مجله البيان (صفحة 3591)

إشكالية التعامل مع المصادر الأصلية والثانوية للفرق الإسلامية

دراسات في الشريعة والعقيدة

إشكالية التعامل مع المصادر الأصلية

والثانوية للفرق الإسلامية

ضوابط منهجية

د. أحمد جمال بادي

مدخل إلى الموضوع:

تعج المكتبة الإسلامية بكم هائل من الدراسات والمصنفات القديمة والمعاصرة

فيما يتعلق بالفرق الإسلامية عموماً، وفيما يتعلق بمسائل الإيمان والتوحيد، أو ما

اصطلح عليه بعض المتأخرين بـ «علم الكلام» على الخصوص.

لكن الباحث يلاحظ ويواجه إشكاليات عديدة في تعامله مع تلك الدراسات

والكتب والمصنفات قد تقوده إلى نتائج سلبية وخيمة، ومنها أن التصورات الخاطئة

عن فرقةٍ مَّا من الفرق قد تؤدي إلى التجني في الحكم عليها والإجحاف في حقها؛ لا

سيما إذا ما انضاف إلى ذلك العامل النفسي وما جُبِلَ عليه الناس من بغض المخالف

مما يؤدي بدوره إلى التحامل والتحيز ضد تلك الفرقة. يقول الله تعالى:

[وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] (المائدة: 8) ،

[وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ] (الأعراف: 85) .

ومن النتائج المباشرة لوجود تلك الإشكاليات ما نلمسه عن قرب ونجده من

تضارب في الأقوال ووجهات النظر بين تلك الدراسات والمصادر سواء في نسبة

الأقوال إلى قائليها من كل فرقة، أو في حقيقة أقوال فرقة مَّا في المسألة الواحدة من

مسائل الاعتقاد، أو في الحكم على تلك الفرقة ومدى قربها أو بعدها من الحق.

ومن تلك النتائج وهو إشكالية قديمة متجددة موضوع تفريعات وتقسيمات

الفرق إلى فرق صغيرة والذي يبدو عليه في بعض الأحيان التمحل الواضح، وكأن

الهم الوحيد للمؤلف أو صاحب الدراسة هو إيصال عدد الفرق إلى اثنتين وسبعين

فرقة ليطابق العدد المذكور في حديث «الافتراق» المشهور [1] .

ويدخل في النتائج المترتبة على الإشكالية السابقة إهمال عامل التطور الفكري

والعقدي لفرقةٍ مَّا أو لأحد رجالاتها مما أوقع الكثيرين في التناقض أو الحيرة

والتخبط.

هذه الإشكاليات وما ترتب عليها من نتائج يُبرِز مدى الحاجة إلى الضوابط

المنهجية التي تعين كل باحث وطالب علم في موضوع الفرق الإسلامية على

التعامل الصحيح مع ذلكم الكم الهائل من المصادر والمراجع العامة والخاصة،

القديمة والمعاصرة.

ويحسن بي قبل البدء بالكلام على هذه الضوابط والقواعد أن أتلمس بعض

الأسباب والعوامل التي أدت إلى وجود هذه الظاهرة.

الأسباب العامة للإشكالية:

إن المتتبع للدراسات العامة والخاصة عن الفرق الإسلامية من المتخصصين

في هذا الفن ينتبه إلى جملة عوامل تشكل في مجموعها أهم الأسباب الكامنة وراء

الإشكالية المتحدث عنها:

أولها: صعوبة الوصول إلى المصادر الأصلية «الأولية» لبعض الفرق

الإسلامية إما لضياعها أو لعدم انتشارها؛ أو لقلة التأليف عند أصحابها، وبذلك

أصبحت المصادر العامة التي ألفت عن تلك الفرقة هي المعتمد لدى كثير من

الباحثين وطلبة العلم.

ثانيها: ظاهرة النقل الحرفي المتكرر لبعض المؤلفات العامة في الفرق لاحقاً

عن سابق دون تمحيص أو تحليل أو نقد أو تفكير وروية؛ فقد يخيل لبعض

الدارسين إجماع أصحاب تلك المؤلفات والمصنفات على المسائل المنقولة

والمدروسة، وما هي عند التدقيق والتحقيق إلا منقولات مكررة وعبارات مقتبسة

غير محررة.

يقول ابن تيمية: «ما ينقله الشهرستاني وأمثاله [2] من المصنفين في الملل

والنحل عامته ما ينقله بعضهم عن بعض، كثير من ذلك لم يحرر أقوال المنقول

عنهم، ولم يذكر الإسناد في عامة ما ينقله، بل هو ينقل من كتب من صنف

قبله» [3] .

بل كثيراً ما ينقل الشهرستاني الأقوال دون عزو إلى مصادرها، وقد يترجم

بعض الكلام فينقله من الأعجمية إلى العربية [4] .

كما يذكر الرازي [5] بأن الشهرستاني ينقل عن كتاب: «الفَرْق بين الفِرَق»

للبغدادي، وأن الثاني لا يكاد ينقل مذهب المخالفين على وجهه، ولذلك وقع الخلل

في نقل المذاهب؛ وهي مسألة لها تعلق بقضية التعصب والتحيز المذهبي [6] .

