شؤون العالم الإسلامي ومشكلاته
انتصار الجهاد الأفغاني
الآمال والعقبات
ما من حدث هام على مدى الأعوام العشر الماضية هيمن على مشاعر
المسلمين في أنحاء العالم وأذكى هممهم وردّ لهم الثقة في أنفسهم وأحسهم بعزة
الإسلام كما فعل جهاد المسلمين الأفغان، وما من نبأ في عصرنا الحديث أدخل
الغبطة إلى قلوب المسلمين، وشفى صدورهم كما فعل نبأ سحب الروس لقواتهم من
أراضي أفغانستان المسلمة وهي تجر وراءها ذيول الخيبة والذل مقرّة بإخفاقها التام
حتى في تحقيق جزء من الأهداف التي من أجلها دنست أراضي افغانستان،
وتبددت في ذلك أحلام الامبراطورية الروسية في جعل ذلك البلد المسلم جرماً جديداً
يدور في فلكها - على أقل تقدير - إن لم نقل ابتلاعه كلياً وضمه تحت رايتها
الحمراء إلى جانب الجمهوريات المسلمة الآسيوية الكثيرة المنسية والقابعة تحت نير
الشيوعية.
وبدخوله عامه العاشر، يكون الجهاد الأفغاني قد قطع شوطاً بعيداً في طريق
الوصول إلى أهدافه النهائية -بإذن الله-، بل لعل الفترة المتبقية لفتح باقي المدن
المحاصرة، ومنها العاصمة كابول واقتلاع النظام الشيوعي العميل لم تعد تمثل
سوى جزء يسير من مدة عقْدٍ من الزمان من القتال الضاري المتواصل.
فالمجاهدون متفائلون في تخليص البلاد من دنس الشيوعية وإقامة دولة
إسلامية -إن شاء الله-.
إلا أنه ليظهر لمن أمعن النظر جيداً في مجريات الأمور على الساحة هناك
أعداء الجهاد الكثر على اختلاف مللهم وعقائدهم ممن لا تكمن مصالحهم في وجود
حكومة إسلامية سنية قوية في كابل سوف لن يدعوا الطريق مفروشاً بالزهور
والرياحين للمجاهدين وقادتهم وهم يخوضون غمار المراحل الحاسمة من قتالهم
المرير، بل ولا حتى في المرحلة التي ستشهد قيام دولتهم -بإذن الله-، لاسيما إذا
ما أعدنا إلى الأذهان تآزر وتكاتف تلك القوى على مر السنوات العشر المنصرمة.
وتبادلها الخبرات والتجارب المختلفة في كل ما من شأنه إضعاف المجاهدين والحد
من انتصاراتهم.
ومكامن الخطر التي هددت وتهدد الجهاد لم تكن خافية يوماً ما على من دقق
النظر في أحوال ذلك البلد وما جاوره من شعوب مختلفة، فأفغانستان دولة محاطة
بدول يجمعها قاسم مشترك ألا وهو محاربة الإسلام والإبقاء على المسلمين في حالة
ضعف وتفرق، كما أنه ليس في مصلحة أية دولة من هذه الدول قيام دولة إسلامية
حقة من شأنها إيجاد موطئ قدم للمسلمين في ذلك البقعة من العالم. ولقد سبق لنا
الحديث عن خطورة الدور الذي بالإمكان أن تلعبه تلك الدول في تحديد الصورة
النهائية للجهاد، وذلك في أعداد سابقة من البيان (1) ، وكنا قد شددنا القول على
الدور الخطير الذي تضطلع به إيران الخميني للحيلولة دون انفراد المسلمين السنة
في دولة مستقلة لهم.
ولقد وجدنا من الأهمية بمكان إيراد بعض مما كنا قد حذرنا إخواننا المجاهدين
منه في الماضي لكي يتسنى للقارئ المقارنة بين ما جاء في تلك المحاذير وبين ما
آلت وتؤول إليه مجريات الأمور وتطورات الأحداث هناك، لعل ذلك يكون درساً
لأصحاب الهمم العالية والنوايا الطيبة من أبناء هذه الأمة، لاسيما الشباب منهم على
وجه الخصوص، لطرح الانقياد وراء العواطف والانفعالات جانباً ونهج طريق
الدراسة والتحليل العميقين وعدم التهوين من شأن العثرات والهفوات، ومحاولة
الاستفادة من أخطاء الآخرين، ومما جاء في " رسالة مفتوحة للمجاهدين الأفغان "،
في العدد الأول:
" ومن هؤلاء المكذبين الذين نحذر إخواننا المجاهدين من شرورهم ومكائدهم
:
1- المنافقون.
