مجله البيان (صفحة 3401)

دراسات إعلامية

العولمة في الإعلام

د. مالك بن إبراهيم الأحمد

الحمد لله رب العالمين القائل: [فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ]

[الحجر: 94] والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين القائل: (إن من

البيان لسحراً) [1] وبعد: فإن أمر الإعلام في عصرنا الحاضر ودوره المؤثر

والفعال على الأمم والمجتمعات، على الدول والمؤسسات، والكبار والصغار،

والنساء والرجال أمر لا يخفى على ذي بال. لكن الطور الذي دخله الإعلام في

سنيه الأخيرة ليس مجرد طور عادي، وليس مجرد وسيلة جديدة أو أسلوب متطور

فحسب؛ بل الأمر هو التوجه العالمي للإعلام؛ بمعنى أن الإعلام لم يعد محصوراً

في مكان أو حدود سياسية أو بقعة جغرافية.. بل أصبح يتخطى الحدود وربما

يجاوز كل وسائل الرقابة. كذلك فإن الأمر لا يقف عند هذا الحد.. بل تعداه إلى

تكوين مجموعات أو شركات إعلامية أخطبوطية لها أذرع في كل مكان، ولها

وجود في كل صنف من الإعلام.. تشارك في القرار السياسي وتؤثر في النشاط

الاقتصادي.. توجه المجتمعات وتقود الأمم في الفكر والثقافة، في الفن والرياضة،

في الدين والأخلاق. نعم! هي مستقلة (مالياً) لكنها مرتبطة بصفةٍ مَّا بالدول التي

تنطلق منها. خلفية مالكيها ومؤسسيها تحكم توجهها الثقافي والاجتماعي. أما عمالها

وموظفوها فهم مشاركون في صياغة توجهها وما تبثه وما تنقله وما تنتجه من مواد

إعلامية فيغلب عليهم التوجه العلماني، ويؤثر حيث يغلب فيهم خلفيتهم الأيديولوجية.

أما التاريخ فهو ما يصوغ علاقتهم مع الآخرين، خصوصاً إذا كانت هناك تداخلات مسبقة (حروب صليبية استعمار..) . وحديثنا عن آثار العولمة في مجال الإعلام ليس من باب المبالغة، ولا من باب تقوية الخصوم لكنه من باب ... [وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم] [الأنفال: 60] من باب أن (الكلمة أمانة) ومن باب (الواجب والمسؤولية) وباب [كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ] [آل عمران: 110] وباب ... (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى..) وسوف نسرد هنا نماذج فعلية تحكي صورة من الإعلام الدولي الذي ينحو نحو العولمة؛ فلقد سمعنا وقرأنا كثيراً عن العولمة في السياسة والعولمة في الاقتصاد.. لكن لم نسمع من قبل عن العولمة في الإعلام؛ فدعونا نقرأ قليلاً حول هذا الموضوع.

مفهوم العولمة:

العولمة مصطلح حادث مترجم عن الكلمة الإنجليزية Global ومعناها: عالمي أو دولي، وغالباً ما تذكر مرتبطة بمصطلح القرية (Global Village) بمعنى القرية الكونية أو العالمية. ويدور مفهوم العولمة حول الوجود العالمي أو الانتشار الكوني، وغالباً ما استخدم في السياسة والاقتصاد بمعنى النفوذ السياسي العالمي والمؤسسات الاقتصادية الدولية (الأخطبوطية) المتواجدة في أنحاء كثيرة من العالم ولها تأثير قوي ونافذ سواء في الشأن الاقتصادي أو السياسي المحلي (أي في البلدان المتواجدة فيها) . ثم تطور في جانب جديد وهو العولمة الإعلامية، عن طريق إنشاء مؤسسات إعلامية دولية ضخمة لها قاعدة أساسية في بلد وتنطلق منه إلى كثير من البلدان، ولها أثر فاعل في الإعلام المحلي لتلك البلدان..