ثالثها: أن معظم المؤلفات العامة في الفرق أُلِّفت من قِبَل أصحاب توجه أو

مذهب عقدي معين مما أدى إلى التحامل في النظرة إلى الخصوم والمخالفين عند

الحديث عنهم، وسوء تفسير كلامهم وتأويل مقصودهم.

رابعها: ومن الأسباب الجلية أيضاً وراء الموضوع اعتماد كثير من المؤلفين

والدارسين على المصادر التاريخية العامة فيما يتعلق بالأحداث التاريخية الخاصة

بالفرق، وما يتعلق بتلك الأحداث من أقوال ذكرت عنها أو نسبت إلى تلك الفرق.

من بين تلك المصادر التاريخية العامة: تاريخ الطبري (ت 224هـ) و «مروج

الذهب» للمسعودي (ت 346هـ) و «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي

(ت 463هـ) ، و «المنتظم» لابن الجوزي (ت 597هـ) ، و «البداية

والنهاية» لابن كثير (ت 770هـ؟) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير

(ت 780 هـ) .

والحق أن تلك الأحداث والوقائع والأقوال في حاجة إلى أمرين اثنين:

الأول: التأكد من مدى ثبوتها عن أصحابها.

الثاني: معرفة حال رواتها؛ لأنهم في غالب الأحيان قد يكونون من أتباع

مذهب عقدي معين يروون الخبر ضد خصومهم ومخالفيهم.

ويكفي في التدليل على ذلك أن نعلم مثلاً أن أبا مخنف لوط بن يحيى (ت 157هـ)

قد روى له الإمام الطبري في تاريخه ما يقارب ستمائة رواية [7] . علماً بأن أبا

مخنف هذا معروف بتشيعه أولاً، وأجمع علماء الحديث على تركه وتوهينه لتشيعه

وكذبه ثانياً.

خامسها: ومن الأسباب التي يمكن اعتبارها في الموضوع فيما يتعلق

بالدراسات المعاصرة الخاصة بالفرق أن بعضها كتب بأيدي المستشرقين؛ حيث

طبقوا عليها مناهجهم في البحث والاستدلال، ووظفوا فيها سيل المعلومات غير

الموثقة توظيفاً خاطئاً، ورتبوها ترتيباً انتقائياً ليصلوا إلى النتائج المعدة سلفاً أو ما

يوافق أهواءهم وتغرصاتهم. ثم تابعهم على آرائهم ونتائجهم بعض الكتاب

والباحثين من المسلمين؛ وهو ما أوقع أصحاب تلك الدراسات في التناقض

العجيب [8] .

سادسها: ومن أسباب الإشكالية أيضاً اختلاف وجهات النظر حول تصحيح

حديث الافتراق والأخذ به.

فرغم ورود الحديث في معظم كتب السنة [9] ، ورواية عدد كبير من

الصحابة [10] رضي الله عنهم له، ورغم تصحيح أقطاب الفن والتخصص له [11] ،

إلا أن عدداً من العلماء المتقدمين والمفكرين المتأخرين ضعفوه، وطعنوا في

ثبوته وصحته.

والحقيقة الدامغة التي غابت عن هؤلاء أو ذهلوا عنها أن الواقع التاريخي

والواقع المعاش اليوم خير دليل عملي مشاهد وأقوى حجة وبرهان على صحة هذا

الحديث. فهل ينكر منكر ويكابر مكابر في وجود الاختلاف والتفرق والتشرذم على

مر التاريخ وإلى يومنا هذا؟

فهذه المكتبة التي تعج بالكتب والمؤلفات والردود، والردود على الردود في

مختلف مسائل الاعتقاد شاهد نظري على ذلك الأمر. وهذه الفرق بمسمياتها

المختلفة والموجودة في كل أقطار العالم الإسلامي، وكثير منها لها حضور سياسي

ملموس، شاهد عملي على ذلك.

بل إن أكثر الذين شككوا في حديث الافتراق وصحته إنما بثوا كلامهم هذا

أثناء حديثهم عن الفرق التي يخالفونها ويردون عليها، فهل بعد هذا من عجب؟

سابع الأسباب: ومن أسباب الإشكالية أيضاً اختلاف وجهات نظر العلماء

والباحثين والدارسين حول أسباب الاختلاف والتفرق هل هي: أسباب داخلية ذاتية؟

أم أنها أسباب خارجية ومن كيد أعداء الإسلام كاليهود والنصارى والمجوس؟ أم

أنها عوامل مشتركة؟ وإذا كانت مشتركة فهل هي منفصلة عن بعضها ولا ارتباط

بينها؟ أم أنها أسباب داخلية ثم استثمرت واستغلت من قبل الآخرين (الأعداء)

لتصل إلى ما وصلت إليه؟ لكل رأي من هذه الآراء قائل ومدافع، وعلى كل واحد

منها أدلة تاريخية أو جدلية برهانية.

