مجله البيان (صفحة 3384)

العمل الإسلامي في مواجهة خطرين

قضايا دعوية

العمل الإسلامي

في مواجهة خطرين

د.سامي بن محمد صالح الدلال

وددت في هذه الدراسة أن أعبر عما في نفسي من الاستشعار بالخطر لما

يحيط ويحيق بالتوجهات الإسلامية عموماً، وسأتحدث هنا عن خطرين:

الخطر الأول:

التراجع المستمر والمضطرد في الفكر والممارسة من قِبَلِ التيار الإسلامي

لصالح التيار القومي، وقد برز هذا تحت ما يسمى بمد الجسور بين التيارين. فعلى

مستوى المجال الفكري ألَّف بعض الإسلاميين كتباً تدعو إلى هذا الاتجاه وتغذيه،

إضافة إلى ما يكتب من مقالات وما يصدر من بيانات. كل ذلك لا يصدر عن

إسلاميين غير منتمين فقط، بل يصدر عن إسلاميين منتمين يمثلون فيما يكتبون

جماعاتهم. وأما على مستوى الممارسة فحدث ولا حرج. وما المواثيق الوطنية

والمنابر المشتركة والتحالفات المكتوبة بين التيارين إلا بعض الأدلة على ذلك. وفي

تقديري أن هناك عدة أسباب لذلك أبرزها سببان:

الأول: فقدان التأصيل المنهجي الشرعي الذي تُحاكَم إليه الأفكار والممارسات. ... لذا نرى أن كثيراً من المسوِّغات التي يقدمها الإسلاميون لا تتعدى عموميات تدل

على ضحالة في الرجوع المؤصل للأدلة الشرعية. وبعضهم يقول: إنها مصالح

تقتضيها المواقف السياسية ولا داعي للبحث لها عن أدلة، فإذا ما أحرجته بقولك:

إن معنى ذلك تجسيد عملي لفصل الدين عن الحياة بجوانبها السياسية والاقتصادية

وغيرها، قال: إنها مصالح مرسلة! ! هكذا بكل بساطة. ولا أعلم إن كان هذا

القائل يعلم أن المصالح المرسلة هي ما اندرج تحت دليل كلي ولم يأت له دليل

خاص بمسماه أو بحالته. أي لا يعلم أن المصالح المرسلة خاضعة للأدلة الكلية

وليست متحررة من أي دليل! ! وللأسف أن المصالح المرسلة قد أصبحت شماعة

تُعلَّق عليها كافة الأفكار والممارسات العارية عن الدليل الشرعي.

الثاني: عدم إدراك الواقع وتغيرات العصر؛ إذ إن العالم يموج بصراع

الأفكار وصراع المصالح. وفيما يخص العالم الإسلامي فهناك توجه دولي لإبقاء

هذه المنطقة الإسلامية غارقة في جميع أنواع التخبطات التي تعيق أي انبعاث

إسلامي صحيح فيها. ولأجل ذلك قام التيار القومي في المنطقة العربية بمراجعات

واسعة لتقويم المرحلة السابقة. وقد عُقِدَتْ لأجل ذلك ندوات كثيرة ومؤتمرات

متعددة. وقد حاضر فيها أساطين الفكر القومي، وقُدِّمتْ دراسات مستفيضة اتسمت

بالمصارحة، واستمرت تُعقد ولا تزال منذ عدة سنوات.

إن أهم ما أفرزته تلك الندوات والمؤتمرات والدراسات ما يلي:

1 - إن الطرح القومي السابق لمس العاطفة العربية، لكنه لم يلمس العقل

العربي؛ فهو طرح شعارات وليس مناهج.

2 - إن الهزائم الكبرى للعرب في هذا القرن جميعها تمت في ظل الانبعاث

القومي، بل تم بعضها في ظل الحكم القومي، وكل ذلك أفقد الجماهير العربية

حماسة الالتفاف حول هذا الطرح، ثم أفقدهم بعد ذلك الثقة به، وخاصة بعد الهجوم

الهمجي البعثي على الكويت واجتياحها وتشريد أهلها.

3 - إن أكثر البلاد العربية تضرراً على مستوى الحريات السياسية والرفاه

الاقتصادي والأمن الداخلي كانت البلاد التي حكمها التيار القومي.

