إن الخوف من الزنا لم يعد له مكان، وإن عمليتي اللواط

والسحاق مباحتان ما دامتا تتمان في جو من الحب، وقال ديفيد جاكس المتحدث

باسم هذه المجموعة: «إن تقديم العون الجنسي واجب على كل فرد، وإن أفراد

المجموعة من النساء مطالبات بتقديم كل ما يمكن أن يغري أعضاءاً جدداً» [15] ،

وأنه لا بد من تغطية نفقات المجموعة من بيع الجنس إذا اقتضى الأمر! ! [16] .

ولا أدل على علمنة الكنيسة من إعلان عدد من جماعات التنصير في أمريكا

وهولندا وإيطاليا والسويد وألمانيا والدانمارك وأسبانيا وإنجلترا رفضهم للوصايا

العشر التي جاءت في شريعة موسى، والتي تعد أهم دعائم النصرانية، واعتبر

بعضهم أن هذه الوصايا انتهت وانتهى زمانها [17] .

وفي المقابل ثبت لدى العلمانيين الغربيين حاجة الفرد إلى الكنيسة؛ لأنه

مفطور على التعلق بالله سبحانه وتعالى؛ لا سيما بعد فُشُوِّ أمراض القلق والجنون

والفصام وغيرها من الأمراض النفسية في الغرب، وقد أدى كثير منها إلى الانتحار،

فباركت العلمانية تنازلات الكنيسة، ولم تمانع من وجودها بعد فقد سلطانها لإشباعٍ

روحيٍ زائف.

عولمة التنصير:

مما سبق نفهم تآزر القوى العلمانية مع العصابات الكنسية في عملية التنصير

الضخمة التي قد شحن الغرب إمكانياته لإنجاحها. وبات من الواضح تحول الغرب

من التنصير الفردي إلى التنصير الجماعي لسببين رئيسين:

1 - أن التنصير الفردي بطيء جداً لا يتناسب وعصر السرعة، ولا يتناسب

مع اتساع رقعة العمل الفسيحة أمام المنصرين الذين يمكنهم الدخول إلى أي مكان ما

دامت قوى الغرب السياسية تنفرد بالقرارات وتدير المنظمات الدولية.

2 - أن التنصير الفردي يؤدي إلى اقتلاع الفرد من بيئته ومجتمعه مما يجعله

مشلول الإرادة، منبوذاً من قومه مما يكون سبباً في رجوعه، وإن بقي على

نصرانيته يصبح عبئاً على الكنيسة التي نصّرته، ولن يستطيع التأثير فيمن حوله.

والتنصير الجماعي يعني نقل أمة من الناس قبيلة أو قرية أو مدينة كاملة من

الإسلام إلى النصرانية لكيلا يحس أحد منهم بالغربة، والوسيلة لتحقيق ذلك هو

استغلال الأزمات والكوارث، وربما افتعالها من قِبَل مَنْ بأيديهم القرار السياسي

والعسكري والاقتصادي للتدخل في بلد ما وإيجاد أزمة تخنق شعبه، ومن ثم تقوم

الهيئات والمنظمات التنصيرية بإكمال باقي المهمة بتنصير هذا الشعب الذي يعيش

الأزمة، وهذا ما نص عليه مؤتمر كولورادو التنصيري؛ إذ جاء في إحدى فقراته:

(لا بد من وجود أزمات معينة ومشكلات وعوامل إعداد وتهيئة تدفع الناس أفراداً

وجماعات خارج حالة التوازن، وفي غياب مثل هذه الأوضاع المهيئة فلن تكون

هناك تحولات كبيرة إلى النصرانية) [18] .

وليس هذا يعني بالضرورة التنسيق الكامل بين الدوائر العلمانية صاحبة القرار

في الغرب وبين المنظمات التنصيرية حتى لا يقال: إن هذا من إفرازات فكر

المؤامرة ولكنه تقاطع المصالح؛ فالقوى السياسية والعسكرية والاقتصادية في الغرب

تخنق شعوب العالم الثالث لإثبات القوة والغطرسة أو لنهب ثرواتها أو لتأديب من

يرفض قوانينها الجائرة، والهيئات التنصيرية تستغل فرص التجويع والإفقار

والحصار لتقوم بأنشطتها التنصيرية، ومن سيمنعها من ذلك إذا كانت الدولة

المحاصَرة نفسها لم تستطع فك الحصار عن نفسها أو اختراقه فضلاً عن منع

المنصرين من مد يد العون والمساعدة لشعبها المجوَّع المحاصر؟ !