أما التاريخ فيقول أهل الاختصاص فيه: أعطني أي فكرة أو رأي فأثبته لك،

وأثبت لك عكسه من التاريخ. وأما الجدل وقضاياه فله قواعده التي يمكن بها اختبار

مدى صدقه من كذبه.

ولا زال الأمر في حاجة إلى تمحيص ودراسة.

أهمية تحرير الضوابط المنهجية:

ولعلنا مما ذكر آنفا نعلم مدى الحاجة بل والضرورة إلى تحرير الضوابط

المنهجية التي تعين طلبة العلم بل وعموم المطلعين والباحثين الذين يبحثون في

موضوع الفرق الإسلامية وأقوالها وأفكارها وآثارها والحكم عليها، فتيسر لهم سبل

الإفادة من مختلف المصادر والمراجع على الوجه العلمي الصحيح المبني على

قواعد التحقيق والتدقيق لتحصل بذلك الفائدة ويتم المقصود.

ونحن في حاجة اليوم لمثل هذا الأمر أكثر من أي وقت مضى للأسباب الآتية:

1 - توفر الكتب والمصادر بغثها وسمينها بتيسر الطباعة وانتشار دور النشر

في كل بقاع الدنيا.

2 - ازدياد عدد الجامعات الإسلامية في العالم الإسلامي الذي تبعه ازدياد عدد

طلبة العلم والباحثين حول الموضوع.

3 - وجود عامل الاستقطاب المذهبي والإحياء الطائفي.

4 - نشأة بعض الجماعات الإسلامية في الساحة الدعوية والتي بنت فكرها

وأصولها ومنهجها بتتبع خطا من سبقها من الفرق والمذاهب العقدية.

5 - ما ترتب من سلبيات على الأمر السابق، انعكست آثاره على المجتمعات

الإسلامية فعانت من تلك الآثار ولا زالت تعاني حتى الآن.

6 - ما ترتب على الأمرين السابقين من دخول حلبة ميدان الكتابة في

الموضوع من ليسوا من أهل الاختصاص كبعض الصحفيين الذين سالت أقلامهم

بمشاعرهم وما نشأ عن مشاعرهم من تصورات قد يكون فيها المبالغة والحيدة عن

جادة الصواب.

7 - ازدياد عدد المثقفين في العالم وهو أمر محمود الذين يكوِّن الكثير منهم

تصوراته ومفاهيمه الإسلامية عبر ما يتلقفه وتقع عليه يداه من كتب ومقالات

وأشرطة دون منهجية علمية سليمة. ويمثل هؤلاء في عمومهم ومجملهم الأرض

الخصبة للاستقطاب المذهبي والطائفي المذكور.

بيان الضوابط وكيفية التعامل معها:

كل هذه العوامل والأسباب تجعل من آكد فروض الكفاية اليوم بيان الضوابط

المنهجية للتعامل مع المصادر الأولية والثانوية للفرق الإسلامية.

وفيما يلي محاولة متواضعة في الموضوع [12] ، وقد قسمت الضوابط إلى

قسمين بحسب تقسيم المصادر إلى أولية وثانوية.

أولاً: الضوابط المنهجية للتعامل مع المصادر الأولية:

الأول: ينبغي لطالب العلم المبتدئ والباحث المستجد الذين لم تتأصل لديهم

العلوم الشرعية، وليس لديهم المنهجيات الكافية الحذر من البدء بكتب الفرق، أو

بالكتب التي ألفت عنها؛ لأنها مفازة لا يستطيع اجتيازها إلا الخبير الذي أخذ للأمر

أهبته واستعداده، وإلا وقع في المهالك واحتوشته شبهات المنحرفين إلا أن يشاء الله

تعالى.

ومن أسباب هذا التحذير أن معظم الكتب العامة التي ألفت عن الفرق زرعت

الشبهات ولم تردَّ عليها، وبذرت الشكوك ولم تكترث لعواقبها.

فالنصيحة للمبتدئ في الموضوع أن يبدأ بالكتب الآتية:

1 - الكتب التي تحذر من البدعة والابتداع، نحو: «البدع والنهي عنها»

لابن وضاح، وكتاب الإمام الطرطوشي، وكتاب أبي شامة.

2 - الكتب التي أصَّلت الأصول والقواعد والضوابط في موضوع الفرق

والفرقة والاختلاف، ويأتي في مقدمتها كتاب: «الاعتصام» للإمام الشاطبي.

3 - البدء بالكتب التي كتبت عن الفرق ولم تكتف بإيراد الشبهات، بل ردت

عليها وفندتها ودحضتها. ويأتي في مقدمة هذه الكتب المفيدة: كتاب: «التنبيه

والرد على أهل الأهواء والبدع» لأبي الحسين محمد بن أحمد الملطي

(ت 377 هـ) فبالإضافة إلى ما يورده من آراء أهل البدع والرد عليها، قدم

له مؤلفه بمقدمات منهجية في الموضوع.

الثاني: ضرورة معرفة مصطلحات كل فرقة والإلمام بها قبل الشروع في

التعامل مع مصادرها أو غيرها من المصادر التي كتبت عنها، وذلك لمعرفة حقيقة

أقوالها، وتبين مقصدهم بكلامهم.

