الورقة الأخيرة
د. عبد الله هادي القحطاني
لم يبدأ الروس إرهابهم وغطرستهم ضد المسلمين منذ أشهر فقط، بل إن
تاريخ القوقاز تاريخ مليء بكراهية الروس للمسلمين ووحشيتهم في التعامل معهم،
كما أنه تاريخ مليء ببطولات المسلمين من أهل القوقاز وتضحياتهم وجهادهم
وتحديهم لكل عقيدة دخيلة وطغيان مستبد؛ فما عرفت شعوب القوقاز الذل يوماً رغم
تلاحق الإبادة والقمع القيصري أولاً، ثم اللينينيين ثم الستالينيين مروراً بالحقد
والإرهاب الروسي الحالي؛ فكل شعب له حق تقرير المصير إلا المسلمين؛ فما أن
نشأت أقلية من النصارى في تيمور الشرقية في خضم عشرات الملايين من
المسلمين حتى هبت لهم مؤسسات العالم بقضِّها وقضيضها لفرض قضيتهم؛ فتلك
تتدخل عسكرياً، والأخرى تقاطع اقتصادياً، وأما الذين لا نعلمهم فهبوا لإثارة الفتن
والانقسامات الداخلية، كيف يسوِّغ العالم الغربي احتفاله بألفيته الثالثة والتاريخ
يسجل وحشيته وطغيانه لأمم المستقبل بالحرب والعار والظلم والطغيان ليس برفات
ودم فقط بل بلهيب الصورة وصواعق الصوت من خلال وسائل الإعلام ليبقى
وصمة عار للمستقبل؟
إن الروس طغوا وبغوا وعاثوا في أرض المسلمين أسوأ الفساد؛ فقد خلفوا
أفغانستان خراباً، وأبادوا غالبية المسلمين في بلاد القرم، وسعَّروا هجمتهم على من
تشبث بالعزة منه وأبى الضيم والمهانة. حربهم في الشيشان حرب إبادة عرقية
دينية لا هوادة فيها لاستئصال شعب بأكمله وعقيدة برمتها. هم لا يريدون احتلال
الشيشان من أجل مصالحهم الاقتصادية والسياسية وإخماد أي تململ للجمهوريات
الإسلامية الأخرى فحسب، وإنما رغبة جامحة في إبادة ذلك الشعب القليل العدد
القوي الإيمان بدينه وعقيدته الذي ما فتئ يذيقهم الويل ويستعصي على الطوق لعقود
طويلة، ولكننا نؤمن بأن العاقبة للمؤمنين الصابرين مهما جار الباطل وزمجر
وأرعد.
ومن أهم الدروس التي أوضحتها هذه الحرب ضد من يطالب بحقه ويحرس
داره وأهله أن «العالم الحر» ! بمؤسساته وقوته الاقتصادية منحاز للباطل ما دام
يسير في فلكه ويحقق مصالحه، ولقد كانت فلتة من هنتنجتون حين أعلن أن العالم
يمر بصراع بين الحضارات، وخاصة الإسلامية والغربية. يتمركز ذلك الصراع
حول محورين أساسيين: العداوة التاريخية والمصالح الحيوية، وأدواتهما:
المقاطعة الاقتصادية، والحصار السياسي، والتدخل العسكري، وميزانها الكيل
بمكيالين؛ رغم تدخُّل كثير من الساسة الأمريكيين والغربيين لدحض مثل هذه
النظريات التي أثارت حفيظة كثير من المسلمين الغيورين الذين ما زال بعضهم
يظن بعض الخير في الوصولية الغربية.
فهلاَّ نهضنا لنصرة إخواننا في الشيشان وهم في أمسِّ الحاجة لدعائنا ووقوف
العالم الإسلامي بمؤسساته السياسية والاقتصادية والإعلامية وقفة صادقة مع الحق
ونصرة إخوانهم المظلومين؛ قبل أن يفوت الأوان؛ وحينئذ لات ساعة مندم.