ملفات
التنصير.. هل أصاب الهدف؟
(1 - 2)
التنصير في إفريقيا
الأهداف والوسائل وسبل المواجهة
د. مانع بن حماد الجهني [*]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فإن الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر أمر لا بد منه، بل هو من
سنن الله الكونية حتى يعلم الله تعالى الذين جاهدوا في سبيله وصدقوا في الدفاع عن
دينه.
وقد تعدد أعداء الإسلام واجتمعوا على حربه وإن اختلفوا فيما بينهم، ومن
أبرز هؤلاء الأعداء النصارى الذين تنوعت خططهم وأساليبهم القذرة في محاربة
دين الله وأوليائه، ولم يتورعوا في استخدام أبشع ما يمكن من الأساليب، ولم
يسجل التاريخ في جميع أدواره أحلك من الصفحات التي تضمنت سرداً لأحداث
الحروب الصليبية القذرة، ولم تصب الإنسانية في صميمها بمثل ما أصيبت به في
تلك الحروب. ويكفي أن نعلم أن الحروب الصليبية أسقطت في بغداد وحدها
(000, 800 , 1) قتيل من المسلمين، وفي سوريا نصف هذا العدد. ومع كل
هذا فقد خابت الحروب الصليبية فيما كانت تسعى إليه من تدمير الإسلام، وكانت
عاملاً محركاً للمسلمين؛ إذ أيقظتهم من مرقدهم وغفوتهم، وأعادت لهم عزم
المؤمنين على الدفاع عن دين الله.
وبعد إخفاق دول أوروبا في الحروب الصليبية التي استخدمت فيها الحديد
والنار أثارت حرباً صليبية عن طريق التنصير الذي نرى آثاره في العالم اليوم.
ولذلك بات من الضروري كشف مخططات المنصرين وأساليبهم والعمل على
نشر الإسلام في ربوع الدنيا كلها.
ولما كانت قارة إفريقيا لها نصيب الأسد من جهود المنصرين جاء هذا البحث
للمشاركة في التصدي لرد كيد القوم الضالين في نحورهم والسعي في إعلاء كلمة
الله تعالى.
قارة إفريقيا والتنصير:
اهتم المنصرون اهتماماً بالغاً بالقارة الإفريقية، وبذلوا جهوداً مضنية في
سبيل تنصيرها؛ بل إنهم رفعوا شعار: (إفريقيا نصرانية عام 2000م) كما
زعموا، ومن أجل ذلك فقد عقدوا المؤتمرات وقدموا الأموال الطائلة، ووظفوا
المنصرين وهيؤوا السبل وأجلبوا بخيلهم ورجلهم لتحقيق مآربهم، ولكن مثلهم كما
قال تعالى: [وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ] (الأنفال: 30) . فإن
دين الله باقٍ، والنصر والتمكين والاستخلاف في الأرض لأوليائه الصادقين مهما
تطاول الباطل ومهما نما زرعه [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى
لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً] (النور: 55) .
ولما كان الحكم على الشيء فرعاً من تصوره فإننا نبدأ بالتعرف على:
1 - أسباب اهتمام المنصرين بإفريقيا:
يرجع اهتمام المنصرين بقارة إفريقيا إلى عدة أسباب هي:
أ - الفقر:
39% من سكان إفريقيا يعانون من سوء التغذية [1] ، وهي أكبر نسبة في
العالم.
وقد أدرك أعداء الله من المنصرين هذا الأمر، وأدركوا الحاجة الماسة التي
يعانيها كثير من أهالي قارة إفريقيا، فعملوا على تنصير الناس من خلال تقديم
المعونات لهم، وقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها والقبول منه.
ب - الجهل:
التعليم أمره خطير، وبسببه قد ترتفع الأمم إلى القمم، وهو من أعظم وسائل
التقدم.
يقول محمد إقبال: «إن التعليم هو الحامض الذي يذيب شخصية الكائن الحي
ثم يكوِّنها كما يشاء، إن هذا الحامض هو أشد قوة وتأثيراً من أي مادة كيماوية،
وهو الذي يستطيع أن يحول جيلاً شامخاً إلى كومة تراب» [2] .
وقد أدرك المنصرون خطورة التعليم خاصة في القارة التي ينتشر فيها الجهل
فعملوا على إيجاد المدارس والجامعات التنصيرية، كما سيأتي في وسائلهم.