فالتوحيد مثلاً مصطلح أو مفهوم له دلالاته الخاصة عند كل فرقة من الفرق؛

فهو عند السلف غيره عند المعتزلة، وكذا الحال بالنسبة للأشاعرة والمتصوفة

وغيرهم.

وقُلِ الأمرَ نفسه بالنسبة لما يتعلق بهذا المفهوم من مفاهيم أخرى لها ارتباط به.

وقلّما يوجد مفهوم واحد في الفكر الإسلامي عموماً وفي الدراسات العقدية على

وجه الخصوص إلا ويوجد حوله اختلاف في معناه ودلالته بين الفرق الإسلامية

المختلفة [13] .

فلا بد من الوقوف على المصطلحات الداخلية الخاصة بكل فرقة، والحذر من

اعتماد الباحث وطالب العلم على فهمه الذاتي وتحليله الشخصي للمصطلح أو

المفهوم.

وإذا وجد بيان لمثل تلك المفاهيم والمصطلحات في كتب الفرقة نفسها فهو

الأوْلى والمعوَّل عليه.

ويكفي في بناء عنصر الحذر والانتباه في هذا الباب علمنا أن مصطلحات مثل:

«الفرق الناجية» ، «أهل الحقيقة» ، «أهل الشريعة» ، بل حتى «أهل

الجنة» لها دلالتها الخاصة وظلالها الخفية عند كل فرقة من الفرق الإسلامية.

الثالث: أهمية التفريق بين المصادر الأولية والثانوية في موضوع الدراسة أو

البحث، والتفريق بين المصادر والمراجع؛ وأن يكون الاعتماد على المصادر

الأساسية الأولية لكل فرقة، فهي مصدر معرفة رأي الفرقة، ومنها يستنبط

ويستشهد ويستدل.

أما المراجع والمصادر الثانوية فوظيفتها ثانوية كتقديم رأي للنقاش أو إغناء

الحوار أو المساعدة في تحليل نص. ولا يتم اللجوء إلى أي منها كمصدر بديل إلا

عند تعذر الوصول إلى المصادر الأولية تعذراً حقيقياً مطلقاً لا تعذراً نسبياً أو مؤقتاً،

وهذا الأمر خاص ببعض الفرق التي لا تعلم أقوالها إلا من خلال المصادر الثانوية

لقدم الفرقة وقلة أو انعدام مؤلفات رجالاتها. وحتى في هذه الحالة الاضطرارية لا

بد من مراعاة الضوابط العلمية والمنهحية في التعامل مع تلك المصادر والتي سأذكر

ما تيسر لي منها لاحقاً.

وأضرب بعض الأمثلة للضابط السابق:

1 - فمن المصادر الأولية للمعتزلة «المغني» للقاضي عبد الجبار.

2 - ومن المصادر الأولية للأشاعرة «المواقف» للإيجي، وشروحه.

3 - ومن المصادر الأولية للماتريدية «النسفية» للتفتازاني، وشروحها.

4 - ومن المصادر الأولية للشيعة الاثني عشرية «الكافي» للكليني.

ومع ما مر ذكره لا بد من مراعاة الضوابط الأخرى التالية.

الرابع: الوقوف على المنظومة العقدية للفرقة، والأقوال المتفق عليها لديهم

ومعرفة رجالاتها، فلكل فرقة أقوال اتفقت عليها كلمتهم، وأمور وتفصيلات اختلفت

فيها؛ حيث كانت سبباً في تفريقها إلى فرق أخرى صغيرة. وقد حاول عبد القاهر

البغدادي وغيره جاهداً تتبع المتفق عليه والمختلف فيه بين رجالات كل فرقة في

كتابه «الفِرَق» [14] ، ولعل هذا يفسر لنا منهج البغدادي في تسمية الفرق الفرعية

لكل فرقة رئيسية حيث ينسبها إلى صاحب المقولة بغض النظر عن وجود أتباع له

أم لا.

ومن الأمثلة التطبيقية لهذا الضابط: أن النظّام مثلاً رفض اعتزاله كثير من

المعتزلة. فلا يصح بذلك نسبة ما قاله وتفرد به عنهم إلى كامل الطائفة.

الخامس: التحري من نسبة القول إلى قائله والتأكد من مدى صحة تلك النسبة؛

فقد ينسب قول لفرقةٍ مَّا ثم لا يتوافر دليل واحد على صحة هذه النسبة، ولعل

الأمر يكون تخميناً أو ظناً أو رجماً بالغيب من قِبَل المخالفين.

فلا يفوت الباحث الناقد البصير عدم الجزم أو القطع بأمر يصعب إثباته على

وجه اليقين؛ حيث إن قضية اليقين في مسائل كهذه أمر نسبي.

وكمثال يوضح لنا أهمية هذا الضابط ما ذكره ابن تيمية في شأن ما ينقله

بعض المصنفين في بعض المسائل الاعتقادية عن طوائف «المرجئة» بقوله:

«وبعض الناس يحكي هذا عنهم وأنهم يقولون: إن الله فرض على العباد فرائض

ولم يرد منهم أن يعملوها ولا يضرهم تركها، وهذا قد يكون قول الغالية الذين

يقولون: لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد، لكن ما علمت معيَّناً أحكي عنه هذا

القول، وإنما الناس يحكونه في الكتب ولا يعيِّنون قائله» [15] .

