قضايا دعوية
أيها الدعاة..
الخطوة الأولى لم تتخذ بعد!
محمد بن عبد الرحمن الزامل
النجاح في أي عمل، صغر أم كبر، مرتبط بشكل كبير بتوافر المعلومات
عن مجال العمل ومكانه وزمانه، وليس من المبالغة حينما أشير إلى أن بعض
الأعمال كان رأس مالها الحقيقي هو المعلومة.
إذا كان هذا من المسلَّمات عند أصحاب الأعمال التجارية فإن مما يعتقده الدعاة
أن عملهم ورسالتهم أنبل من الماديات وأرقى، وهي أهم وأبعد أثراً، وحاجة
الناس إليها أشد، ومع ذلك فهم لا يحتفون بالمعلومة ولا يقيمون لها وزناً؟ !
وقد يكون هناك عدة أمور نستطيع بها تفسير ظاهرة العزوف عن دراسات
المعلومات عند بعض الدعاة، ولكني أراها تُهَماً لهم قبل أن تكون تفسيرات؛ ولذلك
فإني أدرك قسوة بعضها، لكن هذا لا يغني أبداً عن تسليط الأضواء عليها، حتى لو
جهرت أعيننا الأضواء لبعض الوقت.
أول هذه التفسيرات (الاتهامات) : أن بعض الدعاة - على الرغم من جهدهم
العملي - لا يقلقهم حقاً عملية النجاح ولا تؤرقهم، كما لو كان الأمر متعلقاً بشأن من
شؤون الدنيا. وانعدام هذا الشعور بالقلق «القلق الفاعل» يورث بلادة في الحركة
ورتابة فيها، ويحولها إلى نوع من أداء مهمة صرفة ينجزها عامل لا يشعر بأي
روح انتماء إلى مؤسسته التي يعمل بها.
ثاني هذه التفسيرات (الاتهامات) : الفهم القاصر لمفهوم التوكل، ومفهوم
الإيمان بالغيب، ومفهوم القدر، ولو قلنا بسلامة المفهوم فستبقى الإيحاءات الخاطئة
التي تتركها بعض هذه المفاهيم في نفوس الدعاة، الإيحاءات الخاطئة التي سببُها
الرئيس عدم تحويل هذه المفاهيم إلى واقع عملي يهدي طاقتها الإيحائية إلى الاتجاه
الصحيح. فالإيمان بالقدر عند بعض الناس معناه عدم أهمية التخطيط والرصد،
والتوكل على الله يوحي أحياناً بعدم قبول المقارنة بين الأعمال الدعوية، والأعمال
ذات الطابع الدنيوي البحت.. والإيمان بالغيب يوحي أحياناً بتفاهة الدراسات
المستقبلية، وهكذا، فإن المفهوم الصحيح نظرياً يتحول بانحراف إيحاءاته إلى قوى
مثبطة غير فاعلة.
ومن هذه التفسيرات ما يمكن وصفه بأن الدعاة يبقون بشراً، والإنسان لا
يصنع نفسيته وطريقة تفكيره وشخصيته وحده، بل لمجتمعه المحيط أثر بالغ في
ذلك، ومجتمعاتنا لم تعلمنا أهمية المعلومة، ولم تعلمنا كيف نتمكن من نقلها إلى
الواقع، ولو فعلنا ذلك فإنا لم نتعلم كيف نحسن استغلال المعلومة والإفادة منها،
والتأثير في عملية سيرها الفعلي.
وحتى لا تنحدر الكلمات إلى مجرد تهويمات فإن أحد التحديات التي تواجهنا
اليوم تحدي الانفتاح الإعلامي الذي أثار بيننا موجة عاصفة من الاستياء، فقد تحول
هذا الاستياء من العمل إلى النهش من أطرافنا نحن بدل أن يكون له دور في
المقاومة؛ فطاقتنا تحولت إلى مجرد ضجيج وتنديد مستمر، والنياحة المفرطة
صارت تمارس عملية تهويل الانفتاح إلى وحش لا يقهر، ولو كنا أدركنا واقع قوله
تعالى: [كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ] (القصص: 88) باعتباره مفهوماً شرعياً
كما أدركناه نظرياً لعلمنا أنَّ ما من شيء إلا ويحمل في ذاته بذور هلاكه، فقط يبقى
فصل البحث المعلوماتي عن هذه البذور، واستنبات بذور غيرها لعمل إعلامي
هادف.