ملفات
(القبور والأضرحة دراسة وتقويم)
الأضرحة في العالم الإسلامي
مشاهد متفرقة
الخرطوم: عثمان محمد سليمان
دكا: عبد الله الشهيد
القاهرة: أحمد محمد
أسمرة: إدريس محمد إدريس
هذه بعض المشاهدات التي أرسلها للبيان بعض الكتاب نضعها بين يدي
القارئ ليزداد بصيرة بحجم هذا المرض الفتاك (تقديس القبور والأضرحة)
وللمارسات غير الشرعية التي تقوم بها العامة تحت سمع وبصر بعض العلماء،
ومما يندى له الجبين أن بعض العلماء يشارك في هذه الطقوس المبتدعة تحت اسم
مولد الولي فلان أو الرجل الصالح علان.
ومن هذا القبيل شد الرحال لما يسمى بالعتبات المقدسة وما يحصل فيها من
استغاثات للأموات وتمسح بها. فإنا لله وإنا إليه راجعون. ...
- البيان -
القبور والأضرحة مزيد من البيان:
منذ عصر دولة بني عبيد بن القداح الذين ادعوا زوراً وبهتاناً أنهم فاطميون
عرفت البدع الشركية طريقها إلى السودان، وأخذت تنتشر وتستفحل، ثم زاد
الطين بلة وجود التوجهات الصوفية البدعية في عصر الدولة العثمانية، فأعطت
زخماً جديداً لهذه البدع التي أضحت أحد العناصر الأساس في الحياة الاجتماعية
لأكثر السودانيين، قبل أن تأتي الدعوة السلفية وتحاول الوقوف أمام هذا الطوفان..
ويقف على رأس هذه البدع: ما يتعلق بالقبور؛ فقد أصبح اتخاذ القباب
والأضرحة على قبور من يُعتقد صلاحهم أحد ذرائع البدع القولية والعملية،
والكبيرة والصغيرة في حياة الناس.
والقبة عبارة عن بناء شاهق يُتخذ على شكل مخروطي أو نصف كروي، يقام
على قبر من يُعتقد فيه الصلاح والولاية.. ولكن كيف يعرف احتواء هذا القبر على
من يعتقد في صاحبه الصلاح أو الولاية؟ ..
يتم ذلك عن طريق ما يسمونه بـ (البيان) ! ، فحسب الاعتقاد السائد في
السودان: يمكن أن يرى شخص ما رؤية منامية، يرى فيها شيخاً من الشيوخ ممن
ماتوا ودفنوا في مكان ما، فيرى الرائي أن هذا الشيخ دله على مكان معين و (بيّن) ، أي: ظهر فيه، فيبادر هذا الرائي عند استيقاظه بالتوجه إلى ذلك المكان فيرفعه
عن سطح الأرض، وينصب عليه الخرق والرايات، معلناً أن الشيخ الفلاني بيّن
في هذا المكان، فيعرف المكان بأنه (بيان) الشيخ الفلاني، ثم يزار كغيره من
الأضرحة والقباب، وتُعقد له وحوله الطقوس المعروفة بهذه الأضرحة.
ومن حيث أماكن اتخاذها تنقسم القباب والأضرحة إلى قسمين:
أ - قباب تبنى في مقابر المسلمين العامة، حيث تبدو القبة شاهقة وسط
القبور.
ب - قباب تبنى في المساجد، أو تبنى عليها المساجد، وقد تكون في قبلة
المسجد، أو في الخلف، أو في أحد جوانبه.
ومن أشهر القباب والأضرحة في السودان:
* قبة الشيخ/ محمد عثمان عبده البرهاني (شيخ الطريقة البرهانية) بالخرطوم
السوق الشعبي.
* قبة الشيخ/ قريب الله، بأم درمان، ودنوباوي.
* قبة الشيخ/ دفع الله الصائم ديمة، بأم درمان أميدة.
* قبة الشيخ/ حسن ود حسّونة، بالخرطوم بحري.
* قبة الشيخ/ دفع الله الفرقان، بأم درمان، جنوب السوق.
* قبة الشيخ/ أبو زيد، بأم درمان، سوق ليبيا.
* قبة الشيخ/ حمد النيل، بأم درمان.
* قبة الشيخ/ محمد بن عبد الله كريم الدين (شيخ الطريقة المحمدية الأحمدية
الإدريسية) .