السادس: أهمية الرجوع إلى المصادر المعترف بها من قِبَل الفرقة نفسها،

والتي تعتمد عليها في نشر آرائها ومعتقداتها. فلا يعتمد الباحث على مصادر

مشكوك فيها أو غير معترف بها من أصحاب الفرقة. فمحاولة إلزام «الشيعة

الاثني عشرية» بكتابات «موسى الموسوي» ، مثلاً، وهو في نظر بعض أهل

السنة شيعي معتدل، ولكنه بالمقابل يعتبره الشيعة شيعياً معارضاً، فأي استدلال

بكتاباته لن تلزمهم وإن كانت قد تقنع الآخرين.

السابع: يجب أن يكون الباحث عالماً بالمسار التاريخي للفرقة منذ النشأة

وانتهاءاً بالعصر الحديث إن كانت الفرقة لا تزال موجودة، وأن يكون عالماً بأهم

المحطات والأحداث التاريخية التي عاشتها، وبمواقف علمائها وأعلامها، وبطبقاتهم

ومصادر التأثير فيهم وعليهم. وأن يحاول الباحث ما أمكنه جهده وطاقته أن يربط

بين أفكار وأطروحات الفرقة والظروف الزمانية والمكانية التي تقلبت وعاشت فيها،

وكذا الواقع التاريخي والفكري والسياسي الذي عاصرته؛ فإن ذلك يعين على فهم

كثير من القضايا والإشكاليات وتفسيرها.

وهذا الأمر ينطبق على الفرقة باعتبارها فرقة وعلى رجالاتها بوصفهم أفراداً؛

فبعض مفكري الفرق من يكون قد مر بمراحل فكرية معينة وانعكس ذلك على

كتاباته ومؤلفاته وأفكاره ومواقفه.

ومن أمثلة ذلك: أبو الحسن الأشعري، وأبو حامد الغزالي [16] ؛ لأن فهم

هذا الأمر وإدراكه مما يعين بإذن الله على استيعاب الاختلاف الذي قد يقع بين

مصنفاتهم.

ومن هذا الباب أهمية معرفة طبيعة الكتاب التي أُلِّف من أجلها والظرف الذي

أحوج إليه. فمن المؤلفات ما كان السبب المحوج إليه المناظرات والخصومات بين

الفرقة وغيرها.

يقول الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله في هذا الشأن: «شغل المعتزلة

بمجادلة الزنادقة والروافض والثنوية وغيرهم، وكل مجادلة نوع من النزال،

والمحارب مأخوذ بطريقة محاربه في القتال مقيد بأسلحته، متعرف لخططه، دارس

لمراميه. وكل ذلك من شأنه أن يجعل الخصم متأثراً بخصمه، آخذاً عنه بعض

مناهجه؛ فالمعتزلة قد سرى إليهم بعض من تفكير مخالفيهم» ثم ذكر قولاً مشابهاً

للمستشرق (نيبرج) وقد يكون استنبط من قوله قاعدته السابقة في مقدمة إخراجه

لكتاب «الانتصار» للخياط المعتزلي: «مَنْ نازل عدواً عظيماً في معركة فهو

مربوط به مقيد بشروط القتال وتقلب أحواله، ويلزمه أن يلاحق عدوه في حركاته

وسكناته وقيامه وقعوده، وربما تؤثر فيه روح العدو وحيله، كذلك في معركة

الأفكار، وفي الجملة فللعدو تأثير في تكوين الأفكار ليس بأقل من تأثير الحليف

فيه» [17] .

الثامن: وقد يكون من أهم الضوابط التي ينبغي اعتمادها في دراسة الفرق

ومناقشة آرائها: الأمانة والنزاهة العلمية التي تنأى بالباحث عن الخروج عن حد

الموضوعية أو التحيز والتعصب لرأي معين دون أي دليل أو برهان. فلا بد

للباحث من الحياد الموضوعي في التعامل مع اضطراب المصادر، وأن يتحرى

الدقة والأمانة العلمية في النقل عن تلك المصادر، فلا يتلاعب بالأقوال أو يؤولها

ويحملها ما لا تحتمل.

وفي التعامل مع تلك المصادر لا بد من الاقتباس الكامل للنصوص وعدم قطع

تلك النصوص أو بترها لتتناسب مع فكرة الباحث ورأيه المسبق.

كما أنه لا بد من الرجوع إلى أكبر عدد ممكن من المصادر عن كل فرقة، ثم

المقارنة بين تلك المصادر للتعرف على آراء الفرقة وخلفياتها الفكرية بموضوعية،

وعدم تجزئة أقوال الفرقة أو أقوال أئمتها، فلا يكون البحث علمياً إذا جمعت

الأقوال الشاذة لفرقة مَّا لتعتبر هذه الأقوال هي آراء الفرقة. وإنما المعتبر هو ما

عليه جمهور الفرقة وزعماؤها أو ما اتفقت عليه كلمتهم كما مر سابقاً. وأما تفرد

فرد من الفرقة بقول لم يوافقه عليه غيره فلا يمكن أن ينسب للفرقة أو أن تتحمل

الفرقة تبعة هذا القول أو ذاك.

