بأقلامهن
بدرية محمد
إن عنوان هذا المقال يثير الكتثير من الحزن والكمد على عقولٍ ذهبت وجعلت
من دول الغرب مقراً لها، ولكن في بداية حديثنا نود أن نبحر في قواميس اللغة
حتى نعرف معاً معنى كلمة هجرة.
ففي القاموس الوسيط يقول المؤلف: إن المُهَاجِر: الذي هاجر مع النبي،
والمهاجَر موضع المهاجرة والمَهْجَر: المكان الذي يهاجر إليه، ولكن إذا انتهينا من
معنى هذه الكلمة الصغيرة فإنا نود أن نعرف كيف تكون الهجرة وما هي أسبابها؟ !
فالهجرة في هذا الوقت تلعب دوراً كبيراً في تعزيز الاقتصاد الغربي، وكثير
من المهاجرين هم من المسلمين، والهجرة التي أعنيها: هي هجرة المفكرين
المسلمين إلى بلاد الغرب لمزاولة الأعمال مثل: التطبيب والهندسة وغيرها من
الأعمال الهامة التي تشكِّل في بلاد المسلمين فجوة كبيرة، ونحن ما نزال في حاجة
إلى الغربيين في كثير من الاختصاصات؛ لكن نحن نستورد منهم العقول الساذجة
التي لا تحمل أي معنى أو ثقافة أو أي معلومة هامة؛ لكنها تدعي ذلك، ومما يدل
على قولي أنه في أحد المستشفيات في هذه البلاد الإسلامية الواسعة كان هناك
طبيبان أمريكيان جاءا على أنهما في اختصاص القلب، وفي أول يوم سوف
يجريان عملية جراحية؛ ولكن بدأا يتحدثان؛ فقال أحدهما للآخر: كيف سنجري
العملية ونحن لا نعرف شيئاً؟ فقال الآخر: وما الذي يشغلك؟ نحن جئنا
لنجري العمليات وكأننا في محطة تجارب. وكان المريض عجوزاً فظنا أنه لا يفهم
اللغة الإنجليزية، فقفز هذا العجوز، وأخبر مدير المستشفى بذلك، وتم طرد هذين
الطبيبين.
والمشكلة هنا هي أنَّ علماءنا ومفكرينا الأفذاذ هم الذين يجلسون في بلاد
الغرب بينما العقول الخاوية هي التي تستوردها بلادنا فتأخذ الخبرة، وتدرس أحوال
المنطقة، وتدعو إلى النصرانية كما قالت (إيراهاريسن) تنصح طبيباً ذاهباً بمهمة
تنصيرية: (يجب أن تنتهز الفرصة لتصل إلى آذان المسلمين وقلوبهم فتكون لهم
بالإنجيل. إياك أنه تضيِّع التطبيب في المستوصفات والمستشفيات؛ فإنه أثمن تلك
الفرص على الإطلاق، ولعل الشيطان يريد أن يفتنك فيقول لك: إن واجبك
التطبيب فقط لا التبشير فلا تسمع منه) [1] .
ولكنْ هناك أسباب لهذه الهجرة: فمنها أسبابٌ سياسية، ومنها أسبابٌ مادية،
ومنها أسبابٌ اجتماعية.
والمشكلة التي يعاني منها العالم الإسلامي وخصوصاً العربي المضايقات التي
تحدث للعلماء والمفكرين فيلجؤون إلى بلاد الغرب حتى يمارسوا حرياتهم، لكن هذه
المشاكل التي تحدث لهم في بلادهم التي تدَّعي الإسلام هي في الحقيقة التي لا تخفى
على الكثير علمانية قد لبست جلد الأغنام وهي ذئاب بشرية مخيفة.
والسبب الثاني الماديات التي سلبت عقول البشر وأسرت أفئدة الناس وجعلتهم
يفكرون فيها صباح مساء؛ فهم يستقبلون المهاجرين إليهم ويمنحونهم جنسية الدولة، فإلى الله المشتكى!! ! ففي الدول الغربية يرفهون ترفيهاً كبيراً وتُغدَق عليهم ...