وأخيراً نشأ مصطلح العولمة الثقافية (Global Culture) وتعني الانتشار الثقافي الفكري لجهات قومية، ومؤسسات دولية (أغلبها أمريكية) وأصبح لها أثر ملموس في الجانب الثقافي لدى الكثير من المجتمعات حول العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب [2] . ...

المجموعات الإعلامية الدولية الكبرى:

هناك ست مجموعات رئيسة كبرى، تعمل في الأنشطة الإعلامية على مستوى العالم ولها حضور دولي كبير متفاوت من مؤسسة لأخرى، ... أربعة منها أمريكية، وواحدة أوروبية، وواحدة أسترالية أمريكية، وهذا عرض لأبرز أنشطة هذه المجموعات:

1 - تايم ورنر Time Warner: [3]

أكبر مؤسسة إعلامية في العالم؛ إذ تفوق مبيعاتها 25 بليون دولار، ثلثها من أمريكا، والباقي من العالم.

ويتوقع ارتفاع دخلها من خارج أمريكا إلى 50%، وتملك العديد من الأنشطة الإعلامية المتنوعة ومنها:

* 24 مجلة (منها تايم) .

* ثاني أكبر دار للنشر في أمريكا.

* شبكة تلفزيون ضخمة واستديوهات برامج وأفلام، ودور عرض للسينما (أكثر من 1000 شاشة) ، وأكبر شبكة كيبل تلفزيوني مدفوع في العالم.

* شركات أفلام في أوروبا، والعديد من محلات البيع بالتجزئة.

* مكتبة ضخمة من الأفلام (6000 فلم) والبرامج التلفزيونية (25000 برنامج) .

* بعض القنوات الدولية التلفزيونية مثل Hرضي الله عنهO, TNT, CNhN.

* مساهمات رئيسة في قنوات وشبكات تلفزيونية أو مرئية. وللعلم، فإن عدد مشاهدي المحطة الإخبارية CNN يفوق 90 مليوناً في 200 دولة، ولدى Hرضي الله عنهO 1.2 مليون مشترك حول العالم.

2- مجموعة برتلزمان ertelsmann:

أكبر مجموعة إعلامية في أوروبا وثالث أكبر مجموعة في العالم. دخلها السنوي يجاوز 15 بليون دولار، وتتميز بأن لها تحالفات وتعاوناً مع العديد من المجموعات الإعلامية الدولية في أوروبا واليابان، ولها العديد من الأنشطة الإعلامية ومنها:

* قنوات تلفزيون في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا؛ إضافة إلى استوديوهات سينمائية متعددة.

* مجموعة من الإذاعات الأوروبية.

* 45 شركة نشر للكتب بلغات أوروبا المختلفة.

* أكثر من 100 مجلة في أوروبا وأمريكا.

3- مجموعة فياكم Viacom:

مجموعة إعلامية قوية في أمريكا؛ وربع دخلها السنوي (13 بليون دولار) من خارج أمريكا، ولها نشاط محموم للتوسع الدولي؛ حيث أنفقت بليون دولار في السنوات الأخيرة للتوسع في أوروبا، ولها تحالفات مع العديد من المجموعات الإعلامية ونشاطها متنوع ومنه:

* 13 محطة تلفزيون في أمريكا إضافة إلى شبكات بث فضائي دولي

(شوتايم [4] نكلدون ... ) .

* شركات إنتاج تلفزيوني وسينمائي وفيديوي وموسيقي.

* شركات نشر كتب.

4- ديزني عز وجلisney:

أكبر متحدٍّ لمجموعة تايم ورنر في العولمة الإعلامية. لها دخل يفوق 24 بليون دولار، ولها حضور قوي في مجال الأطفال بل تعتبر أكبر منتج لمواد الأطفال في العالم، ولها حضور من أقصى الشرق (الصين) إلى أوروبا ... والشرق الأوسط حتى أمريكا اللاتينية. ولها أنشطة متنوعة منها:

* استوديوهات أفلام وفيديو وبرامج تلفزيونية، وشبكة صلى الله عليه وسلمرضي الله عنهC ... التلفزيونية الضخمة في أمريكا، ومحطات تلفزيون وراديو متعددة.