* قبة الشيخ/ إبراهيم ود بَلاّل، بالقطينة.
* قبة الشيخ/ الطيب ود السايح، بأبي شنيب، قرب الحداحيد.
* قبة الشيخ/ حمد ود أم مريوم، بالخرطوم بحري، حي حِلّة حمد.
* قبة الشيخ/ خوجلي أبو الجاز، بالخرطوم بحري، حلة خوجلي.
* قبة الشيخ/ صديق ود بُساطي، غرب النيل الأبيض.
* قبة الشيخ/ طه الأبيض البطحاني، بشمال الجزيرة.
* قبة الشيخ/ الطريفي ود الشيخ يوسف، بأبي حراز.
* قبة الشيخ/ عبد الرحيم ود الشيخ محمد يونس، بأبي حراز.
وجدير بالذكر أن منطقة أبي حراز بها ما يقارب (36) قبة، من أشهرها
إضافة إلى ما سبق:
* قبة الشيخ أحمد الريح، وقبة الشيخ دفع الله المصوبن (أبو النعلين) .
وقد لوحظ على بعض القباب أنها حظيت برعاية بعض القادة السياسيين، مثل
قبة الشيخ يوسف أبو سترة، التي شيدت برعاية الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، وكذلك قبة الشيخ مدني السني، بمدينة ود مدني، كما لوحظ أيضاً عدم اقتصار
اتخاذ القباب على قبور المعظمين في المسلمين، بل من شدة الجهل والغفلة اتخذت
قبة على مقبرة (الرفيق) الصيني الشيوعي يانغ تشي تشنغ، في ود مدني، ولوحظ
كذلك: أن بعض هذه القباب يتوسط المساكن.
أما في إريتريا: فمن أشهر الأضرحة التي يرتادها الناس:
* ضريح الشيخ بن علي بقرية (أم بيرم) القريبة من مدينة مصوع الميناء
الرئيس لإريتريا.
* ضريح سيدي هاشم الميرغني وبنته الست علوية بمدينة مصوع، وعلى
كل من هذين القبرين مبنى مستقل على شكل مكعب ومغطى بالقماش مثل الكعبة،
وفي كل زاوية منه خشبة مستديرة الشكل يتبرك بها بعد الانتهاء من الطواف بالقبر!
* ضريح الشيخ جمال الأنصاري، وله وقت مخصص لزيارته، وإن كانت
أهميته لدى الناس أقل من سابقيه.
* ضريح جعفر، وقد بني عليه مسجد، ويقوم المصلون في المسجد بزيارته
بعد كل صلاة مفروضة.
* ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني، وهو ضريح وهمي في قرية
(حوطيت) بالقرب من مدينة جندع على ساحل البحر الأحمر.
* ضريح الشيخ الأمين المقام في أحد مساجد مدينة (أسمرا) العاصمة.
* ضريح سيدي هاشم في مدينة (كرن) التي تقع على الساحل الجنوبي من
إريتريا، وهو يعتبر من أكبر المشاهد التي يقصدها الناس من أنحاء عديدة في
البلاد، بل ومن الدول المجاورة كالسودان.
* ضريح أحمد النجاشي في (عدي قرات) التي تقع على الحدود الإريترية
الإثيوبية، وله يوم محدد (مولد) يقصده الناس فيه من أنحاء إريتريا وإثيوبيا.
بنجلاديش:
ولا تختلف الصورة كثيراً في شرق العالم الإسلامي حيث تنتشر الأضرحة
و (المزارات) ففي بنغلاديش، خاصة في مدن داكا (العاصمة) وشيتاغونج وسلهت
وخولنا، ولكن من الغريب ارتياد الناس لمزارات يوجد بها سلاحف وتماسيح يعتقد
فيها بعض الجهلاء النفع والضر، فيقدمون الأكل لها أملاً في الحصول على وظيفة
أو لتفريج كربة، وتحرص بعض النساء على مس هذه الحيوانات أملاً في حدوث
الحمل والرزق بالذرية، وقد نتجت هذه الاعتقادات والممارسات عن الزعم بأن هذه
الحيوانات تحولت إلى هذه الصورة بعد أن كانت من الأولياء الصالحين! وهناك
أيضاً مزارات تحتوي على أشجار يعتقد فيها وتعلق على أغصانها الخيوط والخرق.