ومن ذلك عدم تقويل شخصٍ مَّا شيئاً لم يقله، أو إلزامه بلازم القول أو

المذهب، وهو أمر يقع أحياناً من بعض الباحثين والدارسين في تحليل أقوال

الأشخاص والإشارة إلى أنه يقصد بالقول كذا وكذا.

ومن ذلك عدم قبول أقوال الفرق المتخاصمة في طعن بعضها بعضاً؛ لأن كل

فرقة تشنع على مخالفيها وتحاول تصيد أخطائهم إلى حد المبالغة بل والتزوير أحياناً

والزيادة على الأقوال. ومنها أن يكون الغرض من البحث أو الدراسة هو معرفة

الحق في المسألة، وليس لأغراض أخرى حتى يتجنب الباحث مشكلة التعصب

لفرقة أو ظلم أخرى.

ومنها البعد عن التعميم في إصدار الأحكام المتعلقة بالفرق؛ فلا بد من التحديد

الذي يخرج بالباحث عن دائرة التكهنات والافتراضات.

ومنها الإنصاف مع المخالف والاعتدال في النظرة إليه.

ومنها عرض أي رأي يختاره الباحث أو ينتقده على الكتاب والسنة؛ فهما

المعيار الصحيح والوحيد لضبط الأقوال وقبولها أو ردها؛ فما وافقهما قُبِلَ، وما

خالفهما رُدَّ.

التاسع: فهم طبيعة الاختلاف بين الفرق، ومعرفة كيفية التعامل معه. ويمكن

فهم طبيعة الاختلاف بين الفرق في ضوء ما ذكره العلامة ابن القيم عند حديثه عن

تقسيم الاختلاف إلى محمود ومذموم وبيان حال كل منهما بقوله: «الاختلاف ينقسم

أهله إلى محمود ومذموم؛ فمن أصاب الحق فهو محمود، ومن أخطأه مع اجتهاده

في الوصول إليه فاسم الذم موضوع عنه وهو محمود في اجتهاده معفو عن خطئه،

وإن أخطأ مع تفريطه وعدوانه فهو مذموم» [18] .

ثم يبين رحمه الله طبيعة الاختلاف المذموم ليكون مدخلاً لكيفية التعامل معه

فيقول: «والاختلاف المذموم كثيراً ما يكون مع كل فرقة من أهله بعض الحق؛

فلا يقر له خصمه به بل يجحده إياه بغياً ومنافسة، فيحمله ذلك على تسليط التأويل

الباطل على النصوص التي مع خصمه؛ وهذا شأن جميع المختلفين بخلاف أهل

الحق فإنهم يعلمون الحق من كل من جاء به، فيأخذون حق جميع الطوائف ويردون

باطلهم» ثم أوضح المنهج الحق في التعامل مع الاختلاف الذي بين الفرق فقال:

«فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق؛ حيث كان ومع من كان، ولو كان مع

من يبغضه ويعاديه، ورد الباطل مع من كان، ولو كان مع من يحبه ويواليه؛

فهو ممن هدي لما اختُلف فيه من الحق» [19] .

وقفة مهمة:

ويجب التنبيه إلى أمر مهم هنا وهو ضرورة فهم كلام الإمام ابن القيم في

سياقه الصحيح. فالواحد منا لا يكوِّن عقيدته وتصوراته ومفاهيمه بالتقاطها من هنا

وهناك من كتب الفرق ليصلَ إلى الحق.

بل الأصل والأمر المتوجب هو بناء العقيدة الصحيحة من مصادرها الأصلية

أولاً، وبناء المنهجية العلمية الرصينة من القواعد والضوابط والأصول، وقواعد

الترجيح من مظانها قبل التعامل مع أقوال الفرق وآرائها، وذلك حرصاً على سلامة

المعتقد وبعداً عن لوثات المبطلين وشبهاتهم التي توقع صاحبها في الحيرة والشك

والتخبط الذي قد لا يفارق صاحبه إلا بالموت، نعوذ بالله من ذلك.

العاشر: ويتفرع عن الضوابط السابقة معرفة المنهج الصحيح في الحكم على

الفرق المخالفة؛ وقد قعّد الإمام الشاطبي لهذه المسألة في كتابه: «الاعتصام» ،

ويمكن تلخيص أهم القواعد التي استخلصها من كلام العلماء وأئمة السنة في المسألة

وذكرها في كتابه كما يلي:

1 - أن الفرقة لا تصير فرقة إلا بمخالفة الحق في أصل كلي، أو في

جزئيات كثيرة لها حكم الأصل الكلي.

2 - أن الثنتين والسبعين فرقة المخالفة الوارد ذكرها في الحديث هي جزء

من أمة الإجابة، وأنهم مسلمون لا يحكم عليهم بكفر بدليل نص الحديث نفسه:

«وستفترق أمتي» .

