دراسات تربوية
عبد العزيز بن ناصر الجليل
تحدثت في مقال سابق عن المقصود بالدعوة مذكِّراً بأن دعوة النفس أوْلى
بالبدء، ثم الأقرب فالأقرب. وهنا مسألة مهمة تتعلق بالإخلاص في الدعوة إلى الله- عز وجل - عامة وهي مسألة قلما نتنبه إليها أو ننبه عليها.
وجُلُّ ما نفهمه من معنى الدعوة إلى الله - عز وجل - هو أن الداعية إنما
يدعو إلى ربه وإلى سبيله وتوحيده وطاعته، وإلى إقامة دينه.
ولا شك أن هذه معانٍ صحيحة وأهداف سامية للدعوة إلى الله - سبحانه -
لكنَّ هناك معنيً لطيفاً ومسألة عظيمة يتضمنها مفهوم الدعوة إلى الله - تعالى -
يتعلق بإخلاص الدعوة له - سبحانه - وهو ما أشار إليه الشيخ محمد بن عبد
الوهاب - رحمه الله تعالى - في (مسائل باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله)
وهو من أبواب كتاب التوحيد؛ حيث يقول: (المسألة الثانية: التنبيه على
الإخلاص؛ لأن كثيراً لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه) .
يا لها من مسألة عظيمة يغفل عنها الكثير منّا، وإنها لمن الدقة واللطف بحيث
توجد عند البعض منا دون أن يشعر بوجودها، وإن لم يفتش الداعية عنها في نفسه
ويبادر إلى التخلص منها فإنها قد تكون سبباً في حبوط العمل وضياع الجهد - عياذاً
بالله - تعالى - وهناك علامات ومظاهر يدل وجودها على تلوث القلب بهذه الآفة
الخطيرة منها:
1- الحزبيّة المقيتة التي تدفع بصاحبها إلى عقد المحبة والعداوة على الأسماء
والأشخاص والطوائف.
2- حب الشهرة والصدارة والتفاف الناس، وكراهية الدعاة الآخرين
والانقباض والضيق من تجمع الناس حولهم؛ لا لشيء إلا لأن في ذلك منافسة
وحسداً في القلب.
3 - التزهيد في أعمال بعض الدعاة وتحقيرها وتشويهها حتى ولو كان هذا
العمل قد ظهر خيره وصلاحه، فلا ترى صاحب القلب المريض الذي يدعو إلى
نفسه - وليس إلى الله تعالى إلا مستاءاً من ذلك، ولو كان الأمر إليه لأوقف كل
عملٍ خيِّرٍ يقوم به غيره. وهذا من علامات الخذلان - عياذاً بالله - تعالى - لأن
العبد المخلص في دعوته إلى الله تعالى يحب كل داعية إلى الخير - ولو لم يعرفه
أو يره - ويدعو له بظهر الغيب، ويفرح بأي باب من الخير يفتحه الله تعالى على
يد من كان من عباده، ويفرح بأي باب من الشر يُغلق على يد من كان؛ لأن في
ذلك صلاحاً للعباد وإسهاماً في هدايتهم وتعبيدهم لرب العالمين، وكفى بذلك هدفاً
وثمرة تثلج صدر الداعية المخلص سواء تحقق ذلك على يديه أو على يد غيره من
الداعين إلى الله تعالى.
4 - الوقوع في غيبة الدعاة أو السعي بالنميمة والوشاية لإلحاق الأذى بهم أو
إشاعة ما هم منه برآء في الناس حتى ينفضُّوا من حولهم ويلتفوا حوله.
والأمثلة كثيرة، وكل إنسان أدرى بنفسه، وهو على نفسه بصيرة،
والمقصود التنبيه على هذه الآفة الخطيرة التي تمحق بركة الأعمال في الدنيا،
وتذهب بأجرها في الآخرة.