ويولي المعتقدون في هذه الأضرحة والمزارات اهتماماً كبيراً بعمارتها
ومظهرها حيث تكون المباني مزخرفة ومزينة، ولكل قبر قبة مبنية بأحجار قيمة،
وتقوم على أمر هذه المزارات لجنة تضم أصحاب السلطة والمنتفعين من ورائها؛
حتى أصبح حالنا وحال هذه الأضرحة كما قال الشاعر المصري حافظ إبراهيم:
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم ... وبألف ألف يرزق الأموات
من لي بحظ النائمين بحفرة ... قامت على أحجارها الصلوات
تعددت المظاهر والانحراف واحد:
يعتبر الغلو والبدع والانحراف عن التوحيد الخالص عوامل مشتركة بين
مرتادي الأضرحة والمعتقدين فيها وإن تنوعت المظاهر حسب بيئة كل بلد وعادات
أهله.
ففي إريتريا يقصد كثير من القبوريين الأضرحة حاملين معهم الأغنام والأبقار
والسكر والقهوة والشاي وغيرها من أنواع الأطعمة إضافة إلى الأموال؛ ليقدموها
قرباناً إلى صاحب الضريح، وقد يذبحون الأنعام تقرباً أيضا للولي أو الشيخ،
ويطوفون بالقبر وبتمرغون بترابه، ويطلبون قضاء الحوائج وتفريج الكربات منه،
كما يحصل من الفساد الأخلاقي حول الأضرحة ما يستحيي الإنسان من ذكر
تفاصيله وخاصة الاختلاط وانتهاك الأعراض، وتكثر هذه الممارسات حول
الأضرحة الشهيرة، كضريح الشيخ (بن علي) وضريح سيدي هاشم الميرغني
وبنته الست علوية، وضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني، وضريح سيدي هاشم
وضريح أحمد النجاشي.
ويزداد الأمر سوءاً في السودان؛ حيث يحرص أتباع هذه الأضرحة
والمنتفعون منها على التأصيل لهذه الانحرافات، فتلقى المحاضرات وتؤلف الكتب
في الحث على ذلك، ومن أشهرها:
رسالة عبد الله المحجوب الميرغني، المتوفى سنة (1207هـ) ، واسمها:
(تحريض الأغبياء على الاستعانة بالأنبياء والأولياء) ، يقول فيها:
(ولهذا يتبين لك (وجوب) التعلق بالوسائل والأسباب، وتأكد لزوم التزام
الوسائط والأبواب، فتعلق بالوسائل والأسباب، والجأ واستغث، وانده [من النداء]
لخواص الله والأحباب، واطرق لدى الخطوب ما شئت من الأبواب، تنل بذلك من
فيض الوهاب ما لا يدخل في حساب) .
ونتج عن إشاعة هذا الاعتقاد والدعوة إليه أن تأثيره لم يقتصر على الطرقيين
فقط، بل امتد ليشمل جماهير عريضة في الشعب السوداني، وهذا ما شاهدته
بنفسي أثناء مطالعتي لتلك المزارات، فهناك عادات ارتبطت بتلك القباب، يقوم بها
روادها، منها:
1- ينبغي أن يخلع الزوار نعالهم خارج القبة، وبعضهم يخلعها خارج ساحة
المسجد، احتراماً لصاحب الضريح. وعلى أية حال: فمن المسلّم به عندهم أنه لا
يجوز دخول القبة بالنعلين.
2- يتم دخول القبة بإذن من حارسها، كما يتولى خادم الضريح (تطويف)
الزوار.
3- يتبرك الزوار بالضريح والقبة بطرق شتى: فمنهم من يأخذ من ترابها،
ومنهم من يضع يديه على السياج المعدني الذي حول القبر ويتمسح بها، ثم يمسح
على جسده وملابسه.
4- الطواف داخل القبة حول القبر من الممارسات الشائعة والمألوفة عند
هؤلاء الزائرين.
5- وكذلك دعاء المقبور والاستعانة به والإلحاح عليه في الدعاء، فقد رأيت
بعض الزائرين يجلس عند القبر ممسكاً بسياجه، ويلح في طلب حاجته، وأحياناً
يصرخ، وبعضهم الآخر يدعو المقبور أثناء الطواف حول القبر، ومما يندى له
الجبين أن امرأة شوهدت عند قبة الشيخ عبد الباقي تحمل طفلاً، ترفعه بيديها
وتهزه وهي تخاطب الشيخ المقبور راجية منه البركة في صغيرها، ثم تقول:
(يا شيخ.. سمعت؟) لتتيقن سماعه وقضاء حاجتها!