4 - إن الجماهير العربية قد اكتشفت أن التيار القومي كان غارقاً حتى أذنيه

في التنسيق مع الرأسماليين (أمريكا وأوروبا) خلافاً للشعارات والخطب التي كانوا

يدجِّلون بها على شعوبهم. وبعضهم الآخر كان ضالعاً في التنسيق مع الشيوعيين

(الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية سابقاً والصين) مع اطلاعه الكامل على الدور

الذي تقوم به تلك الدول لصالح اليهود ودعم (إسرائيل) وكان هذا التيار يغطي على

هذا الدور خدمة لمصالحه المتمثلة بالتمكين لأعداء الإسلام. إن هذا الاكتشاف

أوضح الازدواجية الخطيرة التي يظهر بها التيار القومي أمام الشعوب. وقد أدى

ذلك إلى سحب البساط من تحت أقدامه لصالح جهات متعددة.

5 - إن التيار القومي قد تعامل مع الجماهير العربية ليس فقط بطريقة

تتجاهل التاريخ المجيد للإسلام والحضارة العامرة التي شيَّدها المسلمون في أرجاء

الأرض، بل بطريقة تشوِّه ذلك التاريخ وتسدد له الطعنات، وتقفز فوق تلك

الحضارة كأنها لم تكن! ! إن إهمال التيار القومي للجذور التاريخية لهذه الجماهير

العربية والمتأصلة في عمق الزمن منذ خمسة عشر قرناً كان غلطة تاريخية! !

6 - إن التيار القومي لم يقابل التيار الإسلامي مقابلة فكر لفكر، بل مقابلة

صاحب سلطة لمعارض! ! وإن الجماهير العربية التي طالما صخَّت آذانَها أصواتُ

أحمد سعيد [1] وأمثاله قد أصبحت متعطشة لسماع صوت القسم الآخر الذي زُجَّ به

في السجون وأُزهقت أرواح أتباعه في الليالي المظلمة.

7 - إن التعامل القاسي الذي أظهره التيار القومي للتيار الإسلامي قد كوَّن

عطفاً جماهيرياً على ذلك التيار المضطَّهَد بغير وجه حق. وقد تأكد هذا العطف

بالتفاف الجماهير حول الرموز الإسلامية، أفراداً وجماعات، بعد التراجع القومي.

8 - إن مواقف التيار القومي الرافض لكل طروحات التيار الإسلامي جملة

وتقصيلاً قد أفرز التيار الإسلامي إفرازاً مستقلاً، في حين كان القصد تحطيمه

وإلصاق جميع الرذائل التاريخية على صدره وظهره، فإذا بالجماهير العربية

تكتشف بعد أن بدأ الغبار بالزوال أن هذا التيار يستعصي على التحطيم؛ لأنه يولد

مع كل مولود، وأنه يريد إبراز جميع الفضائل التاريخية من انتصارات وأمجاد

ليخاطب الجماهير من خلالها لتنتفض بعد سُبات وتستيقظ بعد رقاد. وهكذا اكتشف

التيار القومي أن موقف المفاصلة الذي اتبعه مع التيار الإسلامي كان غلطة تاريخية

أخرى! !

إن هذه النقاط الثماني هي أبرز ما نتج من حوارات ومناقشات وندوات

ومؤتمرات للتيارات القومية في المنطقة العربية؛ ولذلك رأوا أن لا بد من إعادة

تأكيد إبراز الوجه القومي وفق نموذجين:

- نموذج على مستوى دولة.

- نموذج على مستوى أحزاب ورواد فكر.

ويأخذ هذا التوجه القومي على عاتقه تلافي كافة السلبيات التي وقع فيها سابقاً، وأن يدرس بعمق وتحليل: لماذا أخفق النموذج الأول على مستوى الدولة،

والنموذج الثاني على مستوى أحزاب ورواد فكر؟ وأن يكون تحليل تلك المرحلة

وتقويمها على ضوء النقاط الثماني التي ذكرتها.