ونكتفي هنا بالإشارة إلى قول المسيو شاتلين: «ينبغي لفرنسا أن يكون عملها في
الشرق مبنياً قبل كل شيء على قواعد التربية العقلية» [3] ، كما يقول: «يوم لا
يبقى اللسان العربي هو لغة التجارة في إفريقيا، لا يبقى خطر من جهة الإسلام؛
لأن مدارسه تصير قفرة» [4] .
ج - المرض:
إن الثالوث الخطير الذي يوجد في إفريقيا: الفقر، والجهل، والمرض يجعل
منها مرتعاً خصباً للمنصرين، فقد استغلوا علاج الأمراض المنتشرة في العالم
الإسلامي وبالأخص إفريقيا لتحقيق أطماعهم، وحولوا المهنة الإنسانية إلى وسيلة
قذرة لاستغلال مآسي الناس.
ولذلك تجدهم يقولون: «حيث تجد بشراً تجد آلاماً، وحيث تكون الآلام
تكون الحاجة إلى الطبيب، وحيث تكون الحاجة إلى الطبيب؛ فهناك فرصة مناسبة
للتنصير» [5] .
وإذا أردت أن تعرف مبلغ اهتمام المنصرين بالطب لأجل التنصير فاعلم أن
المعالجة في الحبشة كانت لا تبدأ قبل أن يركع المرضى ويسألوا المسيح أن
يشفيهم [6] .
د - الوجود الإسلامي:
قال المستر «بلس» : «إن الدين الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق تقدم
التبشير بالنصرانية في إفريقيا، والمسلم فقط هو العدو اللدود لنا؛ لأن انتشار
الإنجيل لا يجد معارضاً لا من جهل السكان، ولا من وثنيتهم، ولا من مناضلة
الأمم المسيحية وغير المسيحية» [7] .
ويقول فيليب فونداسي: «الإسلام يؤلف حاجزاً أمام مدنيتنا المبنية كلها على
مؤثرات مسيحية ومن مادية ديكارتية؛ فإن الإسلام يهدد ثقافتنا الفرنسية في إفريقيا
السوداء بالقضاء عليها [8] .
هـ - نصرة العقيدة النصرانية وإنقاذ غير النصارى من الضالين:
لا عجب إذا كان صاحب المبدأ الحق يدافع عن مبدئه، ويدعو إليه، ويبذل
كل ما بوسعه من أجله، ولكن العجب في ثبات صاحب المبدأ الضال على مبدئه
والدعوة إليه والتضحية من أجله واعتباره خلاصاً للبشرية جمعاء، واعتبار المبادئ
المخالفة له وإن كانت هي الحق ضلالاً يجب إنقاذ أهلها وإرجاعهم إلى النصرانية،
وهذا ما يراه المنصرون ويسعون إليه من خلال تدليسهم وتلبيسهم وتغييرهم للحقائق.
ومن ذلك ما رواه لنا مصري ذهب في بعثة علمية إلى إحدى المدن الأمريكية
ونزل ضيفاً بالأجر على امرأة مسيحية (ورعة) تملك منزلاً صغيراً وتديره،
عندما سألت المرأة نزيلها عن بلده أجابها: مصر، وسألته عن دينه فأجاب: مسلم،
فما كان من المرأة إلا أن أظهرت مشاعر الرثاء والشفقة وهي تقول له: يا لكم
من مساكين! ألم يأت إلى بلادكم أحد المنصِّرين؟ [9] .
و خدمة الأهداف السياسية والاقتصادية:
لا يخفى على أحد اهتمام رجال السياسة من اليهود والنصارى بتسخير كل ما
يستطيعون لأجل خدمة أغراضهم وأهدافهم الخبيثة حتى وإن كان ذلك عن طريق
الدين.
لذلك فقد جعل هؤلاء الساسة من التنصير أداة لخدمة أغراضهم، ولذا تراهم
يتولون الإشراف على مؤتمرات التنصير أمثال لورد بلفور الذي أعلن أهمية
مؤسسات التنصير في خدمة أهداف السياسة [10] .
2 - لمحة تاريخية عن دخول النصرانية إلى إفريقيا
وبداية العمل التنصيري وارتباطه بالاستعمار:
من الوقائع المسلَّم بها أن عمليات التنصير مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاستعمار
ومواكبة له، بل إنها قد استمدت منه كل عون وتأييد، وسعت لتثبيت نفوذها
وانتشارها من خلاله.