6- ومنهم من يلتزم القبر بداخل القبة، ويصيح عنده ويجأر به.
7- ورأيت من يسجد وهو مستقبل القبة نسأل الله السلامة.
8- ومن المعتاد: تقديم النذور عند هذه القباب.
9- ومن الناس من يعكف عندها أياماً وشهوراً، التماساً للشفاء أو لقضاء
حاجة من حوائجه، وقد أُلحقت ببعض القباب غرف انتظار الزائرين لهذا الغرض.
10- وقد لوحظ أن زيارة القباب تتم في جميع أيام الأسبوع، وتزداد في أيام
الجمع والأعياد؛ حيث يكتظ كثير من القباب بالزوار في هذه المناسبات، كما لوحظ
اختلاط الرجال والنساء في هذه الزيارات، وأن معظم الزائرين من النساء.
وفي بنجلاديش يأتي الناس إلى المزارات ويظنون أنها أقدس مكان على وجه
الأرض، لذا: فهم يسجدون أمام الأضرحة إجلالاً لها واحتراماً، ويطلبون من
أصحابها الذرية ودفع المصائب وتفريج الكروب، كما يقدمون لهم النذور من
الأموال والحيوانات كالغنم والبقر التي تذبح باسم صاحب القبر، وأخيراً ينصرفون
وهم يظنون أنهم فعلوا خيراً كثيراً؛ لأنهم يعتقدون أن لأصحاب هذه الأضرحة يداً
في تصريف الأمور، بل وفي إدخالهم الجنة، ويكون عدد المترددين أكثر بعد
العصر وخاصة ليلة الجمعة.
وينتشر حول هذه الأضرحة بعض القبوريين الذين يعيشون في ساحاتها
ويلازمونها، وهم صنفان من حيث مظهرهم:
الأول: أناس أصحاب هيئة رثة لا يلبسون إلا القليل من الملابس، التي تكاد
ألا تستر غير عوراتهم، ويطلقون شعورهم ولحاهم وشواربهم التي بدا عليها التلبد
والقذارة، فهم لا يغتسلون من أوساخهم ولا ينظفون ملابسهم.. ومع ذلك يختلط
الناس بهم طلباً للبركة منهم، وتبيت معهم النساء، ولا يتحرزن عن معاشرتهم.
الثاني: يهتمون بمظهرهم وينظفون ملابسهم إلى حد ما، يجلس الواحد منهم
في ساحة الضريح وحوله الناس ينادونه بكل شوق ورغبة باسم (بابا) ، وهم دائماً
يحققون ما يأمر به، وتبيت النساء أيضاً عنده من غير تحرز عن ارتكاب الفواحش
معه، حيث يتناولون المخدرات والمسكرات ويغنون بإيقاع خاص أشعار الشرك
والفجور، ولا يتورعون عن ارتكاب الزنا.
وفي مصر تلقى الأضرحة احتراماً وتبجيلاً لدى كثير من الناس، حيث يندفع
أكثرهم لا شعورياً للقيام ببعض الممارسات المتنوعة والمتعلقة بهذه الأضرحة،
وتبدأ هذه الممارسات بالحرص على الصلاة في المسجد الذي به الضريح، ثم
الحرص على زيارته وترديد بعض الكلمات والصلوات والدعوات. وبالطبع فإن
هذا الحرص يتفاوت حسب شهرة الضريح ومكانته في نفوس الناس وحسب دوافع
الزائر له، ويلي ذلك: التمسح بالضريح وتقبيله طلباً للبركة، ويليه: التوسل بجاه
صاحب الضريح اعتقاداً أن ذلك أقرب إلى إجابة الدعاء، ثم ينتهي المطاف ببلوغ
غاية الضلال والخرافة عندما يتوجه إلى صاحب الضريح بالدعاء والرجاء وطلب
قضاء الحاجات منه، وغالباً ما يصحب الدعاء استقبال للضريح حتى ولو كانت
القبلة خلف ظهره، كما يظهر على الزائر الخشوع والسكينة والتأثر الذي قد يصل
إلى حد البكاء، وقد يصل الولع والوجد ببعضهم إلى الإغراق في حالة من انعدام
الوعي، فيصبح (مجذوباً) .
وعادة ما يضع الزائر بعض ما تجود به نفسه في صندوق النذور صدقة أو
قربة لصاحب الضريح.
