البيان الأدبي
الأديب الإسلامي
الدكتور حلمي محمد القاعود
في حوار مع البيان
حاوره: محمد شلال الحناحنة
تعريف بضيف اللقاء:
* من مواليد البحيرة في مصر سنة 1366هـ، وهو أستاذ ورئيس قسم اللغة
العربية بجامعة طنطا، وعضو اتحاد الكتاب في مصر، وعضو رابطة الأدب
الإسلامي العالمية.
* عمل في عدة جامعات، وشارك في عدة مؤتمرات أدبية داخل مصر
وخارجها.
* يشارك باستمرار في الكتابة لعدد من الصحف والدوريات العربية
والإسلامية، وله أكثر من ثلاثين مؤلفاً في الإسلاميات والأدبيات والإعلام،
وحصل على عدة جوائز، كجائزة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، عام 1388هـ،
وجائزة المجلس الأعلى للثقافة بمصر عام 1394هـ.
أنْ نحملَ شجونَ الأدب الإسلاميّ، لنمضيَ إلى ذاكرة غزيرة تطمح
لاستشراف أدب وفكر إسلامي يلامس شفافية الروح ليس أمراً هيناً لا سيما ونحنُ
نحاورُ الأديب الإسلامي الدكتور حلمي محمد القاعود؛ فهو كتابٌ مُزْهرٌ مفتوح.
وقد رأت البيان أنَّ هذه الطاقة المبدعة من الفكر والإبداع مَكْسَبٌ كبيرٌ لقرّائها
ومتابعيها، فجاء هذا الحوار وارفاً بكثيرٍ من القطوف الدانية، فإلى الحوار.
* مهمة الناقد الإسلامي مهمة عظيمة، ولكن الأغلبية من نقادنا أسرفوا في
التنظير بعيداً عن ملامسة الإبداع لدى أدبائنا؛ فما رأيك في هذا القول؟ !
- لا ريب أن النقد الأدبي الإسلامي أسرف في عملية التنظير على حساب
التطبيق، ولعل ذلك يرجع إلى ما قوبلتْ به فكرة الأدب الإسلامي من علامات
استفهام أو تساؤلات عديدة جعلت النقاد الإسلاميين يسعون لشرح الفكرة وتفسيرها
والردّ على الرافضين لها. ولعلّي كنتُ من أوائل مَنْ تنبَّه إلى ذلك، فطالبتُ في
أكثر من مناسبة بضرورة الاهتمام بالجانب التطبيقي في الأدب الإسلامي، فيتعرّف
الناس على نماذجه الجيدة، ويثبت للمعارضين أن الأدب الإسلامي أدبٌ جادٌّ وجيّد.
* قال أحد النقاد: (إن الشعر الإسلامي رغم غزارته ما زال يكرر نفسه منذ
أكثر من عقدين من الزمان) فما ردُّك على ذلك؟ !
- هذا حكمٌ عام، والأحكام العامة في الآداب والفنون والإنسانيات ضدّ
الموضوعية. قد يكون هناك تكرارٌ بالفعل في الشعر العربي عامة، والإسلامي
خاصة، طوال العقود الماضية، ولكن الشعر العربي الإسلامي ما زال يقدم أصواتاً
متميزة، ونماذج رفيعة تحقق الملاءمة بين المضمون الجيّد والمعالجة الراقية،
والمتابع الدؤوب يدرك هذه الأصوات وتلك النماذج، وأرْجو أنْ تعفيني من ذكر
الأسماء حتى لا أنسى بعضها.
* أنت عضو برابطة الأدب الإسلامي العالمية؛ فما الذي قدمته الرابطة في
سبيل النهوض بأدبنا؟ !
- رابطة الأدب الإسلامي حلمٌ جميلٌ، تحقق بعد طول انتظار على يد رجل
مخلصٍ في الهند هو سماحة الشيخ «أبو الحسن الندوي» رحمه الله وعندما
صارت حقيقة واقعة انضمَّ إليها كثيرون، وخطت خطوات عديدة في إقامة الندوات
والمؤتمرات والمسابقات والنشر، وإن كان محبو الرابطة يطمحون إلى المزيد من
الخطوات، وتحقيق ما يمكن أن نسميه بالشفافية والمكاشفة لمعالجة الأخطاء
والسلبيات.