إن مرحلة الثمانينيات كانت مرحلة إبراز النموذجين اللذين سيحاولان تلافي

أخطاء مرحلة السبعينيات والستينيات وما قبلها. فعلى مستوى نموذج الدولة أُبرز

(العراق) ، وعلى مستوى الأحزاب أُبرز حزب البعث، كما أُبرز حزب التجمع في

مصر. وهناك محاولات مستميتة لتعويم حزب حركة التحرير الجزائرية قبل أن

يدركه الغرق! ! وعلى مستوى رواد الفكر أُبرزت رموز كثيرة، كما أبرز عدد من

الشخصيات التي تحترف وترتزق من الكتابات الصحفية، والمتمعن في مجريات

الأمور يلاحظ أن خطوات عملية (بعضها قد آتى ثماره) قد تم ترتيبها بخصوص

النقاط الثماني، وأوجزها مرتبة حسب ترتيب تلك النقاط:

1 - طرحت كتب ودراسات لبلورة الفكر القومي بشكل مناهج فكرية وسياسية

واقتصادية واجتماعية وغيرها. وعضت نواجذهم على (الحداثة) . وفي تقديري

أن الفكر القومي مع كل الذي فعل لم يستطع أن يخرج من دائرة الشعارات إلى

دائرة المناهج. بل حتى دائرة الشعارات قد جرى اختراقها؛ فشعار (الاشتراكية)

مثلاً قد انخرق ثوبه بعد إخفاق القطاع العام في مواكبة ضروريات التنمية. وهكذا

طرح القطاع العام في العراق ومصر وغيرها من الدول التي كانت مستظلة

بالاشتراكية للبيع.

2 - في إطار الهزائم والانتصارات: فإن انتصار العراق على إيران قد محا

من الذاكرة العربية كثيراً من الهزائم السابقة (لكنه أفسده باحتلال الكويت) .

3 - على مستوى الحريات السياسية: ضخ التيار القومي الحاكم مبدأ التعددية

الحزبية (العراق، سوريا، الجزائر، اليمن، الأردن، مصر) . أما على مستوى

الرفاه الاقتصادي فلا يزال التيار القومي الحاكم يواصل عدم نجاحه ويتابع تدهوره،

وأما على مستوى الأمن الداخلي: فلا تزال حملات القمع مستمرة؛ ولكن اقتضى

تلميع الوجه إطلاق حرية بعض السجناء غير السياسيين، أما السياسيون الذين

أُطلق سراحهم فقد تم تدبير أماكن لكثير منهم في المقابر! !

4 - إن العزف على الوتر الاشتراكي على حساب الوتر الرأسمالي قد أصابه

الخلل بعد الانهيار الشيوعي المروِّع، وقد أوقع هذا الانهيار التيار القومي في

حيص بيص. إن التيار القومي الحاكم وغير الحاكم يمر الآن في مرحلة هي دون

مستوى الرثاء بسبب الهزيمة الكبرى للاشتراكية العلمية وهي القاعدة التي انطلقت

منها حقيقة الأفكار القومية.

5 - أعاد التيار القومي انفتاحاً جديداً على التاريخ الإسلامي؛ ولكنه لم

يستطع أن يخرج من تفسيره له تفسيراً قومياً! ! ولذلك فهو يقع في تناقضات لا

حصر لها هي أقرب ما تكون إلى الأكاذيب والدجل! ! وسبب ذلك أنه لا يريد أن

يقر بدور غير العرب في بناء صرح ذلك التاريخ المجيد.

6 - إن عدم تمكن مقابلة التيار القومي للتيار الإسلامي مقابلة الند للند في

الجوانب العقدية والفكرية، جعلته يحاول الالتفاف على المواجهة وذلك بطرح فكر

قومي في قالب إسلامي؛ فقوم العرب هم مادة الإسلام الأولى، ولغة العرب هي لغة

القرآن والسنة، والديمقراطية هي الشورى، والاشتراكية هي التكافل الاجتماعي،

والحرية هي عنوان ما جاء به الإسلام لتحرير الإنسان، والوحدة هي التي قاتل

العرب لأجلها في القادسية واليرموك وغيرها.. حق وباطل، خير وشر، صدق

وكذب.

إنها حملة هائلة من التشويه تخرج بشكل دراسات وتُعقَد لأجلها مؤتمرات

وندوات. وليس من الحق أن نقول: إن هذه الحملة الشرسة لم تحقق بعضاً من

أهدافها! !

7 - لقد قام التيار القومي الحاكم وغير الحاكم باحتضان بعض الرموز

الإسلامية ودعمها وإعطائها الفرصة للتكلم من خلال أجهزته الإعلامية؛ مما أعطى

انطباعاً لدى بعض الإسلاميين أن التيار القومي بدأ طريق العودة إلى الحق

والصواب؛ فلا بأس إذاً من دعمه، وليست إلا سنوات ويكون بعدها التيار قد

تأسلم! !