وقد دخل المبشرون الكاثوليك ربوع إفريقيا منذ القرن الخامس عشر، أي في
أثناء الاكتشافات البرتغالية [11] .
وفي أواخر القرن السابع عشر وخلال القرن الثامن عشر أخذت الجمعيات
البروتستانتية تظهر للوجود [12] .
وبعد وفاة الرحالة لنتجستون عام 1873م، الذي قام برحلته التي رفعت
الستار عن إفريقيا الوسطى، بعد وفاته كانت منافذ إفريقيا الرئيسة مفتوحة على
مصاريعها أمام البعثات التنصيرية الأوروبية [13] .
3 - أرقام وحقائق عن حجم النشاط التنصيري وقوته:
في حين أننا نرى ونشاهد نشاط المنصرين وقوة إمكانياتهم ودعم الفاتيكان
ودول الكفر لهم، نرى في المقابل ضعف إمكانيات الدعاة إلى الله وتخاذل كثير من
الدول الإسلامية عن نصرتهم، وحينما نعرض لبعض الحقائق عن المنصرين وقوة
نشاطهم فإننا نرمي من وراء ذلك إلى كشف مخططاتهم وبيان حجم المشكلة، وندعو
المسلمين إلى الدفاع عن دينهم ونصرته بكل ما يستطيعون ونبشرهم أن الله عز
وجل يبارك في جهودهم ويرد كيد أعدائهم، قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ
كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ] (الأنفال: 36) .
وإليك بعض الأرقام والحقائق عن النشاط التنصيري:
- تشير إحصائية عام 1976م إلى أن الكنيسة الكاثوليكية تملك في إفريقيا
الجنوبية وحدها حوالي مليون ونصف مليون كنيسة.
ومجموع الإرساليات الموجودة في (38) بلداً إفريقياً يبلغ (111000)
إرسالية، وبعضها يملك طائرات تنقل الأطباء والأدوية والممرضات لعلاج
المرضى في الأحراش.
- وفي عام 1416هـ كان المنصرون في إفريقيا يملكون أكثر من 52 إذاعة
وللمسلمين إذاعة واحدة فقط.
- وقد بلغ عدد المنصرين في إفريقيا عام 1985م / 1406هـ أكثر من
113 ألف منصر يشرفون على تعليم أكثر من خمسة ملايين طالب.
كما بلغت المستشفيات والمستوصفات التي أقامتها الإرساليات 1600
مستوصف ومستشفى كنسي.
وارتفعت قيمة الدعم المالي للمنصرين فبلغت 3. 5 ألف مليون دولار سنوياً
ووصل عدد المدارس اللاهوتية لتخريج المنصرين والقسس في إفريقيا إلى 500
مدرسة لاهوتية بالإضافة إلى عشرين ألف معهد كنسي في أنحاء القارة. وكلها تعد
المنصرين إعداداً خاصاً.
- وفي عام 1985م زار البابا إفريقيا وتحدث فيها إلى 80 ألف شاب مسلم
بملعب الدار البيضاء بالمغرب، ودشن كتدرائية القديس بولس بأبيدجان التي تتسع
لثمانية آلاف شخص وهي أوسع معبد نصراني في إفريقيا ولا يتجاوزها في العالم
إلا الفاتيكان.
- وفي عام 1980م كانت (14) دولة في إفريقيا تمنع دخول المنصرين
إليها، ولكنها في عام 1999م لم يبق منها إلا (?) دول فقط تمنع دخول
المنصرين إليها.
- وفي عام 1900م كانت نسبة النصارى في إفريقيا 10%، أما في عام
1990م فقد ارتفعت نسبة النصارى إلى 57%.
- كما كان عدد النصارى في إفريقيا عام 1970م» 000 , 257 , 120 «
وفي عام 1999م فقد بلغ عدد النصارى» 000 , 368, 333) [14] .