* ما العوائق الحقيقية التي تمنع تدريس الأدب الإسلامي في جامعاتنا؟
- التعليم في معظم بلادنا العربية الإسلامية كما تعلم يا أخي يناقض الهوية
الإسلامية، ومن دُعي بالنخب فئة متغربة بينها وبين لفظ: «الإسلام» خصومة
غير مفهومة، أو قلْ هي مفهومة إذا تأملنا تكوينها الفكري والثقافي، وهذه الفئة
للأسف تتحكم في مقدرات العديد من الجامعات، ثم هناك العداء السافر والمستتر من
جانب حكومات عربية إسلامية عديدة لكل ما هو إسلامي، مما يجعل المسؤولين في
الجامعات يتحسسون رؤوسهم وجيوبهم! ! وهنا عوائق أخرى ثانوية، ولكنها لا
تمثل مشكلة حقيقية أمام تدريس الأدب الإسلامي في الجامعات، ومع ذلك فإن بعض
الجامعات والكليات قد اعتمدت مقرّر الأدب الإسلامي منذ سنوات، وأتاحت الفرصة
لبحوث (ماجستير ودكتوراه) حول بعض القضايا والموضوعات في الأدب
الإسلامي.
* ما أوجه الخلاف بين الواقعية الأوروبية في دراسة الأدب والواقعية
الإسلامية؟ !
- الخلاف بين الواقعية الأوروبية والواقعية الإسلامية، أوضحتُه في مقدمة
كتابي حول روايات نجيب الكيلاني رحمه الله وهو خلاف في المضمون واللغة.
وباختصار شديد: فالواقعية الأوروبية على تنوعها ما بين واقعية نقدية وأخرى
طبيعية وثالثة اشتراكية ... إلخ تنطلق من الواقع الذي تعيش فيه وتنحاز إلى طبقات
بعينها، وتحارب طبقاتٍ غيرها، وتعتمد في كل الأحوال تصوراً مادياً لا دينياً،
وتنزل أحياناً إلى لغة العامة أو اللهجات العاميّة.
أما الواقعية الإسلامية فتنطلق من الواقع، ولكن من خلال تصور إسلامي
يرى النفس البشرية عموماً تحمل الخير إلى جانب الشرّ، وتؤمن بأنها أُلْهِمَتْ
فجورها وتقواها، فأفلح من زكاها، ومن ثَمَّ فلا مجال للصراع الطبقي، ولا
لتجريم طبقة وتبرئة أخرى بالمعايير المادية، ولكن المسؤولية في الإسلام كما تعلم
مسؤولية فردية في الأصل: [وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ] (الإسراء:
13) وغالباً ما تكون الشخصية أو النموذج في النص الأدبي الإسلامي متحولاً، أي
ينتقل بعد التجربة إلى المجال الخير.. وفي الواقعية الإسلامية تكون الفصحى أداة
التعبير الأساسية، والمعجم الإسلامي يظهر بوضوح عبر النص ظهوراً عفوياً
تلقائياً بعيداً عن الافتعال، الواقعية الإسلامية إذاً تعبير عن التصور الإسلامي
والهوية الإسلامية.
* لكن ما موقفك من الحداثة في بلادنا التي أضحتْ تتقنع بأسماء كثيرة؟ !