8 - استطاع التيار القومي أن يعيد جسور الاتصال مع بعض ممثلي التيار

الإسلامي، وأصبح التياران في بعض الدول يتحدثان من على المنابر نفسها

ويرفعان الشعارات نفسها ويناديان بالمطالب ذاتها! ! وهكذا استطاع التيار القومي

أن يُفقِد التيار الإسلامي تميُّزه على الساحة الحركية إضافة لإفقاده تميزه على الساحة

الفكرية.

بعد ذلك أقول: إننا الآن على أبواب المحاولات الشاملة لسحب البساط كلية

من تحت أقدام التيار الإسلامي لصالح التيار القومي. ثم أضيف نقطتين:

الأولى: إن هذه الصورة القاتمة لن تستطيع حجب الإشعاعات الإسلامية

المتدفقة من أرجاء شتى في المعمورة، والوضع الإسلامي الآن يختلف كلياً عن

الوضع الإسلامي في الستينيات. ويمتاز عنه بأمور:

1 - أن التيار الإسلامي أصبح يمتلك رصيداً من التجربة المعاصرة في

مقارعة المفسدين ومعرفة جيدة بأساليبهم.

2 - أن التيار الإسلامي قد تحرر نسبياً من عقدة الوصم بالتخلف والرجعية.

3 - أنه أصبح أكثر وضوحاً من حيث موقفه من الغرب سياسياً وحضارياً.

4 - أنه بدأ يمارس الجهاد عملياً وواقعياً بعد أن كان ذلك مجرد سطور في

الكتب.

5 - أنه أصبح له دور فاعل في الأرض المحتلة في فلسطين.

6 - أن بصيص التأصيل الشرعي بدأ ينشر شعاعه شيئاً فشيئاً بين الجماهير

الإسلامية.

7 - أن المفهوم الحقيقي لعقيدة أهل السنة والجماعة قد أصبح أكثر وضوحاً

لدى بعض القيادات الإسلامية ولدى كثير من الشباب المسلم.

8 - أنه بدأ إعادة امتداده في إفريقيا وآسيا إضافة لإثبات وجود فاعل في

أوروبا وأمريكا.

9 - أنه أصبح لديه رصيد كبير من مختلف الاختصاصات العلمية التي

ساعدت على تغلغله في جميع الشرائح والمرافق الوظيفية والعلمية والاقتصادية

والثقافية وغيرها.

10 - أنه أصبح أكثر نضوجاً وشجاعة لوضع منطلقاته السابقة تصورياً

وحركياً تحت منظار التقويم وإعادة النظر.

وأمور أخرى.

إنها مجموعة من الإيجابيات، ولكن ذلك لا يعني أننا لا نخاف على الوضع

الحالي من الانتكاس؛ لأننا وللأسف بدأنا نرصد خطاً تراجعياً في الفكر والممارسة

لهذا التيار. إن وظيفتنا تشخيص أسباب التراجع ثم الدفع لمواصلة التقدم إلى الأمام

كي لا تضيع منا تلك الإيجابيات الممتازة التي حصل عليها التيار الإسلامي.

الثانية: إن قضية الانبعاث الإسلامي الجديد أصبحت تقض مضاجع جميع

أعداء الإسلام. والذي أخشاه أن يُعطى الواقع الإسلامي حجماً أكبر من حجمه

الحقيقي، ثم تأتي المخططات والوقائع على مستوى ما أعطي من حجم، لا على

مستوى حجمه الحقيقي؛ مما يؤدي إلى خلل في تنفيذ المشاريع الإسلامية القادمة،

تصورياً وحركياً، أضف إلى ذلك: أننا سنكون مقبلين على أوضاع استثنائية

أخرى عندما تبدأ موجة هجرة اليهود الأمريكان بعد هجرة اليهود الروس. وكيف

سيكون تعامل الإسلاميين مع الأوضاع الجديدة؟ وما هي نظرتهم وتقويمهم لتلك

الأوضاع؟ هذا ما ينبغي أن يكون محل نظر ودراسة وتخطيط.

الخطر الثاني:

وسأذكره باختصار؛ وخلاصته: حال التشتت والفرقة بل أحياناً العداء الذي

يلف ساحة العمل الإسلامي؛ إذ إن حال الشتات في العمل الإسلامي هو وجه من

أوجه كثيرة من اختلال شخصية الفرد المسلم المعاصر واهتزازها.