* قنوات تلفزيونية دولية متعددة بالأقمار الصناعية والكيبل مثل ديزني صلى الله عليه وسلمspn ,عز وجلisney الرياضية.

* محلات تجارية باسم ديزني، ومراكز ألعاب وترفيه حول العالم.

* دور نشر للكتب. * 7 صحف يومية، و3 شركات لإصدار المجلات. وللمجموعة تحالفات ومشاركات مع مؤسسات إعلامية في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية وكذلك مع شركات بث واتصالات متعددة الجنسيات.

5 - نيوز كوربريشن News Corporation:

خامس أكبر مجموعة إعلامية من حيث الدخل (10 بليون دولار) لكنها أكبر لاعب دولي في مجال الإعلام حول العالم. أسس المجموعة روبرت مردوخ [5] ويملك حالياً ثلثها، ولها وجود في جميع أنحاء العالم من خلال أنشتطها الإعلامية والتي منها:

* 132 صحيفة و25 مجلة في أستراليا وبريطانيا وأمريكا (تعتبر واحدة من أكبر ثلاث مجموعات صحفية حول العالم) .

* شركة فوكس للإنتاج السينمائي والتلفزيوني، وشبكة فوكس للبث التلفزيوني؛ إضافة إلى 22 محطة تلفزيون.

* شبكة ستار للبث الفضائي حول العالم وشبكة سكاي (بريطانيا خصوصاً) .

* دور نشر للكتب. وللمجموعة تحالفات مع مجموعات إعلامية حول الإعلام، وقاعدتها 6 دول رئيسة تنطلق منها أنشطتها المتنوعة وبالأخص: أستراليا بريطانيا أمريكا. تعتبر هذه المجموعة من أعقد المجموعات الإعلامية وأوسعها، ولها نفوذ قوي في الصين والهند (فضلاً عن أوروبا وأمريكا) ، وأسلوبها الناجح هو الشراكة مع جهات نافذة محلية مع عدم مصادمة التوجهات السياسية المحلية لهذه البلدان [6] . ومن أهم خصائص هذه المجموعة: أنها تبث بلغات البلدان المختلفة؛ فمجموعة (Fox) نفسها مثلاً تبث بالأسبانية في أمريكا اللاتينية وأسبانيا إضافة إلى الإنجليزية بوصفها لغة دولية وتتميز هذه المجموعة أيضاً بقدرتها على اختراق الدول النامية وتوطيد أقدامها فيها، كما أن لها مصادرها الخاصة بالأخبار والبرامج ممثلة في شركات تابعة أو شريكة إضافة إلى قنوات

البث الخاصة بها.

6 مجموعة TCT:

وهي مجموعة إعلامية متخصصة بالبث التلفزيوني عبر الكابل وكذلك عبر الأقمار الصناعية من خلال نظام الاشتراكات، ولها وجود قوي دولي في هذا الميدان؛ حيث تمتلك قمرين صناعيين للبث حول العالم (قيمتهما 600 مليون دولار) والدخل السنوي للمجموعة يفوق 7 بليون دولار. ...

مجموعات إعلامية أخرى:

هناك مجموعات إعلامية دولية أخرى على صنفين:

الأول: يمثل النشاط الإعلامي جزءاً من نشاط أوسع للشركة الأم. والصنف ...

الثاني: مجموعات إعلامية أصغر (من حيث الدخل؛ وإلا فإنها إمبراطورية إعلامية لا يقل دخلها عن بليون دولار سنوياً) ، وسنذكر هنا أبرزها وأكثرها تواجداً على الساحة الدولية:

1 - يونيفرسال: تملكها مجموعة سيغرام الدولية، ويمثل دخل المجموعة الإعلامية (7 بليون دولار) نصف عائدات الشركة الأم. وأبرز أنشطتها: أعمال الإنتاج السينمائي والتلفزيوني والموسيقي ونشر الكتب، ولها 27 مكتباً حول العالم، ولها وجود قوي في أوروبا وشرق آسيا (سوف تنفق 200 مليون دولار في الصين حتى العام القادم) .