3 - أن هذه الفرق وإن حادت عن الجادة والصواب في قليل أو كثير ووقعت

في البدعة، إلا أن هذه البدع ليست مكفرة. والبدع وإن كانت أشد حالاً من

المعاصي إلا أن حكمها حكم المعاصي في الآخرة؛ حيث يكون صاحبها تحت

المشيئة، فإن شاء الله عذبه على قدر بدعته ثم مآله إلى الجنة والنعيم، وإن شاء

غفر له ابتداءاً وأدخله الجنة. وهذه المغفرة قد تكون بسبب: كزيادة الحسنات على

السيئات أو بشفاعة أو غير ذلك من الأسباب الموجبة لدفع العذاب [20] ، وقد تكون

بمحض عفو الله ورحمته.

4 - قد يكون من تلبس برأي فرقة من الفرق معذوراً بسبب من أسباب العذر

الشرعي، والذي من شأنه أن يرفع عنه الوزر والإثم.

ثانياً: الضوابط المنهجية للتعامل مع المصادر الثانوية

(المراجع) في الفِرَق:

تشمل هذه المصادر الثانوية ما يلي:

1 - المصادر العامة التي سبقت الإشارة إليها في أول المقال.

2 - المصادر الخاصة التي كتبت عن «الفرق» ولكن من غير أصحابها.

3 - الدراسات المعاصرة والمراجع المتأخرة سواء أكانت رسائل علمية لنيل

درجة علميةٍ مَّا، أو كانت كتباً علمية ألفها أهل الاختصاص في الفن من المتأخرين،

أو ألفها كاتب من عموم المثقفين والمفكرين المعاصرين.

4 - الدراسات التي ألفها المستشرقون عن الفرق الإسلامية وآرائها، ويدخل

في ذلك كتب الفرق التي قاموا بتحقيقها والتقديم لها.

وفيما يلي أهم هذه الضوابط حيال تلك المصادر:

الأول: ضرورة فهم الآراء والأقوال في المصادر الثانوية بعد فهمها في

مصادرها الأولية.

الثاني: التثبت من صحة الأقوال ونسبتها، والمقارنة بين ما ورد في المصدر

الثانوي والمصادر الأولية لتوثيق الأقوال وتمحيصها ومعرفة أوجه الاتفاق

والاختلاف.

الثالث: عند النظر في المعلومات المأخوذة عن المصادر الثانوية لا بد من

التفريق بين: ما يمكن اعتباره حقائق مسلَّمة وأموراً ثابتة لا تقبل الجدل، وبين ما

يمكن اعتباره افتراضات وتخميناً تحتاج إلى برهنة ودراسة واختبار للتأكد من

صحتها أو خطئها؛ وبين ما هو رأي أو وجهة نظر قد تكون راجحة أو مرجوحة.

الرابع: عدم الاكتفاء بمصدر ثانوي واحد في أخذ المعلومة حتى لا تتكرر

الأخطاء، بل يتوجب على الباحث وطالب العلم والمثقف الرجوع إلى أكبر عدد

ممكن من المصادر الثانوية لا سيما في حالة قلة المراجع الأولية أو عدمها؛ ثم

المقارنة بين المصادر الثانوية فيما بينها ليظهر الحق في المسألة.

الخامس: على الباحث وطالب العلم أن يكون على علم بموقف صاحب

المصدر من الفرقة التي هي موضوع الدراسة، فلا يعتمد على مناصر ولا معارض.

وهذا الأمر يستوجب بذلك الجهد ومضاعفته في تخير المصادر الموضوعية.

أما الدراسات التي تنطلق من منطلق عدائي أو تقديسي فلا تعتمد باعتبارها

أساساً ولكن قد يتم الرجوع إليها بوصفها دراسات استثنائية تعين الباحث على معرفة

عمق توجهات الفرقة إذا كان الكاتب مناصراً لها، كما تعينه على معرفة جوانبها

المتعددة.

وأما إذا كانت الدراسة عدائية فهي تعينه أي الباحث على تفهم موقف الآخرين

«المخالفين» من هذه الفرقة وأهم النقاط التي انتقدت لأجلها.

والأصل أن تكون الأولوية للكاتب الذي عاصر تلك الفرقة ولا تربطه بها أي

علاقة انتماء أو عداوة.

كما ينبغي أن يكون الباحث مدركاً ومستبصراً بما يطلق عليه «مرحلة

الاستقطاب المذهبي» [21] كما يجب الانتباه إلى معرفة حقيقة الظروف والملابسات

التي أحاطت بكتابة تلك المصادر.

السادس: لا بد من أن يضع الباحث في اعتباره عند التعامل مع هذه المراجع

أنها نتاج جهد بشري يعتريه ما يعتري كل الأعمال البشرية من الخطأ والنسيان

والقصور.

وبناءاً على ذلك الأمر لا بد أن تخضع تلك الدراسات لميزان الحقيقة والنقد

والتمحيص.

السابع: الحذر من تقليد بعض الدراسات المعاصرة التي وقعت في شراك

المستشرقين وحبائلهم، وتأثرت بآرائهم وأقوالهم واستنتاجاتهم؛ حيث نقلتها

واعتمدتها وأخذت بها مأخذ التسليم.