وداء الفرقة والشتات هو أحد أوجه الاختلال والاهتزاز الفكري والتربوي.

وهذا معناه أن الصياغة الفكرية والتربوية التي يتعرض لها الفرد المسلم

تحتاج إلى إعادة نظر! ! وأقصر كلامي هنا على الفرد المسلم الملتزم بدينه:

إن هذا الفرد هو أحد اثنين: إما منتمٍ إلى جماعة إسلامية. وإما غير منتم.

فأما الفرد المسلم غير المنتمي لجماعة إسلامية فوضعه الفكري والتربوي

يتبلور في أغلبه بتأثير الوسائط الخارجية من إعلام ووسط اجتماعي ومحيط بيئي؛

وهو يغالب هذا التأثير بوسائله الخاصة من مطالعة للكتب الإسلامية أو التعايش مع

وسط محافظ من الأصدقاء والأقرباء، ومعظم هؤلاء الأفراد مشوشون من الناحية

الفكرية ومن ناحية النظرة التربوية الإسلامية.

وأما الفرد المسلم المنتمي لجماعة إسلامية فوضعه الفكري والتربوي بحسب

المدرسة التي تتبناها جماعته. وهناك عدة مدارس: كالإخوان، والسلفيين،

والتبليغ، والتحرير، وأنصار السنة.. إلخ. هذا الفرد كذلك يتعرض للوسائط

الخارجية التي يتعرض لها المسلم غير المنتمي إضافة لمدرسته، والبدهي أنه لا

يمكن أن نفكر بوجود عمل إسلامي موحد عندما يكون أفراده غير موحَّدي الفكر ولا

موحَّدي المنهاج التربوي.

ومن هنا تتحدد لنا البداية السليمة في جمع الشتات المبعثر للعمل الإسلامي؛

إذ إن تعصب القيادات الإسلامية، كل لجماعته، قد حال دون الاستخدام الفوقي (أي

القيادي) لقرار التوحيد الحركي للعمل الإسلامي، ولما كانت التربية المتبعة

باستمرار غالباً ما تكون تحت معادلة: ما عندنا حق وما عند غيرنا ليس كذلك! !

فإن قضية لمِّ الشتات الإسلامي أصبحت قضية معقدة! ! ولكن لا مندوحة من وضع

الحلول اللازمة لها.

إن الحل الذي أطرحه هو التوجه المباشر نحو الفرد المسلم المنتمي وغير

المنتمي، ومخاطبته فكرياً وتربوياً بطريقة تتخطى التوجيهات الحزبية المسبقة.

ولكن من الذي يقوم بهذا الخطاب؟ ! وكيف يبلور الخطاب إلى واقع عملي يحقق

المفهوم التربوي؟ ! وما هي الأساليب التي يتحقق من خلالها الولوج في الطريق

الموصل للهدف مع مراعاة اختلاف البيئات والمستويات والانتماءات؟ ! وما هي

المراحل التي تقترح للوصول لتلك الغاية؟ وما هي التوقعات لنسب النجاح؟

وما.. وما.. وما.. أسئلة كثيرة.

في تقديري المتواضع أن مثل هذا الأمر لا بد أن تعقد لأجله ندوات كثيرة

لأجل لملمة حيثياته وصياغة وسائل تنفيذ مراحله، وأن يشارك في ذلك

المتخصصون وأصحاب التجارب من الإسلاميين.

إن السؤال الذي يُطرَح عنواناً لتلك الندوات والدراسات هو: كيف نستطيع

في عالمنا المعاصر إعادة صياغة الشخصية الإسلامية بحيث تكون معبرة عن

انتمائها لأهل السنة والجماعة عقيدةً وسلوكاً؟

إن مجموع هذه الشخصيات هي التي تشكل قاعدة الانطلاق في لَمِّ شتات فرقة

العاملين للإسلام. لا أحسب أنني وفَّيت ما أريد قوله في هذا الأمر الثاني، وأظن

أنني بحاجة إلى شرحه مسهباً في موضوع منفصل؛ لأن شرحه يطول ويتفرع،

ولكن أقصى ما أستطيع ذكره هنا أن هذا الطرح لهذه المسألة له حالياً رصيد من

الواقع وقد بدأ يؤتي ثماره وأُكُله، ولكن الطريق طويل وطويل، والاستعانة بالله

وحده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015