الورقة الأخيرة
المرأة في حياة الدعاة
فاطمة بنت عبد العزيز
لا شك أن هناك تلازماً حسياً ومعنوياً بين المرأة والمرآة، كما أن هناك تشابهاً
لفظياً كبيراً بين الكلمتين، لكنني في هذه العجالة لن أتحدث عن المرآة حديث الأنثى
التي ترى فيها جزءاً من مقومات جمالها وأنوثتها، بل سأتجاوز ذلك إلى مفهوم آخر
للمرآة، وفوائد أخرى نستفيدها من هذه الأداة في ميدان هام وهو ميدان الدعوة
وتقويم سلوك الدعاة، وعلاج بعض الانحرافات الخطيرة في المنهج الدعوي.
فعلى الرغم من كثرة ما كُتب ويكتب حول أهمية نبذ الفرقة والاختلاف في
صفوف الدعاة، وذم الاشتغال بالنقد الهدّام، وكيْل الاتهامات والتشهير بالأخطاء؛
إلا أن هذا الموضوع يظل بحاجة إلى المزيد من الطرح الإعلامي الهادف لضرورة
الحد من هذه الظاهرة المزعجة التي أقلقت كل غيور على مسيرة الصحوة الإسلامية
المباركة. وواجب على كل قادر على إنكارها أن يقوم بما أوجبه الله عليه من
محض النصيحة لدين الله عز وجل ولعامة المسلمين.
فالمؤمن مرآة أخيه، وللتعبير بالمرآة دلالات عميقة وإيحاءات لطيفة يحسن
بنا أن نتلمسها ونتمسك بها؛ فما أحوجنا معشر الدعاة إليها، ومن ذلك:
* أن الأصل في المرآة أن تعكس الصورة الظاهرية للآخرين، دون النفاذ
إلى البواطن؛ وهكذا المؤمن تجاه إخوانه يراهم كما هم، يقبل ظواهرهم،
والسرائر ليست إليه؛ بل هي إلى بارئها عز وجل هو وحده يتولاها؛ وهذا هو
المسلك الشرعي في الحكم على الأشخاص.
* وحينما تكون المرآة صافية فإنها تنقل الصورة كما هي دون تغيير أو تشويه، أما حينما يعلوها الغبار أو تتلطخ بالأقذار فإنها تعكس ما بها من كدر على الأشياء
الجميلة، فتبدو سيئة، لا في الحقيقة ولكن بسبب كدر المرآة، وهكذا النفس
البشرية، فهي حينما تصفو من الأدران المعنوية والأمراض القلبية كالبغض والحسد
وحب الظهور، فإنها تنصف الآخرين وتراهم بما فيهم من غير تشويه أو تغيير،
ولكن حينما تتطلخ النفوس بالأدران، وتمرض القلوب بالأدواء فلن تصفو صورة
الآخرين لديها، كما هو حال تلك المرآة الملطخة، فلا بد من صقل القلوب كما
تُصقل المرآة، لئلا نظلم الآخرين ونظلم قبل ذلك أنفسنا.
ومن لطائف هذا التعبير أن المرآة لا تكتم القبائح والعيوب؛ بل تجلّيها
وتُظهرها، ولكن ليس لكل أحد؛ بل حينما يُطل عليها صاحبها؛ وهكذا المؤمن
ينصح أخاه ويُبَصّره بعيوبه ويستر عليه دون تشهير أمام الآخرين وفق الضوابط
الشرعية المعروفة.
ومن اللطائف أيضاً: أن المرآة تتعامل مع الناس على حد سواء؛ فلا تفرق
بين صديق وغيره، بل تنصف الجميع فلا تزداد بهاءً وصفاءً مع صديق أو قريب؛ كما لا تتعامى عن عيوبه مهما بلغ قربه منها، وهكذا يجب على المؤمن أن يكون؛ فلا يتعامى عن عيوب من يحبه أو يوافقه، ويضخم نقائص من يكرهه أو يخالفه
في الرأي؛ فالعدل مطلب شرعي على كل الأحوال.
تلكم هي إخوتي بعض الدروس واللطائف من هذه العبارة التي تتردد على
ألسنة الكثيرين منا دون فهم لمعناها أو تطبيق لمقتضاها، وهي دعوة جديدة لنسلك
هذا المسلك في التعامل مع الآخرين. نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين إنه
سميع مجيب.