كلمة صغيرة
من مهازل هذا الزمان أن يدعو من يسمى وزير (الشؤون الدينية) التركي
إلى إعادة النظر في التجربة الأتاتوركية والاستفادة منها باعتبارها هي الإسلام
الصحيح؛ مع دعوته في الوقت نفسه إلى إعادة النظر في تفسيرات القرآن والسنة
بما يتفق ومعطيات العصر الحضارية، ومناشداً علماء الإسلام والمفكرين المسلمين
إلى التداعي لطرح الإسلام من خلال تفسير واقعي ومنطقي؛ لأن جميع الدول
الإسلامية تطبق الإسلام بشكل خاطئ! ! وإن في ذلك ما سيعيد الاحترام والتقدير
للإسلام الذي شوهه المتطرفون!
وبادئ ذي بدء فإنه من المتحقق أن فاقد الشيء لا يعطيه، ثم ما حقيقة
الإسلام القائم في دولة تركيا سوى (أطلال باقية) على يد العلمانيين المتطرفين
الذين تدخلوا في شؤون الأفراد وحرياتهم الخاصة حتى قننوا منع الإسلام واعتباره
اتجاهاً مرفوضاً، وقننوا منع الحجاب للمرأة المسلمة، وعملوا على إضعاف
المدارس القرآنية، ورفضوا رغبة الشعب التركي يوم اختار (الاتجاه الإسلامي)
الذي حكم لفترة، فضايقوه حتى نُحِّي وزُجَّ برموزه في محاكم همجية تذكِّر بمحاكم
التفتيش. فماذا سيرغِّب الناس في الأتاتوركية؟
إن الهراء الذي يطرحه الوزير المذكور (شنشنة معروفة) يطرحها
المنحرفون حينما تبور سلعهم؛ وهيهات أن يغتر بها إلا الضالون.
ثم ماذا استفادت تركيا من (التجربة الأتاتوركية) سوى أن أصبحت ذيلاً بين
الدول واضطرت بـ (ذلة) إلى طلب ود الغرب والانضمام إليه مع ما قدمته من
تنازلات ثم تُرفَض مع كل ذلك. وتحكَّم (الدونمة) في أزمَّة الأمور بتركيا حتى
أصبحت بُعداً استراتيجياً للعدو الصهيوني؛ أما ديمقراطيتهم فهي صورة لا حقيقة
لها والواقع خير شاهد. وحينما يصل الإسلاميون للحكم فإنهم يُنَحَّوْن بخطط معدة
سلفاً أو بانقلابات عسكرية يؤيدها الغرب، ونذكِّر الوزير أن دعوته النشاز تلك ما
هي إلا محاولة لإعادة الروح للجثة الأتاتوركية، وهيهات أن تحيا بعد إخفاقها
وموتها. وعزة تركيا بل عزة المسلمين جميعاً في التمسك بالإسلام الحق؛ وأوله:
تنحية القوانين الأتاتوركية ذاتها التي تبعد الإسلام عن الواقع وتفصله عن الحياة؛
فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام وهو طريقنا القويم للحياة الكريمة: [وَأَنَّ هَذَا
صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ]
(الأنعام: 153) .