شئون العالم الإسلامي ومشكلاته
تركستان المنسية
عن الاندبندنت 20/10/1988
قبل أسابيع معدودة من الآن خرج مئات من الطلاب التركستانيين المسلمين
(الأويغور) [1] في جامعة مدينة أورومجي في مظاهرة في شوارع المدينة وهم
يلوحون بلافتات ويطلقون شعارات ضد خصمهم التقليدي: المستوطنين الصينيين
وذلك احتجاجاً على إعلان ظهر في أحد أروقة الجامعة يدعو إلى اتخاذ رجال
الأويغور عبيداً ونسائهم جواري.
وقالت سيدة تركستانية: (إننا في منظور الصينيين دائما قوم غير متحضرين
ولا نعرف النظافة) وعلق مسؤول صيني على الأحداث فقال: (إن هناك نفراً قليلاً
ممن يتآمر بالخفاء ضد وحدة الوطن الأم، وأضاف. إن أولئك هم خونة ومن حثالة
الناس ولا يمكن التسامح معهم) ، وكانت آخر جولات المصادمات بين المسلمين
والصينيين قد حدثت قبل سبع سنوات عندما خرج المسلمون في انتفاضة عارمة في
مدينة كاشغر [2] مستخدمين أسلحة نارية استولوا عليها من إحدى ترسانات السلاح
الحكومية، وقد استدعى جيش التحرير الشعبي لسحق الانتفاضة مما أدى إلى سقوط
المئات من القتلى في صفوف المسلمين. وتخشى الحكومة الصينية من أن تكون
أحداث كهذه امتداداً طبيعياً لما يحدث في الجمهوريات المسلمة في الاتحاد السوفييتي
المجاور، هذا بالإضافة إلى المشاعر الأخوية التي يكنها مسلمو تركستان - الذين
يستقلون بلغتهم ودينهم وتاريخهم - لمسلمي الاتحاد السوفييتي مما يجعل أمر ولائهم
السياسي لبكين مدار شكوك لدى الحكومة الصينية.
وكان الشيوعيون الصينيون قد قضوا على آخر محاولة تحررية قام بها مسلمو
تركستان في عام 1932 م واستمرت خمسة أعوام اضطر الصينيون حينها
للاستعانة بالآلاف من القوات الروسية التي مكنتهم من سحق التمرد. ثم تعرضت
البلاد إلى محنة أخرى إبان ما يسمى بالثورة الثقافية التي قادها (ماوتسي تونغ)
هُدّمت وأغلقت خلالها المئات من المساجد، في حين قضت المزارع التعاونية على
أسباب عيش الرعاة القرويين والتجار والمزارعين.
هذا وقد عمدت الحكومة الصينية إلى توطين أعداد كبيرة من الصينيين في
إقليم تركستان وذلك لموازنة كفة السكان هناك. ففي الوقت الذي لم تكن فيه نسبة
الصينيين تتجاوز الـ 10 % من مجموع السكان البالغ أربعة ملايين في عام
1949م باتوا اليوم يشكلون ما يربو على 46% من مجموع سكان الإقليم البالغ
(14) مليون.
وبعد ما يزيد على نصف قرن من الحكم الشيوعي مازال التركستانيون
يعيشون في عزلة اجتماعية شبه تامة عن الصينيين، بل إنه من النادر تحدثهم
باللغة الصينية، أما الطلاب الجامعيون فيرفضون بشدة سياسة الدولة الهادفة إلى
مزج الطلاب المنحدرين من عرقيات مختلفة في الوحدات السكنية الجامعية. ويحبذ
مسلمو تركستان هذا النوع من الانفصال العرقي وذلك لأنه الأسلوب الوحيد الذي
يتمكنون من خلاله المحافظة على هويتهم الإسلامية، في حين أن أكثر ما يثير
حفيظتهم هو ما يلحظونه من عدم مساواة في توزيع قرص العمل لاسيما في المراكز
الرسمية المهمة، حيث يشغل الصينيون معظم الوظائف الإدارية العليا والحساسة.