أهداف التنصير في إفريقيا:
إن للتنصير أهدافاً عامة في إفريقيا كغيرها من القارات، إلا أن إفريقيا تتميز
بهدف خاص عن بقية القارات إلى جانب أهداف عامة:
1 - الهدف الخاص:
وهو أن يتم تحويل إفريقيا إلى قارة نصرانية عام 2000م نظراً لما يتمتعون
به من سيطرة على الحياة السياسية والتعليمية والاقتصادية، وهذا ما صرح به البابا
بولس الثاني في كلمته التي ألقاها بمناسبة ذكرى ميلاد المسيح في روما عام 1993م
لدى استقباله وفد أساقفة إفريقيا؛ حيث قال: «ستكون لكم كنيسة إفريقية منكم
وإليكم، وآن لإفريقيا أن تنهض وتقوم بمهمتها الربانية، وعليكم أيها الأساقفة تقع
مسؤولية عظيمة، ألا وهي تنصير إفريقيا كلها في عام 2000» [15] .
وقد جند النصارى كل طاقاتهم التنصيرية والمادية والعلمية بالتنسيق الكامل
بين الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي وغيرها من الهيئات التنصيرية من أجل
تحقيق مطامعهم في تنصير القارة مع نهاية هذا القرن [16] ، وقام البابا بثلاث
زيارات خلال خمس سنوات طاف فيها إفريقيا شرقاً وغرباً [17] .
2 - الأهداف العامة [18] :
يظن بعض الناس أن المنصرين يأتون لنشر الدين على أنه هدفهم الأسمى.
والحق أن نشر الدين أمر ثانوي جداً في جميع الحركات التنصيرية، بل إن الكثرة
المطلقة من الذين يمولون حركات التنصير ومن الذين يأتون فيها لا صلة بين
أهدافهم الحقيقية وبين الذين يزعمون أنهم قد جاؤوا لنشره.
بل إن المنصرين هم في الحقيقة سماسرة وجواسيس من ذوي الأطماع
الشخصية والمصالح الخاصة وهم لا يتحلون بالأخلاق الحميدة.
ويمكن تلخيص أهدافهم العامة في:
أ - الحيلولة دون دخول النصارى في الإسلام، والحيلولة دون دخول الأمم
الأخرى غير النصرانية في الإسلام والوقوف أمام انتشاره.
ب - القضاء على الإسلام في نفوس المسلمين، وتحويلهم إلى مسخ آدمية لا
تحمل من الإسلام إلا اسمه، ولذلك كانت المهمة الأولى التي قامت من أجلها حركة
التنصير هي القضاء على مصدر القوة الأساسية التي يعتمد عليها المسلمون ألا وهي
العقيدة الإسلامية. وهذا ما صرح به المنصر الأمريكي زويمر؛ حيث قال: «أنا
لا أهتم بالمسلم كإنسان. إنه لا يستحق شرف الانتساب إلى المسيح.. فلنغرقه
بالشهوات، ولنطلق لغرائزه العنان حتى يصبح مسخاً لا يصلح لأي شيء» .
ج - القضاء على وحدة العالم الإسلامي: إن وحدة المسلمين في جميع دول
العالم الإسلامي كانت وراء انتصارهم على الغرب، ولذلك فقد قال القس سيمون:
«إن التنصير عامل مهم في كسر شوكة الوحدة الإسلامية، ويجب أن نحول
بالتنصير مجاري التفكير في هذه الوحدة حتى تستطيع النصرانية أن تتغلغل بين
المسلمين. وعلى سبيل المثال فقد قام المنصر زويمر بالاندساس بين أبناء الأزهر
في زي طلبة العلم، ثم راح يوزع منشورات توقع الفتنة الطائفية بين المسلمين
والأقباط.
د - معاونة الاستعمار الغربي والتجسس على العالم الإسلامي: ولا أدل على
ذلك من قول نابليون:» إن في نيتي إنشاء مؤسسة الإرساليات الأجنبية؛ فهؤلاء
الرجال المتدينون سيكونون عوناً كبيراً في آسيا وإفريقيا، وسأرسلهم لجمع
المعلومات عن الأقطار. إن ملابسهم تحميهم وتخفي أية نوايا اقتصادية أو
سياسية «.
هـ - الربح المادي والكسب التجاري: فقد اكتشف في إفريقيا أن الكنيسة ما
هي إلا مشروع تجاري، وأن الأطفال الإفريقيين يؤخذون إلى مدارس التنصير لا
من أجل التعليم بل للعمل في مزارع الإرساليات.