- لقد أعلنتُ رأيي في الحداثة عندنا من خلال العديد من المقالات، ونشرتُ
كتاباً حولها، ولكي أكون دقيقاً فإن الحداثة التي أعنيها هي الحداثة الأوروبية التي
يتبناها بعض الأدباء والكتاب في عالمنا العربي؛ لأن بعضهم يستخدمها بالمفهوم
اللفظي القريب وهو التجديد، أمّا الحداثة الأولى فهي الانقطاع بالمفهوم الأوروبي،
ومعناها أن تنقطع عن تاريخك ولغتك وتراثك وعقيدتك وعاداتك وتقاليدك، بل
ووطنك وأمتك أيضاً! إذاً فهي رؤية فكرية وليست مذهباً أدبياً كما يزعم بعضهم،
والمفارقة أن من اخترعوها ونقلناها عنهم تخلوا عنها، وانتقلوا منذ ثلاثين عاماً أو
يزيد إلى ما يعرف عندهم بما بعد الحداثة، ولكنّ قومنا ما زالوا يصرّون على
العيش هناك! ! وللأسف فقد هاتفني بعض الأصدقاء قبل أيام بأن مسألة الحداثة
كانت خدعة كبيرة انطلت على بعض مثقفينا المتيَّمين بالعالم الصليبي في أوروبا
وأمريكا، وظهر ذلك مؤخراً في كتاب جديد بعنوان: من يدفع التكاليف؟ (who
pays the pipers) ومؤلفته فرانسيس ستونر سوندر، وأعتقد أن مضمون
الكتاب سيكشف الكثير!
* أثار كتابك: (لويس عوض الأسطورة والحقيقة) ردود فعل واسعة، ولقي
تعتيماً واضحاً في الأوساط العلمانية! فلِمَ أثار تلك الردود؟
- لَمْ أكنْ أقصد «لويس عوض» وحده، ولكن كنتُ أقصد ما يمثله «لويس
عوض» من تيارات غَرِقَت في مستنقع الولاء للغرب الاستعماري، وتشبَّعتْ
بتصوراته: المفيد منها والضار، الملائم وغير الملائم، وراحتْ بفعل ظروف
معيّنة تفرض نفسها ومنهجها على الأمة؛ فكانت امتداداً للاستعمار وتجلياته الشرّيرة،
ومن ثمَّ كان عليّ أنْ أواجه هذا التيار من خلال لويس عوض الذي تحوّل في
بعض الفترات إلى صنم يعبده كثيرون، ولا يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منه،
وبفضل الله استطعتُ أن أواجه مزاعمه الأدبية والفكرية بالمنطق والحجّة،
والبرهان، والدليل الذي كنتُ أستقيه غالباً مأخوذ من كتاباته ونصوصه في بعض
مؤلفاته.
إنَّ بعض الصحف رفضت نشر خبر صغير حول كتابي، مجرّد خبر،
وبعضها حجب ما وصل إليها من مقالات أو عروض تتناوله، وصنعتْ حوله ستاراً
كثيفاً من التعتيم، ولكنَّ القرّاء كانوا يسعون للحصول عليه بمجرّد سماعهم عنه.
* دعنا نتحدث عن الرواية: يقال: إن كثيراً من الروايات الإسلامية تتكئ
على أمجاد التاريخ! فما مدى صحة ذلك؟ وما أثره في النواحي الفنية؟
- اللجوء إلى التاريخ في كتابة الرواية يكون له أسبابه التي تتعلق بالظروف
التي يعيش فيها الكاتب، والرواية التاريخية الإسلامية من وجهة نظري تبدو
أصعب فنياً من الرواية الواقعية الإسلامية؛ لأن الكاتب في الأولى يجد نفسه موزعاً
بين الالتزام بحقائق التاريخ من ناحية، ومتطلبات الفن من ناحية أخرى. وقد
عَرفَت الرواية التاريخية الإسلامية مجموعة من الكتاب الذين حققوا المعادلة،
وكانتْ لرواياتهم قيمة فنية كبيرة، أشرتُ إلى بعضهم في كتابي: «الرواية
التاريخية» .