الأموال؛ فماذا يريدون أكثر من ذلك؟ ! هل يذهبون إلى بلادهم لينال بعضاً منهم
الفقرُ ويعاني بعضهم الآخر من عدم التشجيع العلمي الذي ينمي أفكارهم ويزيد
مخترعاتهم؟ ! فكان طبيعياً لما وقع من ضعف علمي أن يهاجر العقل الواعي
المسلم من بيئته التي لا يوجد بها أدنى احتفال حقيقي بالعلوم إلى الغرب الذي فتح
أبوابه لكل قادم. (ويعاني العالم الإسلامي في هذا العصر من نزيف يكاد ينخره وهو نزيف العقول الإسلامية المهاجرة التي تضم كفاءات علمية وأكاديمية أصبح العالم الغربي يعتمد عليها في بناء حضاراته) [2] .
يقول الأستاذ الدكتور (محمد علي موسى) : (إن عدد الأطباء المسلمين
الموجودين في باريس وحدها أكثر من الأطباء الموجودين على التراب الجزائري،
والباكستانيون بالذات بالآلاف في لندن حتى إن أكبر طبيب في تخصص القلب
والشرايين باكستاني وهو مقيم في لندن، وقد التقت به ذات يوم هيئة الإذاعة
البريطانية. ويشير تقرير رسمي للحكومة الباكستانية عام 1979م إلى دراسة قام بها اثنان من الأساتذة إلى أنه في اليوم التالي لإعلان نتائج كليات الطب في باكستان تقدم 90% من الخريجين بطلب إلى السفارة الأمريكية والبريطانية للهجرة.
أما الدراسة التي أُعدت عن مصر وهي دراسة محدودة بالنسبة لبلدٍ واحد مسلم: منذ سنة (1970م) وعلى مدار عشر سنوات امتنع (950) ممن حصلوا على
الدكتوراه من العودة إلى مصر، وحينما نترجم هذه الدراسة إلى أرقام تصبح مصر
كأنها هي التي تعطي معونة إلى أمريكا. ويبلغ عدد المسلمين المهاجرين من
مهندسين وخبراء وأطباء في أوروبا وأمريكا وكندا واستراليا 100 ألف عالم من
أصحاب الكفاءات العالية، ولو أن كل واحد منهم أنتج بحثاً على مدار العام لأصبح في عالمنا الإسلامي مائة ألف بحث؛ فكم من مشكلة تحلها هذه البحوث! وكم من إبداع يبدعه هؤلاء الباحثون!
لقد شهد الغربيون بهذه الظاهرة: ظاهرة هجرة العقول الإسلامية؛ ... فهذا رئيس جامعة كورنيل الأمريكية يصرح أمام الكونجرس بأن المهاجرين المسلمين من الأطباء وفَّرُوا على الولايات المتحدة إنشاء 30 كلية طب سنوياً [3] . وليس ذلك في مجال الطب فحسب بل في مجالات الصناعة كذلك؛ فمثلاً في مصنع (جمسي) الأمريكي يعمل 24 ألف يمني في هذا المصنع في الولايات المتحدة.
وأذكر كذلك إحدى المرات حين كنا ننصت إلى محاضرة لأحد الأساتذة ... خلال الشبكة المرئية أنه قال: إن غالبية الباحثين والعلماء المفكرين في الغرب هم الباكستانيون والهنود والمصريون المسلمون الذين يبحثون ويُجربون في المختبرات. ومن سعة مكر الغرب ودهائهم أن إحدى الطبيبات السعوديات وتُدعى سامية قُتلت في الولايات المتحدة الأمريكية على إثر اختراع جهاز يتمكن من إزالة سرطان المخ؛ لأن صاحب العمارة طلب منها أن تبيعه هذا الجهاز بأي ثمن تريد فرفضت. إذن ما هي الفائدة التي تجعلنا نبعث أبناءنا إلى الغرب كي يجلسوا هناك وينالوا الجنسيات أو يُقتلوا؟ ! لكن السؤال الذي يُبْرز نفسه على ساحة الواقع، ويضع أمامه العديد من علامات الاستفهام هو: هل نحن المسلمين بنينا حضارة الغرب في البداية ونبنيها في الوقت الحاضر؟ ! !