ولن يتوقف النصارى عند هذا الحد؛ إذ صرحوا بلزوم التدخل في شؤون

الدول التي فيها أقليات نصرانية بزعم حمايتها من اضطهاد المسلمين مع أن هذه

الأقليات تحظى في بلاد المسلمين بما لا يحظى به المسلمون من الرعاية والتكريم

بل والذلة لهم وتنفيذ مطالبهم وإظهار شعائر شركهم تحت قيادة الحكومات العلمانية،

ومع ذلك لم يرتض الغرب المنتصر هذه السيرة ولن ترضيه حتى يجعل الأقليات

النصرانية حاكمة على المسلمين أو تنفصل عن الدولة لتشكل دولة نصرانية كما

حصل في تيمور الشرقية وكما يريدون حصوله في جنوب السودان.

وفي زمن العولمة لن يستطيع أحد منعهم من التدخل في شؤون الدول الداخلية؛

لأن القوة بأيديهم والمنظمات الدولية تأتمر بأمرهم، وتصدر قراراتها على ضوء

توجهاتهم، ثم إذا منعتهم وصار قرارهم وتدخلهم فردياً فمن سيعاقبهم ويحاصرهم؟ !

وقد ضربت السودان وأفغانستان بقرار فردي لصرف الأنظار عن فضيحة جنسية؛

فهل عوقب الضارب؟ وهل حوصرت دولته؟ !

حوارات الأديان خطوة تنصيرية:

كان غلاة الصوفية الأقدمون دعاة وحدة الوجود والاتحاد والحلول يرون صحة

كل طريق يوصل إلى الله تعالى سواء أكان حقاً (الإسلام) أم باطلاً كاليهودية

والنصرانية والوثنية وغيرها. وأجاز بعضهم التهود والتنصر ورجحه بعضهم على

دين الإسلام وقد كشفهم شيخ الإسلام ابن تيمية ونقض باطلهم [19] .

وفي النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري بعثت هذه الدعوة وتبنتها

الماسونية، وأقنعت بها الأفغاني ومحمد عبده الذي أسهم في تأليف جمعية في

بيروت باسم (جمعية التأليف والتقريب) هدفها التقريب بين الأديان الثلاثة [20] .

وفي السنوات الأخيرة تبنى الفرنسي روجيه جارودي إحياء دعوة (لويس

ماسينون) [21] المتمثلة في ربط الأديان التوحيدية الثلاثة بنفس الشبكة، وذلك من

خلال وصلها بالإيمان الإبراهيمي على اعتبار أن إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء،

وقد أفصح جارودي عن هذه الحقيقة بقوله: «لقد عرفت الإيمان الإبراهيمي عن

طريق Kierkegaard واليوم أقوم بهذه المبادرة الحوار الإبراهيمي بالاشتراك مع

أصدقائي اليهود والكاثوليك والبروتستانت؛ فإني أتابع المسير بقصد تجميع الإيمان

الإبراهيمي، وما أجده اليوم في القرآن من أن إبراهيم هو أبو الأنبياء قد وجدته منذ

عشرين عاماً» [22] وقد عقد جارودي العديد من المؤتمرات وأنشأ معهداً لهذا

الغرض في قرطبة الأندلسية وبيَّن أن لهذا المعهد توجهات عالمية لنشر نتاج

الثقافات الثلاثة اليهودية والنصرانية والإسلامية وتعاليمها من خلال علاقة الإنسان

بالإله والطبيعة والفرد وهو مركز دراسات لوحدة هذه الأديان [23] .

وللأسف فإن جارودي خدع بعض السذج من المسلمين وجمع منهم التبرعات

لإنشاء هذا المعهد المشبوه، وحصر إدارته في اليهود والنصارى زاعماً السعي لنشر

ثقافة الأديان الثلاثة! !

وقبل عدة أشهر نشرت بعض الصحف الغربية أن مؤتمراً للتقريب بين

الأديان سوف يعقد تحت مظلة الأمم المتحدة وسيدعى إليه بابا الفاتيكان وممثلو

مختلف الكنائس النصرانية وحاخامات اليهود إضافة إلى رؤساء كبار العلماء

والمجامع الفقهية والبحوث الإسلامية ورئيس الأزهر وأئمة المساجد الثلاثة المكي

والنبوي والأقصى.