وسائل التنصير في إفريقيا:
1 - وسائل مباشرة:
كان المجال الأول الذي بدأ به المبشرون هو مجال التحدي المباشر للإسلام
عن طريق المناظرة لعلماء المسلمين [19] . ثم عدل المبشرون عن مثل هذه
المواجهة الصريحة، وانطلقوا في المجالات الأخرى غير المباشرة [20] . كما لا
يخفى أن من وسائلهم المباشرة بناء الكنائس الشاهقة، وتوزيع الإنجيل بأكبر كمية.
2 - وسائل غير مباشرة:
إن وسائل المنصرين غير المباشرة كثيرة، والحديث عنها يطول، ولكننا
نأخذ على عجالة أهمها مع الإلماح إلى شيء يسير من الحقائق عنها:
أ - التطبيب: (استغلال آلام البشر) :
إن المريض المتألم يضحي بأشياء كثيرة في ملكه حتى يتخلص من آلامه،
وإذا رأى أحد قريباً له أو ابناً على الأصح مريضاً زاد رضاه بالتضحية، وقلَّت
قيمة كل شيء في عينيه في سبيل شفاء ابنه أو أمه أو أبيه أو زوجه، ولقد أدرك
المنصرون هذا الميل في البشر، فخرجوا عن كل نبل في الطبيعة الإنسانية،
وسخروا الطب في سبيل غايات حسبك دليلاً على نوعها قولهم هم:» حيث تجد
بشراً تجد آلاماً، وحيث تكون الآلام تكون الحاجة إلى الطبيب، وحيث تكون
الحاجة إلى الطبيب فهنالك فرصة مناسبة للتنصير « [21] . وقد أنشأ المنصرون
الأطباء مستوصفاً في بلدة الناصرة في السودان، وكانوا لا يعالجون المريض أبداً
إلا بعد أن يحملوه على الاعتراف بأن الذي يشفيه هو المسيح [22] ، ومن الحيل
التي استعملها المبشرون في وادي النيل أنهم استخدموا ثلاثة مراكب وجعلوها
مستوصفات نقالة على النيل وكانوا يعلنون عن مجيء الطبيب قبل أن يصل بوقت
طويل، فيأتي الناس من كل صوب يحملون مرضاهم وينتظر الجميع قدوم الطبيب؛
وفي هذه الأثناء يقوم فيهم من ينصِّر فرحاً بالجموع من غير أن يتحرك ضميره
لهذه الآلام التي يتحملها المرضى في وضح الشمس ومضض الانتظار عمداً
وخداعاً [23] .
وفي غينيا تقوم سفينة (أناستالدي) بزيارة الجمهورية، وهي سفينة ضخمة
تحمل على متنها أجهزة طبية متطورة وأطباء متخصصين في جميع الأمراض،
وإذا دخل الشخص المريض فإنهم يجرون عليه فحوصات عدة ويقدمون له جميع
الأدوية مجاناً.
وطريقتهم أن يجمعوا المرضى في مكان واحد، ويأمروهم بالوقوف في صف
واحد؛ وقبل البدء في تقديم الدواء يأتي رجل من داخل السفينة يحمل آلة موسيقية
ويبدأ العزف، ثم تأتي مجموعة من الشباب يغنون أغاني دينية ويرقصون، وبعد
دقائق تُعرض بعض أفلام الفيديو التي تخدم أغراضهم الخبيثة [24] .
ب - التعليم:
لقد أدرك المنصرون أهمية العلم ودوره في توجيه حياة الناس، فأساؤوا إليه
أيما إساءة، واتخذوه وسيلة لخدمة أغراضهم وأطماعهم، ووظفوا لذلك المعلمين من
المنصرين الذين نفرت من قلوبهم الأمانة والاستقامة والصدق.
وفي هذا يقول اللورد كرومر:» إن المصري الذي خضع للتأثير الغربي،
فإنه وإن كان يحمل الاسم الإسلامي لكنه في الحقيقة ملحد ارتيابي « [25] .
ومن أجل ذلك فقد اهتموا بإنشاء المدارس والجامعات في إفريقيا، وكما ذكرنا
أنه في إحصائية عام 1985م كانوا يشرفون في إفريقيا على تعليم أكثر من خمسة
ملايين طالب. وغير خافٍ أن المنصرين أنشؤوا الجامعة الأمريكية في مصر
لتزاحم الأزهر.