2 - بولي جرام: تمتلكها شركة فيليبس المشهورة، وأعمالها الرئيسة: إنتاج سينمائي وموسيقي، ودخلها يجاوز 6 بليون دولار نصفها من مبيعاتها في أوروبا وربعها في أمريكا.

3 - سوني للترفيه: وهي جزء من سوني للإلكترونيات اليابانية الضخمة، وهي متخصصة في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني والموسيقي ... والبث الفضائي، ولها دخل يجاوز 9 بليون دولار سنوياً، ولها شراكات ... وتحالفات متعددة في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

4 - جنرال إلكتريك: من أكبر الشركات في العالم خصوصاً في الكهربائيات، وتملك شبكة Nرضي الله عنهC للتلفزيون والراديو، ودخلها يجاوز 5 بليون دولار، ولها وجود دولي وتحالفات متعددة مع شركات برامج كمبيوتر (ميكروسوفت) حيث أنفقت 500 مليون دولار من أجل قناة دولية للأخبار عبر الإنترنت MSNرضي الله عنهC.

5 - مجموعة هولنجر (كندا) : ولها نشاط صحفي واسع؛ حيث تمتلك 60 صحيفة يومية.

6 - التلفزيون المباشر (عز وجلirect TV) الأمريكي: [المملوك لشركة هيوز Huges للإلكترونيات والتي تمثل بدورها فرعاً من جنرال موتورز] وهي شركة بث عبر الأقمار الصناعية (14 قمراً حول العالم) وتصل إلى 100 دولة.

عموماً هناك العديد من المجموعات الإعلامية (أكثر من 20 مجموعة يفوق دخلها بليون دولار سنوياً في أمريكا ومثلها تقريباً في أوروبا) والطابع العام لها هو التحرك الأفقي ومحاولة كسب أوسع مساحة من الأرض إعلامياً؛ وإن كان الوجود الأمريكي هو الطاغي لهذا التحرك.

بقية العالم:

وبما أن بقية العالم (عدا اليابان) متخلف في كل شيء فإن العولمة الإعلامية جزء من هذا التخلف العام، لكن هناك 4 مؤسسات إعلامية في أمريكا اللاتينية من الحجم الثاني وهي ذات توجه دولي. وبالنسبة لآسيا والشرق الأوسط فلا توجد مؤسسات حتى من الحجم الثاني؛ على حين أن الأمر بالنسبة للمنطقة العربية أضعف بكثير. أما اليابان فإنها رغم قوتها الاقتصادية إلا أنها متخلفة إعلامياً عن الغرب، وفيما عدا شركة (سوني) لا يوجد مؤسسات إعلامية دولية يابانية رغم وجود العديد من المؤسسات الإعلامية في اليابان (227 شركة من أكبر 1000 شركة إعلامية في اليابان) إلا أنها تركز على السوق الياباني المحلي، إحداها NHK التي يفوق دخلها 6 بليون دولار سنوياً.

العولمة الإعلامية والتقنية:

ترتبط العولمة بالتقدم والتوسع الاقتصادي ارتباطاً وثيقاً؛ ولذلك كانت عملية الرقمية (عز وجلigital) في نقل الصوت والصورة والكلمة حاسمة في تسهيل وصول هذه المواد للمستهدف، كما أنها خفضت التكلفة مما ساعد على توسيع دائرة الانتشار عالمياً، كذلك ساعدت شبكات الاتصال الفائقة (Fibers) في تسهيل نقل كميات كبيرة من المعلومات وبدرجة نقاء عالية وبوقت قصير حول العالم، وأصبح هناك تحالف ظاهر بين شركات الاتصالات وشركات ... التقنية، والبرامج مع المؤسسات الإعلامية نظراً للمصالح المشتركة بين ... هذه الأطراف؛ فالأولى ترصف الطريق والثانية تسير عليه [7] .