* قلت في نقدك لبعض روايات نجيب الكيلاني: «إن البيئة في روايات
الكيلاني تحقق مجالاً خصباً للواقعية الإسلامية» ، هل توضح لنا هذه المسألة؟
- البيئة تؤثر في الإنسان سلباً وإيجاباً، ويقال: (الإنسان ابن بيئته) وفي
الرواية كما في الحياة تؤثر البيئة في أفرادها تأثيراً يختلف من فردٍ إلى آخر وفقاً
لثقافته وتصوّراته، وروايات نجيب الكيلاني الواقعية أظهرت هذا التأثير أو
التفاعل؛ فإنسان القرية مثلاً يختلف عن إنسان المدينة، وابن البيت المتديّن
يختلف عن خرِّيج المنزل غير المتدين.. وهكذا.. فالبيئة لها دور، والكاتب
الموهوب هو الذي يبرز تأثيرها والتفاعل معها، ولو راجعت الفصل الخاص
بالبيئة في كتابي عن رواية نجيب الكيلاني فسترى تفصيلاً تطبيقياً لهذه المسألة.
* كان لك اهتمام واضحٌ بالانتفاضة الإسلامية في فلسطين المحتلة؛ فما
التحدي الذي طرحته الانتفاضة على الفكر والإنسان في عالمنا الإسلامي؟ !
- الانتفاضة كانت تعبيراً جميلاً ودامياً عن قدرة الإنسان الفلسطيني المسلم
على مواجهة العدو اليهودي وداعمه الصليبي. كانت الانتفاضة إرهاصاً بالمستقبل،
وما يمكن أن يحدث فيه لمن سرقوا الأرض ولمنْ سُرقتْ منهم الأرض وكان الطفل
الفلسطيني بطلاً على غير توقّع، وللأسف فقد سرقوا الانتفاضة أنتَ تعرفهم!
وذهبوا إلى مفاوضات ووقَّعوا اتقاقيات انتهت باستسلام ذليل ومهين، واعتراف
باغتصاب الأرض والعرض تظهر تجلياته على الساحة يومياً، وعبر نشرات
الأخبار، وتصريحات الساسة! وكما فاجأت الانتفاضة العالم فإن من المتوقع أن
تعود الانتفاضة أو يعود معادلٌ لها ويفاجئ الدنيا مرة أخرى، ولا يسمح لأحد أن
يسرقه أو يبيعه مجاناً لأعداء الله، وأعداء الإسلام والمسلمين.
* (الصلح الأسود والطريق إلى فلسطين) كتاب صدر لك قبل سنوات،
كيف ترى الآن هذا الصلح في ظلّ المعطيات الجديدة التي حدّثتنا عنها قبل قليل؟ !
- لا شك أن الصراع بيننا وبين يهود هو صراع عقيدة ووجود لا صراع
حدود، ولا بد أنْ ينتصر أحد الطرفين، أي الطرف الذي على الحق، وطالما
يحمل الفلسطينيون مفاتيح دُورهم التي أُخرِجوا منها، ويحتفظ اليهود بعناوين ذويهم
في أوروبا وأمريكا وجنوب إفريقيا فإنّ النصر سيأتي من عند الله، وسيظهر
صلاح الدين من جديد ليفرض صلحاً على الطريقة الإسلاميّة الظافرة! !
محطات في الحوار:
بعد قراءتنا حوار اليوم نجد أنفسنا أمام محطات ينبغي الوقوف عندها
وفهمها:
1 - الشعر العربي الإسلامي ما زال يقدم أصواتاً متميزة ونماذج رفيعة راقية.
2 - رابطة الأدب الإسلامي حلمٌ جميلٌ تحقق على يد رجل مخلص هو
سماحة الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله.
3 - التعليم في معظم بلادنا العربية الإسلامية يناقض الهوية الإسلامية.
4 - الحداثة هي رؤية فكرية أوروبية ومعناها أن تنقطع عن تاريخك ولغتك
وتراثك وعقيدتك، بل ووطنك وأمّتك!
5 - «لويس عوض» يمثل تياراً علمانياً غرق في مُستنقع الولاء للغرب
الاستعماري! !
6 - الانتفاضة كانت تعبيراً جميلاً ودامياً عن قدرة الإنسان الفلسطيني المسلم
على مواجهة العدو اليهودي وداعمه الصليبي!
7 - الصراع بيننا وبين يهود صراع عقيدة ووجود لا صراع حدود! !