من أصنام الحداثة
د. وليد الطويرقي
ولد يوسف الخال في طرابلس عام 1917، وتخرج كل من الجامعة
الأمريكية في بيروت عام 1944، وسافر إلى الولايات المتحدة، حيث عمل في
الأمم المتحدة، وعاد إلى لبنان ليعمل في الجامعة الأميركية، وأسس مجلة (شعر)
عام 1957 هو وشرذمة من أصحابه، وفي عام 1967 انشئت دار النهار للنشر
فانضم إليها مديراً للتحرير.
من مؤلفاته:
- ديوان الحرية 1945.
- مسرحية هيروديا.
- ديوان البئر المهجور 1958.
- قصائد في الأربعين 1960.
- الحداثة في الشعر 1978.
- علامات الأزمنة.
موقف يوسف الخال من اللغة العربية:
يدعو يوسف الخال إلى اعتماد لغة الكلام (العامية) لغة أدبية لأنها لغة عربية
متطورة من اللهجات (الجاهلية) التي رافقت الفتح العربي، وفي طليعتها لهجة
قريش، التي جعلها القرآن لغة الفتح، ونموذجاً للغة العربية. [أسئلة الشعر / 49] .
ويدافع عن رأيه هذا بأسلوب لا يخلو من مزايدة وذر للرماد في العيون،
فيقول إن عدم الأخذ بلغة الكلام هو (من وحي المستعمرين وإسرائيل في الطليعة فهم
يشجعون على التعلق بالفصحى لتعميق الازدواجية في الفكر العربي من جهة،
ولإبقاء العربي مشروطاً إلى حقائق ضبابية لا صلة لها بواقعه، من جهة أخرى) [1] [أسئلة الشعر / 150] .
ولسنا بصدد الرد على هذه الحجج الباطلة، بل القصد هو عرض أفكار هذا (المبشر) وإلا فأبلغ رد عملي عليه هو اعترافه نفسه بفشل مشروعه في مجلة (شعر) حيث علل توقفها باصطدامها بجدار اللغة [جريدة الرياض، مقال لجهاد فاضل، بتاريخ 30/11/1407] .
ومما يدل على سوء دخيلته، وبعده عن حقيقة ما يتباكى عليه من حرص على
نهضة العرب وتقدمهم أنه كان يدعو لتأجيل كل نضال ضد إسرائيل حتى يغير
العرب لغتهم من فصحى إلى محلية، فقد كتب في أواخر أيامه:
(اللغة أكبر مشكلة بيواجهوها العرب، هي أكبر من مشكلة إسرائيل، لأن
مشكلة إسرائيل مربوطة بمشكلة اللغة، ومن دون حل مشكلة اللغة باعتماد المحلية
ما بيتحرر العقل العربي، وما بيتقدم الإنسان العربي، حتى يتغلب على مشكلة
إسرائيل) (كذا) [النهار العربي والدولي 25 / 1 / 1981] .
وعبارة (التغلب على مشكلة إسرائيل) حمّالة أوجه وهي مشكلة وملبسة،
شأن أسلوب المبشرين الثقيل الخبيث، فمعناها غير معنى (التغلب على إسرائيل)
فالتغلب على المشكلة يكون إما بتجاهلها، وإما بالتعايش معها، وإما بالمصالحة مع
الطرف الآخر، فأي المعاني يريده يوسف الخال.
موقف يوسف الخال من التراث العربي:
إن موقف يوسف الخال من التراث العربي يوضحه صديقه أدونيس في كتابه
(قصائد مختارة ص 240) فيقول:
(التراث العربي عنده هو التراث الإنساني كله ... إنه التراث الذي تكوّن على الأرض منذ القدم وتفاعل عبر المتوسط مع التراثات التي تشكل بجملتها الحضارة الحديثة ... وإن كان يوسف الخال يصدر في شعره عن المسيحية العربية أو الوثنية العربية أكثر مما يصدر عن الإسلامية العربية فلا يعني ذلك أن شعره غير عربي) .