2- الباطنيون.
لا تنتظروا خيراً أو تعلقوا آمالاً على جند عبد الله بن سبأ اليهودي، إنهم
عون للطغاة المتجبرين، وعيون للغزاة المستعمرين، قلبوا صفحات من تاريخهم
الأسود ترون فيه العجب العجاب من موالاة أعداء الله من التتار واليهود والصليبيين
وعداوتهم لأولياء الله بدءاً بأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، ومروراً
بالشيخين أبي بكر وعمر، وانتهاءاً بسائر الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-،
اسألوا إخوانكم الذين اكتووا بنيرانهم وشرورهم في بعض بلدان العالم الإسلامي،
ولا تصدقوا أقوالهم ووعودهم فمن صفاتهم الغدر والكذب، ولن يتورع هؤلاء
الباطنيون عن التعاون مع الشيوعيين، كما أنهم لن يقصروا في استغلال إخوانكم
وبذل المحاولات من أجل زعزعة إيمانهم وتشكيكهم بأصول دينهم ".
وفي موضوع " جهاد المسلمين الأفغان يمر بأخطر مراحله "، الذي نشر على
صفحات العدد السادس، جاء تحت فقرة " أين مواطن الخلل " ما يلي:
1- الباطنيون الرافضة:
" لا تظنوا أن اشتراكهم (الرافضة) معكم في مجلس الشورى ومجلس الوزراء
سوف يساعد على وجود هدنة بينكم وبينهم، إنهم إن قبلوا بهذا الاشتراك فسيكون -
أي الاشتراك بحد ذاته - ميداناً جديداً من ميادين صراعهم معكم، فأنتم في نظرهم
كفار ناصبة، وليس بينهم من يعتقد بأننا مسلمون عصاة على الأقل، وسوف
يتعاونون مع السوفييت والأميركان واليهود ضدكم.. وسوف يجعلون من أفغانستان
" لبناناً " آخر بل أشد من لبنان ... فخذوا حذركم يا إخوة، وصراعكم مع هؤلاء
الغلاة لن يكون أقل من صراعكم المرير مع الشيوعيين.. واعلموا حق العلم أنهم لم
ولن يقبلوا أن يقوم للمسلمين السنة دولة في أفغانستان، ولا نشك أنكم سوف
تخوضون معركة معهم، وسوف يفرضون عليكم هذه المعركة فرضاً، والله أعلم،
وسوف يجدون من يتعاون معهم من ضعاف النفوس وطلاب الزعامات وبعض
أصحاب الاتجاهات الباطنية فانظروا ما تفعلون ".
وهاهو عام ونصف العام يمضي على كتابة تلك السطور وإيران وعملاؤها
والآخرون مشمرون عن ساعد الجد لضمان إقحام أنفسهم في المعادلة النهائية في
أفغانستان، فإيران التي تتكلم اليوم باسم المسلمين في أنحاء العالم، حتى ليظن
الأوربي في بلاد الغرب أن الخميني لدى المسلمين هو بمثابة البابا لدى النصارى،
إيران هذه لا يروق لها زوال منصبها هذا، كما أن مجاورتها لدولة إسلامية سنية
يعني بالضرورة فضحها على الملأ وكشف أساليبها في تضليل أبناء الشعوب
الإسلامية لا سيما الشباب منهم، هذا إلى جانب كون أي حكومة سنية في كابل
ستكون عمقاً لأهل السنة المقهورين في إيران، وقل مثل ذلك بالنسبة لروسيا
الجاثمة على صدور الجمهوريات الآسيوية المسلمة حيث بخارى وسمرقند وطاشقند
موطن كبار أئمة هذه الأمة.
