قضايا دعوية
عبد العزيز الجليل
إن المتأمل في كتاب الله - عز وجل - وفي واقع الدعوة إلى الله - عز وجل- يرى أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الدعوة إلى الله - تعالى - والجهاد في سبيله
وبين عقيدة الولاء والبراء في نفس الداعية.
فكلما قوي شأن الدعوة وقوي شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند
الداعية المخلص لربه كلما قويت هذه العقيدة في نفسه، وظهرت بشكل واضح في
حياته ومواقفه ومحبته وعداوته حتى يصبح على استعداد لأن يهجر وطنه وأهله
وماله إذا اقتضى الأمر ذلك؛ بل إن هذه العقيدة -أعني عقيدة الولاء والبراء -
لتبلغ ذورة السنام في قلب الداعية وتنعكس على مواقفه، وذلك في جهاد أعداء الله
ولو كانوا أقرب قريب؛ قال الله - تعالى -: [والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
ويُطِيعُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] [التوبة: 71] .
وقال - تعالى -: [إن الَذِينَ آمَنُوا وهَاجَرُوا وجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأَنفُسِهِمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ والَّذِينَ آوَوا ونَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ] [الأنفال: 72] .
والعكس من ذلك واضح ومُشاهَد؛ فما من داعية فترت همته وضعف نشاطه
ومال إلى الدنيا وأهلها إلا ظهر الضعف عنده في عقيدة الولاء والبراء، ويستمر
الضعف والتنازل تبعاً لضعف الاهتمام بشأن هذا الدين حتى يصل إلى مستوى
بعض العامة من الناس الذين لا هم لهم إلا الدنيا ومتاعها الزائل، ولو نوزع في
شيء من دنياه لهاج وماج، أما أمر دينه ودعوته فلا مكان لذلك عنده فمثل هذا
الصنف تصبح عقيدة الولاء والبراء في قلبه ضعيفة ورقيقة سرعان ما تهتز أو
تزول عند أدنى موقف.
ولعل في هذا تفسيراً لتلك المواقف المضادة للعقيدة التي نراها من أولئك
البعيدين عن الدعوة والجهاد، كتلك المواقف التي تظهر فيها أثر القوميات
والوطنيات والقبليات على نفوس هؤلاء الذين يعقدون ولاءهم وبراءهم وحبهم
وعداوتهم على هذه الرايات الجاهلية، وليس على عقيدة التوحيد والإسلام.
والحاصل أن عقيدة الولاء والبراء ليست عقيدة نظرية تدرس وتحفظ في
الذهن المجرد؛ بل هي عقيدة عمل ومفاصلة، ودعوة ومحبة في الله، وكره من
أجله وجهاد في سبيله؛ فهي تقتضي كل هذه الأعمال، وبدونها تصبح عقيدةً في
الذهن المجرد سرعان ما تزول، وتضمحل عند أدنى موقف أو محك؛ فإذا أردنا أن
نقوي هذه العقيدة العظيمة في نفوسنا فهذا هو طريقها: طريق الدعوة، والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله - تعالى -، وكلما ابتعد
الداعية عن هذه الأعمال مؤْثراً الراحة والدعة فهذا معناه هشاشة هذه العقيدة،
وتعرضها للخطر والاهتزاز.
ولا غرابة في ذلك، فإن الإيمان - كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة:
قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. والولاء والبراء من أخص
خصائص الإيمان، فهو يزيد بالعمل الصالح الذي من أفضله الجهاد والدعوة،
وينقص بالمعصية التي منها ترك واجب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر والجهاد في سبيل الله - تعالى -.