والقصد معروف من هذه الدعوات التي تريد إذابة الإسلام في مناهج الذين

كفروا، وليست حواراً حقيقياً كما يظن المخدوعون يقوم على المناظرة وقرع الحجة

بالحجة وإحقاق الحق وإبطال الباطل، وذلك واضح في تقرير البروفيسور

النصراني (ديون كراوفورد) الذي كتب تقريراً مطولاً عن حوارات الأديان التي

يتبناها النصارى وكان من ضمن ما كتب: «ينبغي أن تتحول العلاقة بين المسلمين

والنصارى من علاقة المواجهة السابقة إلى علاقة حوار، على ألا يؤدي هذا الحوار

إلى المساومة على النصوص الإنجيلية من أجل تنمية الحوار، وهذا ما لا يجوز؛

فالحوار لا ينبغي أن يكون بديلاً عن التبشير بالإنجيل، وعلى المسلمين أن يفهموا

أن الحوار يستهدف كسبهم إلى صف النصارى، وينبغي على النصارى أن يخالطوا

المسلمين ويصادقوهم، وأن يستغلوا ذلك في إزالة سوء الفهم الراسخ في أذهانهم

تجاه الإنجيل والمسيح» [24] .

تنهبيات مهمة:

في ختام هذا العرض المختصر أنبه إلى أمور ثلاثة مهمة هي:

1 - أن الحرب بين المسلمين والنصارى ستستمر إلى نزول عيسى عليه

السلام وقتله للدجال والخنزير، وكسر الصليب، والحكم بشريعة أخيه محمد صلى

الله عليه وسلم كما تواترت بذلك الأخبار في السُّنَّة النبوية [25] . وهيمنة النصارى

العسكرية والسياسية والاقتصادية بل والثقافية لن تكون مطفئة لأحقاد النصارى على

المسلمين حتى يردوهم عن دينهم كما هو قول الله تعالى: [وَلَن تَرْضَى عَنكَ

اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] (البقرة: 120) ، وقوله تعالى: [وَدَّ

كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ

مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ] (البقرة: 109) وفي الأحاديث الواردة في شأن الدجال قال

النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق

فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذٍ ... » [26] وذكر فيه

انتصار المسلمين وخروج الدجال وهم يقتسمون الغنائم مما يعني أن حوارات الأديان

والسلام ونشر ثقافة المحبة، وانتهاء عصر الحروب ... وغير ذلك من الادعاءات

مجرد أمانٍ ينخدع بها من لا يحسنون التلقي عن الكتاب والسنة.

2 - أن واجب المسلمين هو مدافعة الشر ومقاومة أهل البغي والظلم والكفر

بكل ما أوتوا من قوة عملاً بقوله تعالى: [وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ]

(الأنفال: 60) فالسلاح وبناء الجيوش قوة، والكلمة الطيبة التي تفضح بها

مخططات الأعداء والمنافقين قوة، والإلحاح على الله تعالى بالدعاء على الأعداء

قوة، والتمسك بالإسلام والدعوة إليه قوة. والضعف هو في التخلي عن أحكام

الإسلام أو تمييعها لإرضاء الأعداء، أو تفصيل شريعة الإسلام على أهواء الناس

ومطالبهم. ونحمد الله تعالى على أنه لم يكلفنا بالنتائج وإنما طلب منا العمل فحسب:

[فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا] (يونس: 108) ،

وقوله تعالى: [وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ

حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى

الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ] (يونس: 99-100) ، وقوله تعالى: [إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البَلاغُ]

(الشورى: 48) .

3 - أن الغلبة في النهاية لأهل الحق على أهل الباطل ولو زخرفوا باطلهم

وزينوه وكانت وسيلته الفضائيات والإنترنت، ولو كان مدعوماً بالترسانات النووية

والذرية والبيلوجية وغيرها؛ فإن جند الله تعالى أقوى؛ ومن جنده سبحانه الزلازل،

والأمراض والكوارث والرعب: [وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ

اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي

المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ] (الحشر: 2) ، وقوله تعالى: [وَمَا يَعْلَمُ

جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ] (المدثر: 31) .

بيد أن الذي يستحق نصر الله تعالى وتأييده هم عباده الذين استجلبوا نصره

بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والوقوف عند حدوده، والدعوة إلى الإسلام

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح النفس والبيت والسعي في نشر

الصلاح في الأمة كلها.

أسأل الله تعالى أن ينصر دينه وأن يدحر الكفر وأهله؛ إنه سميع مجيب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015