إن فرائص قياصرة الكرملن في موسكو لترتعد لسماع كلمة جهاد أو حكومة
إسلامية في أفغانستان لا لشيء سوى ليقينهم بأن تحقق ذلك سيعني انفلات قبضتهم
الحديدية عن تلك الشعوب المسلمة، أما في الهند فيراقب الوثنيون هناك بقلق بالغ
تطورات الأحداث في أفغانستان لصالح المجاهدين وما سيجره ذلك عليهم من متاعب
من قبل المسلمين الهنود البالغ عددهم (150) مليون والذين يتوقون إلى ذلك اليوم
الذي تقوم فيه دولة الإسلام في تلك البقاع لتخفف عليهم - إن لم نقل تنقذهم مستقبلاً
- من هيمنة السيخ والهندوس.
أما باكستان فشأنها لم يعد ذاك الذي كان عليه إبّان حكم ضياء الحق، فعلى
الرغم من أن الحكومة الجديدة هناك لم يبدر منها بعد وبشكل واضح ما يعوق مسيرة
الجهاد في أفغانستان - وذلك راجع إلى حد كبير إلى النفوذ القوي الذي مازال
يحتفظ به كبار ضباط الجيش الذين كان قد عينهم ضياء الحق -إلا أن معرفة الخلفية
الفكرية والثقافية التي تنحدر منها رموز القيادة والشعارات والمبادئ التي أطلقتها
وتطلقها قبل وبعد استلامها السلطة، كافية لتحديد الصورة التي سيرتسم بها موقفها
المستقبلي إزاء مسألة قيام دولة إسلامية في أفغانستان، فإننا إذا قلنا أنها سوف لن
تلتزم موقفاً عدائياً صريحاً من النظام الجديد فإننا في الوقت ذاته نقول وبلغة الجزم
إنها لن تكون من المتحمسين لقيامه، ولا حتى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، أياً
كان ثوبها، أما علاقات باكستان الإقليمية الجديدة مع الهند وإيران وتوافق وجهات
نظرها معهما فهي مما لا يُبشر بخير، وهي دليل آخر على ما نقوله، فما إن
استلمت بي نظير دفة الحكم حتى انقلبت كل العقبات التي كانت تعوق قيام علاقات
أفضل مع الهند إلى مصالح مشتركة، وتحوّل الجمود الذي كان يسود علاقات
البلدين إلى دفء.
إن محور موسكو كابل طهران نيودلهي يحيط بأفغانستان إحاطة السوار
بالمعصم، فهؤلاء جميعاً على يقين مما قد يفجره هذا الجهاد من طاقات كامنة لدى
شعوب المنطقة المسلمة وهم على دراية مطلقة من أن انتصار المجاهدين الأفغان
إنما هو انتصار لكل المسلمين، وأنه انتصار عالمي وليس محلياً، وأنه صراع
عقائدي يبن حق وباطل.
وهذا الذي قلناه في الماضي ونكرره اليوم ليس ضرباً من الخيال أو رجماً
بالغيب، فالتنسيق بين أجهزة مخابرات تلك الدول لتحقيق كل ما من شأنه عرقلة
الجهاد على مدى أعوامه العشر لم يعد مسألة تحتاج إلى برهان، فكم من مؤامرة
انكشفت كانت تستهدف طعن الجهاد وقادته من الوراء حاكتها أيادي المجرمين في
تلك الدول، وما حادث تحطم طائرة ضياء الحق عنا ببعيد.
أما في الفترة الراهنة، فإن الدور الذي تمارسه إيران وتهدف من خلاله إلى
كسب موطئ قدم لها في حكومة المجاهدين عن طريق أتباعها بات أوضح من أن
يحتاج إلى دليل، فقد أسفرت طهران هذه المرة عن وجهها الحقيقي ولم تعد تجديها
كما يبدو أساليبها الخفية، ووصل تدخلها المباشر في شؤون المجاهدين إلى درجة
محاولة فرضها لعدد مقاعد مجلس الشورى، التي يجب أن يحصل عليها الشيعة -
والذين لم يكن لهم دور يذكر في الجهاد - وزعمها أنهم يمثلون ثلث مجموع السكان
، والأكثر من ذلك وقوف سفيرها لدى إسلام آباد يتهدد ويتوعد قادة المجاهدين إن
هم لم يمنحوا الشيعة (120) مقعداً.