كما اهتموا بتعليم الصغار أيما اهتمام. يقول المنصر المشهور جون موط:
» يجب أن نؤكد في جميع ميادين (التنصير) جانب العمل بين الصغار
وللصغار.. ترانا مقتنعين بأن نجعله عمدة عملنا في البلاد الإسلامية، إن الأثر
المفسد في الإسلام يبدأ باكراً جداً، من أجل ذلك يجب أن يُحمَل الأطفال الصغار
إلى المسيح قبل بلوغهم الرشد وقبل أن تأخذ طبائعهم أشكالها الإسلامية. إن اختبار
الإرساليات في الجزائر فيما يتعلق بهذا الأمر وكما ظهر من بحوث مؤتمر شمالي
إفريقيا اختبار جديد ومقنع « [26] .
ونذكر على سبيل المثال بعض الكليات والمدارس التنصيرية الخطيرة
المنتشرة في مصر:
- كلية التجارة بالعطارين بالإسكندرية.
- مدارس الأمريكان بالقاهرة.
- مدارس الأسقفية الإنجليزية بسراي القبة.
- الجامعة الأمريكية.
- كلية البنات الأمريكية بشارع رمسيس.
- مدرسة الأزبكية للبنات بالقاهرة.
- كلية أسيوط الأمريكية بأسيوط.
- كلية البنات الأمريكية بأسيوط.
- كلية البنات الأمريكية بالأقصر.
ج - الخدمات الاجتماعية وأعمال الخير:
كتب المر دوغلاس مقالاً عنوانه:» كيف نضم إلينا أطفال المسلمين في
الجزائر؟ «ذكر فيه أن ملاجئ قد أنشئت في عدد من أقطار الجزائر في شمال
إفريقيا لإطعام الأطفال الفقراء وكسائهم وإيوائهم أحياناً، ثم قال: إن هذه السبل لا
تجعل الأطفال نصارى لكنها لا تبقيهم مسلمين كآبائهم. ومثل هذه الجهود يبذلها
المنصرون في شمالي إفريقيا ومصر [27] .
وكانت البعثات التنصيرية في السنغال توقع عقوداً مع الأسر الفقيرة تقدم
البعثات بموجبها إلى هذه الأسر مساعدات عينية ضئيلة من أرز وخبز في كل شهر
على أن يكون لها حق اختيار أحد أطفال الأسرة دون الخامسة من عمره، ثم يربى
تربية مسيحية، ويرسل إلى فرنسا لاستكمال التعليم العالي، ثم يستخدَم بعد ذلك هو
الآخر في أعمال التنصير، أو يستخدَم في تحقيق مصالح الغرب النصراني،
وللأسف الشديد أن (سنجور) رئيس جمهورية السنغال السابق كان أحد هؤلاء
الأطفال الذين وقعوا فريسة للتنصير مع أن أبويه وإخوانه مسلمون [28] .
د - السيطرة على الوسائل الإعلامية:
حيث إنهم يقومون بالتنصير عن طريق الأقمار الصناعية، وهم يمتلكون في
إفريقيا أكثر من 52 إذاعة، وفي هذا يقول الأسقف شالي عميد كلية الدين في
ياوندي:» أخيراً سبقنا المسلمين بهذه الوسيلة. كان من الممكن الوصول إلى
الأماكن التي نحن نصل إليها وأبلغنا فيها البشارة بعد سنتين أو ثلاث بوسائلهم
المتواضعة؛ ولكن الآن لا مجال للوصول إلى حيث وصل صوت البشارة، وصلوا
شكراً للرب المسيح ابن الله المحبوب والمحب « [29] .
كما يستخدمون عدداً من الصحف اليومية والأسبوعية بالإضافة إلى النشرات
والدوريات والكتب، ويعلن المنصرون أنهم استغلوا الصحافة المصرية على
الأخص للتعبير عن الآراء المسيحية أكثر مما استطاعوا في أي بلد إسلامي
آخر [30] .
هـ - استغلال الأزمات والكوارث الفردية والاجتماعية:
ويتجلى ذلك بتصيد اللقطاء والمشردين والمشردات وأصحاب الأزمات
المختلفة من أبناء المسلمين وبناتهم، وكذلك الذين فقدوا أهليهم في الحروب والفتن
والمجاعات والكوارث الطبيعية والأزمات الأخرى وإيوائهم لتنصيرهم.
ومن أمثلة ذلك الحملات المكثفة التنصيرية لتنصير أطفال المسلمين اللاجئين
في الصومال التي نشرت الصحف عنها في عام 1402هـ[31] .