أهداف العولمة الإعلامية:

من المعلوم أن الربحية غرض رئيس للرأسمالية الغربية، وأي نشاط اقتصادي يكون وسيلة لزيادة الدخل وللربحية فإنه مُحبّب ومرغوب.. هذا هو منطلق العولمة الإعلامية: ربح وربح وربح. لكن لا ننسى أن القائمين على هذه المؤسسات والعاملين فيها لهم خلفيات وعقائد ومبادئ ينقلونها إلى العالم من خلال أنشطة مؤسساتهم الإعلامية مثل ما تنقل السفينة البضائع، فلا يُستغرب أن نرى مضامين هذه العولمة الإعلامية متوافقة تماماً مع ما درج عليه أصحابها؛ فالعنف يستشري في دمائهم، والجنس قضية بيولوجية؛ أما العقيدة فهي مجموعة من الخزعبلات والخرافات والشعوذات تتوافق أحياناً مع تربيتهم الدينية (النصرانية) وتصادمها أخرى.

مَنِ المستهدَف؟

ليس هناك مجتمع محدد مستهدف بالعولمة ولا قطاع معين أو دولة محددة، لكن أينما وجدت التسهيلات الفنية والإمكانات المالية فتجدهم هناك، لذلك نجد توجهاً قوياً للمجموعات الإعلامية الدولية تجاه المراهقين والأطفال؛ نظراً للوقت الطويل الذي يقضونه أمام شاشات التلفاز، الإنترنت، الكمبيوتر.

والمجتمعات العربية والإسلامية مستهدفة بهذه العولمة ضمن هذا ... الميدان؛ فحيثما شُرعت الأبواب لهم فإنهم داخلون، لا يعتدُّون غالباً بالبيئات وثقافتها وتقاليدها فضلاً عن دينها ومبادئها.

من يقود العولمة الإعلامية؟

المتابع لوسائل الإعلام بكافة أنواعها والتلفاز والسينما والإنترنت على وجه الخصوص لا يخفى عليه الحضور الأمريكي الطاغي؛ لدرجه أن أصواتاً عدة ارتفعت في أوروبا (فرنسا على وجه الخصوص) لمقاومة المد الإعلامي الأمريكي الغازي. وفي الوقت نفسه بدأ السعي الحثيث لدى بعض المؤسسات الإعلامية الأوروبية نحو العولمة، بدءاً بالانتشار الواسع داخل أوروبا نفسها ثم الانطلاق، نحو الأسواق الخارجية خصوصاً ذات الثقافة، واللغة المتشابهة.

تطور العولمة الإعلامية:

بدأ التحول الضخم في اتجاه العولمة في مجال الاعلام بدءاً من

الثمانينيات، وكانت البداية أفرعاً لمؤسسات وموزعين لمنتجات إعلامية،

ثم تطورت الأمور مع التوسع الاقتصادي والنمو السكاني والانفتاح السياسي

والاقتصادي بين الدول. استطاعت مجموعة من المؤسسات الإعلامية أن تفهم

حاجات المجتمعات المختلفة للمواد الإعلامية مما ساعدها على تطوير أدوات إيصال

لهذه المواد مستفيدة من التطور التقني الواسع في ميدان الاتصالات. بدأت

المؤسسات الإعلامية الأمريكية القوية في موطنها في تكوين شركات متعددة

الجنسيات وشراء أنشطة ومؤسسات إعلامية في البلدان الخارجية المختلفة. واكب

ذلك تحالفات استراتيجية مع الجهات المحلية القوية مستفيدة بدرجة كبيرة من النفوذ

الأمريكي السياسي في العالم وتهاوي أدوات المنع أو الرقابة ووسائلهما في البلدان

المختلفة. وتطورت الأمور تجاه العولمة بسرعة بالتواكب مع العولمة الاقتصادية؛

حيث يمكن إدراج الإعلام جزءاً من الأنشطة الاقتصادية. وصل عدد المؤسسات

الإعلامية الدولية إلى 40 مؤسسة نصفها تقريباً أمريكي. ويتوقع الاستمرار نحو

هذا الاتجاه وزيادة التكتلات والمجموعات الإعلامية الدولية وذلك في المدى القريب

والمتوسط.

دراسات:

في دراسة تمت عام 1996 حول الإعلام في 41 دولة كانت

النتائج ما يلي:

* أكثر الأفلام مشاهدة أمريكية، و 9 أشرطة من كل 10 أشرطة فيديو أمريكية.