وهذا يوضح أن موقفه من التراث العربي موقف انتقائي ليس بمعنى انتقاء
النافع الذي أجمع الناس على نفعه، ورفض الباطل الذي ثبت بطلانه، بل انتقاء ما
يوافق أفكاره ولو خالف أفكار الأغلبية، وهو يوضح ذلك فيقول:
(فأنا معني جداً بتراثي العربي، الذي لا تراث لي سواه، وإنما أريد أن أغنيه وأعززه وأنقده وأفرزه، وأرفض ما أرفض منه، وأقبل ما أقبل، وذلك لجعله أساساً حديثاً صالحاً لبناء حياة أفضل لنا ولأولادنا) [أسئلة الشعر / 150] .
وعلى هذا فهو مع -اعتقاده بنفسه أنه فوق التراث برمته، يحكم عليه كما
يشاء، ويشرف عليه بنظرته المملوءة بالغرور والعجرفة والادعاء، ويعطي نفسه
الحق في رفض أي شيء وإثبات أي شيء؛ فيبرز فكر الشذاذ من الذين يسميهم
فلاسفة ومفكرين، ويتجاهل فكر غيرهم الذي لا يتفق مع عقيدته النصرانية- يخلط
خلطاً شنيعاً ومقصوداً في تحديده لمعنى التراث، كي يستبعد أي أثر ذي قيمة
للإسلام في هذا التراث عن طريق إبراز بقايا الوثنية العربية والمسيحية العربية
والمؤثرات الآتية عبر المتوسط! ! .
اعتزازه بنصرانيته:
يصرح يوسف الخال بأنه سعيد أن يلقى وجه خالقه وفي يده اليمنى شعرية
غيرت إلى الأفضل مسيرة الشعر العربي؛ وفي اليد اليسرى ترجمة عربية حديثة
للكتاب المقدس أتاحت للألوف المؤلفة من قرائه أن يخترقوا قدر الإمكان في المرحلة
الراهنة جسد اللغة العربية القديمة الميت (كذا) إلى روح مضمونه الحي.
ويقول أيضاً:
(إنني كشاعر مسيحي، والمسيحية جزء من تراثي، إن لم تكن في جوهره
وصميمه، والمسيحية مرتبطة ارتباطاً كيانياً عميقاً مع التراث الذي سبق التاريخ
العربي في هذه البقعة من الأرض) [أسئلة الشعر / 150] .
إن عبارته السابقة حول (اختراق جسد اللغة العربية الميت) ، تشرح نظرته
إلى التراث العربي، وتوضح بجلاء أن ما يعده تراثاً هو كل شيء مخالف لعقيدة
الإسلام سواء أكان أفكاراً منحرفة كانت تبرز بين الفينة والفينة عند بعض الفلاسفة
أو المتصوفة، أو ما كان إشارة بعيدة أو قريبة إلى الفكر النصراني، فاللغة العربية
كائن ميت، فإذا كتب بها شيء من أفكار ابن سينا والسهروردي أو الكتاب المقدس
تحولت إلى جسد حي! .
على أننا لا نلوم يوسف الخال هنا على مسيحيته وحبه لها، ولكننا ننعى عليه
هو وأنصاره حقدهم على ثقافة غيرهم وعيبهم لها، وضيق صدورهم إذا رأوا أثراً
إسلامياً -ولو باهتاً- في آثار غيرهم، فينقضُّون عليه بالشتم والقذف بالرجعية
والتخلف والتعصب، ما الذي يجعل الإسلام والتمسك به تخلفاً ورجعية، بينما
الاعتزاز بالتوراة والإنجيل والأساطير اليونانية تقدماً وتحضراً وحداثة! ! .
وكذلك ننبه إلى اعتزاز أهل الباطل بباطلهم دون حياء ولا خجل، بينما نرى
كثيراً من مدعي الحداثة يخجلون من ذكر دينهم وكتابهم [وإذَا ذُكِرَ اللَّهُ وحْدَهُ
اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ] .
(يتبع)