و إبعاد المسلمين الحقيقيين عن القيادة السياسية: حتى يخلو لهم الجو
ليفعلوا ما يشاؤون.
ومثال ذلك في سيراليون؛ إذ إن 80% من السكان مسلمون، ويشكل
النصارى 5% ومع ذلك يسيطرون على 17 مقعداً، من أصل 22 مقعداً وزارياً،
ومن مقاعد النصارى منصب رئيس الدولة ورئيس الوزراء ووزراء الخارجية
والمالية والإعلام، ويتكرر المثال في السنغال؛ حيث يبلغ المسلمون 90%، وفي
إفريقيا الوسطى 70% قبل إسلام بوكاسا، وغامبيا 90% قبل إسلام جاورارا.
وتنزانيا 45%، والحبشة 60%، وتشاد وفولتا العليا وليبيريا، كلها أغلبيات
إسلامية تحكمها أقلية نصرانية [32] .
ز - تأسيس منظمات سرية تعمل في الخفاء:
ومن أمثلة هذه المنظمات السرية ما أعلنته الصحف السودانية في أواخر
السبعينيات من أن سلطات الأمن السودانية اكتشفت خلية سرية تعمل في الخفاء لبث
الدسائس والأفكار المعادية للإسلام والداعية إلى النصرانية، وزعيم الخلية طبيب
سويسري يعمل في الخرطوم، وهي تابعة لمنطمة دولية مركزها» بازل «
بسويسرا، وقد عثر في مركز الخلية على (200) ألف كتاب من الكتب المعادية
للدين الإسلامي والمحرفة له والمشوهة لحقيقته والداعية إلى الردة عنه، كما وجدت
فيه كميات كبيرة من الأشرطة التي سجلت فيها موضوعات معادية للإسلام ومنها
تلاوات شبيهة بالقرآن وهي ليست قرآناً بغية تضليل عوام المنتمين إلى الإسلام في
إفريقيا وغيرها [33] .
ح - عقد المؤتمرات: التي تجمع من أنحاء العالم لتبادل الآراء المناسبة
والطرق المثلى لحرب الإسلام والمسلمين ونشر عقائدهم ومذاهبهم الهدامة، ومن
هذه المؤتمرات على سبيل المثال المؤتمر التنصيري الذي انعقد في القاهرة سنة
1906م، وكذلك مؤتمر كولورادو الذي عقد عام 1978م.
هذه هي أهم وسائل القوم في الدعوة إلى دينهم الباطل وعقائدهم الفاسدة؛ وإن
كانت هناك وسائل كثيرة غيرها يضيق المجال عن ذكرها مثل النوادي، ومثل
استخدام المرأة عن طريق الصداقات المحرمة مع الشباب، ومثل الفنادق العالمية
الكبرى والأسواق وإغراق المجتمع بالشهوات، وأسلوب المراسلات، والعمل في
مجالات التنمية وغيرها.
فينبغي علينا معشر المسلمين الحذر من كيد الأعداء؛ وذلك من خلال فضح
خططهم ومخططاتهم، والعمل على محاربتها وبيان بطلانها؛ فقد تعبدنا باستبانة
سبل المجرمين، بل جاءت آيات الكتاب العزيز مفصلة لنتبين خطط أعداء الله.
قال جل شأنه: [وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ]
(الأنعام: 55) .
خاتمة:
وفي ختام هذا البحث نتوجه إلى كافة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها
بهذه الكلمة:
إن التنصير يجتاح قارة إفريقيا المسلمة، ويعمل ما يحلو له؛ وها أنتم ترون
خططه ومخططاته واضحة وجلية للعيان، وهاهم جنده يواصلون الليل بالنهار
ويعملون بكل جد من أجل القضاء على الدين الإسلامي وإخراج المسلمين من دينهم.
فيا أمة الإسلام! اللهَ اللهَ بالدفاع عن عقيدتكم ودينكم الحق، ولْنَسْعَ جميعاً لرد
كيد أعداء الله، ولْنُرِ الله عز وجل من تضحياتنا وصدقنا ما يكون سبباً في نصرة
الله عز وجل لنا، ولنحثَّ الخطا في طريق استعادة هويتنا الإسلامية، ولنتوجه إلى
الله عز وجل قبل ذلك وبعده أن يبرم لأمتنا المباركة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة
ويذل فيه أهل المعصية والكفر، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا
يعلمون.
وصلى الله على نبينا محمد.