ومن الملاحظ أن طبيعة النذور المقدمة تطورت من الماضي إلى الحاضر،
كما أنها تختلف بحسب وجود الضريح في وسط قرى ريفية أو وسط تجمعات
عمرانية حضرية.
ومن الملاحظ أيضاً: أن حركة الناس في الدخول إلى الضريح والخروج منه
تختلف حسب مكانة صاحب الضريح، ولكنها عموماً تزداد في أوقات الصلوات،
وهذا بالطبع بخلاف أوقات الموالد التي تعج بالزائرين.
وماذا عن الموالد؟
تكثر الموالد في مصر، ويشتهر منها: المولد النبوي، ومولد البدوي الذي
حضره عام 1996م حوالي 3 ملايين زائر، حسب تقرير الحالة الدينية في مصر
الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية، ومولد إبراهيم الدسوقي، ومولد أبي
الحسن الشاذلي، ومولد المرسي أبي العباس، ومولد أبي الحجاج الأقصري، ومولد
إبراهيم القنائي.
والاحتفال بالمولد النبوي كغيره من الموالد يغلب عليه مظاهر الاحتفال الشعبي
الفولكلوري المصطبغ بالصبغة الدينية، ويشترك مع غيره من الموالد في سمة
حضور جمهور كبير من أنحاء متفرقة، وإقامة بعضهم حول أحد الأضرحة،
وإنشاد المدائح الخاصة بصاحب المولد، مع نشاط اقتصادي واجتماعي حول أحد
الضريح، إضافة إلى ما سبق أن ذكرناه من ممارسات وطقوس يقوم بها الزائر تجاه
صاحب الضريح. وتعجب أشد العجب أن تجد بعضاً ممن ينتسب إلى العلم والدعوة
يحضر بعض هذه الموالد، بل ويروج لها عند العامة، ولا يتورع عن ممارسة
بعض البدعيات المحدثة، فيكون قدوة سيئة للجهلة، نعوذ بالله من الخذلان.
ويوم الاحتفال بالمولد النبوي يكون إجازة رسمية في البلاد، ويقام بصفة
رسمية في كل محافظة بمصر حيث تشرف عليه السلطات لضمان سيره بانتظام
وأمان، وهو يقام في ساحة عامة بجوار أحد المساجد الكبيرة غالباً، وعادة يكون
المسجد ضريحاً لأحد الأولياء المشهورين، وقبل المولد تهيأ الساحة والشوارع
بالزينات والأضواء، ويستعد أصحاب كل نشاط بما يلزم من جلب البضائع ونصب
الملاهي، ويزدهر نشاط الباعة والمحلات وبخاصة أنشطة بيع الحلوى والألعاب
وأنشطة المقاهي والمطاعم وبيع الأدوات المنزلية، وتزدحم الفنادق، وهي غالباً
ذات مستوى متدنٍ.. ويشيع جو من المرح والضجيج في مكان المولد.
وقد شاهد مندوب البيان احتفال (الليلة الكبيرة) للمولد النبوي في القاهرة،
حيث سار موكب ممثلي الطرق الصوفية لمدة (45) دقيقة تقريباً مشياً على الأقدام
حاملين الأعلام والرايات في جو من البهجة والاحتفال بدءاً من ضريح الشيخ صالح
الجعفري بمنطقة الدرّاسة إلى مسجد الحسين، وهناك وجدوا في انتظارهم بعض
المستقبلين، على رأسهم شيخ مشايخ الطرق الصوفية، فقاموا بالسلام عليه وقراءة
الفاتحة والدعاء جماعيّاً. ويشهد هذا الاحتفال أيضاً كبار رجال الدولة أو ممثلون
عنهم، وعلى رأسهم شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية ورئيس جامعة الأزهر
ووزير الأوقاف ومحافظ القاهرة؛ حيث يلقي معظمهم كلمات في الاحتفال، كما
يشهد حضوراً إعلاميّاً واضحاً من صحافة وإذاعة وتلفاز.
وبعد نهاية الاحتفال الرسمي ينصرف أتباع الطرق الصوفية لإلقاء أناشيدهم
ومدائحهم وأذكارهم في أماكن معدة لذلك سلفاً، ويستمرون في ذلك حتى منتصف
الليل تقريباً.
