المنتدي
علي بن أحمد الزهراني
إن القرابة الحقة القائمة على مبدأ المحبة والتواد والصفاء والنصح لجانب
الخير، والعتاب واللّوم للوقوع في الشر والمعصية - هذه القرابة تُعَدُّ من أقوى
الأسس المعينة للعبد على طاعة المعبود، ولا سيما إذا توحّدت أواصر القرابة،
وركّزت جُلَّ هدفها في التنشئة الدينية الصحيحة، وإذا تحقق هذا المبدأ، وقُوِّيت
تلك الأواصر، وتوحّدت هذه الصِّلات؛ رأينا في وجوه المولودين منها الخير
والنفع، وأضحت حياتهم هنيئة سعيدة في ظل العقيدة حتى وإن شذَّ عن هذه القاعدة
بيتٌ مَّا أو شخص بعينه، ولو قلَّبنا صفحات التاريخ بوجهيه المشرق والمظلم
(النور والجهل) لكانت الأمثلة جمّة والبراهين واضحة والأدلة ملموسة، وعلى
النقيض من ذلك تأتي أسوأ قرابة وأرذل صلة - ينبذها الدين ويكرهها كل عاقل
ومدرك - إنه النسل القريب (شكلاً) البعيد مضموناً؛ حيث تنشأ القرابة في ظلمٍ
مستميت بعضها لبعض، فيأكل القوي الضعيف، ويعيش أفرادها في حقد وحسد
وبغض، ومن ثم يبدأ التفاخر والمضايقة، وتظهر المواجهة القبيحة والمشاجرة
العلنية، ولا غرابة حينها أن ترى ألوان الظلم وأشكال التحايل، وصنوف العصيان
التي تتوارثها الأجيال تلو الأجيال - إلا من رحم ربك - لأن السبب المباشر في
بزوغ مثل هذه الظواهر السيئة عدم تمحور هذه القرابة في سلك الخير ومجانبتها
دروب الشر؛ فينشأ عن ذلك تباعُدُ أفرادها عن تطبيق منهج العقيدة السمحة التطبيق
الصحيح، واستسلامها لأهواء النفس ونزغات الشيطان. ولك أن تلحظ تلك الحياة
التعيسة المريرة التي يعيشها أولئك الأفراد، وخاصة أطفالهم الذين لا ذنب لهم سوى
اتصالهم بأبناء عمومتهم وذويهم؛ ليلاقوا وقتئذ الشتم والتوبيخ والتأنيب فيتبلوروا
عليها ويعيشوا من أجلها، ولا أغفل أو أنسى قدرة القادر في إخراج التقي من صلب
البغي ليكون منها الناصح المرشد والصابر الموجه المتحمل قسوتها والمفادي بنفسه
وماله لحفظها، والمقرب لودها وإن أصابه ما أصابه.