* 20.000 مستهلك حول العالم (19دولة) سئلوا عن الثقافة ...

الإعلامية الأمريكية أجاب ما يقارب النصف منهم بأنها جيدة جداً أو ممتازة.

* 90 % من الإعلام في إيطاليا يسيطر عليه الإعلام الأمريكي.

* 25 % من سوق الكتب (8 بليون دولار إجمالي دخل الكتب في العالم) تسيطر عليه 10 دور نشر وأكبرها بل أكثرها مملوكة لمؤسسات إعلامية دولية (تايم ورنر، بريكزمان، فياكم) نماذج لأنشطة إعلامية محددة ذات صيغة دولية: بالإضافة إلى برامج التلفاز والسينما الأمريكية ذات الحضور الدولي الكثيف من خلال الشركات الإعلامية المذكورة سابقاً فإن هناك أنشطة إعلامية صحفية ذات طبيعة دولية؛ فتجد صحيفة دورية تصدر في أمريكا مثلاً ولها العديد من الطبعات الدولية ذات المضمون نفسه أو بتغير طفيف مثل مجلتي (نيوزويك) و (التايم) الأمريكيتين. كذلك هناك مجلة (ريدرز دايجست) الأمريكية التي لها 17 طبعة، كل طبعة بلغة مختلفة وبنسخ تعد بالملايين. كذلك مجلة ناشيونال جيوغرافيك لها العديد من الطبعات بلغات مختلفة آخرها وأحدثها اليابانية - اللغة الميتة - وبنسخ تفوق المليون شهرياً (ليس لها طبعة عربية) .

مستقبل العولمة الإعلامية:

تعتبر أمريكا أكبر دولة في العالم اقتصادياً وسياسياً؛ وفي جانب الاتصالات هي الأولى وكذلك في جانب الكمبيوتر.

أما الإعلام فلا يوجد لها منافس حقيقي في الساحة. هذه الحقيقة تعطي تصوراً واضحاً للمستقبل الإعلامي العالمي؛ فقيادة أمريكا له ظاهرة. وتداخل الإعلام مع التقنية في الكمبيوتر والاتصالات تجعل القدرة الأمريكية في استمرار الهيمنة الإعلامية مؤكدة؛ خصوصاً إذا انتبهنا إلى الأسلوب المستخدم في الإعلام (المرئي على وجه الخصوص) والذي يعتمد على الإيحاء والخيال الواسع والصورة والحركة لإيصال الرسالة الإعلامية بعيداً عن الكلام الكثير والحشو المطول. ... ...

ومما هو مشاهد أن التوسع الإعلامي (الأمريكي على وجه الخصوص) أفقي وعمودي؛ وقد استفاد من التحالفات المحلية (في المناطق القوية) والسيطرة والاحتكار (في البلدان الضعيفة) .

كذلك فإن النظرة للعولمة من جهة الشركات الإعلامية الغربية

والأمريكية على وجه الخصوص يزداد مع الأيام، والقناعة به بدأت تسري حتى

في المؤسسات المتوسطة والصغيرة فضلاً عن الكبيرة. هذا الأمر (العولمة

الإعلامية) سيتجذر مع مرور الأيام، وسيصبح جزءاً مفهوماً من الواقع العالمي.

وبالطبع سيتأثر هذا الأمر بمدى المقاومة السياسية للبلدان المستهدفة وبمدى قدرتها

على المقاومة أصلاً أو حتى برغبتها في ذلك أو عدم الرغبة. كذلك سوف تتعرض

البلدان المتخلفة لضغوط سياسية واقتصادية للقبول بهذا الواقع الإعلامي الجديد من

باب: حرية الناس، وحقوق الإنسان، الإعلام الحر، تبادل الثقافات، وحوار

الحضارات. ولا ننسى أيضاً أن الشركات الإعلامية تتحرك بمساعدة حكومية من

بلدانها الأم وهي تنظر إلى الناس (في كل مكان) أنهم مستهلكون لسلع هم ينتجونها،

ولا ينظرون إليهم بصفتهم مواطنين في بلدانهم لهم ثقافاتهم الخاصة وعقائدهم

المتميزة.