ولا تختلف نوعية زوار المولد النبوي عما ذكره (تقرير الحالة الدينية بمصر)
عن زوار مولد البدوي، فهم يشملون:
* فريقاً هدفه إحياء ذكرى المحتفل به.
* وآخرين يحرصون على التبرك، ومنهم البسطاء والفقراء والأغنياء،
الأميون والمثقفون، ويرى هؤلاء أنه إذا لم يتمكنوا من الحضور لأي سبب، سواء
أكان بإرادتهم أو رغماً عنهم، فسيصيبهم أذى أو ضرر، ويعتقدون أن الزيارة
ستفتح أبواب الرزق أمامهم، بل وتغمرهم بسعادة بالغة.
* ومنهم من كان مريضاً جاء لطلب الشفاء، أو من كانت عاقراً وعقيماً تأمل
في تحقيق أملها بإنجاب طفل.
* وفريقاً آخر يبحث عن الترفيه والسياحة وقضاء وقت ممتع، وهم الفئة
الشبابية.
* وهناك نمط آخر من الزوار يهدف للتسويق والتجارة سواء بالبيع أو الشراء.
وبالإضافة إلى ذلك: هناك الجمع الغفير من أتباع الطرق الصوفية، هدفهم
إحياء الذكرى ونوال البركة ونشر طريقتهم الصوفية. أما عن المشاركة بين
المسلمين والأقباط فهي قديمة جدّاً؛ إذ إن التاريخ يذكر أن ابن طولون كان يقيم
الولائم وكان المسلمون يحتفلون بالأعياد القبطية مشاركة للأقباط، وسار على نهج
الطولونيين الإخشيديون في الاحتفال بأعياد النصارى.. ولا تزال هذه المشاركة
موجودة حتى عصرنا الراهن! ومن أغرب الأمور بهذا الصدد؛ أن مولداً يقام
سنوياً باسم (مولد سيدي أبو حصيرة) وهو يقام عند ضريح لرجل يهودي بهذا الاسم، وتأتيه كل عام وفود كبيرة من السياح اليهود من إسرائيل، وتقام حراسة مشددة
لحماية الاحتفال حتى ينفض! !
وفي السودان يتم الاحتفال بالمولد النبوي في صورتين:
الصورة الأولى: الاحتفال في الميادين والساحات:
وقد تأصل هذا النوع من الاحتفالات حتى خصصت لها ميادين معينة، عرفت
بميادين المولد؛ ففي كل مدينة ميدان يسمى ميدان المولد الكبير، وهو ساحة متسعة
مخصصة لهذا الغرض، وتلتقي فيه كل الطرق الصوفية المشتركة في الاحتفال
بالمولد، وتتم المشاركة فيه بعد الحصول على تصديق رسمي من الدولة يتم بموجبه
السماح للطريقة المعينة بنصب سرادقها في المكان المخصص لها في ساحة المولد،
وعمل تجهيزاتها اللازمة لها..
وتقوم كل طريقة بعمل الأذكار التي تخصها والمدائح المتعلقة بالمولد، كما تتم
قراءة الكتب المؤلفة في المولد النبوي في شكل حلقات تشبه حلقات تلاوة القرآن،
وعند مرورهم بمواطن معينة في هذه الموالد المؤلفة يقف الحاضرون اعتقاداً منهم
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحضر عند ذكر ولادته، ويرددون في صوت
واحد عبارة (مرحبا بالمصطفى يا مرحبا ... ) وفي بعض المواضع من القراءة
يضعون الأيدي على الرؤوس، وفي مواضع أخرى يضربونها أو يوجهونها نحو
الأرض عند الاستعاذة من بعض الأمراض أثناء قراءة المولد.
وفي المولد يضربون أيضاً على الطبول الكبيرة (النوبة) التي تصدر أصواتاً
قوية، ويرددون معها القصائد الملحنة كنوع من الذكر الذي يُتقرب به إلى الله..
وكل هذا مع الحركة والاضطراب الشديد، وربما دار أحد الدراويش على رجل
واحدة وهو (يترجم) ، أي: يصدر أصواتاً لا تفهم، فيوصف بأنه غرق في الذكر.
ويزداد الزحام في الليلة الأخيرة، ويكون الناس في هذه الساحات خليطاً من
الرجال والنساء، وقد شاهدت في أحد الموالد نساءً يصفقن ويتحركن مع رجال
يضربون هذه الدفوف (النوبة) حتى انتهين إلى أحد السرادقات المقامة وهن يصفقن
على أصوات المديح، ويتحركن على صوت ضربات الطبول، إلى أن يستقبلهن
شيخ ممسك بمسبحته وهو يهز رأسه استحساناً لهذا الصنيع.