وكذا الحذر من الإسقاطات المعاصرة لدى بعض الدراسات؛ حيث حاولت

تفسير الأحداث التاريخية السابقة في ضوء ما هو واقع اليوم [22] .

الثامن: هناك بعض الأسئلة التي ينبغي للباحث أن يطرحها على نفسه عند

قراءة المصادر الثانوية ومراجعتها لعلها تنير له الطريق وتحدد له مدى جدوى

الدراسة التي يتعامل معها ومصداقيتها. فمن هذه الأسئلة:

- ما هو الدافع والمحرض على كتابة المقال أو الكتاب؟

وأضرب مثالاً على ذلك بكاتبين من بلدين مختلفين ألف كل منهما كتاباً يناصر

فيه فكر المعتزلة ومنهجهم، وكان سبب مناصرتهما لهذه الفرقة وفكرها واضحاً من

خلال عباراتهما ومقدماتهما وتعليقاتهما أنها ردة فعل، مع اختلاف في نوعية ردة

الفعل تلك. وقد نسي هذان المسكينان أن منهج المعتزلة يعتمد القوة وفرض الرأي

على الآخرين، كما يعتمد مصادرة أفكار الآخرين مهما كان حالها وصحتها، والحكم

على المخالف بالكفر. لقد فر هذان الكاتبان من شيء ليقعا في أسوأ منه.

ومن الأسئلة أيضاً:

- هل كان الكاتب عضواً من أعضاء الفرقة، أو هو ينظر إلى الفرقة من

خارجها؟

- إلى أي حد حلل النصوص المنقولة عن الفرقة من زاوية نظر تخصصه؟

- ما هي المنهجية التي استعملها لتحديد الفرقة وتصنيفها؟

- هل صنفها حسب أفكارها وآرائها، أم حسب مفكريها وأعلامها؟

- ما هي الضوابط والمعايير التي استعملها في تصنيف الفرق الصغيرة

الفرعية داخل تلك الفرقة؟

- ما هي المصادر والمراجع التي رجع إليها في دراسته لتلك الفرقة: هل

هي مصادر أصلية أم ثانوية؟ هل هي مصادر الفرقة نفسها أم مصادر كتبها عنها

مخالفوها؟

- وفي حالة كونها مصادر ثانوية: هل تحدث الكُتَّاب بوصفهم أشخاصاً

معاصرين للفرقة وشاهدي عيان، أم هم مجرد نقلة؟ وكم بينهم وبين الحدث من

سنوات ونَقَلَةٍ؟

- هل هؤلاء النقلة ثقات وموثقون؟

- هل حاول هؤلاء الذين كتبوا عن الفرقة كمصدر ثانوي التأكد من الحقائق

والمعلومات التي يذكرونها؟

- هل أصحاب الفرقة المتحدث عنها يوافقونه فيما توصل إليه، أم أن

مصادرهم تقول خلاف ذلك؟ وإذا كان لديهم خلاف ذلك فهل حرره وبينه؟

- إلى أي حد كان الكاتب موضوعياً أو متجنياً منحازاً ضد الفرقة؟

- إذا كان النقل عن مصادر أولية كتبها أصحاب الفرقة أنفسهم: هل ما نقل

عن الفرقة هو كلام كل من ينتسب إليها؟ أم أنه كلام فرقة من فرقها؟ أم اجتهاد

علم من أعلامها قد لا يوافقه عليه غيره منهم؟ أم أنه على الأقل كلام جمهورهم

ومعظمهم؟

- في أي فترة تاريخية كتب الكتاب: في مرحلة تكون الفرقة وبداياتها، أم

أنه في الفترة الوسطى (التطور) ، أم في فترة لاحقة ومتأخرة؟

إن إثارة مثل هذه الأسئلة وغيرها له دور جيد في التعامل مع المصادر

الثانوية، لتحصل الفائدة المرجوة للباحث، ويخرج من بحثه بنتائج علمية مثمرة.

ولا يفوتني تذكير القارئ الكريم بالحرص على الدعاء النبوي الجامع في هذا

الباب رغم بذل جهده في تحقق الأسباب بالأخذ بالضوابط المذكورة وغيرها والذي

خرَّجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة، فيما روته عائشة رضي الله عنها

وعن أبيها في شأن دعاء استفتاحه صلى الله عليه وسلم، الصلاة عند قيامه لصلاة

الليل، ونصه: «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات

والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون

اهدني لما اختُلِفَ فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط

مستقيم» [23] .

كما أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا المقال بداية ومفتاحاً لمجهود علمي

أكبر في هذا المجال المهم، وأن يتحول إلى دراسة علمية أوسع وأشمل وأكثر فائدة

لطلبة العلم؛ سواء حصل ذلك الأمر مني أو من غيري. كما أسأله سبحانه أن

يوفقنا جميعاً إلى ما يحب ويرضى من الأقوال والأعمال، وأن يثبتنا على الحق

والصراط المستقيم، وأن يعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً

آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده

ورسوله الأمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015