وأخيراً ...

فإن واقع الإعلام العالمي يدعو للذعر مع الأخبار التي ما فتئت تذكِّرنا بل تذهلنا بالتطورات المتسارعة؛ حيث ذكرت إحدى الشركات الأمريكية أنها في صدد إطلاق قمر صناعي جديد ذي إمكانات تقنية مذهلة وبتكلفة أقل من الحالية.. تقول الشركة: إنها في غضون سنة 2002م سوف تطلق قمراً قادراً على بث ألف وخمسمائة قناة تلفازية في وقت واحد يعادل أداؤه مجموعة من الأقمار الصناعية الحالية.. هذا في جانب البث الفضائي.. أما الإنترنت فالشبكة القادمة والتي بدأ تطبيقها في بعض الجامعات الأمريكية ستصل سرعتها إلى 1000 ميجا بيت (2000 ضعف الشبكة الحالية) و000، 10 ميجا بيت في غضون بضع سنوات.. هذا يعني بثاً حياً عالي النقاوة للصورة المتحركة أو الصوت (تلفاز رقمي) أو الصوت، أما المواد المقروءة فيمكن نقلها في غضون بضع ثوان بدلاً من

الدقائق حالياً.. بمعنى آخر: أن الإنسان سيمكنه مشاهدة مئات القنوات التلفزيونية

بنقاوة معقولة وهو قابع في مكتبه أمام الكمبيوتر. مع العلم أن هناك تجارب لبث

تلفزيوني خاص بالإنترنت (ما زالت بصيغة متخلفة عن التلفاز العادي) علماً أن

الإنترنت هي مولود أمريكي ويرعاه الأمريكان، والسيطرة فيه للشركات الأمريكية

(خصوصاً الكبيرة منها والتي أصلاً لها وجود إعلامي نافذ دولياً) . وبعد: فهذه

مقتطفات استقيتها من هنا وهناك أردت بها أن أحذر وأحذر وأحذر من خطورة

الإعلام على عالمنا العربي والإسلامي الضعيف في كل المناحي (ومنها الإعلام) ،

وهو أصلاً هزيل في تقنياته ومواده البعيدة عن جذور الأمة وعقيدتها. كذلك أحمِّل

قادة الفكر والتوجيه المسؤولية في هذا الميدان، وأدعوهم للمسارعة في تحمل

المسؤولية خصوصاً أننا دائماً متخلفون عن الركب عالة على الغير في كثير من

أمورنا. والعبء الكبير لا يستطيعه فرد أو أفراد بل لا بد من مساهمة الجميع:

مؤسسات، ورجال أعمال، مربين ومفكرين؛ كل بحسبه وكل بقدرته. والأمر

يسيرٌ لو كان الإعلام خالياً من الرسالة والهدف، بل المضمون الثقافي المُصدَّر إلينا

لا يحتاج إلى كثير بصيرة لمعرفة خطورته على مجتمعاتنا وأجيالنا القادمة. وأتذكر

قول الشاعر:

ويح قومي بصيفهم ... حَسْرَةً ضيّعوا اللّبنْ

قولهم عند دعوتي ... هوِّن الأمر لا تُجَنْ

كل هذا لأنني ... قلت: ما الدهر مؤتمنْ

قلت: يا قومي احذروا ... أن تميلوا إلى الفتنْ

اللهم هل بلغت..؟ اللهم فاشهد!

المراجع والمصادر: تم الاستفادة من المصادر التالية بدرجات مختلفة ومن مواقع متعددة:

أولاً: الكتب:

- The Media in Western صلى الله عليه وسلمurope صلى الله عليه وسلمuromedia Research Croupe 7791. - The Global Media صلى الله عليه وسلم. Herman and R. Mchesey 7991. - Media Today J. Turow, 9991. - The Media رضي الله عنه. عز وجلulton, 7991. ثانياً: الصحف: - New york Times, 7/7/9991. - Washington post, 7/21/7991.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015