وفيما يلي نورد جانباً من تهديدات السفير الإيراني الموجهة للشيخ سياف كما
ذكرتها نشرة (لهيب المعركة) الصادرة في بيشاور نقلاً عن وكالة البنيان الصادرة
بتاريخ 13 / 2 / 1988: " «هدد سفير ايران لدى إسلام آباد بأن الحكومة
الإيرانية سوف لن تعترف بحكومة المجاهدين إذا لم يحصل الشيعة على (120)
مقعداً في مجلس الشورى فرد عليه الشيخ سياف - المتحدث الرسمي لائتلاف
المجاهدين -: إن أردتم مالاً حتى تعترفوا بحكومتنا فسنحاول أن نوفر لكم ذلك
لتعترفوا بنا أما إذا أردتم قطعة من أرض أفغانستان لتعترفوا بنا فلن نعطيكم هذه
الفرصة، وأنتم تعرفوننا جيداً.
ثم قال السفير: إذا لم تنصفوا الشيعة مع السنة في الشورى فسنقوم بأعمال
تخريبية داخل أفغانستان، فرد الشيخ سياف: إننا لن نعطي الشيعة في إيران أكثر
مما قررناه وذلك ليس بضغط من أحد علينا، وهذا القرار حقنا وبرضانا، فقد قررنا
ما رأيناه حق ولا دخل لكم بذلك، وتابع رده قائلاً: ثم إنكم لماذا تتدخلون هكذا
وليس ذلك من حقكم، ولماذا تتكلم بهذه الحدة معنا وأنتم تعرفون من نحن، وكرر
الشيخ سياف تحذيره للسفير الإيراني بأن لا يعاود التدخل في شؤون المجاهدين
الداخلية» .
وهكذا تثبت الأيام ما كنا قد ذكرناه من أنّ إيران وأتباعها -سيراً على خطى
ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي - لن يتورعوا في رفع السلاح ومقاتلة
المجاهدين وها هو سفيرهم ينطق بذلك وما ذاك على سجلهم تجاه المسلمين بغريب.
أما موقف الحكومة الإيرانية الرسمي تجاه الوضع في أفغانستان فيتلخص في:
- وجوب الاعتراف رسمياً بأن الشيعة يشكلون نسبة 30% من مجموع
السكان.
- جود احتلال الشيعة لما لا يقل عن 25% من المناصب الوزارية.
- إعطاء الشيعة حكم ذاتي كامل في الأقاليم التي يشكلون أغلبية فيها.
- منح علماء الشيعة حق النقض بشأن القرارات التي تتعلق بهم.
إن إيران تجاهر بأعلى صوتها لوقوفها وراء شيعة أفغانستان الذين لا
يتجاوزن نسبة 10% من مجموع السكان، أما السنة في إيران - الذي يجاوزون
ضعف نسبة الشيعة الأفغان - فما من صوت لا في داخل إيران ولا خارجها ينبئنا
بأحوالهم ولا بأخبار تمثيلهم بالبرلمان الإيراني.
إنه كلما خطى المجاهدون خطوة جديدة باتجاه قطف ثمار تضحياتهم، ازدادت
مكائد الأعداء واشتد غيظهم ومكرهم، فما أحوج المجاهدين إلى الحذر واليقظة أكثر
من أي وقت مضى لما يحيط بهم من مؤامرات وأشراك، ليست هذه الأيام القلائل
المتبقية -بإذن الله- أهون على سلامة الجهاد وقطف ثماره مما مضى فكل متربص
بهم الدوائر وكلهم يغيظه ظهورهم.
إننا لعلى ثقة أن المجاهدين الذين استطاعوا الاستقلال بقرارهم على مدى
الأعوام العشر الماضية أن يفوتوا الفرصة على أعدائهم وعلى كل من تسوّل له نفسه
التدخل في شؤونهم وإملاء رغباته عليهم، وما ذاك إلا من خلال نبذ الخلاف
والاتحاد والتآزر ضد عدوهم، وما النصر إلا من عند الله.
اللهم انصر المجاهدين على أعدائك أعداء الدين.
1- العددان الأول والسادس.