أما الصورة الثانية للمولد: فهي الاحتفال به في المساجد والزوايا الخاصة:
وفيها يتم قراءة كتاب المولد المؤلف لكل طريقة، وإطعام الطعام لا سيما في
الليلة الختامية، ويكون صبيحة هذه الليلة عطلة رسمية في البلاد بمناسبة ميلاد
النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وفي بنجلاديش تكون الاحتفالات حول الأضرحة أسبوعية وسنوية، حيث
تعتبر ليلة الجمعة عيداً أسبوعيّاً حول الضريح يأتي إليه الزوار من جميع الأصناف: أغنياء، وفقراء، ومسؤولين في الحكومة، وغيرهم، ويشاركون في المعاصي
من شرك واختلاط وغناء وتكون الفرصة مهيأة للفاحشة والزنا، ويستمر هذا
الاحتفال حتى الصباح، ويكون لكل (بابا) مجلس خاص ويتحلق حوله مريدوه.
وبمثل هذا ولكن بشكل موسع يتم الاحتفال السنوي الذي يسمى (عرساً) تحت
إشراف لجنة نظامية حكومية ويستمر مدة أطول قد تصل إلى أسبوع، فيجتمع
الناس من أماكن مختلفة بعيدة حاملين معهم نذورهم من ماشية وأموال، وتنتشر كل
مجموعة حول صاحب بدعة (البابا) الذي يرتدي ملابس غير ساترة مدعين أنهم
وصلوا إلى مرتبة تؤهلهم لعدم التمثل بشريعة الله، ويصدقهم الجهلاء في ذلك،
ويشيع في هذه الاحتفالات شرب الخمر والمخدرات ولعب الميسر والخرافات إضافة
إلى ترك الصلاة، وأيضاً السجود لغير الله، وغير ذلك من الشرك الصريح.
كما يحضرها كذلك كبار المسؤولين والأغنياء والفقراء على حد سواء،
وبعض هؤلاء من يشاركون (البابات) الإثراء والمنافع المادية الكبيرة من وراء
رواج سوق الخرافة حول الأضرحة.
ونلاحظ أن أهل البدع ينقسمون أقساماً عدة في ممارساتهم البدعية:
فمنهم: أناس لا يؤدون الشعائر ويلبسون الملابس القصيرة، ولا يهتمون
بنظافتهم، ويقيمون في بيوت أتباعهم حفلات أسبوعية كل ليلة جمعة، يبدؤون
الحفلة بما يسمونه (ذكر الله) بصوت مرتفع، ثم ذكر بعض من سيرة السيدة فاطمة
الزهراء والحسن والحسين رضي الله عنهم ثم يوردون بعضاً من أخبار عبد القادر
الجيلاني، ثم بعد ذلك يدخلون في ذكر جماعي مختلط، تنزع فيه النساء الحجاب؛
لأنهمن يزعمن أن الحجاب الأصلي هو الحجاب الداخلي في القلب، فلا حاجة
للحجاب الخارجي، ويرقص الجميع مع الموسيقى، ثم تُطفأ الأنوار، ويحدث ما
يحدث. (والله المستعان)
ومنهم: من يدعي أنه يؤمن بالله ورسوله وأنه محب للرسول ويطيل شعره
ولحيته ويلبس الملابس البيضاء، وهو مع ذلك لا يصلي ويستحل الغناء والموسيقى، ولكنه لا يصل إلى أفعال القسم الأول، ويظن أنه بهذه الأفعال يدخل الجنة.
ومنهم: من يصلي ويصوم ويدعي أنه أقرب الناس إلى الله، ولكن مرشده لا
يشدد عليه لاتباع الشريعة كلها، ويكتفي ببعض النصائح فقط، وأتباع هذا الشيخ
يظنون أنه أقرب الناس إلى الله، وأن له قدرة على تفريج كروب الدنيا والآخرة،
ويقبل الناس قدمه ويسجدون عليها من غير إنكار منه؛ لأنه مستفيد من وراء
استمرار هذه الأوضاع في الأعراس وغيرها.
نسأل الله عز وجل أن يجنبنا الفتن ويهدينا وإياهم سواء السبيل.